جديد قضية مجرم الحرب الإسرائيلي موشيه أبيحزر

19
جديد قضية مجرم الحرب الإسرائيلي موشيه أبيحزر
مجرم الحرب الإسرائيلي موشيه أبيحزر يستعرض بطولاته في قطاع غزة

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. قبل أسابيع، كانت قضية الجندي الإسرائيلي مجرم الحرب موشيه أبيحزر، الذي اعترف في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بقتل واغتصاب الفلسطينيين في غزة، والذي قضى عطلته بالمغرب، شغلت الرأي العام. لكن منذ أن رفع محامون مغاربة دعوى أمام “محكمة الإرهاب” بالرباط، من أجل إلقاء القبض عليه وتقديمه للمحاكمة، تأخر النظر في القضية، فتوارت وراء مستجدات الأحداث في الشرق الأوسط.
“أفريقيا برس” اتصلت بالمناضل المعروف عبد الصمد الطعارجي، وهو أحد المحامين الذين رفعوا القضية أمام القضاء، للاستفسار حول مآل القضية.. فكان التقرير التالي.

بدأت القضية أواخر شهر يوليو الماضي، عندما انتبه ناشطون مغاربة على الشبكة العنكبوتية إلى وجود شخص يحمل اسما عبرانيا، ينشر على مواقع للتواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهره في أماكن متفرقة بمدينة مراكش، في أعقاب نشره صورا يظهر فيها بلباس الجيش الإسرائيلي وهو يعربد في غزة الشهيد.

مجرم حرب سائحاً بيننا!

هكذا، حل الجندي الإسرائيلي موشيه أبيحزر بمدينة مراكش سائحا في شهر يوليوز الماضي، بعدما أمضى “مجرم الحرب” هذا ─كما يسميه النشطاء المناهضون للتطبيع─ شهورا ثلاثة، مجندا عسكريا بالجيش الإسرائيلي في الحرب القذرة على قطاع غزة. وإن كان سنه غير واضح من موقعه على شبكة التواصل الاجتماعي، إلا أنه دون شك دون سن 22، فالخدمة العسكرية يخضع لها جميع سكان الكيان البالغون بين سن 18 و21. قدم إليها من الكيان بعدما شارك في جرائم الحرب بقطاع غزة على مدى شهور تجنيده الثلاثة. وارتكب خلالها العديد من المجازر والجرائم ضد الإنسانية، من إبادة جماعية، وتطهير عرقي ضد الإنسانية. وكان خلال “عطلته” يتباهى بتلك “البطولات” التي اقترفها في حق نساء وأطفال وشيوخ غزة، من خلال فيديوهات موثقة كان ينشرها على صفحته بـ “أنستغرام”، يؤكد فيها بالحجة والدليل أفعال القتل والحرق والتعذيب والاغتصاب ضد الفلسطينيين، غير مكترث لكونها جميعها أفعال إرهابية مُجَرَّمة في القانونين الدولي والمغربي. بل كان يتفاخر بها في تعليقاته.

في بعض صور “عطلته” التي نشرها على أنستغرام، يظهر أبيحزر في ملاهي ليلية تارة وفي معالم سياحية بمدينة مراكش، تارة أخرى. وبحسب نشطاء مناهضين للتطبيع مع الكيان، فإنه كان يزعم مع مخاطبيه حيثما ذهب في المدينة الحمراء، بأنه يهودي من أصول مغربية فقط لكون أحد والديه وُلد بالمغرب. فزار ساحة جامع الفنا الشهيرة عالميا، وفنادق فخمة ومواقع سياحية نشر صورا توثق مروره بها، إلى جانب أخرى تظهره بلباس جيش الكيان يتباهى باحتلاله بيوتا مدمرة في غزة، هجرها سكانها قسرا بسبب العدوان الهمجي.

بعد نشره للصور والفيديوهات المذكورة على الشبكات الاجتماعية، انشرت مثل النار في الهشيم في المواقع الاجتماعية المغربية على الخصوص. ومعها انتشرت تهم الإبادة والتعذيب والاغتصاب وآلاف من عبارات السب والشتم والوعيد في حقه. فقام بمسحها وحذف جميع حساباته. لكن بعض أصحاب الحسنات من المواطنين المغاربة العاديين والنشطاء المناهضين للتطبيع، حرصوا قبل ذلك على نسخ الصور والفيديوهات وتعليقات مجرم الحرب الإسرائيلي الشاب.

ومن باب الانتصار لمظلومية ضحاياه من فلسطينيي غزة، تطوع محامون مناهضون للتطبيع مع الكيان ينتسبون إلى هيئة المحامين بمراكش، بتقديم شكاية أمام الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بمراكش، معززة بصور لمنشورات الجندي الاسرائيلي وتعليقاته التي يتباهى فيها باقترافه لجرائم حرب.

فاستقبلهم الوكيل العام وأشار عليهم بكون محكمته ليست مؤهلة للبت في قضايا الإرهاب، وأن شكايتهم ينبغي توجيهها إلى غرفة الجنايات المكلفة بقضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف بالرباط، الوحيدة في المغرب المؤهلة للنظر في قضايا الإرهاب. لقد كان واضحا أن السلطات المغربية، وإن كانت تُظهر بأنها ليست ضد مبدأ تقديم شكاية من ذلك النوع، تتعلل بأعذار تمس شكلية في الشكاية وبشروط الاختصاص القضائي.

وكانت وسائل إعلام مغربية زعمت أن مجرم الحرب هذا، قد تم اعتقاله من طرف الشرطة المغربية بمدينة مراكش. وهو زعم فندته الأيام، إذ لو حصل بالفعل اعتقال المشتكى به لكان المحامون المشتكون أبلغوا بذلك قانونيا. واستقبل رواد منصات التواصل الاجتماعي خبر تقديم الشكاية ضد الجندي الإسرائيلي، الذي شارك في حرب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، بين مُشيد بموقف المحامين معتبراً إياه خطوة هامة، في مسار المعركة القضائية ضد جرائم الكيان.. وبين معبر عن استيائه من تأخر تسجيل الشكاية بالمحاكم المغربية، وكذلك عدم إصدار قرار بالاعتقال في حق الجندي الإسرائيلي. بينما توقع آخرون أن يكون الجندي الإسرائيلي قد غادر المغرب بعد انتهاء عطلته.

المحامية نجية الهداجي: رفع القضية على الجندي الإسرائيلي مرتبطة بالدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطيني

شكاية أمام “محكمة الإرهاب”

وفي أواخر شهر يوليو، تقدم الأستاذة المحامون من هيئة مراكش: بشرى العاصمي، وسلوى المجادلي، وعبد الصمد الطعارجي، وعبد العالي الهداجي، ونجية الهداجي، وخديجة عقا، ومحمد العربي المعتز، وصلاح الزيادي، بشكاية إلى الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالرباط، ضد المسمى “موشيه أبيحزر” الذي كان مقيما حينها بفندق بمدينة مراكش. وطالب المحامون العارضون في شكايتهم باعتقال المشتكى به، “بوصفهم مواطنين مغاربة لحقهم ضرر جسيم من جراء الجرائم المرتكبة من المسمى موشيه أبيحزر، وأيضا بصفتهم محامين من واجبهم حماية الحقوق والدفاع عن المظلومين ومتابعة المجرمين ومحاربة الإرهاب، انطلاقا من المبادئ الكونية لحقوق الإنسان، ومن رسالة الدفاع المقدسة المتمثلة في الدفاع عن الحقوق وصيانتها من الانتهاكات المرتكبة من طرف الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني”.

وصرحت المحامية نجية الهداجي إثر ذلك، بأنها وزملاءها نجحوا في تسجيل شكايتهم، لدى محكمة الاستئناف في الرباط، لتنظر فيها ضمن قضايا مكافحة الإرهاب بالرباط “بعد جهد جهيد”. وذلك بعدما رفض الوكيل العام في مدينة مراكش قبول الشكاية ضد الجندي الإسرائيلي، باعتبارها لا تدخل في اختصاص النيابة العامة.

وتضيف الشكاية بأنه “نظرا للفظاعات المرتكبة من طرف مرتزقة من مختلف الجنسيات، منهم من يحمل الجنسية المغربية. ونظرا لكون الجرائم المرتكبة من طرف هذا الكيان ترقى لمستوى جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي وتعذيب، كما أكدت ذلك محكمة العدل الدولية، وكما أجمعت عليه جميع الهيئات الحقوقية الوطنية والدولية. ونظرا لأن أحد هؤلاء المرتزقة المشاركين في هذه الجرائم والفظاعات هو الجندي بجيش الكيان الصهيوني المسمى موشيه أبيحزر، والذي شارك في الحرب على غزة لمدة ثلاثة أشهر ارتكب خلالها العديد من المجازر والجرائم ضد الإنسانية من إبادة جماعية وتطهير عرقي، كان يتباهى بها في فيديوهات موثقة يؤكد فيها القتل والحرق والتعذيب والاغتصاب ضد الفلسطينيين، وهي جميعها الأفعال الإرهابية المُجَرّمة في القانون الدولي والقانون المغربي.. لذلك وطبقا لما تقرره مقتضيات المادة 1711 من قانون المسطرة الجنائية، التي تنص على أنه “بالرغم من أي مقتضى قانوني مخالف يتابع ويحاكم أمام المحاكم المغربية المختصة كل مغربي أو أجنبي ارتكب خارج المملكة بصفته فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا جريمة إرهابية، سواء كانت تستهدف أو لا تستهدف الإضرار بالمملكة المغربية أو بمصالحها. غير أنه إذا كانت الأفعال الإرهابية لا تستهدف الإضرار بالمملكة المغربية أو بمصالحها، وارتكبت خارج المملكة من قبل شخص أجنبي، بصفته فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا، فإنه لا يمكن متابعته أو محاكمته إلا إذا وُجد فوق التراب الوطني المغربي”. حيث إن مقتضيات الفصل 218-1 من القانون المتعلق بالإرهاب رقم 03-03، والمضاف إلى الجزء الأول من الكتاب الثالث من القانون الجنائي، يُعَرِّف جرائم الإرهاب التي تنطبق على ما قام به المشتكى به في الفقرة 1 من الفصل التي تنص على أن “الاعتداء عمدا على حياة الأشخاص أو على سلامتهم أو على حرياتهم أو اختطافهم أو احتجازهم”.

عبد الصمد الطعارجي المحامي في هيئة المحامين بمراكش

كما ينص الفصل 18-1-1 بأنه “تعتبر الأفعال التالية جرائم إرهابية الالتحاق أو محاولة الالتحاق بشكل فردي أو جماعي في إطار منظم أو غير منظم بكيانات أو تنظيمات أو عصابات أو جماعات إرهابية أيا كان شكلها أو هدفها أو مكان وجودها، ولو كانت الأفعال الإرهابية لا تستهدف الإضرار بالمملكة المغربية أو بمصالحها”.

لذلك ولأجله فإن المحامين العارضين يلتمسون بكل احترام البت في هذه الشكاية على وجه الاستعجال تلافيا لمغادرة المشتكى به للتراب الوطني المغربي”. وذلك: لإلقاء القبض على المسمى موشيه أبيحزر المقيم حاليا بفندق بمراكش، وتقديمه للمحكمة المختصة في حالة اعتقال لمحاكمته من أجل الأفعال المذكورة أعلاه، وحفظ حق العارضين في التنصيب طرفا مدنيا أمام المحكمة”.

جديد القضية

عندما كان الجندي الإسرائيلي يستريح في مراكش من تعب جرائمه التي اقترفها بغزة، في يوليو الماضي، كانت الحكومة المغربية توقع عقدا ضخما مع شركة الدولة الإسرائيلية لـ “الصناعات الفضائية IAI”، يشترى بموجبها المغرب قمرا صناعيا للتجسس بمبلغ مليار دولار، بينما حرب الإبادة كانت ما تزال متواصلة على غزة. فالمغرب الذي شهدت مدنه وقراه، خلال العام الأول من “طوفان الأقصى”، أزيد من 5000 تظاهرة ومسيرة تضامنية مع غزة، يعيش موزعا بين براغماتية جهاز الدولة الذي يسعى إلى الوفاء بتحالفه العسكري مع إسرائيل، من جهة، وحركية الشارع الذي لم يفتر حماسه منذ أكثر من عام لجهة التعاطف مع فلسطين ثم لبنان.

وفي غمرة التطورات المتلاحقة في الشرق الأوسط على مر الأسابيع، تناسى الرأي العام المغربي تقريبا قضية الجندي الإسرائيلي موشيه أبيحزر. ورغم أن بت “محكمة الإرهاب” بالرباط طال بما يكفي، إلا أن أسئلة كثيرة يظل الجواب عليها في حكم المجهول.. فنحن حتى الآن نجهل هل يحمل المشتكى به جواز سفر مغربيا، على اعتبار أن الإسرائيليين الذين ينحدرون من أصول مغربية يحق لهم الحصول عليه. ونجهل من إذا كانت السلطات المغربية استمعت إليه، وبالتالي ما إذا كان قد غادر المغرب، متى حصل ذلك..

في محاولة لاستجلاء غموض هذه القضية، اتصل “أفريقيا برس” بالمحامي عبد الصمد الطعارجي، وهو أحد المحامين الذين رفعوا قضية ضد مجرم الحرب الإسرائيلي الشاب. عن سؤال: أين وصلت قضية الدعوى؟ يرد الطعارجي أنه “بخصوص الشكاية المقدمة ضد الصهيوني المسمى موشيه أبيحرز، فقد توصلنا بقرار السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط، القاضي بحفظ الشكاية بعلة أن الوقائع المضمنة بها ارتُكبت خارج التراب الوطني”. لكنه يردف قائلا: “كدفاع سنتقدم بطلب العدول على هذا القرار، لخرقه مقتضيات المادة 711-1 من القانون الجنائي، التي تمنح الاختصاص للمحاكم المغربية للبث في جرائم الإرهاب، ولو ارتكبت خارج المملكة”. وأما بالنسبة للمجرم المشتكى به، فيخبرنا الأستاذ الطعارجي بأنه “يشاع أنه غادر المغرب”.

مر الصيف ولم تطوي الأيام فصول هذه القضية الغامضة، التي لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمآلاتها بعد. لكن، “على الأقل، سوف يفكر هذا المجرم وأمثاله مليا في المرة القادمة، قبل أن يقرروا زيارة المغرب!”، يعلق ناشط مغربي مناهض للتطبيع. فبالتأكيد أن البلد لا زال فيه ضمير ينتصر للقضايا العادلة، وقلب ينبض بحب فلسطين.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس