قمة مراكش الـ14 والقلق الأمريكي من التمدد الصيني في القارة السمراء

62

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. كما كان متوقعا، احتضنت مدينة مراكش المغربية خلال الفترة ما بين 19 و22 يوليو/تموز الجاري، أشغال الدورة الرابعة عشرة لقمة الأعمال الأمريكية-الإفريقية، بمبادرة من “مجلس الشركات المعني بإفريقيا”، تحت شعار “لنبن المستقبل سوية”. واعتبرت وزارة الصناعة والتجارة المغربية في بلاغ، أن هذه القمة التي نظمت تحت رعاية الملك المغربي محمد السادس، كانت ناجحة، وأنها “مثلت فرصة لتعزيز المكانة الاستراتيجية للمغرب، البلد الأفريقي الوحيد الذي أبرم اتفاقية للتبادل الحر مع الولايات المتحدة، باعتباره مركزا إفريقيا وشريكا اقتصاديا مرجعيا للولايات المتحدة”.

وفي حين تمخضت أشغال القمة عن مزيد من الوعود الأمريكية بضخ مليارات كثيرة، في شكل استثمارات ومساعدات سخية للدول الأفريقية، سبق للعديد من التقارير والدراسات الأمريكية وغير الأمريكية، أن كشفت عن وجود مخاوف أمريكية كبرى من أن التمدد الصيني الصامت والواسع في القارة الأفريقية، بات يشكل مصدر تهديد جديا للأمن القومي الأمريكي. وفي هذا الإطار، ربما، يمكن أن نقرأ مشاركة وفد حكومي أمريكي رفيع المستوى، إلى جانب صناع قرار أكبر الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات، في هذا الحدث البارز.

الجلسة الافتتاحية لقمة مراكش

وشهدت القمة المنظمة من طرف “مجلس الشركات المعني بأفريقيا” التي عُقدت بشراكة مع المغرب، مشاركة وفد حكومي أمريكي هام ضم 17 مؤسسة، ووزراء أفارقة وصناع القرار بأكبر الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات ورجال الأعمال الأفارقة. وأوضح بلاغ صحفي لوزارة الصناعة والتجارة، أن القمة عرفت حضور مسؤولين كبارا في الحكومات الأمريكية والأفريقية من 50 بلدا، كان بينهم 6 وزراء خارجية وأزيد من 20 وزيرا أفريقيا آخرين من مختلف القطاعات والوكالات الحكومية الأمريكية والأفريقية، إلى جانب مسؤولين عن صناديق الاستثمار والتقاعد والمنظمات الدولية والإقليمية. وقد تباحث المشاركون في هذه القمة، على مدى ثلاثة أيام، حول “فرص تعزيز العلاقات الصناعية والتجارية والاستثمارات بين قارتنا السمراء والولايات المتحدة”.

وتوزعت أشغال المؤتمر، الذي ضم أكثر من 1500 مشارك، 80 في المائة منهم يمثلون القطاع الخاص الأمريكي والأفريقي (40 في المائة منهم من النساء)، إلى 37 جلسة عالجت قضايا السيادة الصحية والغذائية والابتكار، والتكنولوجيا الجديدة والطاقات المتجددة والتقليدية والبنيات التحتية. وتمت تغطية هذا الحدث من قِبَلِ أكثر من 200 صحافي يمثلون مختلف وسائل الإعلام الأمريكية والإفريقية.

وأسفر هذا الحدث الذي حضره أكثر من 450 فاعل اقتصادي أمريكي بما في ذلك الشركات العملاقة فايزر، وفيزا، وبروكتر أند غامبل، وشيفرون، وكوكا كولا، وغوغل، بالإضافة إلى مجموعات إفريقيا كبرى، عن ربط أكثر من 5000 جهة اتصال أعمال وتوقيع العديد من الاتفاقيات التجارية.

وبالنسبة إلى المغرب، شكلت هذه القمة فرصة لتوطيد دوره باعتباره “حلقة وصل بين أفريقيا والولايات المتحدة، لتشجيع بناء اقتصاد أفريقي موجه نحو المستقبل، يستمد قوته من اندماجه في الاقتصاد العالمي وسلاسل القيمة العالمية”. وبالنسبة إلى الوزارة، فإن اختيار تنظيم هذا الحدث في المغرب، حيث انعقد لأول مرة في شمال أفريقيا “يعكس تعهد المملكة لفائدة التنمية المستدامة للقارة الأفريقية، وباندماج أمثل لاقتصاداتها في سلاسل القيمة العالمية. كما يعكس الرغبة المشتركة في تعزيز تموقع إفريقيا في تدفقات التجارية الدولية، في سياق الانعاش الاقتصادي لمرحلة ما بعد الوباء مع إعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية الدولية”.

قارة واعدة

كمالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي خلال بت كلمتها إلى قمة مراكش

اعتبرت كامالا هاريس، نائبة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، في كلمتها المسجلة التي بثت في جلسة افتتاح الدورة 14 لقمة الأعمال الأمريكية الإفريقية بمراكش، أن “القارة الأفريقية تصنف من بين القارات الأكثر نمواً، لأن تعدادها السكاني يناهز حوالي 1,7 مليار نسمة، ناهيك عن انفرادها بشبابيتها، بالإضافة إلى توفر عناصر الازدهار والنمو بها”. وأكدت هاريس على أن القارة الإفريقية تتوفر على مؤهلات عدة تسمح بالخروج من أزمات الأمن الغذائي وجائحة “كوفيد-19″، وتتيح تحقيق الأجندة الإفريقية للعام 2063. مذكرة بأن بلادها استثمرت ما يناهز 700 مليار دولار في القارة الإفريقية، للنهوض بالنمو والتنمية المستدامة، ودعم ريادة الأعمال والتجديد والابتكار. ولافتة إلى أن بلادها تسعى إلى “تجديد شراكتها مع القارة السمراء، من خلال تطوير التمويل، والدعم التقني ودعم مختلف التعديلات الواجب إدخالها، على الإطارات القانونية من أجل ضمان شراكات حقيقية”.

والواقع أن أفريقيا ليست مجرد قارة تحتل موقعا استراتيجيا هاما، أو أنها تحتوي على مضائق مهمة (مضيق جبل طارق ومضيق باب المندب) ورئيسية على طرق الملاحة بالنسبة للتجارة العالمية. وهي ليست فحسب ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة، حيث تبلغ 30 مليون كلم مربع بما يُمثل قرابة 20% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية، وفيها 54 دولة. وتضم القارة أكبر تجمع للدول النامية في العالم، ذات الأسواق المتعطشة للاستثمارات، والنمو السكاني الأسرع عالمياً، والثروات الهائلة. كما تضم أكثر الحكومات في العالم افتقارا إلى وسائل فرض الأمن والاستقرار وتحديث البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية.

وتعتبر القارة الأفريقية التي ينمو اقتصادها بمعدل 5,8 % سنوياً، من القارات التي حباها الله ثروات طبيعية هائلة، إذ تملك حوالي 124 مليار برميل من احتياطي النفط، وهو ما يشكل حوالي 12 بالـمائة من الاحتياطي العالمي. وتتركز الثروة النفطية في دول نيجيريا، والجزائر، ومصر، وأنجولا، وليبيا، والسودان، وغينيا الاستوائية، والكونغو، والغابون، وجنوب أفريقيا. كما تبلغ احتياطاتها من الغاز الطبيعي حوالي 10% من إجمالي الاحتياطي العالمي، حيث تملك حوالي 500 تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز الطبيعي. وتحتوي القارة أيضا على موارد طبيعية وأولية أخرى ضخمة، حيث تنتج حوالي 90 % من البلاتين المنتج في العالم، و40% من إنتاج الألماس، وتحوز 50% من احتياطي الذهب، و30% من اليورانيوم الهام في الصناعات النووية، وتنتج 27% من إجمالي كمية الكوبالت المنتجة، أما خام الحديد فتقوم القارة بإنتاج ما نسبته 9% من إجمالي إنتاجه حول العالم.

كما تعتبر الزراعة أحد أهم الأنشطة الاقتصادية في القارة السمراء، بفضل تنوع المناخ ووفرة المياه، حيث يعمل ثلثا سكانها بالزراعة تقريبا، بما يساهم بما بين 20 و60% من إجمالي الناتج القومي لكل دولة من دولها. فضلا عن كونها من أكبر مصادر المنتجات الزراعية، مثل البن والقطن والكاكاو. كما تتميز أفريقيا بوجود الكثير من الغابات التي تنتج منها الأخشاب بكميات كبيرة، علاوة على الثروة السمكية، التي يساعد قطاع صيدها على توفير الدخل لحوالي 10 ملايين أفريقي يعمل بمهنة صيد الأسماك. فيما تبلغ قيمة الأسماك التي يتم تصديرها 2,7 مليار دولار أمريكي.

ووفق معطيات نشرها موقع مجلس الشركات المعني بأفريقيا، الذي نظم الدورة 14 لقمة الأعمال الأمريكية الإفريقية بمراكش، والذي يتخذ من العاصمة واشنطن مقرا له، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا نما بنسبة 147% عام 2021، حيث انتقل من 39 مليار دولار عام 2020 إلى 97 مليار دولار العام 2021. لكن مع ذلك، يقول المجلس إن الشركات الأفريقية تواجه تحديات للحصول على التمويل.

وفي حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، قالت رئيسة المجلس فلوريزيل ليزر، إن القارة الأفريقية “تعد واحدة من أسرع الأسواق الاستهلاكية نموا في العالم بفضل سكانها البالغ عددهم 1,4 مليار نسمة، وتمثل الطبقة المتوسطة المتزايدة وعدد السكان الكبير من الشباب فرصا هامة لتصدير السلع والخدمات الأمريكية”.

وفي سياق ذلك، يعد المغرب البلد الأفريقي الوحيد الذي وقع اتفاقا للتبادل الحر مع الولايات المتحدة الأميركية منذ العام 2004، مَكّن من انتقال التجارة الثنائية بين البلدين، من 925 مليون دولار عام 2005 إلى 3,3 مليار دولار عام 2020؛ حيث زاد حجم الصادرات الأميركية إلى المغرب ليبلغ العام الماضي 2,3 مليار دولار.

كل هذه المقومات تجعل من إفريقيا محط تنافس دولي، وبالأخص بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

تمدد صيني “مقلق”

في 2007 أنشأت الإدارة الأمريكية قيادة عسكرية موحدة جديدة هي قيادة إفريقيا، أو كما تُسمَّى اختصاراً “أفريكوم”، لدعم الأهداف الأمنية الأمريكية في إفريقيا والمياه المحيطة بها. وفي أواخر عام 2014 انعقدت قمة أمريكية-أفريقية تُعنى بالشأن الاقتصادي في القارة السمراء. وفي 2015 صدر تقرير عن مؤسسة راند الأمريكية بتكليف من الجيش الأمريكي، يحمل عنوان “توسع العلاقات الصينية مع إفريقيا، وانعكاساته على الأمن القومي للولايات المتحدة”. ورصد التقرير القلق من ظهور دور سياسي/عسكري صيني يعوق أدوار الجيش الأمريكي في القارة، يتمثل في استمرار توسع الصين اقتصاديا في القارة، وأيضا في مشاركة “الجيش الشعبي الصيني” في عمليات حفظ السلام في إفريقيا، ومن تواجد مليون مواطن صيني فوق القارة. ويخلُص التقرير إلى أن الوجود المتنامي للصين في القارة، بات يهدد “الأمن القومي الأمريكي”، الذي يحتاج إلى أنظمة حكم رشيدة في الدول الأفريقية، وتحقيقها لنمو اقتصادي وانتصار على جماعات التطرف والإرهاب، وإلى تحسين ظروف حقوق الإنسان. لكن الأمريكيين يرون بأن الوجود الصيني في القارة يعوق تحقيق كل هذا، حسب ما ذهب التقرير.

ومما يزيد من أهمية القارة، حاجة الصين الملحة لتنويع مصادر واردات الطاقة. فقد احتلت بكين منذ عام 2016 صدارة قائمة مستوردي النفط عالميا لأول مرة في تاريخها، بعد تراجع الولايات المتحدة عن ذلك الموقع. إضافة إلى حاجة بكين لأسواق جديدة لتسويق منتجاتها. وفي سبيل تيسير سبيل التمدد في أفريقيا، تبنت الصين منذ العام 2000 استراتيجية واضحة لصنع الأصدقاء في “القارة الفقيرة”. فقد أسست في تلك السنة “منتدى التعاون الصيني-الأفريقي، بمشاركة 45 دولة أفريقية.  كما تأسس منتدى التعاون الصيني-العربي في 2010 الذي ارتقى سنة 2018 إلى مستوى “شراكة”.

وبالنتيجة، تضاعفت ما بين عامي 2003 و2020، الاستثمارات الصينية في إفريقيا 30 مرة أكثر مما كانت عليه من قبل. كما أسقطت ديونا لها على دول أفريقية قيمتها 1,2 مليار دولار أمريكي، ووسعت نطاق المساعدات الخارجية التي تمنحها الصين لتلك الدول. وبحلول عام 2006 كانت الصين قد قدمت إعفاءات جمركية، غطت 191 سلعة مستوردة من 30 دولة أفريقية. وجعلت من 17 دولة إفريقية مقاصد سياحية لمواطنيها. وقامت بتدريب عشرة آلاف عامل ومهني أفريقي، وأرسلت للقارة السمراء 100 من أفضل خبرائها في المجال الزراعي، وأسست عشرة مراكز للتقنيات الزراعية. وبحلول 2009 أيضاً قدمت الصين دعما في صورة “قروض تفضيلية” قيمتها 3 مليارات دولار. هذا فضلا عن تشييد الصين 30 مستشفى وتقديم منح بـ 40 مليون دولار، لإقامة مراكز طبية وإنتاج عقاقير لعلاج ومكافحة الملاريا.

وخلال العقد الأخير، أصبح للتوسع الصيني اسم “طريق الحرير الجديد”. فقد تم الإعلان عن هذا المشروع بشكل رسمي في 2013 ليربط بين الصين وستين دولة، ويتكوّن من “حزام بري” من السكك الحديدية والطرق، يمر عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يصل إلى أفريقيا وأوروبا الغربية. طريق تضمن الصين من خلاله وصول سلعها زهيدة الثمن إلى أغلب أسواق العالم، بأسرع وقت وبأقل كلفة. ويمثل هذا المشروع نوعا جديدا من عولمة السوق الاقتصادية، ناعم وخفي مثل الحرير، تحت سيطرة ضابط إيقاع جديد هو الصين.

وساهمت مبادرة “الحزام والطريق” في تعزيز علاقات الصين مع إفريقيا، حيث تحتاج الدول الإفريقية لتمويل وإنشاء مشروعات بنية تحتية، في الوقت الذي تمتلك بكين عدة أذرع وآليات تمويلية. فضلا عن أن المبادرة تهدف بالأساس إلى ربط أكثر من 70 دولة من خلال إقامة مشروعات بنية تحتية عملاقة.

وتسعى الإدارة الصينية إلى استكمال مشروع “طريق الحرير الجديد” في نهاية 2030، وهي المدة الكافية حسب توقعاتها لتأمين اكتساحها للأسواق الأوروبية. وأيضا الأسواق التي تحتكرها البلدان الأوروبية منذ الحقبة الاستعمارية وعلى رأسها السوق الأفريقية.

الأفارقة “يحبون” الصين!

هكذا، وفي غمرة التحذيرات من عودة المشهد الدولي إلى حالة الحرب الباردة، بين الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، أساسا بسبب الحرب الأوكرانية، تتوالى مؤشرات ترجح أن تُشكل القارة الأفريقية رقعة أساسية للصراع، خصوصا بين واشنطن وبكين. وفي صورة جديدة تحاكي ما حدث خلال النصف الثاني من القرن العشرين في أوروبا، تتوقع تقارير بأن يؤول التنافس المحموم على النفوذ بين الجانبين إلى استقطاب في القارة السمراء، يهدد بتمزيقها بين معسكر شرقي يحسب على الصين، وغربي يحسب على الولايات المتحدة.

أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجري قبل أسابيع، تفوق الصين على الولايات المتحدة باعتبار بكين القوة الأجنبية صاحبة “أكبر تأثير إيجابي في أفريقيا”. فبحسب وكالة “بلومبيرج” الأمريكية، فإن الاستطلاع الذي أجرته “مبادرة مؤسسة عائلة إيشيكويتز”Ichikowitz Family Foundation”، وجد أن 76% من الشباب الأفريقي، الذين شاركوا في الاستطلاع ويبلغ عددهم 4507 شابا من 15 دولة، يرون أن “الصين قوة عالمية لديها تأثير إيجابي على حياتهم”، مقارنة بـ72 % لصالح الولايات المتحدة. ووفقا للوكالة نفسها، فإن نتائج هذا الاستطلاع تختلف بشكل تام عن استطلاع مماثل أجري عام 2020، وكانت نتائجه أظهرت اعتقاد الشباب الأفريقي الذي تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 24 عاما، بأن النفوذ الأمريكي أقوى بنسبة 83%، مقابل 79% لصالح الصين.

ويرى المصدر نفسه أن نتائج الاستطلاع، تعتبر “دليلا جديدا على انتصار الصين في معركتها أمام منافسيها الجيوسياسيين، في كل من الولايات المتحدة وأوروبا لكسب قلوب وعقول الأفارقة”، من خلال قيام بكين بضخ أموال ضخمة في مشروعات البنية التحتية في أفريقيا، خلال العقدين الأخيرين. وإغراق القارة بالبضائع الرخيصة التكلفة، التي تتنوع ما بين الهواتف المحمولة ومحطات الطاقة الشمسية والمواد البلاستيكية.

ويذهب “إيفور إيشيكويتز”، مدير مؤسسة استطلاع الرأي “مبادرة مؤسسة عائلة إيشيكويتز” الجنوب أفريقية، إلى أن “الصين تتصدر موقع القيادة، ونشهد اعترافا بمشاركة الصين الكبيرة في القارة، في وقت لا تفعل فيه الكثير من الدول ذلك”. ويضيف قائلا: “لعبت الولايات المتحدة في أفريقيا دورا محدودا للغاية. وحقيقة الأمر أن الدور الأمريكي كان ضئيلا بصورة تدعو للحرج، فيما يتعلق بالاستثمار والتجارة والبنية التحتية”.

لا شك أن التغيير الحاصل في السياسة الخارجية الصينية تجاه أفريقيا، وسعيها الدؤوب للحصول على النفط والمواد الخام، وفتح أسواق إفريقية جديدة يقلق كثيرا الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية. فالتقارير والدراسات التي أعدتها مراكز الأبحاث الغربية تعكس هذا القلق، لا سيما وأن التحرك الصيني الجديد في أفريقيا أخذ ينحي جانبا العوامل السياسية والإيديولوجية، وذلك مقابل هيمنة الاقتصاد والمصالح النفعية البحثة. فالصين تفكر بمنطق براغماتي مصلحي صرف، حيث تهتم بقضايا التجارة والاستثمار والوصول إلى مصادر الطاقة والمواد الخام، أكثر من اهتمامها الإيديولوجي بقضايا مثل التضامن مع العالم النامي.

ويلاحظ المحللون أن تزايد الاهتمام الصيني بأفريقيا، قد ارتبط بعملية إعادة تقويم دور أفريقيا في الاستراتيجية الأمريكية الكبرى بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001. فقد بدأت الولايات المتحدة تنظر إلى أفريقيا من خلال ثنائية موقعها في استراتيجية الحرب على الإرهاب، وثروتها النفطية والمعدنية التي تؤهلها لتكون بديلا مريحا لنفط الشرق الأوسط. وعليه فإن الحديث عن وجود شراكة استراتيجية، سواء أكانت أمريكية أو أوروبية أو صينية مع أفريقيا، إنما هو كلام لا يخلو في واقع الأمر من أبعاد سياسية وإيديولوجية. فهو بالتأكيد يرتكز على دعائم مصلحية واقتصادية تصب لا محالة وبالضرورة، في مصلحة الطرف القوي في هذه العلاقة. بمعنى أنه أيا كانت القوة الدولية، فإن أفريقيا تبقى هي الطرف الخاسر. وإلى جانب ثرواتها المعدنية وموارد الطاقة الهائلة، ينظر إلى أفريقيا باعتبارها القارة التي تضم أكبر عدد من الشباب، حيث من المتوقع أن يشكل سكان أفريقيا من الشباب، بحلول عام 2030، حوالي 42 % من شباب العالم. ما يجعل منها سوقا كبرى محتملة للمستقبل بالنسبة إلى دول مثل الولايات المتحدة والصين وفرنسا والهند.

وعود أمريكية بالمليارات

أفريقا تريد استثمارات لا ”صدقات”

بحسب د. أحمد بو خريـص الباحث بالمعهد المصري للدراسات، فإنه “على الرغم من ضعف النفوذ الأمريكي في المنطقة، اقتصاديا مقارنة بالصين، وسياسيا وعسكريا مقارنة بفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، إلا أن واشنطن لا تُخفي اهتمامها بتدارك هذا الوضع. وذلك ما نستشفه بالفعل، من خلال تعبير الولايات المتحدة عن التزامها بتطوير شراكاتها مع الدول الإفريقية، من خلال تطوير التمويل والدعم التقني لدول القارة.

فقد ذكَّرت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في كلمتها المسجلة التي بُثت في افتتاح الدورة الرابعة عشرة لقمة الأعمال الأمريكية الإفريقية بمراكش، بأن بلادها استثمرت ما يناهز 700 مليار دولار في القارة الإفريقية في مجهودات “النهوض بالنمو والتنمية المستدامة، ودعم ريادة الأعمال والتجديد والابتكار”. وعبرت هاريس، في كلمتها، عن التزام الولايات المتحدة بتطوير شراكاتها مع الدول الإفريقية، وذلك عبر تطوير التمويل، والدعم التقني لدول القارة.

وكان مشاركون في مائدة مستديرة حول “الاستثمار في إفريقيا”، أكدوا دعم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لتوجيه الاستثمارات إلى القارة السمراء، موضحين أن العام 2019 شهد عقد الإدارة الأمريكية لما مجموعه 107 صفقات في مجال الطاقة، و75 نشاطا تجاريا زراعيا، و54 صفقة في قطاع الرعاية الصحية، و43 في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بجميع أنحاء إفريقيا، بقيمة إجمالية بلغت 50 مليار دولار.

وجاء ذلك خلال المائدة المستديرة التي عُقِدَت افتراضيًا حول الاستثمار في إفريقيا، قبل أيام، وضمت كلا من رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي غريغوري دابليو ميكس، ونائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية أكونا كوك، ونائب الرئيس الأمريكي للشؤون الخارجية بمؤسسة تمويل التنمية ألجين ساغري، ووزير الاستثمار وتنمية القطاع الخاص في كوت ديفوار إيمانويل إيسيس.

كما نقل البنك الإفريقي للتنمية في بيان عن نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية أكونا كوك، قولها إن “الرئيس بايدن جعل الاستثمار في إفريقيا أولوية ضمن اهتمامهم بالاستثمار في جميع أنحاء العالم، وأضافت: “جعلنا الحد من المخاطر المتوقعة والمخاطر الفعلية لممارسة الأعمال التجارية في إفريقيا أولوية قصوى، لدعم الاستثمار اللازم للنمو الاقتصادي في القارة”.

أما لورانس راندولف القائم بالأعمال بالسفارة الأمريكية بالرباط، فقد كشف في تصريح للصحافة عقب اختتام القمة التي استضافتها مدينة مراكش، أن “الولايات المتحدة تخصص أكثر من 10 مليارات دولار سنويا لمساعدة إفريقيا”، مذكرا بكون المغرب يحظى بدعم كبير من هذه المساعدات، وأعطى المثال باستثمار مؤسسة تحدي الألفية أكثر من مليار ومئة مليون دولار في المغرب منذ بداية ميثاقها الأول.

بينما أعلنت رئيسة الوفد الأمريكي المشارك في قمة الأعمال الأمريكية-الأفريقية بمراكش، الأربعاء 20 يوليو/ تموز الماضي، في تصريح لوكالة فرانس برس، بأن الولايات المتحدة ستستثمر في أفريقيا، بالتعاون مع القطاع الخاص، “مليارات الدولارات لتنمية القارة اقتصاديا”. وقالت آليس أولبرايت، رئيسة “هيئة تحدّي الألفية” (وكالة تنمية حكومية أمريكية)، إنّ “الولايات المتحدة تسعى لضخ مليارات الدولارات، في قطاعات التجارة والاستثمارات، من أجل خلق فرص عمل وتحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام وازدهار في سائر أنحاء القارة الأفريقية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس