ماذا لو “غزا” المغرب سبتة ومليلية؟

15
ماذا لو
ماذا لو "غزا" المغرب سبتة ومليلية؟

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. في سياق النقاش الواسع المطروح في الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي في دول الاتحاد الأوروبي، بخصوص احتمال اندلاع حرب عالمية مع روسيا، يتصدر احتمال قيام حرب بين إسبانيا والمغرب حول مدينتي سبتة ومليلية “الترند” مجددا في إسبانيا؛ حيث لا يتوقف الإعلام عن دق ناقوس الخطر، محذرين من أن المغرب بعدما طوق المدينتين اقتصاديا وشرع في خنقهما، اتجه في السنين القليلة الأخيرة إلى محاصرتهما عسكريا بالثكنات والقواعد العسكرية، مما “يفضح” نواياه في مهاجمتهما مستقبلا لاسترجاعهما. وانبرت جمهرة الخبراء والمحللين العسكرين تضع تصورات وسيناريوهات للحرب القادمة، التي سيشجع فيها “ترامب الثاني” حليفه المغربي..
فماذا سيحدث لو قرر المغرب “غزو” سبتة ومليلية عسكريا؟ هل ستحظى المدينتان بحماية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي؟ وما هو وضع ميزان القوة بين الجيشين المغربي والإسباني؟ وفي حال قامت الحرب لمن ستكون الغلبة؟

منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع السنة الجارية، يسود مناخ من القلق والترقب دوائر الحكم في إسبانيا. فهذه الأخيرة ─كجزء من أوروبا─ تراجعت أهميتها الاستراتيجية في العقد الأخير بالنسبة إلى ساسة البيت الأبيض وقادة البنتاغون، برأي خبراء أوروبيين. ومع تحذير إدارة ترامب الصارم من أن بلاده لن تواصل حماية القارة العجوز، كعقاب لها على عدم كفاية مساهماتها في ميزانية حلف الأطلسي، أصبحت النخب العسكرية والسياسية في إسبانيا تتحدث بصوت عال عن إمكانية الدخول في حرب وشيكة مع المغرب، الذي قد يرى الفرصة تاريخية لغزو مدينتيه المحتلتين سبتة ومليلية واستعادتهما. ويشجع المغرب على ذلك كونه أصبح أكثر قربا وأهمية من إسبانيا إلى واشنطن، بدليل أن الرباط تحصلت في السنين القليلة الماضية على أسلحة أمريكية وإسرائيلية متطورة للغاية.. وبدليل أيضا أن البنتاغون إما أجّل أو ألغى نشاطات عسكرية مع دول أوروبية بسبب أزمة الناتو الحالية، بينما قرر بالمقابل رفع ميزانية مناورات “الأسد الأفريقي” ─وهي من بين الأضخم في العالم─ التي ستقام ككل سنة بداية شهر مايو القادم بالمغرب.

وفي سياق ذلك وغيره من التطورات الطارئة في المنطقة والعالم، خرج الأمر في الجارة الشمالية للمغرب من دائرة النقاش الأكاديمي النظري والإعلامي، لينتقل إلى مستوى التخطيط ووضع سيناريوهات للرد سياسيا وعسكريا على أي “غزو” مغربي لمدينتي سبتة ومليلية.

تطمينات رسمية، ولكن…

ووسط الجدل المتصاعد للأوساط الإعلامية الإسبانية حول مستقبل مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، خرج وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، بداية شهر مارس الجاري بتصريحات للقناة التلفزيونية الخامسة الإسبانية، ليبدد هذه المخاوف ويؤكد أن العلاقات الجيدة بين الولايات المتحدة والمغرب “لن تؤثر بأي شكل من الأشكال على وضع المدينتين أو على المصالح الإسبانية”، وأن “الرباط موضع ثقة بوصفها حليفا استراتيجيا لمدريد”.

وجاءت تصريحات ألباريس في وقت تشهد فيه إسبانيا ─منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض─ جدلا إعلاميا حول مستقبل سبتة ومليلية، خاصة بعد أن نشرت صحيفة “إل إسبانيول” المعروفة بارتباطها بالدولة العميقة في الجارة الشمالية، تقريرا مثيرا للجدل تحت عنوان: “خوف في سبتة ومليلية من مسيرة خضراء جديدة من المغرب بدعم من ترامب”. وبعدما أعادت وسائل إعلام أخرى نشر التقرير، تناسلت المخاوف والأسئلة وسط الرأي العام الإسباني، ما حمل المسؤول الأول عن السياسة الخارجية إلى خروجه الإعلامي الذي حرص من خلاله إلى تبديد المخاوف.

لا يفوت المراقب أن يلاحظ أن حكومة بيدرو سانشيز الاشتراكية تحاول جهدها لتطبيع العلاقات مع جارها الجنوبي المغرب، في ظل سياق إقليمي ودولي صعب. وعموما فإن الحكومات التي قادها الحزب الاشتراكي العمالي، منذ تبنت إسبانيا النظام الديمقراطي أواخر السبعينيات، أقامت علاقات هادئة مع المغرب، عكس الحكومات اليمينية التي قادها الحزب الشعبي المحافظ.

ولذلك فإنه في الوقت الذي تحاول الحكومة الحالية تطبيع العلاقات مع الرباط، تدفع الدولة العميقة ممثلة بقيادات عسكرية وأمنية متقاعدة وفي الخدمة وسياسيين من اليمين وأصحاب المصالح من كل صوب، من خلال أذرعها الإعلامية والبرلمانية، إلى الصدام مع المغرب بمناسبة وبدونها. لكن قضية مدينتي سبتة ومليلية والجزر المتوسطية المحتلة تشكل أم القضايا العالقة بين الرباط ومدريد، حيث لا يكاد يمر يوم واحد دون أن نطالع أخبارا وتحليلات تغمس في مداد الأحقاد التاريخية القديمة، وتدق طبول الحرب حولها باعتبارها أضحت رمزا لـ “السيادة الإسبانية”.

هل يتدخل الناتو والاتحاد الأوروبي؟

لقد زعزع الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض، مرة أخرى، أسس حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بمطلب وضع حلفاءه عند مفترق طرق: ضرورة رفع الإنفاق العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد أثار الاقتراح، الذي يتجاوز بكثير الهدف الذي تم تحديده سابقا وهو 2%، نقاشا حادا بين الحلفاء.

وفي الوقت الحالي، حققت 24 دولة من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الهدف البالغ 2%، ولكن معظم الحلفاء الأوروبيين وكندا غير قادرين على زيادة ميزانياتهم الدفاعية بشكل كبير في الأمد القريب. فالوصول إلى نسبة 5% يتطلب ميزانية سنوية قدرها 1,5 تريليون دولار، وفقاً لمركز التقييمات الاستراتيجية والميزانية. وإسبانيا توجد بين الدول الأعضاء في الحلف العاجزة عن تلبية شرط ترامب. ونتيجة لذلك، حذر وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث بروكسل من أن “الحقائق الاستراتيجية تمنع الولايات المتحدة من مواصلة إعطاء الأولوية للأمن الأوروبي”. وبحسب تحليل أجراه معهد إلكانو، فإن أي هجوم على سبتة ومليلية له صلة بالإرهاب أو بالجريمة العابرة للحدود، من شأنه أن يهدد أمن حلفاء آخرين، قد يؤدي إلى استجابة جماعية من جانب حلف شمال الأطلسي للدفاع عن المدينتين. بمعنى أن الحلف لن يكون في وارد التدخل في حال “غزاهما” المغرب في إطار نزاع مسلح مع إسبانيا.

وللإشارة، فإن “معهد إلكانو الملكي للدراسات الدولية والاستراتيجية”، هي مؤسسة فكرية مقرها في مدريد، يرأس مجلس إدارتها ملك إسبانيا وتتلقى تمويلا عموميا من وزارات وشركات تابعة للدولة. الهدف من تأسيسها هو “تعزيز المعرفة في المجتمع بالواقع الدولي والعلاقات الخارجية لإسبانيا في جميع جوانبها”.

ماذا سيحدث لو قرر المغرب شن هجوم مسلح على سبتة ومليلية؟ هل ستحظى المدينتان المتمتعتان بالحكم الذاتي بحماية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي؟

يرى بعض المحللين الإسبان أن على حلف شمال الأطلسي أن يضمن حماية الجيبين بموجب المادتين الخامسة والسادسة من معاهدة الأطلسي، اللتين تتعلقان بالدفاع المتبادل في حالة التعرض للعدوان. لكن في الواقع، تأخذ المادة 6 من هذا القانون المؤسس للحلف العسكري الأقوى في العالم، في الاعتبار كامل الأراضي الإسبانية بما في ذلك جزر الكناري، ولكن ليس سبتة ومليلة اللتين ليستا جزيرتين بل تتصلان ترابيا بالقارة الأفريقية، وليس في القارة الأوروبية.

وعلى الرغم من الشكوك حول التدخل المباشر لحلف شمال الأطلسي، فإن سبتة ومليلية جزء من آلية التعاون الهيكلي الدائم التابعة للاتحاد الأوروبي، التي تسمح للدول الأعضاء بتطوير قدراتها الدفاعية بشكل مشترك وتوفير وحدات قتالية للمهام. وبالإضافة إلى التدخل العسكري، قد يختار الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات اقتصادية أو دبلوماسية ردا على أي هجوم مغربي، وذلك اعتمادا على مدى خطورة الوضع. وهذا إجراء قاسي سيضرب له المغرب ألف حساب، حيث يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للمغرب، بواقع 43 مليار يورو (46,33 مليار دولار) من التجارة في السلع في عام 2021، و56 مليار يورو (60,34 مليار دولار) في عام 2023.

مقارنة بين الجيشين المغربي والإسباني

لا يتم قياس القوة العسكرية لأي دولة من خلال عدد القوات التي تمتلكها فحسب، بل أيضا من خلال ترسانتها من الأسلحة، وتكنولوجيتها، وحجم ميزانيتها الدفاعية، وقدرتها على الانتشار في حالات الحرب. وفي ما يلي مقارنة بين الجيشين الإسباني والمغربي. في حالة إسبانيا والمغرب، يتمتع كلا البلدين بقوات مسلحة منظمة بشكل جيد، وتتمتع بخصائص مميزة تعكس أولوياتهما الاستراتيجية. ولتحليل أي من الجيش لديه القوة الأكبر وأي جيش ستكون له الأفضلية في مواجهة افتراضية، سوف نستخدم بيانات من Global Firepower، وهو تصنيف متخصص يصنف القوات المسلحة لكل دولة وفقًا لقدراتها التشغيلية ومواردها الاستراتيجية ومعداتها العسكرية.

تمتلك إسبانيا جيشا يتمتع بتكنولوجيا عالية. من جانبه، عزز المغرب قدراته العسكرية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث زاد من ميزانيته الدفاعية وحصل على أسلحة متطورة، بهدف تعزيز مكانته كقوة عسكرية في شمال أفريقيا. وتكشف مقارنة سريعة بين الجيشين الإسباني والمغربي عن فروقات كبيرة في القدرات العسكرية، بحسب أحدث بيانات الموقع المذكور. ومن بين الجوانب الأكثر لفتا للانتباه ميزانية الدفاع: إذ تبلغ ميزانية إسبانيا نحو 23,39 مليار دولار، مقارنة بـ 13,4 مليار دولار للمغرب.

وفيما يتعلق بالقدرات البشرية، فإن المغرب يتفوق على إسبانيا، حيث يبلغ عدد القوات المغربية نحو 200 ألف جندي عامل، مقارنة بإسبانيا التي يبلغ عدد جنودها 133 ألف جندي. ويصبح الفارق أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بقوات الاحتياط، حيث يوجد في إسبانيا نحو 15 ألف فرد، في حين يوجد في المغرب 150 ألف جندي احتياطي.

وعلى مستوى المعدات العسكرية، تفوق إسبانيا في القطاع الجوي حيث تمتلك أسطولا يتكون من 461 طائرة، بما في ذلك طائرات مقاتلة أوروبية الصنع مثل “يوروفايتر تايفون”. أما المغرب، فيملك 260 طائرة، بما في ذلك مقاتلات إف-16 أمريكية الصنع من طراز “فالكون” و”فايبر”، حصل عليها في السنوات الأخيرة في إطار تحديث جيشه.

وفيما يتعلق بالقوة الأرضية، فإن الوضع معكوس. فالمغرب يتصدر المقارنة من حيث أعداد الدبابات بـ903 دبابة (بما في ذلك دبابة أبرامز إم1 المتطورة)، مقارنة بـ317 دبابة لدى إسبانيا، والتي تشمل نماذج مثل ليوبارد 2إي. وتتفوق إسبانيا على المغرب من حيث المركبات المدرعة، بنحو 17 ألف وحدة، مقارنة بـ7 آلاف وحدة للمغرب.

أما فيما يتعلق بالقوة البحرية، فتمتلك إسبانيا ما مجموعه 152 سفينة حربية، بما في ذلك حاملة الطائرات خوان كارلوس الأول، وغواصتين من طراز S-80، و11 فرقاطة. بينما يملك المغرب 111 سفينة حربية، بما في ذلك أسطول مكون من 105 زوارق دورية وكورفيت يسمح له بالحفاظ على حضور كبير في مياهه الإقليمية.

وبحسب موقع “جلوبال فاير باور”، تتفوق إسبانيا أيضا على المغرب من حيث الخدمات اللوجستية، حيث تمتلك عددا أكبر من الموانئ والمطارات الاستراتيجية، فضلا عن سهولة الوصول إلى الموارد الطبيعية الأساسية للحفاظ على قواتها المسلحة. وتسمح هذه الميزة اللوجستية لإسبانيا بنشر ودعم عملياتها العسكرية بشكل أكثر فعالية في حالة الحرب.

من سيفوز في الحرب؟

نقف الآن عند عتبة السؤال الأصعب: من سيفوز في حالة الحرب؟

وفقا لتقديرات محللين عسكريين إسبان، فإنه على الرغم من أن المغرب حقق تقدما كبيرا في قدراته العسكرية، وزاد ميزانيته وحدّث معداته العسكرية كثيرا، إلا أن إسبانيا لا تزال تتمتع بميزة واضحة في التكنولوجيا والقدرات الجوية والبحرية، فضلا عن استفادتها من دعم من حلفائها الغربيين. وفي مواجهة افتراضية، قد يؤدي التفوق التكنولوجي والاستراتيجي لإسبانيا إلى ترجيح كفة الميزان لصالحها، رغم أنه من المهم ملاحظة أن هذا التحليل ليس دقيقا، لأن نتيجة الحرب تعتمد على عوامل متعددة، مثل الاستراتيجية المتبعة، وطبيعة التضاريس، والتحالفات الدولية.

بينما يرى آخرون بأنه على الرغم من أن الجيش المغربي يتمتع بتفوق تكنولوجي عسكري أقل من غريمه الإسباني، إلا أن القرب الجغرافي من شأنه أن يمنحه ميزة كبيرة. فقرب المغرب من سبتة ومليلية وحتى من الأراضي الإسبانية، فضلا عن التفوق العددي للجيش المغربي، هما عاملان من شأنهما أن يرجحا كفة الميزان لصالحه. ومع ذلك، فإن تدخل حلف شمال الأطلسي أو حلفاء إسبانيا في الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى تعقيد أي محاولة الغزو المغربية المحتملة. لكن هل يتدخلون؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس