قبور مجهولة لمهاجرين مغاربة وجزائريين بسبتة

12
قبور مجهولة لمهاجرين مغاربة وجزائريين بسبتة
قبور مجهولة لمهاجرين مغاربة وجزائريين بسبتة

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. احتضنت مقبرة سيدي مبارك بمدينة سبتة المحتلة الخميس 6 مارس 2025، جنازة الشاب الجزائري إسحاق الذي عثر على جثته يوم 4 فبراير الماضي على ضفاف نهر المدربة بالمدينة. ولم يكن عمره حين غرق يزيد عن 27 عاما. وفي الوقت نفسه ومنذ 18 يناير الماضي، تذهب والدة الشاب المغربي عبد الإله كل يوم إلى شاطئ البحر قريب من سبتة، وتبكي وتصلي من أجل ابنها المفقود في البحر خلال رحلة هجرة مأساوية..

مأساة عبد الإله وإسحاق ليست معزولة، بل تتكرر على مدار الأيام والفصول. وهكذا يوحد الموت مهاجرين “سريين” مغاربة وجزائريين، على طريق “اللجوء الاقتصادي” بحثا عن مستقبل أفضل في أوروبا.

مأساة المفقود إسحاق

اختفى الجزائري إسحاق جايدجا أثناء محاولته السباحة إلى سبتة يوم الجمعة [28 فبراير 2025]، في واحدة من أسوأ الكوارث.

ويقال إنه كان غادر مدينة الفنيدق المغربية متوجها سباحة إلى سبتة، مرتديا بدلة سباحة سوداء من النيوبرين وشورت أزرق وقميص أخضر تحت تلك الملابس، وكان يحمل معه هاتفه آيفون XR أزرق. وقد أمكن التعرف على الجهاز من خلال رقم IMEI الخاص به.

وأفادت التقارير أن أقارب الضحية شعروا باليأس، لأن أثره قد فُقِد على هذا الطريق البحري. وأشاروا إلى أن إسحاق المتحدر من مدينة المسيلة في الجزائر يبلغ طوله 1.80 مترا، ولا يحمل جسده أي وشم أو ندوب أو قلادات من شأنها أن تساعد في التعرف عليه. كما لم يكن لديه أيضا وثائق ثبوتية بين ملابسه. وتطالب أسرة المفقود بتعاون من طرف الرأي العام للمساعدة في العثور عليه، حيث لا يوجد أي أثر له لا في المستشفيات ولا في مركز الاحتجاز المؤقت بسبتة، كما أنه غير محتجز في أي مركز بالمغرب. وقدم أفرادها صورا للشاب المفقود ونوع البدلة التي كان يرتديها ونوع هاتفه.

وفي الليلة التي اختفى فيها هذا الشاب، لاقى المصير نفسه مغاربة وجزائريون آخرون ما زالت تبحث عنهم عائلاتهم، ولم يسمع عنهم أي شيء منذ أن قرروا السباحة على طول حاجز الأمواج في تاراخال [نقطة العبور “الحدودية” بين مدينتي الفنيدق المغربية وسبتة المحتلة].

الحرس المدني الإسباني بسبتة المحتلة شدد على أهمية الإبلاغ عن حالات الاختفاء، بالإضافة إلى دعم ذلك من خلال المنشورات في وسائل الإعلام أو على منتديات وسائل التواصل الاجتماعي. فمن المهم تقديم شكوى رسمية إلى أي مصلحة مختصة في إسبانيا. ومن الضروري أيضا تقديم شكوى في بلد المنشأ، في المغرب أو الجزائر، فضلاً عن تقديم عينات من الحمض النووي تحسبا لأي تحديد محتمل في حالة العثور على المفقود جثة.

صور إسحاق مع بذلة الغطس التي كان يرتديها وهاتفه

محنة والدة عبد الإله

بتاريخ 18 يناير الماضي، كان عبد الإله عياد على متن قارب صيد مكتظ بالمهاجرين السريين يقوده مهرب قاصدا بهم شاطئ سبتة. وفي ظروف نجهل تفاصيلها وملابساتها، أجبر قائد المركب ركابه على القفز في البحر في منطقة “سانتا كاتالينا” البحرية القريبة من سبتة، للتخلص منهم. فربما لمح دورية للبحرية المغربية أو الإسبانية تقترب من قاربه.

ومنذ ذلك اليوم لم يعرف أحد شيئا عن مكان وجود عبد الإله أو من كان معه على متن قارب الصيد، لا أحياء ولا أموات. ومع مرور الأسابيع، لم تتوقف والدته عن البحث عنه والدعاء له، على أمل الحصول على أخبار عنه. لكنها أخبار لا تصل أبدا. فأصبحت تلك الأم المكلومة مريضة بسبب هذه المأساة. تذهب كل يوم إلى شاطئ البحر بالقرب من سبتة، وتبكي وتصلي من أجل ابنها. وبمرور الوقت، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يجسد مدى الألم الذي تشعر به هذه المرأة التي يعتبر غياب الأخبار عن فلذة كبدها أسوأ ألم واجهته في حياتها.

ووفقا لوسائل الإعلام الإسبانية بسبتة، فإن عبد الإله عياد، 26 عاما، كان يعيش في مدينة الفنيدق المحاذية لسبتة المحتلة. كان قد ركب مع مغاربة آخرين على متن قارب صيد، اقترب من منطقة سانتا كاتالينا في الساعات الأولى من صبيحة 18 يناير الماضي، عندما اختفى الجميع في البحر في ظروف غامضة. وبحسب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن عبد الإله كان يرتدي حذاء رماديا وقبعة سوداء وبدلة رياضية من نفس اللون. وتقدم عائلته وعائلات المفقودين الآخرين الذين كانوا معه أرقاما هاتفية للاتصال بها في حالة وجود أي معلومات حولهم.

في الأيام الأولى بعد الحادث، كتب الناس عن قصصهم ونقلوا طلبات عائلاتهم للمساعدة، واستفاضوا في الحديث عن الظروف التي رافقت مأساة المفقودين. لكن الآن، بعد مرور شهر ونصف، لم يعد أحد يتذكر ما حدث. فقط عائلاتهم، ومن بينهم تلك الأم المفجوعة التي تقف على شاطئ البحر لتصلي وتدعو الله من أجل ابنها.

فيديو لوالدة عبد الإله المكلومة:

حكاية القبر 5104

من الجزائر إلى القبر 5104 بسبتة. تم العثور صبيحة الثلاثاء 4 فبراير الماضي، على جثة على شاطئ مدينة سبتة أفاد الحرس المدني الإسباني أنها لرجل من الجنسية الجزائرية. وكان الضحية يرتدي حين العثور على جثته بدلة غوص، ورجحت المصادر الإسبانية أنه ربما توفي بسبب برد تلك الليلة القارس والإرهاق أثناء محاولته العبور سباحة ليلا إلى سبتة. ولم تمض على وفاته سوى ساعات قليلة عندما اكتشفه الحرس المدني على نفس الشاطئ الرملي. وكانت هذه هي الجثة السادسة التي يتم العثور عليها على ساحل المدينة المحتلة منذ بداية عام 2025.

واتضح لاحقا بأن الضحية هو رجل بالغ كان يرتدي بدلة غوص وكان يحمل أوراق تثبت أنه من الجنسية الجزائرية. ويقال إن اسمه ربما هو “سمير الحاج” ولم يكن عمره يبلغ سوى 27 عاما، وكان يحمل رخصة قيادة وبطاقة هوية في ملابسه. في هذه الحالة، وبما أن وثائق هوية الضحية كانت متوفرة، فقد تم نقل البيانات إلى القنصلية الجزائرية.

تعتبر هذه حالة نادرة بالنسبة للسلطات الإسبانية، التي عادة ما تواجه صعوبات كبيرة في تحديد هوية ضحايا طريق الهجرة إلى سبتة، بحيث لم يتم التعرف رسميا إلا على هوية ضحيتين منذ بداية العام.

لكن تقول صحيفة “منار سبتة”، إن القنصلية الجزائرية ظلت تنتظر على مدى شهر الترخيص لنقل الجثة إلى بلدها، بيد أن محاولاتها لم تكلل بالنجاح (لأسباب مجهولة). فتقرر أن يتم الدفن حيث احتضنت مقبرة سيدي مبارك، الخميس الماضي [6 مارس 2025]، جنازة الشاب الجزائري فنُقل الجثمان بواسطة العمال المغاربة السبتيين من دار القدر للعزاء. وهناك تمت الصلاة عليه من طرف عمال المقبرة الإسلامية وبعض الحضور. لقد جلبوا كما هو الحال دائما بعض الدفء والاحترام لشخص مجهول الهوية لم يعرفوه ولا عرفهم، ولكنهم قاموا بوداعه بكل الكرامة الممكنة التي تسمح بها الظروف ووفقا للطقوس الإسلامية. وتم دفنه مع وثائق هويته، حيث سجلت السلطة القضائية الإسبانية بمحكمة سبتة هذه المعلومة، بحكم أنه كان يحملها معه.


فيديو مراسم دفن صاحب القبر 5104:

حتى الأطفال والفتيات

ويوصي الحرس المدني الاسباني دائما في حالة اختفاء أي مهاجر، بتقديم شكوى وكذا عينات من الحمض النووي، حيث إنهما أمران حاسمان عندما يتعلق الأمر بالتحقق من الهويات. ويشير إلى أنه يمكن القيام بذلك في أي مركز قيادة في إسبانيا أو في المغرب أو الجزائر، لأنه بهذه الطريقة سيكون تحديد الهوية متاحا ضمن قواعد مشتركة على المستوى الدولي. وتقول صحيفة “إل فارو دي سبتة” أن تحديد هوية الضحايا أمر أساسي، لأنه غالبا ما يكون الوسيلة الوحيدة للاتصال بأسرة المتوفى.

يحاول الآلاف من المهاجرين الوصول سباحة إلى مدينتي مليلية وسبتة المحتلتين كل عام، انطلاقا من شاطئ مدينة الفنيدق المغربية الحدودية مع سبتة. لكن الطريق أصعب في الواقع مما يبدو عليه، وفي بعض الأحيان يفقد المهاجرون حياتهم تحت وطأة الإرهاق أو البرد.

وبحسب وزارة الداخلية الإسبانية، فقد نجح 89 مهاجرا في بلوغ مدينة سبتة بطريقة غير شرعية، خلال الفترة ما بين 1 و31 يناير 2025 فقط.. ولا يتجاوز عمر العديد منهم العشرين عاما، في وقت يسجل وجود أعداد متزايدة بينهم من الأطفال والفتيات الصغيرات.، وفقا للإعلام الإسباني في سبتة.

“منذ نهاية أغسطس [2024]، لاحظنا تزايدا في وتيرة الهجرة إلى سبتة من قبل النساء، إذ يتجه عدد متزايد من الشابات المغربيات القاصرات في سن 16 أو 17 عاما، عبر البحر للوصول إلى الى هذه المدينة عن طريق السباحة، مثل مواطنيهن الذكور”، يكشف علي الزبيدي، المتخصص في الهجرة والمقيم في المغرب والخبير المستشار لدى المنظمات الدولية، لمرصد “إنفوميغران” المتخصص في متابعة قضايا المهاجرين في ديسمبر 2024 الماضي.

وأضاف الزبيدي أن “عددا متزايدا من العائلات تطلق نداءات على شبكات التواصل الاجتماعي، للبحث عن بناتها اللاتي اختفين في البحر أو وصلن إلى إسبانيا. كما يتم إخلاء أحياء بأكملها من فتياتها الشابات في منطقة الفنيدق [على الحدود مع سبتة] ولكن ليس هناك فقط. فهذه الظاهرة باتت تؤثر على المغرب بأكمله”.

ويقول الباحث نفسه إن محاولات العبور سباحة تحظى بشعبية كبيرة بين الشباب المغاربة لأنها غير مكلفة، حيث “يتطلب الوصول إلى المدينتين [سبتة ومليلية] عن طريق البر، الاختباء في الشاحنات مقابل دفع ما بين 2500 و12 ألف يورو للمهربين. أما عن طريق السباحة، فلا يتعين على المرشحين للهجرة سوى دفع بضع مئات من اليورو لشراء العوامات وبدلات السباحة والزعانف”، بحسب علي الزبيدي.

صلاة الجنازة على مهاجر غريق بمقبرة سبتة…

دور وسائل التواصل

في كثير من الأحيان، تتم محاولات الدخول إلى سبتة على شكل موجات، على نحو ما حصل في سبتمبر 2024، عندما حاول نحو 500 مرشح للهجرة – من المغاربة والجزائريين ومواطني أفريقيا جنوب الصحراء- العبور من مدينة الفنيدق في يوم واحد إلى سبتة.

وبحسب السلطات الإسبانية، فإن هذه المحاولات واسعة النطاق هي نتيجة لمناشدات تم إطلاقها على شبكات التواصل الاجتماعي. فمنذ عدة أشهر، يتزايد عدد المهاجرين المغاربة الذين يوثقون رحلاتهم سباحة إلى جيب سبتة وينشرونها على وسائل التواصل الاجتماعي. إلى درجة أن أصبحت واسعة الانتشار جدا بالمسبة إلى بعض تلك المنشورات. وهذا هو حال الشابة المغربية “شيماء الجريني” البالغة من العمر 19 عاما، والتي وصل عدد مشاهدات فيديوهاتها على تطبيق تيك توك إلى 2,6 مليون مشاهدة بحلول نهاية عام 2024!

وتظهر شيماء في محتواها المنشور في 21 أغسطس 2024 الماضي، بشعر مبلل وهي تبتسم وترتدي بدلة غوص باللونين الوردي والرمادي، وتحمل حقيبة بلاستيكية حول رقبتها لحماية هاتفها من الماء، وتشير بإبهامها للأعلى في إشارة إلى النصر بفضل الله. ثم تظهر ثلاث لقطات الشابة نفسها في شوارع سبتة، وهي ترتدي تنورة قصيرة حمراء مع قميص أخضر وقبعة من القش وعلى وجهها نفس ابتسامة الانشراح الكبيرة. وتوثق هذه الشابة القادمة من مدينة مارتيل التي لا تبعد كثيرا عن سبتة في شمال المغرب، بشكل محموم يومياتها في سبتة التي تمثل، إلى جانب مليلية، “الحدود” البرية الوحيدة مع الاتحاد الأوروبي على الأراضي الأفريقية.

وفي سبتمبر 2024 الماضي، ألقي الأمن المغربي القبض على ستة شبان مغاربة، للاشتباه في قيامهم بشن حملات على مواقع التواصل الاجتماعي لتشجيع الشباب على محاولة الوصول إلى سبتة سباحة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس