عبد الرزاق الإدريسي: الاحتجاجات مستمرة في المغرب رغم القمع والتخويف

124
عبد الرزاق الإدريسي: الاحتجاجات مستمرة في المغرب رغم القمع والتخويف
عبد الرزاق الإدريسي: الاحتجاجات مستمرة في المغرب رغم القمع والتخويف

أفريقيا برس – المغرب. أكد عبد الرزاق الإدريسي، النقابي المغربي البارز، في حواره مع “أفريقيا برس”، أن الاحتجاجات الشبابية مستمرة في المغرب رغم القمع والتخويف، وهي رد فعل طبيعي على الأوضاع المزرية التي تعيشها الأوساط الشعبية المغربية.

ولفت إلى أن حراك “جيل زد 212” يحمل المطالب نفسها التي ينادي بها النقابيون، والتي رفعتها الحركات الاجتماعية السابقة بالمغرب مثل حراك 20 فبراير 2011، وحراك الريف، وجرادة. وأوضح أن هذه المطالب المؤجلة تتعلق بالحق في الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية.

وبيّن أن محاولات إسكات الحراك بمنطق العصا والجزرة، أي العنف والاعتقالات والمحاكمات التعسفية من جهة، وإطلاق وعود برفع بعض الميزانيات أو إخراج قوانين متأخرة منذ 15 سنة ومساعدة الشباب على الترشح للمجالس من جهة أخرى، لن تنجح. وأكد أن الحل يكمن في الاستجابة الفعلية لمطالب المحتجين دون لفّ أو مماطلة.

عبد الرزاق الإدريسي هو نقابي مغربي بارز، والكاتب العام الأسبق لنقابة الجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي (FNE).

مع تجدد الاحتجاجات الشبابية ضد الأولويات الحكومية، ما موقفك كنقابي مغربي من هذا الحراك الاجتماعي؟

كنقابي مغربي، أعتبر الحراك الشبابي “جيل زد 212” حراكًا احتجاجيًا ضد الأوضاع المزرية التي تعيشها الجماهير الشعبية الواسعة، ويحمل المطالب نفسها التي ننادي بها دائمًا كنقابيين، والتي طالبت بها كذلك الحركات الاجتماعية السابقة بالمغرب مثل 20 فبراير 2011، والريف، وجرادة.

إذن هو حراك يذكّر بالمطالب السابقة المؤجلة، كالعيش الكريم، والحق في التعليم العمومي المجاني لجميع أبناء الشعب من الأولي إلى العالي، والحق في الصحة العمومية والسكن والشغل والحرية والديمقراطية والمساواة الفعلية والعدالة الاجتماعية، أي تقاسم ثروات المغرب بين جميع المغاربة وفي مختلف المناطق، ووضع حدّ للفساد ونهب المال العام واسترجاعه من ناهبيه وإنفاقه لصالح الشعب، مع محاسبة الفاسدين ومساءلتهم ومحاكمتهم.

وتبقى خاصية الحراك الحالي “جيل زد 212” منذ انطلاقه إلى الآن أنه حراك شبابي بامتياز، منتشر في مختلف مناطق المغرب، والاحتجاجات ما تزال مستمرة رغم القمع والبطش.

هل بوسع الحكومة امتصاص غضب الشارع مع إعلانها خطة لإصلاح الصحة والتعليم، أم أنها خسرت مصداقيتها أمام الرأي العام؟

للأسف، المقاربة الأمنية والتخويف والترهيب ما زالت سائدة، والضرب والسحل والاعتقالات الجماعية والمحاكمات الصورية والأحكام الجائرة مستمرة. هذه المقاربات لا تحلّ المشاكل بل تزيدها تعقيدًا، والحلّ هو الاستجابة الفعلية لمطالب المحتجين دون لفّ أو تسويف.

ما تقدمت به السلطة حتى الآن لا يجيب عن المعضلات الكبرى التي طرحها حراك الشباب. ومحاولات إسكات الحراك بالعنف والاعتقالات من جهة، وبالوعود برفع الميزانيات أو إصدار قوانين متأخرة ومساعدة الشباب على الترشح من جهة أخرى، لن تنجح. فحتى إن خفّت حدّة الاحتجاجات مؤقتًا، فإنها ستعود من جديد، كما يحدث دائمًا في المغرب.

برأيك، هل ستواصل الحكومة اعتماد المقاربة الأمنية لاحتواء الاحتقان رغم سلمية مطالب المحتجين وتحركاتهم؟

هذه هي طبيعة الدولة المغربية تجاه الاحتجاجات السلمية. وبحكم الطبيعة الطبقية لمن يتحكمون في القرار ببلادنا، فإن مطالب الشباب لا تهمهم، رغم أنها حقوق أصلية للمواطنين، وواجب أساسي على الدولة أن توفرها للجميع دون الحاجة إلى احتجاج.

لكن الدولة تُعطي الأولوية لإغناء الأغنياء، ما يؤدي إلى تفقير الفقراء، لأنها دولة الأغنياء الذين يتحكمون في القرار السياسي ويستولون على الثروات. أما الفساد المستشري الذي خرج الشباب للمطالبة بوضع حدّ له، فهو ما يقف في وجه التوزيع العادل للثروات وتحقيق العدالة الاجتماعية، التي تطالب بها مختلف الحركات الشبابية وغير الشبابية المنتشرة في جميع مناطق المغرب.

وعلى الدولة اليوم أن تكف عن هذه المقاربة الأمنية والقمعية، التي تُبرَّر بالدفاع عن “هيبة الدولة”، وأن تُطلق سراح جميع معتقلي حراك “جيل زد 212 بالمغرب” وجميع المعتقلين السياسيين، وأن تحترم الحق في التعبير والاحتجاج، وأن تعمل على تلبية المطالب المطروحة. فهذا وحده ما يمكن أن يحفظ للدولة هيبتها وللبلاد استقرارها الحقيقي، لأن الاستقرار المبني على الظلم والاستغلال ومعاناة أغلب الشعب ليس استقرارًا حقيقيًا.

ما هي مقترحاتكم للخروج من الأزمة الاجتماعية التي يعيشها المغرب؟

إن الوضع الذي تعيشه بلادنا بمشاكله المتراكمة ناتج عن غياب الديمقراطية الحقيقية وسيادة الاستبداد وديمقراطية الواجهة، إلى جانب غياب المساءلة والمحاسبة للمسؤولين، والصمت عن الفساد ونهب الخيرات والأموال العمومية، وانتهاج سياسة اللاعقاب لصالح الفاسدين والناهبين لأموال الشعب في مختلف المجالات.

كما أن الأزمة التي يعيشها المغرب هي أزمة بنيوية شاملة تتطلب تغييرًا جذريًا على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، بما يضمن الحق في الخدمات الاجتماعية الأساسية من تعليم وصحة وشغل وسكن وكرامة وحرية وعدالة اجتماعية.

ويجب وضع حدّ لتوجه الدولة الحالي الساعي إلى ضرب الخدمات العمومية، إذ سبق لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الأسبق، أن قال سنة 2014: “حان الوقت لترفع الدولة يدها عن الصحة والتعليم”. وهذا التوجه الذي واصلت الحكومات المتعاقبة اعتماده، يقوم على إضعاف الخدمات العمومية وتشجيع خوصصة التعليم من الأولي إلى العالي، والصحة وغيرها.

برأيك، هل هذا الجيل الجديد قادر على إيصال صوته والدفاع عن الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة؟

عملت الدولة المغربية والحكومات المتعاقبة منذ عشرات السنين على أن يبقى الشباب بعيدًا عن السياسة وعن الاهتمام بقضاياه وقضايا شعبه الحقيقية، وأن يظل ضعيف التجربة. كما عملت على قمع العمل النقابي التلاميذي والطلابي وحركات المعطلين، والعمل الثقافي والفني والجمعوي، والعمل السياسي الشبابي الجاد.

وقد أُجهِز على دور الشباب والعمل الجمعوي الهادف، ومسرح الهواة، والأندية السينمائية، والأندية الحقوقية بالمؤسسات التعليمية. ومع ذلك، فإن كل حراك بالمغرب نجد فيه الشباب في الصفوف الأمامية، يبادر ويقود وينظم الاحتجاجات.

وتبقى خاصية “جيل زد 212” بالمغرب أنه حراك شبابي بامتياز، وهو دليل على أن الشباب، رغم سياسات التهميش والإلهاء الممنهجة ضده بمختلف الوسائل، ما زال مهتمًا بقضاياه وبأوضاعه المزرية التي يعاني منها، كما يهتم بقضايا شعبه في مختلف المجالات. ورغم القمع والتخويف، فقد أثبت قدرته على إدارة المعارك بوعي ومسؤولية، ويجب أن يُحترم ويُقدّر وتُؤخذ طاقاته الإيجابية بعين الاعتبار لتوظيفها في خدمة القضايا الحقيقية للجماهير الشعبية، بما يخدم التطور والتقدم على جميع المستويات. والدليل على ذلك نوعية الملف المطلبي المطروح من طرفهم.

برأيك، من يقف وراء هذه الاحتجاجات؟ وهل هناك جهات خارجية تدعمها، خاصة مع الاتهامات في الفضاء الرقمي الموجهة إلى الجزائر أو التي ترى في إسرائيل وأمريكا المستفيدين من التغيير في المغرب؟

إن أسباب الاحتجاجات في المغرب، وعلى رأسها الاحتجاجات الحالية لـ”جيل زد 212″، هي أسباب داخلية خالصة، ناتجة عن السياسات اللاشعبية المتعاقبة التي أفرزت أوضاعًا سياسية واقتصادية واجتماعية مزرية يعيشها المغرب، وتنعكس سلبًا على الجماهير الشعبية، خصوصًا على الشباب من أبناء وبنات الطبقات الفقيرة والمهمشة.

أما العوامل الخارجية، فإن أبرزها خضوع الدولة والحكومات المغربية لإملاءات المؤسسات المالية الدولية الإمبريالية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي ساهمت في فرض سياسات لا شعبية ما زالت تؤدي إلى تدهور أوضاع المواطنين.

وبالنسبة للحراك الحالي وسابقاته من الحركات الاجتماعية، فهي تهدف إلى تغيير الأوضاع بما يخدم قضايا الشعب المغربي، ويحقق تقدمه ونموه في مختلف المناطق، سواء النافعة أو المهمشة. ويمكن القول إن العامل الخارجي الوحيد الذي ربما أثّر معنويًا هو الحراك الشبابي الذي حصل في دولة النيجر، والذي حظي بتغطية واسعة من وسائل الإعلام الغربية، كما حدث سابقًا في مدغشقر وغيرها.

ما هو تقييمك لموقف الأحزاب؟ هل هو داعم للاحتجاجات أم متوجس منها، خاصة أنها تُقاد بلا قيادة واضحة ومطالبها قابلة للتطور مع الميدان؟

إن الدولة والسلطات والأحزاب في الحكومة، وكذلك الأحزاب الموالية من خارجها، يواجهون هذه الاحتجاجات بالتشكيك والتبخيس والتخويف والترهيب والمناورات، وكل ما يمكن أن يحد من توسع رقعتها. ومع الأسف، يتم التغاضي عن مطالب الحراك وعدم مناقشتها أو التجاوب مع نبض الشارع.

وفي المقابل، هناك أحزاب سياسية ونقابات وجمعيات حقوقية تتبنى دائمًا المطالب نفسها التي يرفعها هذا الحراك الشبابي وغيره، ولذلك فهي مُساندة ومُدعِّمة ومُشارِكة فيه.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس