حصيلة 100 يوم من عُمر “حكومة أخنوش”

25
حصيلة 100 يوم من عُمر
حصيلة 100 يوم من عُمر "حكومة أخنوش"

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. مرت قبل أيام المئة يوم الأولى من عمر “حكومة أخنوش”. وفي تقييم الحصيلة، اتفق المغاربة بما يقارب الإجماع على هزالة المنجزات التي حققتها. وهي خيبة أمل تبدو مفهومة، بالنظر إلى أن أخنوش وحزبه (التجمع الوطني للأحرار) قد أغدقوا كما كبيرا من الوعود، خلال الحملة الانتخابية الخريف الماضي.

وعود للشباب والعجائز ولكل فئات المجتمع، بما يستحيل تحقيقه بالمنطق في هذه الظرفية الصعبة التي يرخي فيها وباء كوفيد-19 بظلاله على المغرب والعالم. مجرد وعود انتخابية!

كانت ثلاثة أشهر الأولى من التدبير الحكومة كافية لتقنع المغاربة بسنوات عجاف تنتظرهم. فمنذ الأسبوع الأول من تعيينها، طوت حكومة عزيز أخنوش، بمكوناتها الحزبية الثلاثة المشكلة للأغلبية البرلمانية وللتحالف الحكومية، صفحة الوعود الانتخابية عالية السقف، التي كانت قد وزعتها بسخاء طوال أيام الحملة الانتخابية، والتي ضمنت لها حصد الأخضر واليابس من أصوات المغاربة.

في عز الحملة الانتخابية خلال الخريف الماضي، رفع أكبر حزب في أغلبية اليوم (حزب التجمع الوطني للأحرار) شعارات كبيرة، كان أبرزها برنامج اجتماعي واقتصادي طموح، حاول أن يستقطب بعض الفئات الاجتماعية الهشة التي تشكل خزانا انتخابيا حقيقيا.

فكان أن وزع وعودا ثقيلة بالزيادة في أجور الأساتذة لتصل إلى 7500 درهم (حوالي 800 دولار) في الشهر. هكذا وبدون أدنى تحفظ. أما فئة الأطباء والممرضين فلم تفلت هي أيضا من وعود التجمع الوطني للأحرار، فكان أن تم الإعلان عن نية الحزب أنه في حال تصدره للانتخابات وترؤسه الحكومة، أن يرفع أجور هذه الفئات بشكل مهم. وهو الأمر الذي جعل برنامجه الانتخابي يتربع على عرش أكثر البرامج الانتخابية إغراء لطموحات الناخبين المغاربة.

وأما شريكه حزب الاستقلال، الذي كان بدوره يطمح إلى رئاسة حكومة 2021، فقد حمل على عاتقه الدفاع عن ملف الأساتذة المتعاقدين، وذهب بعيدا عندما وعدهم بوقف هذا النمط من التوظيف، وإدماج هذه الفئة في أسلاك الوظيفة العمومية، رغم أن هذا الوعد كان يثير الكثير من “الاستغراب” باعتبار تكلفته المالية المرتفعة التي لا قبل للميزانية بتحملها، وبالتالي استحالة تنفيذه.

هكذا ومنذ أول يوم في التسيير الحكومي، كانت الرسائل واضحة بأن الوعود التي تم إطلاقها في الحملة الانتخابية، لم تكن سوى وسيلة للتسويق السياسي وجذب أصوات الناخبين.

أما وقد تولت الأحزاب إدارة الشأن العام الحكومي، فإنها اليوم وغدا ستجد نفسها أمام إكراهات مالية واقتصادية تستحيل معها إمكانية الاستجابة للمطالب. وكان أول مطلب تم رفعه في وجه الحكومة هو الزيادة في أجور الأساتذة، ورفعها إلى 7500 درهم كما وعدتهم.

لكن الحكومة كان لها رأي آخر. فمن جهة، تربط الزيادة بالحصول على شهادة تكوين في علوم التربية، وهو شرط يستحيل تحقيقه قبل سنتين على الأقل. ومن جهة ثانية، هناك إكراه فراغ الميزانية الذي يجعل الاستجابة لهذا المطلب غير قابل للتحقيق.

في المحصلة، تم طي هذا الملف وتبخر كما تبخرت عدد من الوعود الأخرى. بل إن عددا من الفئات التي كانت تطالب بالزيادة في الأجور كما وعدها بذلك الحزب القائد للحكومة، أضحت اليوم لا تطالب بغير إدماجها في الوظيفة العمومية. ومنها فئة الأساتذة المتعاقدين الذي يوجدون في وضع إداري مختلف عن باقي زملائهم المرسمين في إطار التوظيف النظامي.

أخنوش يرد على منتقديه

منذ أول يوم في ولاية حكومة عزيز أخنوش، وجد الجهاز التنفيذي نفسه أمام موجة زيادات متتالية، ضربت مختلف مناحي الحياة. وبدل أن يتم الشروع في اتخاذ قرارات تعيد التوازن إلى الأسواق، وتفك رهن موائد المغاربة بجشع حيتان الاقتصاد الوطني، تم تحميل المسؤولية لـ”الوباء”! ففي أول تصريح، كان يفترض أن يحمل رسالة تحذير، لمن يراكم الأرباح بدون حسيب ولا رقيب، خرجت الحكومة لتحمل الجائحة مسؤولية الزيادات التي عرفتها أسعار المواد الغذائية، وتعلق على موجة الغضب بالقول: إن هذه الزيادات بدأت منذ عهد الحكومة السابقة.

وتقول حكومة أخنوش إن الارتفاع في الأسعار قد بدأ بشكل ملحوظ ابتداء من أبريل 2021، أي في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي التي كان يقودها د. سعد الدين العثماني.

وليس ابتداء من أكتوبر تاريخ تعيين حكومة أخنوش، معتبرة أن الارتفاع جاء بعد اتجاه سالب، أي أن الأسعار كانت منخفضة خلال سنة 2020 على مستوى العالم. كما تؤكد الحكومة بأن الارتفاع في الأسعار سجل في مختلف دول العالم، كما هو الشأن بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة اليورو، وليس في المغرب فقط.

وفي المقابلة التي خص بها كلا من القناة الأولى والقناة الثانية المغربيتين في 19 يناير الماضي، تحدث رئيس الحكومة عزيز أخنوش عن حصيلة 100 يوم الأولى حكومته، وعن مدى تماسك الأغلبية الحكومية، وعن الأوراش الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقتها الحكومة أو تنوي إطلاقها.

وبعد أن اعترف بأن “انتظارات المغاربة كبيرة وقوية، لأن الحكومة جاءت بوعود انتخابية وبرامج، من الواضح أن المواطن اقتنع بها”، علق بأن “الناس تريد أن ترى نتائج في أقرب وقت قبل حتى أن ترى رئيس الحكومة”.

وجاء أقوى انتقاد من غريم أخنوش وحزبه، أي من “حزب العدالة والتنمية”، الذي اعتبر بأن الخروج الإعلامي الأول لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، أثبت أشياء كثيرة، ومنها أن “الرجل يجد صعوبة كبيرة في فرض اسمه كرئيس للحكومة”، موضحا أن “أخنوش انتظر كثيرا ليخرج في لقاء مرتب فيه بصمة ومقنع.

لكن الذي حدث هو العكس، حيث كان الفشل حليفه، وكان بعيدا عن الإقناع”. ونقل موقع العدالة والتنمية، أن “أخنوش تنقصه الكاريزما السياسية، وهو عاجز عن مخاطبة المغاربة بلغتهم.

بل تضمن أخطاء تواصلية عدة في المفردات، رغم أن الأسئلة كانت سهلة ومباشرة ومساعِدة، ورغم أن اللقاء كان مسجلا”. واعتبر الحزب ذاته أن “مبرر الكفاءات الذي على أساسه تم الترويج لحزب التجمع الوطني للأحرار كبديل عن حزب العدالة والتنمية، أثبت أنه غير صحيح.

فالذي تبين هو أن أخنوش يعاني ضعفا كبيرا في الإحاطة بالملفات وفي القدرة على تفكيكها. فضلا عن أنه لا يتوفر على خيال سياسي ولا يمتلك رؤية لحل الإشكالات القائمة، بل يكتفى بمضغ الكلام وتكرار المعروف منه”.

وبالنسبة إلى العدالة والتنمية، فإن “برنامج (أوراش) الذي يَفتخر به رئيس الحكومة، هو مجرد غلاف منمق لأشياء مكررة، وتكرار لبرنامج (الإنعاش الوطني). هذا البرنامج الذي له سمعة سيئة، ليتأكد أن أخنوش لا يملك أية رؤية حقيقة لإنقاذ المغاربة من البطالة، وأن كل الانتظارات التي وضعها البعض عليه على هذا المستوى ذهبت أدراج الرياح”.

أخنوش يتوسط شريكيه في التحالف الحكومي

قانون المالية غامض

بعيدا عن جدل الأحزاب السياسية، يركز قانون المالية الأول لحكومة أخنوش على أولوية تحقيق التنمية الاجتماعية. لكنه لا يوفر في الواقع الموارد ولا البرامج اللازمة، لمعالجة التأخر في التنمية الاجتماعية أو مخلفات عامين صعبين من الوباء. بينما لا تزال آفاق خلق فرص العمل لعام 2022 متواضعة وفقا لخطة الحكومة.

ولا يزال الاستثمار تحت رحمة انتشار متحورات كوفيد 19، ونقص الموارد والحوكمة الضعيفة. وفي الوقت نفسه، لا تزال التوقعات بشأن النمو الاقتصادي في حدها الأدنى، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي معدل نمو يبلغ 3,2℅ للعام الجديد، بما يتماشى مع الاتجاهات التي سادت خلال العقد الماضي.

حتى في الوقت الذي تفرض فيه الحكومة عمليات إغلاق وقيودا جديدة على السفر، لمنع انتشار متغير أوميكرون، فإنها تكافح لموازنة ذلك مع التركيز على الانتعاش الاقتصادي.

لقد تم رسم مسار هذا الانتعاش في الإطار الأوسع، الذي تم تحديده بالفعل في النموذج التنموي الجديد للمغرب. وتم الكشف عن إطار هذا النموذج التنموي في مايو 2021، في أعقاب حوالي عام ونصف من التشاور والدراسة.

وكانت انطلاقة العمل على إعداد النموذج عام 2019، حيث ظهرت الحاجة إلى إدارة أسلم للشؤون العامة، وتنمية بشرية أكبر، وتنمية اقتصادية أكثر شمولا. وتعكس هذه الدعوات مطالب المواطنين كما تم التعبير عنها في الاحتجاجات على مدار العقد الماضي، بما في ذلك في الريف في عام 2016 وفي جرادة في عام 2019.

ولذلك حرصت الحكومة على أن يعكس قانون المالية للعام 2022، هذه الجهود من أجل بناء شبكات أمان اجتماعي أقوى، وتحسين الخدمات المقدمة، وتوفير فرص شغل، ووضع التنمية الاجتماعية في طليعة السياسات الاقتصادية.

ولهذا الغرض تم رفع ميزانية الإنفاق من 52 مليار دولار إلى 57 مليار دولار، بحيث تسمح بالتركيز على التنمية الاجتماعية، بما في ذلك توفير الرعاية الصحية الشاملة، والمساعدة المالية للفئات الأشد فقرا، وإعطاء الأولوية لتوفير الرعاية الصحية والتعليم في المناطق المهمشة.

ومع أن التفاصيل الكاملة لهذه الخطة ما تزال غير وضاحة تماما، إلا أن ميزانيات البرنامج ليست أعلى بكثير مما كانت عليه في قوانين المالية السابقة. علاوة على ذلك، أوقفت الحكومة الخطط السابقة لخفض الدعم المخصص لصندوق المقاصة، بالنظر إلى الهشاشة المتزايدة بسبب أزمة كورونا، مما يحد من توفر الموارد الضرورية.

وكشفت الحكومة كذلك بأنها تريد خلق 250 ألف فرصة عمل في غضون عامين في القطاع الخاص. لكن قانون المالية تطغى عليه ندرة التفاصيل المتعلقة بالحماية الاجتماعية، ومحدودية الموارد لتمويل تشغيل الشباب وخطط الاستثمار، وزيادة الإنفاق الدفاعي، ومدى اعتماد الدولة على الدين الخارجي.

كيف ستُمَوّل البرامج الجديدة؟

ومن ذلك أن القضية الرئيسة تظل هي: كيف ستغطي الحكومة تكاليف هذه المشاريع الموعودة، بالنظر إلى محدودية النمو الاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية، والنمو السلبي وزيادة الإنفاق والاقتراض الحكومي خلال فترة وباء كورونا؟ انخفض معدل النمو الذي وعدت به الحكومة المغربية من 4℅ خلال عرضها للبرنامج الحكومي إلى 3,2℅ أثناء عرض قانون المالية.

مما يعكس ربما توقعات اقتصادية أكثر دقة. كما رفعت الحكومة عجز الميزانية إلى 5,9℅، وبلغ متوسط العجز السنوي المسجل بين عامي 2012 و2019 حوالي 4,5℅ من الناتج المحلي الإجمالي.

وهو ما يعني أن الحكومة تحتاج كل عام إلى 4,5℅ من مقدار ناتجها المحلي الإجمالي من التمويلات، لتغطية نفقات ميزانيتها. وقد ساهم ذلك في زيادة نسبة ديون المغرب إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي وصلت بحلول عام 2020 إلى 94℅ من الناتج المحلي الإجمالي.

وخلال هذه المدة أيضا، سجل المغرب معدلات منخفضة من النمو الاقتصادي، حتى مع زيادة الطلب على برامج الدعم الاجتماعي. كما بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي للمغرب 3,3℅ بين عامي 2010 و2020، مع أدنى مستوياته عند 1,06℅ في 2016، وناقص 7,1℅ في 2020.

وحتى في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى زيادة الإنفاق بمبلغ إضافي قدره 4,3 مليار دولار، فإنها لم ترفع الإيرادات لتعويض ذلك، بحيث سيأتي التمويل من الديون الخارجية أساسا.

وستؤدي مشاريع الحماية الاجتماعية، التي وعدت بها الحكومة، إلى زيادة الإنفاق الاجتماعي، في وقت لم يتعاف فيه الاقتصاد بعد من آثار الوباء. وهو ما يزيد من إجهاد ميزانية الدولة التي تعاني من عجز هيكلي، استمر على مدى السنوات العشرين الماضية.

وتفترض الميزانية أيضا أن معدل التضخم سيكون في حدود 1,2℅، وهو رقم يبدو متفائلا إلى حد ما بالنظر إلى أن معدلات التضخم تتزايد باطراد في الاقتصادات المتقدمة.

وهو ما قد يؤدي إلى ظاهرة “التضخم المستورد”، بحيث سيؤدي ارتفاع أسعار السلع المستوردة إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية خلال الأشهر المقبلة. إن الدولة لديها طموحات كبيرة لتعزيز استثمارات القطاع الخاص، مع التركيز على زيادة القدرة التصديرية، وبالتالي معالجة العجز التجاري في البلاد.

وسبق أن أنشأت الحكومة في 4 فبراير 2021، “صندوق محمد السادس للاستثمار” لتعزيز الاستثمارات في القطاعات الرئيسة، بما في ذلك التصنيع والزراعة والعقارات والسياحة. وتبلغ الميزانية المرصودة للصندوق 15 مليار دولار. غير أنه لا يزال من غير الواضح من أين سيأتي هذا التمويل.

فعلى الرغم من الإصلاحات التي تم القيام بها لتحسين مناخ الأعمال في المغرب، وكذا مؤشر ممارسة أنشطة الأعمال بحسب تقرير “دوين بيزنس” للسنوات الماضية، وعلى الرغم من الاستثمار الأجنبي المباشر المتزايد في قطاعات محددة مثل التصنيع، فإنه ما يزال اعتماد المملكة حتى الآن كبيرا على الاستثمار العام.

وعلى نفس المنوال، تعمل الدولة على إنشاء صناديق استثمار مخصصة للشباب، الذين تتراوح أعمار البالغين منهم بين 15 و35 عاما 38℅ من السكان، والذين يزيد معدل البطالة بينهم على 30℅.

لذلك، اقترحت الميزانية الجديدة برنامجا يسمى “فرصة” مخصصا لتمويل مشاريع الشباب. ومن المنتظر أن يخصص البرنامج 135 مليون دولار لـ 50 ألف مشروع. أي ما يعادل 2700 دولار فقط في المتوسط لكل مشروع، وهو مبلغ ضئيل ومنفصل عن واقع تمويل المقاولات أو الشركات الناشئة.

وهذا البرنامج هو مثال حول صعوبات الحصول على التمويل، سواء من الحكومة أو القطاع المصرفي. وهو أكبر عقبة تواجه المشاريع الخاصة في البلاد، ما يشكل تحديا كبيرا لنمو القطاع الخاص.

د.رشيد لزرق، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة ابن طفيل بالقنيطرة (المغرب)

حكومة أخنوش تعاني من ارتباك واضح

1- بداية، ما هو تقييمكم للبرنامج الحكومي لحكومة أخنوش؟ البرنامج الحكومي هو إجابة على انتظارات اجتماعية ملحة، في مقدمتها تجاوز آثار الجائحة وتحقيق إقلاع اقتصادي، يعزز مكانة المغرب قاريا ودوليا.

وتحدده خمسة مبادئ موجهة، أولها تحصين الاختيار الديمقراطي وتعزيز آلياته، ومأسسة العدالة الاجتماعية، ووضع الرأسمال البشري في صلب تفعيل النموذج التنموي لبلادنا، وجعل كرامة المواطن أساسا للسياسات العمومية، وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى وتعزيز قدرتها الشرائية والادخارية.

وذلك من خلال التركيز على ثلاثة محاور استراتيجية، تتمثل في تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، وتحفيز الاقتصاد الوطني لفائدة التشغيل، وتكريس الحكامة الجيدة في التدبير العمومي.

وهذه الحكومة التي نصبت بعد احرازها على ثقة من مجلس نواب، بعد تقدم رئيسها ببرنامج حكومي حدد فيه المعالم العامة والخطوط العريضة لحكومته، والخيارات المجتمعية التي تعكس فلسفتها، وتسويقها على أنها “حكومة اجتماعية”. لكن التوصيف الحقيقي للحكومة هل فعلا اجتماعية أم ليبرالية، سيظهر من خلال القانون المالي الذي سيتم إخراجه.

هل سيتم إعطاء الفرصة لرأس المال الوطني والأجنبي، وتقليص دور الدولة عبر الكف عن الانتدابات بالوظيفة العمومية، والحد من كتلة الأجور ورفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات، كما يرغب في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ كما اتجهت له الحكومتان السابقتان أم ستتجه الحكومة إلى “الدولة الراعية” التي تجعل من الدولة المستثمر الرئيسي والمسؤول عن التنمية والتشغيل، ووضع خطة لتحرير البلاد من الهيمنة المالية الدولية والمديونية الكبيرة، وقطع دابر الاقتصاد الغير مهيكل، والقيام بإصلاح ضريبي وإصلاح قطاعات المالية العمومية والتعليم والصحة والنقل والتعليم العالي والبحث العلمي والفلاحة والأمن؛ عبر تنزيل الخطب الملكية التي حثت على “أهمية السيادة القومية في مواجهة الأخطار الخارجية الطارئة”، وهو ما لفت إليه الخطاب الملكي الأخير بمناسبة افتتاح البرلمان، بتأكيده على أن الأزمة الوبائية أبانت عن عودة قضايا السيادة إلى الواجهة، في أبعادها الصحية والطاقية والصناعية والغذائية.

2- بهذا الصدد تحديدا، هل تضمن البرنامج الحكومي هذه الجوانب؟

لقد دعا الخطاب الملكي إلى “ضرورة إحداث منظومة وطنية متكاملة، تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لا سيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد”.

وهذا التوجيه الملكي، هو نتاج لما أفرزته جائحة كوفيد 19 من سباق دولي، وطرح مسألة السيادة في بعد أوسع، يسمح باتجاه المغرب نحو مواجهة المؤامرات الخارجية، من خلال مواصلة السير في اتجاه تكريس الخيار الديمقراطي.

وهذا التكريس هو عمل متواصل لتقوية المؤسسات، وتحصين السيادة الوطنية لمواجهة كل المؤامرات. لهذا فإن ضرورة تحسن ذلك من خلال ما بات يسمى بــ “السيادة الصحية”، على غرار الأمن الاقتصادي، والأمن الغذائي، والطاقي، والبيئي، والشخصي، والمجتمعي، والسياسي.

ويعد هذا أول ربط للأمن الصحي بالأمن البشري، إذ بات مفهوم السيادة يتجاوز التهديدات الخارجية، مثل الإرهاب والأوبئة. فجائحة كوفيد-19 أظهرت ما يمكن أن تتعرِض له الصحة الجماعية للسكان، الذين يعيشون في المناطق الجغرافية المعزولة وعلى الحدود الدولية من خطر.

فالكيانات الاقتصادية والسياسية الكبرى في العالم، كالاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة، تضع مجالات الدفاع البيولوجي والكيميائي والإرهاب، ضمن تعريفها “للسيادة الصحية”.

وبذلك يصبح القطاع الصحي في سياسات هذه الدول جزءاً من برنامج الأمن القومي. ولذلك فإن الحكومة ينبغي أن تتجه نحو تحقيق السيادة الصحية، والأمنية، والغذائية، والطاقية، باعتبارها قطاعات استراتيجية حيوية تُؤمّن حياة المواطن.

ففي قلب الانتقال الديمقراطي التي نمر به، يشعر الناس أنه لا قول لهم في القضايا الأهم بالنسبة لحياتهم، مهما تغيرت اختياراتهم في صندوق الانتخابات. والبحث عن تكريس الديمقراطية بشكل أعمق وأكثر جذرية، صار مهمة لا غنى.

لهذا فإن الدخول لمرحلة التنمية، يمكن أن يكون مدخلا لتحقيق ذلك، لكون الخيار الديمقراطي لا يعطي عوائده إلا مع التنمية.

3 – أية حصيلة تضعونها إذن للمئة يوم الأولى، من عمر «حكومة أخنوش»؟

إن الحكومة الحالية ينبغي لها أن تبدأ بتنزيل أسس الدولة الاجتماعية، لكنها لحدود الآن تعيش في ارتباك واضح ولا زالنا ننتظر الملامح الأولى لسياستها على أرض الواقع لكي نتمكن من أن نعدد حصيلتها.

4- هناك شبه إجماع بين المغاربة حول «تواضع» حصيلة حكومة أخنوش. هل السبب يكمن ‒برأيكم‒ في كون «الحزب القائد» للحكومة رفع سقف التوقعات لدى الناخبين عاليا؟

“الحزب الأول” [يقصد حزب أخنوش “التجمع الوطني للأحرار”] أطلق العديد من الوعود الانتخابية التي لا زلنا لم نر لها تنزيلا بعد. لذلك فإنه من الصعب القول إن مئة يوم كافية لإعطاء مؤشرات، وتقديم الإجابة الحقيقية للتحديات والإشكالات الحارقة والمعقدة التي أفرزتها التجربة الحكومية.

وكذا تقييم السقف الزمني للحكومة، هل سيكون خلال العهدة الحكومية أم خلال سنوات أقل لتنزيل سياسات محكمة، تتسم بالمعقولية والقابلية لإنجاز، الوعود الحكومية التي تم طرحها في البرنامج الحكومي.

علما أن هذا الأخير اكتفى ببيانات لا ترقى إلى مستوى “إعلان نوايا”، على غرار ملفات مكافحة الفساد، واستعادة الثقة بالمؤسسات، وفتح مجال الاستثمار، وإعادة الأمل للمواطنين، وتحسين ظروف عيشهم.

5- هل تملك حكومة أخنوش الصلاحيات الدستورية لتنفيذ كل ذلك؟

بكل تأكيد حكومة عزيز أخنوش لها صلاحيات كبرى لمحاربة الفساد، ومحاربة اقتصاد الريع، وكل مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية ونهب المال العام، وكذا تحقيق الانتظارات الاجتماعية.

كما أن لها الصلاحية أيضا لتنزيل النموذج التنموي لقد فاز التجمع الوطني للأحرار بالرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الخريف الماضي، وتعيين أمينه العام لرئاسة الحكومة وتشكيله الحكومة يؤسس لمرحلة جديدة، مرحلة التحول السياسي التي أنهت مرحلة قوى التدين السياسي [يقصد حزب العدالة والتنمية].

غير أن هذه المرحلة كشفت عن حاجة بلادنا المستعجلة إلى تشكيل وضوح أيديولوجي، قصد إعطاء حلول للخيار الديمقراطي الذي أضحى من ثوابت المملكة المغربية، بما يُمَكن من إعمال معادلة ربط المسؤولية بالمحاسبة.

إن الحكومة المرتقبة ستعمل في سياق مختلف عن سابقاتها، من الناحية الدستورية والسياسية. فرئيس الحكومة المعين عزيز أخنوش يتوفر على عدد من السلط الواسعة، لإدارة دفة الشأن العام بالمغرب.

والمناخ الجيوستراتيجي يضغط في اتجاه المطالبة بتعميق الإصلاحات السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يستفيد منه مناخ التغيير ببلادنا. كما أن وصول حزب التجمع الوطني للأحرار إلى دفة الحكم رفقة الأحزاب الليبرالية، يخول لهم تشكيل حكومة والقيام بتنزيل البرنامج الذي وعدوا به الناخبين..

6- من جانب آخر، يُلاحظ أن المشهد السياسي يتميز حاليا بضعف المعارضة البرلمانية وتشتتها (حتى لا نقول تنافر مكوناتها).. هل ينعكس الضعف بدوره سلبا على الأداء الحكومي؟

إن حزب الاتحاد الاشتراكي مدعو لاستكمال رسالته التاريخية، بقيادة القطب اليساري من موقع المعارضة، التي تضم كلا من حزب التقدم والاشتراكية وحزب اليسار الموحد، وتحالف فيدرالية اليسار، من أجل مواجهة القطب الليبرالي في الحكومة. وبهذا الاصطفاف سيدخل المغرب عهد القطبية الثنائية، التي أكد عليها الملك محمد السادس في أكثر من محطة.

إن تأسيس القطب اليساري هو تطوير لاستراتيجية النضال الديمقراطي الدستوري من داخل المؤسسات، والتي يقتضي تفعيل الاختصاصات الكبرى التي منحها الدستور الجديد للمعارضة، حيث ضمن الفصل 10 من الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها التمكين لها من النهوض بمهامها على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني كما في الحياة السياسية.

ويضمن الدستور، بصفة خاصة، للمعارضة الحقوق التالية: – حرية الرأي والتعبير والاجتماع – وحيزا زمنيا في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها؛ – والاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون؛ – و المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع لا سيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس