ماذا بعد رفض إسرائيل بيع ”القبة الحديدية” للمغرب؟

68
ماذا بعد رفض إسرائيل بيع ''القبة الحديدية'' للمغرب؟
ماذا بعد رفض إسرائيل بيع ''القبة الحديدية'' للمغرب؟

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. يقال إن أعلى درجات “التطبيع” بين الدول العربية وإسرائيل، تُقاس بمدى تطورها في المجال العسكري. وفي هذا الصدد، لم تبلغ علاقات أي من الدول التي طبعت علاقاتها مع تل ابيب (مصر والأردن والسودان والبحرين والإمارات)، المستوى الذي بلغته المغرب في مدة عام فقط. ففي 24 تشرين الأول/ نوفمبر 2021، زار المغرب وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، للتوقيع على اتفاق إطار أمني “ذو طابع تاريخي” بين الرباط وتل أبيب. ومما رشح في الإعلام الإسرائيلي ان الاتفاق يشمل تزويد المغرب بسلاح متطور، وإقامة مصانع بالمغرب لإنتاج طائرات بدون طيار إسرائيلية.

في الحاجة المغربية إلى “القبة”

بالإضافة إلى ذلك، تحدث الإعلام الإسرائيلي عن شمول الاتفاق المغربي الإسرائيلي لتزويد الرباط بمنظومات دفاع جوي متقدمة من نوع (برق8)، وأسلحة نوعية أخرى كانت إسرائيل ترفض بيعها من قبل للمغرب. وفي أجواء زيارة غانتس وما سبقها وتلاها من تهديدات إقليمية؛ راجت أنباء عن طلب المغرب من تل ابيب بيعه منظومة الدفاع الجوي الشهيرة باسم “القبة الحديدية”.

فقد كانت صحيفة “لوديسك” المغربية المعروفة بمصادرها النافذة، سباقة لكشف أن الرباط “مهتمة” بشراء نظام الدفاع الصاروخي المخصص لاعتراض وتدمير الصواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيرة والقذائف، وذلك لتعزيز قوة الجدار الدفاعي الذي يقيمه المغرب في الصحراء، وأيضا لحماية “المناطق المدنية والعسكرية ذات الطبيعة الحساسة”. بعد ذلك ذهبت كثير من المواقع الإخبارية والمنتديات المغربية، إلى الزعم حتى أن إسرائيل قد زودت المغرب بالفعل بمنظومة “القبة الحديدية” التي تصنعها شركة “رفائيل” الحكومية الإسرائيلية.

وكان رأي المتحمسين للموضوع أن ما يشفع للمغرب في هذا الامتياز، هو الوضعية الخاصة بين جميع الدول العربية، من حيث كون قرابة مليون إسرائيلي ينحدرون من أصول مغربية. ويوجد بينهم مسؤولون عسكريون ورجال أعمال وزعماء سياسيون كبار في إسرائيل. ومن بين هؤلاء على الخصوص، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق عمير بيريتس الذي ولد في 1954 مدينة أبي الجعد المغربية لأبوين من المغاربة ذوي الديانة اليهودية. وبيريتس هذا المعروف بربطه صلات قوية بأرض مولده وأجداده المغرب، هو من تولى منذ أسابيع فقط إدارة الشركة الإسرائيلية لصناعات الطيران والفضاء. وهو من قرر التكفل قبيل أيام ‒شخصيا‒ تسويق منتجات الشركة التي يديرها (أنظمة جوية للاستعمالين العسكري والمدني) للمغرب.

وكانت مصادر عسكرية إسرائيلية استبعدت لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، في نوفمبر الماضي، إقدام إسرائيل على بيع صواريخ منظومة الدفاع الجوي “القبة الحديدية” للمغرب، حسما للتقارير المحلية في المغرب التي أشارت إلى حاجة ورغبة الرباط في شراء هذه الصواريخ.

وأوضح خبراء عسكريون إسرائيليون عطفا على ذلك، حينها، بأن نسبة نجاح هذه الصواريخ في الاعتراض هي ما بين 75 إلى 90 في المئة، بكلفة تقدر بـ 50 ألف دولار للطلقة الواحدة!

وبسبب هذه “التكلفة المرتفعة”، ليس لدى إسرائيل ما يكفي منها، في وقت تحارب على جبهات متعددة وبشكل متزامن. ولذلك شككوا في إمكانية أن توقع إسرائيل على اتفاق من هذا النوع في الوقت الحالي، في حين أن المغرب يحتاج إلى هذه الصواريخ الدفاعية الآن وليس بعد سنوات. فضلا عن أن كلفتها المرتفعة تجعل صعبا على المغرب، استخدام صاروخ بآلاف الدولارات لإسقاط صاروخ يساوي بضع مئات من الدولارات، من نوع المتقادم الذي بحوزة جبهة البوليساريو).

في الرفض ومبرراته

منظومة ”مقلاع داود” الإسرائيلية

بعد مرور شهرين تقريبا على توقيع اتفاق الإطار الأمني “التاريخي” بين الرباط وتل أبيب، وفي وقت تناسى الرأي العام المغربي موضوع “القبة الحديدية”، وهدأت نسبيا الحرب الكلامية بين الجزائر والمغرب، يُعيد الإعلام الإسرائيلي مرة أخرى الجمعة الماضي “القبة الحديدية” إلى دائرة النقاش، وإن لم تكن الرسالة موجهة للمغرب بالتحديد. فقد كشف محللان عسكريان إسرائيليان في صحيفتي “يسرائيل هيوم” و”معاريف” العبريتين، عن أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية رفضت بيع الإمارات منظومات دفاع جوي، أبرزها “القبة الحديدية” و”مقلاع داود”.

فقد كتب المحلّل العسكري ألون بن دافيد في صحيفة معاريف يقول: إن “الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عبرت عن عدم رغبتها بشكل واضح، لاحتمال بيع تكنولوجيا متطورة لشركائها الجدد (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب)، خصوصا منها منظومات الدفاع الجوي التي تحتاجها هذه الدول بشدة”. وأضاف بن دافيد قالا: إن وزارة الدفاع الإسرائيلية تراجعت عن قرارها، القاضي بعدم بيع أنظمة دفاعية لدولة الإمارات العربية المتحدة. “لقد باعت لها تكنولوجيا أمن الأنترنت، لكنها امتنعت عن بيعها منظومات دفاع جوي”. وفي مواجهة هذا الرفض الإسرائيلي، كان على أبو ظبي أن تتجه نحو اقتناء أنظمة دفاع كورية شمالية مجهزة بالتقنيات الروسية.

ومن جانبه، أرجع المراسل العسكري لصحيفة “يسرائيل هيوم” يوآف ليمور، الرفض الإسرائيلي إلى “الخوف من تسريب معلومات التكنولوجية العسكرية المتطورة إلى جهات أخرى”. وبحسب بن دافيد، فقد خسرت إسرائيل 4,5 مليار دولار بسبب رفضها للصفقات العسكرية مع الإمارات.

وسبق لخبراء أمنيين إسرائيليين أن عبروا عن تخوفهم من إمكانية سقوط تكنولوجيا تصنيع هذه المنظومة الدفاعية المتطورة، بين ايدي جهات معادية لإسرائيل. كما هو الحال، مثلا، لو استطاعت جبهة “البوليساريو” المعادية للمغرب الوصول إلى أحد هذه الصواريخ. مشيرين إلى أن “المغرب لا يستطيع ضمان حماية هذه الأسلحة من ذلك الخطر”. ويضيف الخبراء إياهم، بأن اكتشاف هذه الجهات المعادية للمغرب للأسرار الفنية لهذه المنظومة، قد يجعلها (هي أو جهات أخرى غيرها) قادرة على تصنيع أسلحتها الخاصة، وهو ما من شأنه أن يهدد التفوق الأمني والعسكري الإسرائيلي.

ماذا بعد الرفض؟

منظومة ”مقلاع داود” الإسرائيلية

وتأتي هذه التطورات التي لا تتماشى مع الأهداف المتفق عليها، مع “اتفاقية أبراهام” المؤطرة للتطبيع بين أربع دول عربية العام ما قبل الماضي، في ظل برود ملحوظ تمر به العلاقات بين الرباط وتل أبيب منذ أسابيع. فهذه الأخيرة مُنيت بخيبة أمل كبرى، بعدما لم تجد سفيرها المعين في الرباط ديفيد غوفرين (الذي ما زال بالنسبة للمغرب مديرا لمكتب الاتصال الإسرائيل بالرباط) ضمن قائمة السفراء الذين اعتمدهم الملك محمد السادس قبل أيام.. بعد أن كان غوفرين يلوح منذ أكتوبر الماضي في أكثر من مناسبة بقرب اعتماد السفارة الإسرائيلية في شهر ديسمبر الماضي.. وفي ذلك التجاهل إشارة سياسية من الرباط إلى أن الاتفاق الذي أبرمته مع تل أبيب برعاية أمريكية، يتضمن التزامات واضحة من الأطراف الثلاثة نحو بعضها، وأن المغرب لن يقف مكتوف اليد وهو يرى الموقف الإسرائيلي، ينقلب ليلعب لعبة “الحياد” في النزاع المفتعل حول الصحراء الغربية.

فالرباط، تضع عينها على تطوير امتلاك نظم دفاعية جد متطورة، تعينها على تطوير قدراتها في حماية المنشآت الحيوية والحساسة المدنية والعسكرية، حيث اقتنت مؤخرا من إسرائيل نظام SKYLOCK المضاد للطائرات بدون طيار، الذي تصنعه شركة Skylock Systems. كما حصلت على طائرات مسيرة إسرائيلية متطورة، عززت بها ترسانتها العسكرية في مواجهة جبهة البوليساريو، وفي إحداث تفوق عسكري مع غريمتها الجزائر.

لكن بالمقابل تتريث إسرائيل في تنفيذ باقي التزاماتها بموجب الاتفاق العسكري بين الجانبين. فلم يجد مشروعا إقامة مصنعين (واحد بشمال المغرب والآخر بجنوبه) طريقهما إلى التنفيذ بعد. كما ردت إسرائيل بالرفض بشكل غير مباشر على رغبة الرباط في شراء منظومتي الدفاع “القبة الحديدة” و”مقلاع داوود”.

في المحصلة، إذا كان صعبا على المغرب قلب الطاولة على الإسرائيليين ‒كما فعل قبل 20 عاما عندما أغلق “مكتب الاتصال” بالرباط‒ بسبب ارتباط اتفاقية “التطبيع” هذه المرة تمت بمقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية؛ فإن ما ستشهده الأيام القادمة على الأرجح، هو تمددا طويلا لحال البرود بين الرباط وتل أبيب، إلى أن تتضح الرؤية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس