كيف ستتعامل الرباط مع أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا؟

11
كيف ستتعامل الرباط مع أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا؟
كيف ستتعامل الرباط مع أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا؟

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. منذ ترؤسه الحكومة الإسرائيلية للمرة السادسة، قبل أسبوع، كرر بنيامين نتنياهو الإعلان عن نيته زيارة الدول الموقعة على اتفاقات إبراهيم، ربما لأنه من خلال تعزيز العلاقات مع المغرب والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان، سيقنع دولا عربية كبرى (في مقدمتها العربية السعودية) باللحاق بقطار التطبيع. لكن مصادر استخباراتية مغربية مطلعة في الرباط، كشفت لموقع “مغرب أنتلجنس” الفرنسي بأن تصريحات نتنياهو يواجهها صمت مطبق من الجانب الرسمي المغربي.

فرسميا، لم يهنئ الملك المغربي نتنياهو على إعادة انتخابه رئيسا للحكومة الإسرائيلية الجديدة. ويجري ذلك بحسب ذات المصادر الاستخباراتية المغربية، في وقت تنظر الرباط نظرة قاتمة إلى التطورات الأخيرة في المنطقة، وأساسا منها التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. فبعدما صوَّت الإسرائيليون على أكثر الحكومات اليمينية تطرفا في تاريخ دولة الاحتلال، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي الاقتحام الاستفزازي الذي قام به وزير الأمن القومي الجديد الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير، إلى باحات المسجد الأقصى في القدس الشرقية، وهو ما نتج عنه حالة من التذمر في المغرب كما في عدة دول أخرى، وخلق غضبا صامتا وحرجا لدى الحكومة المغربية.

فإلى أين تجر الحكومة الـ 37 في تاريخ الكيان الإسرائيلي المنطقة؟ نحو انتفاضة ثالثة أم نحو نهاية التطبيع؟ أم عزلة إسرائيلية دولية؟ أم حرب إقليمية؟ أم نحو هذه الاحتمالات جميعا؟ وكيف ستتطور العلاقات بين تل أبيب والرباط، في ظل حكم أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا؟

ليس التطبيع بين المغرب وإسرائيل مثل غيره، أي بين هذه الأخيرة والدول العربية الخمس الأخرى “المُطَبِّعة”..

للمرة الأولى على الإطلاق زار رئيس الأركان الإسرائيلي دولة عربية، كانت هي المغرب. وللمرة الأولى فتحت قناة تلفزيونية إسرائيلية مكتبين لها في دولة عربية (بالرباط والدار البيضاء)، ويمتلكها يهوديان من أصول مغربية.. وللمرة الأولى ذهبت إسرائيل بعيدا في تعاونها العسكري مع بلد عربي.. وللمرة الأولى أخيرا وليس آخرا، يلتقي مسؤولون إسرائيليون كبارا بمواطنين يهودا من دولة عربية، ويزورون المعابد والمقابر والأضرحة اليهودية في تلك الدولة، التي ليست سوى المغرب.

إن التطبيع الإسرائيلي مع الرباط له “طعم” خاص، بحسب الإسرائيليين..

فالمغرب هو الدولة العربية الوحيدة التي لم تُسقط الجنسية عن مواطنيها اليهود، حتى بعد أن غادروها. وفي الكيان الإسرائيلي اليوم ما يقارب المليون إسرائيلي من أصول مغربية، لم تنقطع صلاتهم بأرض أجدادهم حتى قبل “التطبيع”. ويُفسر ذلك بشكل كافي لماذا تطورت العلاقات بشكل متسارع جدا بين الرباط وتل أبيب، في ظرف عامين فقط من العلاقات العلنية. كما يشرح ذلك لماذا المغاربة هم أكثر الشعوب العربية تقبلا (الأصحّ ربما “أكثر تفهما”) للتطبيع.

لقد كان يهود مغاربة بين أشرس المقاومين للاستعمار الفرنسي، كما كان بينهم أكثر المناضلين المعارضين لنظام الحسن الثاني صلابة، سُجنوا وعُذبوا مثل باقي المغاربة. ويسجل تاريخ البلد أن زعماء سياسيين قضوا سنين طويلة في السجون خلال “سنوات الرصاص”، وعُرفوا بمناصرتهم للقضية الفلسطينية، على غرار الزعيم اليساري البارز أبراهام السرفاتي، ورجل الأعمال سيون أسيدون الذي يعد حاليا أشهر المعادين للكيان الإسرائيلي في المغرب، ويتقدم حتى اليوم رغم سنه كل النشاطات المعارضة للتطبيع والمناصِرة لفلسطين…

المغرب إذن ليس هو الإمارات ولا السودان أو الأردن أو مصر.. فالوجود اليهودي بالمغرب له تاريخ منغرس بقوة منذ ألفي عام. ولذلك، تقلد مناصب الوزارة والمسؤولية في مواقع سامية مغاربة يهود، منذ استقلال المغرب عام 1956.

لكن وصول أقصى اليمين الصهيوني إلى دواليب الحكم في إسرائيل، من خلال حكومة نتنياهو السادسة التي تضم عتاة الصهاينة، بات يضع العلاقات بين الجانبين على المحك….

حكومة فاشية

لقد أثار اقتحام الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى، بعد ساعات فقط من توليه منصب وزير الأمن القومي الإسرائيلي، ردود فعل فلسطينية وعربية ودولية حادة، وأعاد من جديد المخاوف من انفجار الوضع بالمنطقة، في تمكن وجود هذا المتطرف الخطير من أحد أهم المناصب السياسية في إسرائيل. وحتى قبل اقتحامه للأقصى، كان واضحا بأن الشعب الفلسطيني مقْدم على مرحلة صعبة، بعد وصول أشد الحكومات الإسرائيلية تطرفا في تاريخ الكيان الإسرائيلي للحكم.

فالخطر يزداد أساسا على القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية- لاسيما مسجدها الأقصى- في ظل وجود بن غفير ورفاقه المتطرفين في مواقع نافذة بحكومة إسرائيلية، يوجد رئيسها نتنياهو تحت رحمتهم. من جهة لأن تحالفه معهم ضروري لاستمرار حكومته، ومن جهة أخرى لأنه في حال سحب تأييدهم لحكومته، فإنه قد يتعرض للسجن على يد القضاء الإسرائيلي، بسبب تهم الفساد التي تلاحقه.

ومنذ الساعات الأولى التي تلت تعيينها، بدا جليا أن الحكومة الإسرائيلية التي تعد الأكثر تطرفا وعنصرية في تاريخ الكيان، قد وضعت مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى على رأس أولياتها، من خلال استهدافها بالقرارات التصعيدية والخطيرة التي قد تُشعل نيران المواجهات وتقلب المنطقة بأكملها. وفي هذا الإطار، يرى الفلسطينيون بأن الخطوة الاستفزازية لوزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، باقتحام ساحات المسجد الأقصى قبل أيام، لم تكن سوى جس أولي لنبض العالم، وأن القادم سيكون أكثر خطورة عن جميع السنوات التي مضت من عمر الاحتلال.

فبحسب مصادر فلسطينية، راسلت جماعة “عائدون إلى جبل الهيكل” الصهيونية المتطرفة، الوزير بن غفير مطالبة إياه بتسهيل ذبح “قربان الفصح” في المسجد الأقصى، خلال الفترة ما بين 6-12 من أبريل المقبل، التي توافق عيد الفصح اليهودي.

واعتبرت الجماعة المتطرفة “تشكيل حكومة يمينية حقيقية لأول مرة في تاريخ الكيان الإسرائيلي، فرصة ذهبية لتحقيق هذه الطقوس” في الأقصى، معتبرة أن طلبها إدخال “قرابين الفصح” إلى المسجد قد أصبح رسميا. وتتوقع أن يتسلح بن غفير بكامل صلاحياته للموافقة على طلبها هذا العام، علما بأن عيد الفصح اليهودي سيتزامن هذا العام مع الأسبوع الثالث من شهر رمضان المبارك.

ولذلك حذرت فصائل المقاومة من نشوب حرب دينية…

للتذكير، فمنذ العام 2014، تعمل ما تسمى “جماعات الهيكل” المتطرفة، على الإحياء العملي لطقوس “القربان” داخل المسجد الأقصى، باعتباره قد بات هيكلا حتى وإن كانت أبنيته ومعالمه ما تزال إسلامية. وتجري تدريبات عملية للقيام بذلك. وسبق أن قدمت الجماعات المتطرفة طلبا عبر المحاكم الإسرائيلية للسماح لها بإحياء “طقوس القربان” في المسجد الأقصى، تم رفضه خشية انفجار الأوضاع. وفشلت في رمضان الماضي في إدخال القرابين للمسجد. لكن جماعة “عائدون إلى جبل الهيكل”، الأكثر شهرة بين تلك الجماعات، تتفاءل حاليا من أن “إمكانية تقديم القربان لتطهير الشعب اليهودي، قد باتت متاحة لأول مرة منذ ألفي عام بفضل هذه الحكومة الجديدة”.

تطبيع مغربي حذر

بمناسبة الذكرى الثانية لاتفاق تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية، نشر “مركز أبحاث الأمن القومي” التابع لجامعة تل أبيب، مؤخرا، تقريرا بحثيا حول التحديات التي تواجه الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بقيادة بنيامين نتنياهو. ومن بين أبرز التحديات التي ركز عليها المركز المذكور، ضرورة “الحفاظ على الديناميكية الإيجابية للتطبيع الديني والثقافي مع المغرب”.

نوه التقرير، الذي شارك في إعداده ثلاثة باحثين بالمركز، إلى أنه غداة التوقيع على اتفاقية التطبيع بين تل أبيب والرباط في 22 دجنبر 2020، كثفت الحكومة المغربية مشروعها الوطني لإحياء التراث اليهودي المغربي. وذلك في وقت يعتبر المغرب الإسرائيليين من أصول مغربية جزءًا من جالياته المقيمة في الخارج، باعتبارها ثاني أكبر جالية مغربية بعد الجالية في فرنسا”. لكن التقرير حذر من أن “الزخم الإيجابي في العلاقات الإسرائيلية المغربية لا يمكن اعتباره أمرا مفروغا منه، في ضوء التحديات التي تواجه هذه العلاقات، وأولها موقف المغرب من القضية الفلسطينية”.

بعيدا عن التقرير البحثي إياه، وجب التذكير بأنه حتى الساعة لا توجد بعد سفارة مغربية رسمية في تل أبيب. وبالمقابل، يقتصر الوجود الديبلوماسي الإسرائيلي بالمغرب على “مكتب اتصال” بالرباط. فعندما استقبل الملك المغربي عشرات السفراء قبل عام، وقدموا له أوراق اعتمادهم لدى المملكة، كان لافتا غياب السفير الإسرائيلي بينهم رغم أنه متواجدا بالرباط. وهو ما أثار حينها كثيرا من علامات الاستفهام والتأويلات. وفي يناير 2021، أخبر الملك محمد السادس نتنياهو في مكالمة بينهما، بأنه ملتزم بفتح السفارات كجزء من المرحلة التالية من عملية التطبيع.

بشكل غير رسمي، يجري الحديث في المغرب عن ربط التلكؤ في فتح سفارة في تل أبيب واعتماد سفير إسرائيلي بالرباط باعتراف إسرائيلي صريح ورسمي بمغربية الصحراء الغربية. فالمعروف أن اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بالصحراء الغربية كجزء من المغرب قبل عامين، كان جزءا من صفقة كبرى، تضمنت إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الكيان الإسرائيلي والمغرب. ورغم ذلك، تتلاعب تل أبيب بموقف غير واضح من القضية التي تعتبرها الرباط مقدسة.

فرغم أن وزيرة الداخلية الإسرائيلية (آنذاك) أييليت شاكيد صرحت لوسائل الإعلام خلال زيارتها للمغرب في يونيو/حزيران الماضي، بأن إسرائيل تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، إلا أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تراجعت بسرعة عن تصريح شاكيد، معتبرة فقط بأن “خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية تطور إيجابي”. وبعدها بعدة أسابيع، زار وزير العدل الإسرائيلي السابق جدعون سار المغرب، وصرح علنا هو الآخر بأن “الصحراء الغربية جزء من المغرب”. لكن وزارة الخارجية الإسرائيلية نأت بنفسها مرة أخرى عن كلام وزير العدل، وكررت موقفها الغامض.

في سياق ذلك، كشف أربعة مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، قبل أيام لموقع “أكسيوس” الأمريكي، بأنه خلال الأشهر الأخيرة، كان المسؤولون المغاربة يطالبون باعتراف إسرائيلي رسمي بمغربية الصحراء، في كل مرة يثير فيها المسؤولون الإسرائيليون مسألة ترقية مكتب الاتصال إلى سفارة. لكن المسؤولين الإسرائيليين الأربعة كشفوا بأن الحكومة الإسرائيلية قررت حتى الآن عدم الخوض في هذه القضية، معتبرة بأن المغرب إنما يستخدم هذا الطلب كذريعة حتى يبرر عدم فتح السفارات، بينما السبب الحقيقي هو الانتقادات الشعبية المناهضة للتطبيع في المغرب.

وبالفعل، يكشف “مؤشر الرأي العربي” لعام 2022، بأن غالبية المغاربة يقفون ضد تطبيع بلادهم مع الكيان الإسرائيلي. فبحسب استطلاع آراء مواطنين في 14 دولة عربية، بينها المغرب، الذي يجري تسويقه باعتباره الدولة الأكثر تطبيعا مع إسرائيل، بأن 67% من المغاربة يعارضون التطبيع، في مقابل 20% يؤيدونه، و13% إما أنهم لم يعرفوا إن كانوا يؤيدونه أو يرفضونه أو رفضوا الإجابة، وفق ما أفادت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية.

و”مؤشر الرأي العربي” هو سلسلة سنوية من استطلاعات الرأي، يجريها “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”. وهو مصدر موثوق لقياس توجهات الرأي العام العربي. ويعني ذلك بأن التطبيع لم يغير الكثير من الواقع، أو أنَّ القليل فقط تغير في المواقف المغربية فيما يتعلق بإسرائيل بعد عامين من التطبيع.

نحو نهاية التطبيع، هل يعيد التاريخ نفسه؟

في 28 سبتمبر 2000، قام رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أرييل شارون وأعضاء من حزب الليكود، جنبا إلى جنب مع ألف حارس مسلح، باقتحام المسجد الأقصى والتجول في ساحاته. وصرح شارون قائلا إن «الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلية»، وهو ما استفز المصلين الفلسطينيين وتسبب في اندلاع مظاهرة كبيرة احتجاجا على الاقتحام. وبدأ الفلسطينيون برمي الحجارة من الحرم القدسي على الشرطة الإسرائيلية. فردت هذه الأخيرة بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على الحشود، ما أسفر عن سقوط 7 شهداء وجُرح 250 وإصابة 13 جنديا إسرائيليا. وبذلك انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية (28 سبتمبر 2000-8 فبراير 2005)، التي حملت كذلك اسم “انتفاضة الأقصى”.

وتميزت هذه الانتفاضة مقارنة بسابقتها بكثرة المواجهات المسلحة وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية بين المقاومة الفلسطينية وجيش الإحتلال، راح ضحيتها حوالي 4412 شهيدا فلسطينيا و48322 جريحا. وأما خسائر الجيش الإسرائيلي فبلغ تعدادها 334 قتيلا ومن المستوطنين 735 قتيلا، وليصبح مجموع القتلى والجرحى الإسرائيليين 1069 قتيلا و4500 جريح، فضلا عن إعطاب 50 دبابة وتدمير عدد من المركبات العسكرية والمدرعات الإسرائيلية.

في هذه المرة، بدت ردود الفعل هادئة ومكتفية بالتحذير من التمادي، خصوصا من جانب المقاومة الفلسطينية. فقراءتها دون شك للأوضاع تجعلها تذخر جهدها للتهديدات القادمة بعد أسابيع والتي تعتبر أكثر خطورة من الاقتحام. فقد أطلق بن غفير أثناء اقتحامه للأقصى العنان لتصريحات مستفزة في منتهى الخطورة، من قبيل أن حكومته لن تستسلم لتهديدات حركة حماس، وأن “الحرم القدسي هو المكان الأهم لشعب إسرائيل”، مستخدماً الاسم اليهودي للإشارة إلى المسجد الأقصى.

لكن الأغرب أن نتنياهو الذي تعهد بتعزيز الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والقدس، إرضاء لحلفائه المتطرفين في الحكومة، يسعى في الوقت نفسه إلى حشد الدول العربية والغربية ضد إيران، مع التطلع إلى تعزيز التطبيع مع أهم العواصم العربية!

ولذلك يبدو منطقيا أن مدى احتمال مضي الجناح المتطرف في حكومة نتنياهو في تجسيد نواياه الخطيرة (أو بأقل تقدير تخفيفها)، سيكون مرتبطا على الأرجح بعوامل متداخلة، بينها ردود فعل الدول العربية المطبعة مع تل أبيب. فالوضع الحالي يضعها في حرج مع شعوبها أولا، ثم مع محيطها العربي ثانيا. وفي هذا الصدد، كان لافتا أن الإمارات الدولة العضو في مجلس الأمن، كانت إلى جانب الصين، مبادرتين إلى طلب عقد جلسة لمجلس الأمن الأسبوع الماضي.

بينما يبدو الموقف المغربي الذي يفضل العمل في الصمت عادة، مترقبا لتطورات الأحداث مستقبلا مع مزيد من البرود في العلاقات مع تل أبيب. فعلى عكس رئيس الإمارات محمد بن زايد والملك الأردني عبد الله الثاني، اللذان اتصلا هاتفيا بنتنياهو لتهنئته على توليه منصبه رئيس الحكومة من جديد، لم يتصل به الملك المغربي بعد مضي على كسبه الانتخابات وأكثر من أسبوع على مباشرة حكومته السادسة أعمالها.

وفي حال تصاعد الموقف الإسرائيلي مستقبلا، من خلال أي تصعيد موغل في التطرف من قبل بن غفير والجناح المتطرف في حكومة نتنياهو، خاصة اتجاه المقدسات، من شأنه أن يدفع المغرب الذي يتولى رئاسة لجنة القدس، إلى القيام بخطوات أكثر رمزية لجهة مراجعة العلاقات مع تل أبيب، أو بأقل تقدير تجميدها، رغم أنها لن تكون مراجعة جذرية تقود إلى قطيعة تامة.

وبحسب موقع “مغرب أنتلجنس”، تقول المخابرات المغربية إن الرباط قد تقرر عدم استضافة القمة المقبلة لوزراء خارجية الدول الموقعة على اتفاق إبراهيم للتطبيع، المقررة في مارس القادم، والتي يُرتقب أن تشهد مشاركة مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين.

صحيح أن المغرب استثمر كثيرا وعلى جميع الصعد في الاتفاقيات مع تل أبيب، وبالتالي يبدو من غير المرجح أن يقطع العلاقات معها مرة أخرى، في حال أشعلت الحكومة الإسرائيلية الأوضاع مع الفلسطينيين مجددا. لكن لا ينبغي أن يغيب عن بالنا أن الضغط الذي يمارسه الشارع المغربي المناهض للكيان الإسرائيلي، منذ عامين، ما يزال قويا وإن كان هادئا. وبالتالي سيكون حاسما، في حال اندلعت انتفاضة ثالثة أو قام جيش الإحتلال بعدوان جديد على غزة مثلا. ومن يفهم طريقة اشتغال عقل الدولة المغربية جيدا، يدرك أنها في المواقف الحاسمة تنحاز كلية للمزاج الشعبي السائد في البلد، مهما كان الثمن والعواقب.

المغرب سبق أن أغلق “مكتب الاتصال” عام 2000

في عام 1996، أقامت الرباط علاقات دبلوماسية على مستوى مكاتب الاتصال مع الكيان الإسرائيلي، كجزء من “اتفاقية أسلو” للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ففتحت مكتب اتصال إسرائيلي بالرباط، ومكتب اتصال مغربي في تل أبيب، ومكتبا للاتصال في غزة. وعزا المغرب حينها إقامة هذه العلاقات، إلى ما أسماه “الرغبة في دعم لغة الحوار والتفاهم بدل لغة القوة والغطرسة، للتوصل إلى السلام العادل والشامل”.

ولم يكن المغرب وحيدا حينها، إذ قامت دول عربية أخرى، بينها تونس وقطر وعُمان وموريتانيا، بفتح مكاتب اتصال مع الكيان الإسرائيلي..

لكن في 28 سبتمبر 2000، قام رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أرييل شارون وأعضاء من حزب الليكود، باقتحام ساحات الأقصى، وسط المئات من جنود الاحتلال. فتفجر الوضع سريعا باندلاع انتفاضة ثانية واندلاع مواجهات عسكرية مع المقاومة الفلسطينية.

فقرر المغرب في 23 أكتوبر 2000 وقف التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وإغلاق مكتب الاتصال المغربي في تل أبيب، ومكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط. وأوضحت وزارة الخارجية والتعاون المغربية في بيان، بأن المغرب اتخذ هذا القرار بسبب “انتكاسة عملية السلام عقب الأعمال اللا إنسانية، التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية على مدى أسابيع في حق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، واستخدامها للآلة الحربية لقتل المدنيين الأبرياء”.

و”نظرا للظروف الخطيرة التي خلقتها الحكومة الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وموقفها المتعنت بإعلانها عن توقيف عملية السلام، ونظرا لمسؤولية المغرب والتزاماته في نطاق لجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس، من أجل دعم مسلسل السلام”. وأوضح البيان بأن “المغرب كان قد بادر إلى فتح مكتب للاتصال بتل أبيب، من أجل دعم عملية السلام واعتماد الحوار والتفاهم بدل لغة القوة والغطرسة، للتوصل إلى السلام الشامل والعادل”.

وكانت شوارع الرباط قد غصت قبل أسبوعين من تاريخ إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، بأكثر من مليوني مواطن مغربي ومغربية، خرجوا غاضبين للتظاهر احتجاجا على قتل الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين. وطالبوا في شعاراتهم بإغلاق مكاتب الاتصال، كما دعوا الحكومة المغربية إلى فتح باب الجهاد لنجدة الشعب الفلسطيني.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس