لمصلحة مَن الحرب بين الجزائر والمغرب؟

19
لمصلحة مَن الحرب بين الجزائر والمغرب؟
لمصلحة مَن الحرب بين الجزائر والمغرب؟

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. على أهميتها الرمزية الكبيرة، لم تحظ إشارات التهدئة التي تبادلها بشكل غير مباشر رئيسا ديبلوماسيتي الجزائر والمغرب، على هامش مشاركتهما في أشغال القمة 35 للاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، قبل أسبوع، بما هي جديرة بالتنويه والتحليل؛ بسبب انشغال البلدين (والعالم) لتطورات فاجعة الطفل ريان.. وبعودة الهدوء إلى حين بين أكبر وأقوى بلدين في المنطقة المغاربية، يطرح السؤال الكبير نفسه: من في مصلحته أن تقوم حرب مجنونة ومدمرة بين المغرب والجزائر؟

عودة إلى التعقل

مرت إشارات التهدئة التي تبادلها بشكل غير مباشر رئيسا ديبلوماسيتي الجزائر والمغرب، على هامش مشاركتهما في أشغال القمة 35 للاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مرور الكرام في زحمة أنباء فاجعة الطفل ريان. ففي مقابلة مع قناة “فرانس 24” الجمعة الماضية، نفى وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، وجود أية نوايا لدى حكام بلاده للدخول في حرب مع المغرب، موضحا أنها لن تدخل في حرب إلا “دفاعا عن النفس”. وفي اليوم الموالي، رد رئيس الديبلوماسية المغربية ناصر بوريطة على سؤال إذاعة RFI، حول إمكانية قيام حرب مع الجزائر، بأن “المغرب الذي ليس في حالة تصعيد، يعتقد باستحالة تغيير الجغرافيا”، مستحضرا نهج المملكة المتمثل في عدم التصعيد مع جارته الشرقية، والتركيز على ما يوحد البلدين وليس على ما يفرقهما.

هي إذن هدنة مُعلَنة ومعلقة إلى حين، في سياق مواجهة سياسية مستمرة منذ ستة عقود. تتقدم فيها الدعوات إلى الحرب على الجار المغربي أو تتراجع، بحسب أحوال المناخ السياسي السائد في الجزائر العاصمة، وتطورات النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وحتى لا نذهب بعيدا جدا، نشير مثلا إلى أنه خلال العقدين اللذين تولى خلالهما عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019) رئاسة الجزائر، أخذت قضية الصحراء مكانة ثانوية في اهتمامات نظامه المدني، وبالتالي تميزت عشرينيته بهدوء نسبي بين بلاده والمغرب. وبمجرد إقالته وعودة أجنحة الجيش إلى الصراع حول السلطة، تحولت قضية الصحراء والعداء للمغرب إلى موضوع لمزايدة تلك الأجنحة المتقاتلة على بعضها، من أجل كسب مواقع. وباشتداد التطاحن حول دفة السلطة وسط ديوك المؤسسة العسكرية منذ ثلاث سنوات، اقتربت الحرب بين الجزائر والمغرب بشكل غير مسبوق.

غير أن تحديات خارجية متعددة يبدو أنها هي التي أكرهت حكام الجزائر، على إخفاء عصا الحرب التي ظلوا يهددون بها المغرب. لعل في مقدمتها الصعوبات التي تواجهها الجزائر في تنظيم القمة العربية، التي كان يفترض أن تلتئم بعاصمتها الشهر القادم، أساسا بسبب مشاكلها مع المغرب. لكن هذا ليس موضوعنا الآن…

الحرب انتحار للبلدين!

لنعد إلى موضوع الحرب المفترضة بين الجزائر والمغرب. يدرك المغرب جيدا بأن الدولة الجزائرية لا توجد في وضع داخلي يسمح لها بإعلان حرب، خصوصا مع جار قوي لدية جيش مدرب جيدا وترسانة حربية متطورة. والجميع –وفي مقدمتهم المغاربة والجزائريون–يعلم بأن المنطقة تنام على برميل بارود هائل، ثمرة سنوات طويلة من التسليح المكثف والنوعي، لا ينتظر سوى شرارة الإشعال. بأنه في حال قامت حرب–لا قدر الله– فلن يكون فيها طرف غالب. الطرفان سيخسران الحرب بقسوة، بسبب تقارب ميزان القوى العسكري. ستكون منازلة انتحارية بلا رحمة حتى آخر رصاصة، بحيث يمكن تشبيهها بالحرب العراقية الإيرانية الرهيبة (1980-1988)، التي ورط فيها الغرب الرئيس صدام حسين، بغاية تدمير مقدرات العراق العسكرية والمدنية. وكذلك كان…

وباستحضار مثال تلك الحرب المشؤومة، يطرح السؤال نفسه كبيرا: من في مصلحته إذن أن تنفجر حرب مدمرة بين الجارين المغاربيين اللدودين؟ من يلعب دور الشيطان في هذا السيناريو القذر؟ ولأية أهداف؟ أمريكا؟ إسرائيل؟ أوروبا؟ روسيا؟
لا شك أن لكل طرف من هذه الأطراف مبرراته ودوافعه لإشعال الحرب، أو بأقل تقدير استفادته منها بهذا القدر أو ذاك. فروسيا تريد الاستفادة من الحرب لبيع الجزائر أضعاف ما تبيعه لها حاليا من السلاح والذخيرة. وإسرائيل ستستفيد من أي حرب بين الجزائر والمغرب، من خلال تحطيم الجزائر وتعزيز تواجدها بالمنطقة. ولكل طرف من الأطراف الأخرى نصيب من مكاسب الحرب إذا قامت بين البلدين. ووحدهما الجزائر والمغرب سيخرجان خاسرين ومدمرين تماما منها. والأخطر من ذلك على مستقبلهما معا، هو أن يتم تنزيل مخططات التقسيم المرسومة لكلا البلدين. فالمعروف –مثلا– أن ثمة مخططا جاهز لتقسيم الجزائر إلى ثماني دويلات؛ خصوصا في الشمال (شعب القبايل)، وفي الجنوب (شعب الطوارق)، وفي الشرق (غرداية). ولذلك فإن استمرار الجزائر في تمويل ورعاية المشروع الانفصالي في الصحراء المغربية منذ 46 عاما، فقط لإضعاف المغرب، يبدو انتحارا مؤكدا يهدد بحرقها هي أيضا، في ضوء المخططات الخبيثة التي تستهدف المنطقة المغاربية.

إسبانيا تلعب بالنار

لكن الجارة الشمالية للمغرب (إسبانيا) تحديدا، تبدو الأكثر تحمسا وانشغالا بدفع الخلافات بين المغرب والجزائر إلى الانفجار. وبالنسبة إلى أي مراقب لمواقفها فإن لعبها في هذا الاتجاه بات مفضوحا. فإسبانيا هي من “سربت” قبل أشهر–عبر إعلامها المُسخر من مخابراتها–أنباء وصورة لنشر الجزائر صواريخ عسكرية على حدودها مع المغرب. وبعدها بقليل، “سربت” الكثير من المزاعم الأخرى تباعا حول المغرب، من قبيل تنسيقه مع إسرائيل لإقامة ثكنة عسكرية على مقربة من الحدود الشمالية الغربية للجزائر، وأيضا مزاعم حول نشر المغرب للدرك الحربي –لأول مرة في تاريخه–على طول حدوده مع الجزائر، والأمثلة كثيرة لا يسع المجال لحصرها.

ومصلحة إسبانيا في قيام حرب بين المغرب والجزائر، تتمثل بالأساس في رغبتها في إضعاف المغرب بشدة، إلى الحد الذي لن يشكل عليها بعدها خطرا، وحتى لا يتمكن بعدها من رفع الرأس لمطالبتها بالجلاء عن مدينتي سبتة ومليلية والجزر المتوسطية التي تحتلها منذ قرون.

ولنتأمل في ذلك نتائج استطلاع للرأي أجري بإسبانيا مؤخرا. فقد كشفت بأن الغالبية العظمى من الإسبان عبروا عن استعدادهم الاصطفاف إلى جانب الجزائر وحليفتها جبهة البوليساريو الانفصالية، في حال اندلاع حرب بين المغرب وجارته الشرقية الجزائر. لكن للأسف على ما يبدو الجزائر غير عابئة بهذه المناورات الإسبانية الخبيثة التي تنفخ على رماد الخلافات بين البلدين الشقيقين لإشعال حرب مدمرة.

فمن خلال استحضار تاريخ الأزمة الراهنة بين الجزائر والمغرب، منذ أواخر العام 2019، نسجل بأن المغرب كان يرد على كل تصعيد جزائري وكل تهديد بالحرب، بدعوات متكررة إلى التهدئة والجلوس على طاولة مباحثات للوصول إلى حل. وحتى عندما تكرر التلويح بـ “معاقبة” المغرب تباعا من طرف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، و”المجلس الأعلى للأمن”، كار رد المغرب مقتضبا وواضحا: لن ندخل في حرب مع الجزائر!

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس