تقرير أممي: العالم يواجه أزمة رمال خطيرة

10
تقرير أممي: العالم يواجه أزمة رمال خطيرة
تقرير أممي: العالم يواجه أزمة رمال خطيرة

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. 50 مليار طن هي كمية تكفي لبناء جدار، يبلغ عرضه 27 مترا وارتفاعه 27 مترا حول كوكب الأرض. هذا هو حجم الرمل والحصى المستخدم كل عام، ما يجعله ثاني أكثر الموارد استهلاكا بعد المياه في العالم”. هكذا يلخص تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، نُشر الثلاثاء الماضي، الوضع البيئي الكارثي الذي يطال رمال العالم.

ونظرا لاعتمادنا عليها، حث تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى “الاعتراف بالرمال كمورد استراتيجي، ليس لمواد البناء فقط، ولكن أيضا نظرا لأدوارها المتعددة في البيئة، وإعادة التفكير في طرق استخراجها واستخدامها”. دعا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب “أزمة رمال” في العالم، ذكر من بينها حظر تجريف الشواطئ، سيما أن “استهلاك الرمال يتم بشكل أسرع مما يمكن تعويضه، من خلال العمليات الجيولوجية البطيئة التي تستغرق مئات الآلاف من السنين”.

التقرير هو الثاني من نوعه الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بعد التقرير الأول الذي صدر عام 2019. وللأسف، يحضر المغرب في أحاديث الخبراء الدوليين الذين صاغوا التقريرين، باعتباره نموذجا سيئا لما يكون عليه التدبير غير العقلاني للرمال.

يدخل الرمل في صناعة الزجاج والخمر ومعجون الأسنان ومسحوق الغسيل والورق والعجلات والرقائق الإلكترونية، كما يدخل بشكل أو بآخر في طيف واسع من الصناعات والأغراض الأخرى. ولذلك يكثر الإقبال على تصديره باعتباره مادة أولية. لكن قطاع البناء والأشغال العمومية هو أكبر ملتهم لهذه المادة في العالم، حيث يدخل الرمل بنسبة الثلثين في صناعة الخرسانة. ولذلك يعتبر أحد أكثر الموارد الطبيعية استعمالا على وجه الأرض، إذ يبلغ رقم معاملات سوقه في العالم نحو 70 مليار دولار سنويا.

مورد طبيعي ثمين

تعتبر الرمال ضرورية للتنمية الاقتصادية، حيث تدخل في إنتاج الخرسانة، وإنشاء البنية التحتية الحيوية، بدءا بالمنازل والطرق ووصولا إلى المستشفيات. لكنها تلعب في الطبيعة أدوارا حيوية ربما تفوق ذلك أهمية، من خلال توفير الموائل ومناطق التكاثر للنباتات والحيوانات المتنوعة، وهي وظيفة حيوية في دعم التنوع البيولوجي، بما في ذلك النباتات البحرية التي تعمل كأحواض للكربون أو ترشيح المياه. ولذلك سيكون هذا المورد الطبيعي ضروريا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومعالجة أزمات الكوكب الثلاث، المتمثلة في تغير المناخ والتلوث وفقدان التنوع البيولوجي. لكن مع كل ذلك، يتم استخدام الرمال بشكل مكثف وأسرع من قدرة الطبيعة على تجديده بشكل طبيعي، لذا فإن إدارة استغلالها بمسؤولة أمر بالغ الأهمية.

ويحذر الخبراء من أنه يمكن أن يؤْذي استخراج الرمال الأنهار والنظم الإيكولوجية الساحلية أو البحرية، بحيث يؤدي إلى تآكل طبقات المياه الجوفية وتملحها، وفقدان الحماية من هبوب العواصف، والتأثيرات على التنوع البيولوجي. وهو ما يشكل تهديدا لسبل العيش من خلال الإضرار بإمدادات المياه، أو إنتاج الغذاء، أو صيد الأسماك، أو قطاع السياحة.

وبخصوص الوضع في المغرب، يَعتبر عبد القادر عبد الرحمن وهو وخبير في معهد الدراسات الأمنية بمكتب دكار بالسنغال، وأحد المشاركين في كتابة التقرير، بأن “هناك استغلالا غير شرعي للرمال في المغرب وفي إندونيسيا، بصورة كبيرة أثرت سلبا على البيئة في هذين البلدين. وإذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية فإن النتائج ستكون وخيمة”. ويضيف عبد الرحمن قائلا: “المغرب يقوم بتصدير الرمال إلى دول مثل إسبانيا والإمارات التي شيدت جزيرة النخلة، مثلا، من رمال كلها مستوردة”.

وفي ختام تشخيصه لأوضاع استغلال الرمال في العالم، يقدم تقرير “الرمال والاستدامة: 10 توصيات استراتيجية لتجنب الأزمة”، الذي أصدره فريق قاعدة بيانات الموارد العالمية التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، التوجيهات الضرورية التي تم جمعها من خبراء دوليين، من أجل التحول إلى الممارسات المحسنة لاستخراج الموارد وإدارتها.

توصيات “استراتيجية”

وهكذا يوصي التقرير بضرورة الاعتراف بالرمال كمورد استراتيجي، وليس كمادة للبناء فحسب، لأدوارها المتعددة في حماية البيئة واستدامتها. ويشدد مؤلفو التقرير على أنه يجب على الحكومات والقطاعات الصناعية والمستهلكين، تسعير الرمال بطريقة تعترف بقيمتها الاجتماعية والبيئية الحقيقية. على سبيل المثال، قد يكون الاحتفاظ بالرمال على السواحل هو الاستراتيجية الأكثر فعالية من حيث التكلفة للتكيف مع تغير المناخ نظرا لما توفره من الحماية من هبوب العواصف والآثار المترتبة على ارتفاع مستوى سطح البحر – ينبغي أخذ هذه الخدمات في الاعتبار في قيمتها.

كما يقترح التقرير ضرورة تطوير معيار دولي، حول كيفية استخراج الرمال من البيئة البحرية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسينات كبيرة حيث يتم إجراء معظم عمليات التجريف البحري، من خلال المناقصات العامة المفتوحة للشركات الدولية. وفي الوقت نفسه، يوصي التقرير بحظر استخراج الرمال من الشواطئ، نظرا لأهميتها في صمود السواحل والبيئة والاقتصاد، أمام هبوب الرياح والعواصف.

ولاحظ مؤلفو التقرير أن الحاجة قائمة للانتقال إلى اقتصاد دائري للرمال، بما في ذلك حظر دفن النفايات المعدنية وتشجيع إعادة استخدام الرمال في عقود المشتريات العامة من بين تدابير السياسات المذكورة. ويسرد التقرير بالتفصيل أن الصخور المسحوقة أو مواد البناء والهدم المعاد تدويرها، وكذلك ’’الرمل الخام‘‘ الناجم عن مخلفات المناجم هي من بين البدائل القابلة للتطبيق للرمال التي يجب تحفيزها أيضًا.

ويضيف مؤلفو التقرير أن هناك حاجة إلى هياكل مؤسسية وقانونية جديدة لإدارة الرمال بشكل أكثر فعالية وتبادل أفضل الممارسات وتنفيذها. علاوة على ذلك، يوصي التقرير دول العالم بإعداد خرائط دقيقة لمناطق وجود الرمال، حتى تتمكن من مراقبتها والإبلاغ عنها. وفي الوقت نفسه، يجب أن يشارك المجتمع المدني في الرفع من مستوى الوعي بين السكان، بأهمية هذه المادة الحيوية، بما من شأنه أن يسهم في الحد من الاستغلال المفرط أو غير الشرعي لها.



الرمال المسروقة تُغرق السوق المغربية!

يمتد الساحل المغربي على طول 3411 كلم، ويتشكل بنسبة 63% من أجراف صخرية، و28% من الشواطئ، و7% من البحيرات، و2% من مصبات الأنهار والوديان. ويحتوي الساحل المغربي أيضا على 38 موقعا ذا أهمية بيولوجية و20 منطقة رطبة ومصبات أنهار. لكن لعنة رمالها التي تُسيل لُعاب لوبيات الرمال، جعلت الساحل المغربي يقع عرضة لنهب تدريجي منتظم، يخلف دمارا واسعا لكامل المنظومة البيئية البحرية.

عرف المغرب خلال العقود الأخيرة انطلاق مشاريع عمرانية كبرى وأوراشا للبنى التحتية تؤدي ثمنها بيئته البرية والبحرية غاليا. فقد أنشئت مدن جديدة وطرق سيارة وموانئ وسدود، وغيرها مما يتطلب تشييده كميات هائلة من الرمل. وطبعا فإن المصدر الأساس والسهل الذي يلجأ إليه دائما لتلبية تلك الحاجات، هو شريط الكثبان الساحلية والوديان التي تعاني بشدة من ضغط هائل.

تشير أرقام وزارة التجهيز إلى أن مصادر السوق المغربي إلى الرمل هي كالتالي: بنسبة تتجاوز 55% يتكون من رمل الكثبان الساحلية ويأتي من القطاع “غير المهيكل”، وبنسبة تقارب 16% يأتي من الوديان، وبنسبة تقارب 15% من رمل الكثبان الساحلية ومصدره المقالع المرخصة، وبنسبة 7,25% من رمل الحجر المطحون، وأخيرا بنسبة 7,25% يأتي من التجريف. ومعنى ذلك أن الرمل المسروق ما يزال يهيمن على السوق المغربية.

وقد نتج عن ذلك ظهور مافيا حقيقية متشعبة الأذرع، جعلت من الكثبان الرملية العذراء مقالع مستباحة تغرف منها الرمل بلا حساب. أحيانا بالنهار إذا وجدت الحماية، وغالبا بالليل وخلال العطل. وبسبب جرائمها تعرضت الكثير من الشواطئ الجميلة إلى تشوهات غير قابلة للإصلاح، نذكر منها على سبيل الإشارة لا الحصر: شاطئ زناتة بالدار البيضاء، وشواطئ أقاليم الجديدة وسيدي بنور وآسفي والعرائش.

وبالنظر إلى تنامي الحاجة إلى الرمل سواء لبناء مساكن، أو لتشييد مدن جديدة، أو لإقامة بنى تحتية كبرى ضمن برنامج الأوراش الكبرى، فإن المؤشرات لا تبدو في صالح تراجع قريب لواقع الاستنزاف المفرط القائم. حيث تفيد توقعات مهنيي الرمل بأن الطلب على الرمل لم يتوقف عن الارتفاع منذ سبعينيات القرن الماضي، وخلال السنوات الأخيرة بلغت الزيادة في الطلب سنويا نسبة 4%، بحيث انتقل من 11 مليون متر مكعب في 2009 إلى حوالي 30 مليون متر مكعب (45 مليون طن) في 2018. ولا يبدو أنها ستتوقف في القادم القريب من الأيام، بعدما ناهزت 60 مليون طن حاليا.

 

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس