أنغير بوبكر لـ”أفريقيا برس”: أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب في تحسن مستمر

163
أنغير بوبكر لـ
أنغير بوبكر لـ"أفريقيا برس": أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب في تحسن مستمر

أفريقيا برس – المغرب. في معرض تقييمه للمشهد الحقوقي والسياسي بالمغرب، أكد الباحث المغربي أنغير بوبكر في حواره مع “أفريقيا برس” أن أوضاع حقوق الإنسان في بلده في تحسن مستمر، مستندا إلى عدة عوامل أبرزها الضمانات الدستورية التي يكفلها دستور 2011 فيما يخص الحريات، في حين أن النخب المغربية مطالبة بالانغماس في قضايا المجتمع وبمزيد الانخراط في دمقرطة الدولة، حسب وصفه.

وبين بوبكر أن التحديات الأمنية تفرض التسريع في الاندماج المغاربي وإعادة الدفء إلى العلاقات المغربية-الجزائرية، لافتا أن النخب السياسية والأحزاب المغاربية مطالبة بالضغط على حكوماتها لأجل تنظيم حوار مغاربي-مغاربي يعزز الوحدة ويتجاوز الخلافات ويعمل على بناء مشروع مغاربي واعد سياسيا واقتصاديا.

وأنغير بوبكر هو باحث مغربي حاصل على دبلوم السلك العالي للمدرسة الوطنية للإدارة بالرباط، وعلى دبلوم المدرسة الوطنية للدراسات السياسية بستراسبورغ، إضافة إلى دبلوم المعهد الدولي لحقوق الإنسان بستراسبورغ وعلى ماجستير الدراسات الصحراوية والأفريقية بجامعة ابن زهر بأكادير.

آمنة جبران
كباحث مغربي مهتم بشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان كيف تقيم المشهد الحقوقي في المغرب، وأي تحديات تعيق النخبة المغربية للقيام بدورها كما يجب في نشر الوعي والثقافة؟

شكرا جزيلا على الاستضافة، كما أشكركم على المجهودات التي تقومون بها من أجل نشر الثقافة الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان. بخصوص سؤالكم المتعلق بالوضع الحقوقي بالمغرب، فإن تقييمي المتواضع يقوم على عدة مؤشرات تبين أن المغرب قام بخطوات مهمة في المجال الحقوقي سمحت أن نقول بأن حقوق الإنسان بالمغرب في تحسن مستمر، وأن مجهودات كبرى مؤسساتية وأخرى مدنية ساهمت في ذلك :

أولا: المغرب يتوفر على دستور سنة 2011، فيه ضمانات دستورية وقانونية جد هامة لذلك سماه بعض الخبراء الدستوريين بدستور الحقوق، وينص أساسا على عدة مؤسسات دستورية مستقلة عن السلطة التنفيذية، وتشتغل بنوع من الاستقلالية عن الحكومة ويكفي أن نذكر العمل الكبير المؤسساتي الذي يقوم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يشتغل وفق معايير المؤسسات الوطنية الدولية الذي تنظمه مبادئ باريس، كما أنه يصدر تقارير حقوقية سنوية ودورية تنتقد بشكل موضوعي بعض الانزلاقات والخروقات الحقوقية المرتكبة من طرف السلطات العمومية، كما يقوم بتقديم آراء استشارية تهم مجموعة من القضايا التي تشغل بال الرأي العام الوطني كقضية المساواة في الإرث وحقوق المرأة و التعذيب و متابعات الصحفيين وقضايا الهجرة… كما أن المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان تقوم بدورها كذلك في نشر ثقافة حقوق الإنسان وتأطير المجتمع المدني المغربي وفق الاليات الاممية لحقوق الإنسان.

ثانيا : حرية الصحافة والتجمع والتظاهر بالمغرب حقوق مضمونة وفق الدستور ووفق القوانين المؤطرة للحريات العامة، صحيح أن هناك بعض الخروقات المرتكبة هنا وهناك بتقدير خاطئ من طرف بعض منفذي القانون إلا أن الخروقات والانتهاكات لحسن الحظ ليس لها طابع منهجي أو هي سياسة متبعة بشكل منهجي و مدروس. اليوم في المغرب نسيج حقوقي جمعوي متنوع ومناضل يساهم مساهمة جدية في التعريف بحقوق الإنسان و في الحرص على الترافع من أجل مجتمع محصن ضد الانتهاكات الحقوقية، و دولة قادرة على احترام القانون والعمل وفق مقتضياته. لا يمكن أن نقول بأن الوضع الحقوقي مثالي ولكن مجهودات كبيرة معتبرة يتم القيام بها خصوصا وأن ملك البلاد يحرص شخصيا على احترام حقوق الإنسان والحرص الشديد على حقوق المواطنين. لكن ثمة قوى نكوصية رجعية في الدولة والمجتمع تسعى بكل جهدها لعرقلة تسريع الانتقال الديموقراطي بالمغرب و الاستجابة الفعلية لطموحات الملايين من شباب المغرب التواق للحرية والديموقراطية و المساواة.

ثالثا: استطاع المغرب رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي مر منها بفعل تداعيات كورونا والتداعيات السلبية لارتفاع الفاتورة الطاقية بسبب الحرب الروسية -الاوكرانية والتي نتج عنها تضخم اقتصادي كبير وانخفاض معدل النمو الاقتصادي، رغم كل ذلك استطاع المغرب الصمود أمام هذا الإعصار الاقتصادي الجارف الذي أضعف القدرة الشرائية للمواطنين و أثر سلبا على الأوضاع الاقتصادية للأسر الفقيرة التي تأثرت بشكل كبير لكن التدخلات الرسمية للدولة ساهمت إلى حد كبير في التخفيف من هذا الوضع الاقتصادي القاتم. على صعيد المؤسسات السجنية والقانون الجنائي هناك تحسن كبير في اتجاه تحسين أوضاع حقوق الإنسان، ولكن لابد من إجراءات قانونية أخرى للاستجابة لمتطلبات المجتمع في هذا الاتجاه.

أما النخبة المثقفة المغربية فيمكن أن نقول بأن دورها تراجع للأسف الشديد لأسباب عديدة أهمها اندحار الوضع الاقتصادي للطبقة المتوسطة التي كانت دائما تشكل العمود الفقري للمثقفين، كما أن تراجع اعتماد الدولة والأحزاب على المثقفين لفائدة الأعيان وأصحاب الأموال والجاه في تدبير الشأن العمومي أمام تدهور وضعية النخب وتراجع تأثيرها واندحار القيم و المثل وانتصار الانتهازية وكل الممارسات الأصولية المشينة بالإضافة إلى المشاكل التي يعرفها التعليم الذي يعتبر المنتج الرئيسي للنخب كلها عوامل ساهمت في أحجام دور النخب واستبدالها بذوي النفوذ.

واليوم أمام النخب المغربية مسؤولية حقيقية في إعادة الاعتبار للقيم الفضلى في المجتمع ولن يكون ذلك إلا بالانخراط الجدي في مسلسل دمقرطة الدولة والمجتمع وعدم الركون إلى النقاشات التي تبتعد عن هموم الناس و آمالهم، على المثقفين النزول من الأبراج العاجية و الإنصات لروح الشعوب وتطوير آليات التواصل الجماهيري وعدم ترك المجال فارغا لأن الطبيعة تخشى الفراغ، المثقفين مطالبون بالانغماس في قضايا المجتمع والترفع عن الخلافات الهامشية فيما بينهم و تحمل مسؤولياتهم في تمثيل ضمير المجتمع.

هل تعتقد أنه آن الأوان للحديث عن الأمازيغية في المغرب وشمال أفريقيا دون خطاب المظلومية والإقصاء؟

الحركة الأمازيغية حركة مجتمعية أصيلة أي أنها من بنات أفكار المجتمع وليست دخيلة ولا مصطنعة ولا ظرفية، بل إنها حركة تنويرية تسعى إلى التعريف بتاريخ شعب عاش وما يزال في شمال أفريقيا، وبها أقام حضارة إنسانية رفيعة أعطت للعالم العلماء والحكماء .. يكفي أن نذكر سانا واغسطين وابن رشد وابن بطوطة وابن خلدون وابن زهر و التوحيدي.. لنعرف كم هي كبيرة وعظيمة الحضارة الامازيغية بشمال أفريقيا.

لكن في مرحلة زمنية محددة وخصوصا مع المد القومي العربي وانتصار الناصرية و البعثية تم استهداف الثقافة والحضارة الأمازيغيتين وفرض التعريب القسري على الأمازيغ وهمشت ثقافتهم وحنطت عاداتهم وطقوسهم الاحتفالية التي اعتبرت وثنية أو لا حضارية بتواطؤ واضح بين بعض القوميين و الاستعمار. لقد كان الأمازيغ ضحية التوازنات الدولية وترتيبات بناء الدولة الوطنية التي أسست أسسها على تيمتي العروبة والإسلام مما أدى إلى أن يركن الأمازيغ إلى زاوية الأحداث وهامش المجتمع. وهذا الأمر أدى بطبيعة الحال إلى تسرب اليأس وخطاب المظلومية إلى أدبيات الحركة الأمازيغية التي ظلت رغم ذلك متشبتة بنضالها المدني السلمي الديموقراطي ولم تتبنى خطابات الانفصال ولا الانغلاق، وهذا من أسباب قبول خطابها داخل البلاد وخارجه.

لكن بمجيء الملك محمد السادس إلى الحكم عرفت الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية انتعاشا وحيوية كبيرة وتم خلال هذا السياق تحقيق مجموعة من المكاسب في التعليم والإعلام والحياة العامة رغم وجود مقاومة شديدة للأمازيغية في بعض الدوائر الرسمية والحزبية التي تعتبر الأمازيغية تهديدا لوجودها لتاريخها المبني على الخرافات والأساطير والمغالطات التاريخية. لكن إرادة وإيمان جلالة الملك محمد السادس بالتعدد الثقافي واللغوي وتشبثه بالأمازيغية كمكون لغوي وثقافي وهوياتي مؤسس للحضارة المغربية وأن الأمازيغية قضية كل المغاربة ساهم بشكل كبير في تمتع الامازيغ بكامل حقوقهم في ظل دولة مدنية يتساوى فيها المواطنون على أساس الانتماء للوطن بغض النظر عن الدين أو اللغة أو الجنس أو الانتماء الاجتماعي .

لقد حققت الأمازيغية انتصارات كبرى باعتراف أغلب المكونات أحزابا ومؤسسات و مجتمع مدني بمشروعية المطالب الأمازيغية من حيث هي مطالب ديموقراطية حداثية ذات بعد ثقافي وتاريخي، إلا أن عملا كبيرا ما يزال ينتظر الأمازيغ في المغرب خصوصا وأن قوى معادية للأمازيغية ما تزال تشتغل وبقوة من أجل نشر المغالطات حول الأمازيغ من حيث أنهم انفصاليون أو من دعاة التحجر وتحنيط التاريخ وتأخير المجتمع، بل هناك من يعمل في الخفاء من أجل نشر اللا ثقة والإيقاع بين الحركة الأمازيغية والمؤسسة الملكية بالمغرب من أجل تشتيت الشمل وتخويف كل طرف من الأخر، لكن ولحسن الحظ فذكاء وحكمة الملك محمد السادس وتعقل الحركة الأمازيغية فوت وسيفوت الفرصة على كل أعداء الحركة الأمازيغية بالمغرب، لأن العلاقة الجوهرية الوطيدة بين المؤسسة الملكية ذات الشرعية التاريخية المديدة والحركة الأمازيغية لا يمكن إلا أن تتطور وتترسخ وتساهم في بناء مغرب الأمن و الاستقرار الذي ينعم بالديموقراطية وحقوق الإنسان.

كيف نجح المغرب في المحافظة على تنوعه الثقافي، وما الذي يحتاجه أمازيغ المغرب اليوم للتعريف بخصوصية ثقافتهم أكثر؟
أولا: الانسجام القائم بين كل أطراف ومكونات الشعب المغربي إذ أن المغرب قوي بتنوعه واختلافه و أن الشعب المغربي واع كل الوعي بأن أسس قوة دولته وحضارته هي الافتخار بين الأمم بالتنوع الثقافي الذي هو غنى وفرصة للتنمية وليس مدعاة للخوف أو للفتن.

ثانيا : المجتمع المدني المغربي والأمازيغي خصوصا ناضل بقوة ومنذ عقود من أجل الترافع على أهمية التعدد الثقافي واللغوي والديني وأن استقرار البلاد ومناعتها تكمن في تقوية اللحمة الداخلية وتعزيز كل مقومات الوحدة في إطار الاختلاف والتنوع، فقد استطاع المغرب بفضل قيادة حكيمة من الملك ومجتمع مدني يقظ ومناضل أن يجعل القطيعة مع الطروحات التوحيدية القسرية سلسة وبدون صعوبات كبيرة.

لقد كان دستور 2011 تجسيدا فعليا للتنوع الثقافي بالمغرب من حيث إعترافه بجميع المكونات الثقافية والهوياتية التي يزخر بها المغرب، وكان بالفعل منطلقا لتصحيح الأخطاء التاريخية المتوارثة والمنزلقات التاريخية التي كانت تعتبر المغرب دولة بهوية و دين واحد.

ثالثا: الثقة الكبيرة بين مكونات المجتمع المدني المغربي والمؤسسة الملكية حيث أن جميع مطالب المجتمع المدني المعقولة والمنطقية والتي تنبع من روح وطنية صادقة تم الاستجابة لها وتشجيعها والعمل على إرساء حوار مجتمعي قائم على كيفية تطوير وتنمية المغرب على جميع الأصعدة. لذلك قامت عدة مؤسسات حكومية بإصدار تقارير وتوصيات ناتجة عن خلاصات لقاءاتها مع المجتمع المدني والسياسي المغربي، ولعل أهمها تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي…

ما يحتاج الأمازيغ اليوم لتطوير أوضاعهم و ضمان إسهامهم في تنمية وتطوير البلاد هو أولا: عدم جعل قضيتهم بأيدي الأحزاب لان ذلك سيجعلهاقضية خلافية، بل يجب أن تكون قضية دولة ومجتمع .

ثانيا: يجب العمل الميداني أكثر مع الشعب وفي كل القرى والمداشر من أجل التعريف بالأمازيغية وقيمها الإنسانية الفضلى التي لا تبتغي لا المساس بالأديان والمعتقدات ولا الإساءة للمختلفين ثقافيا.

ثالثا: يجب أن تكون الأمازيغية ثقافة وحضارة و لغة في عمق انشغالات مؤسسات الدولة ولا يجب اختصارها في الفرجة والفلكلرة.

ماهو سبب نجاح مهرجان الأركان وإشعاعه في تقديركم؟

نجح مهرجان ظلال أركان في إشعاعه بتظافر عدد من العوامل أهمها:

أولا: قيمة شجر الأركان في المنظومة الأيكولوجية المغربية كشجر نادر مضاد للتصحر و ممكن استثماره في ظل التغيرات المناخية التي تؤثر على مجالنا الغابوي، كما أن مجال الأركان تستفيد منها ساكنة قروية مهمة تشكل النساء عمودها الفقري و هذا ما يجعل تنمية قطاع الأركان والتعريف به في صلب الارتقاء بالاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي تراهن عليه بلادنا لربح رهان التشغيل و تطوير مؤشرات الدولة الاجتماعية.

ثانيا: المهرجان نافذة للاطلاع على التجارب التنموية المغربية في مختلف المجالات حيث يسعى المهرجان إلى إطلاع الزوار من المغرب وخارجه على المجهودات المغربية المبذولة من أجل تنمية أقاليمنا الجنوبية .

ثالثا: المهرجان عنوانه التنوع الثقافي والفكري وهو بذلك مفتوح على كل الطاقات للمشاركة فيه واعتباره منطلقا لمناقشة مجموعة من القضايا الملحة ومنها التعاون جنوب- جنوب.

هل يمكن ترميم العلاقات المغربية- الجزائرية؟

العلاقات المغربية -الجزائرية محكوم عليها أن تكون جيدة بحكم التاريخ والجغرافيا وتطلعات الشعبين المغربي والجزائري الذي لا مشكل إطلاقا بينهما . قام الملك محمد السادس بعدة مبادرات تصالحية اتجاه الجزائر، لكن للأسف الشديد الرد الرسمي الجزائري كان مُخيبا للآمال وغير مدرك للأهمية الإستراتيجية للعلاقات المغربية -الجزائرية، المغرب دولة وشعبا لا يكن أي حقد أو ضغينة اتجاه الجزائر رغم احتضان هذا الأخير لجبهة انفصالية تهدد الوحدة الترابية للمغرب.

في نظري المتواضع يجب على الحكماء والساسة ذوي الخبرة من الجانبين أن يساهموا في حل الإشكاليات العالقة بين البلدين إذ لا يعقل أن تستمر الوضعية بين البلدين بهذا السوء ويتم استغلالها من طرف قوى أجنبية طامعة تريد استمرار التوتر لمصالحها الذاتية الضيقة. تصوروا لو أن البلدين تكاملا اقتصاديا ونسقا سياسيا سيكونان قطبين قويين في شمال أفريقي أقوى و ذو تأثير على العالم لكن يبدو أن لحكام المرادية رأي آخر.

التحديات الأمنية في الساحل والصحراء وانتشار التهديدات الإرهابية والسلاح المنفلت من عقال الدولة كلها عوامل ومخاطر يجب أن تسرع في الاندماج المغاربي وفي عودة الدفء للعلاقات المغربية -الجزائرية .

نتمنى من أشقاء البلدين وأصدقائهم القيام بمبادرات وتصالحية بين البلدين وأن يتم الاحتكام لروح الحوار وتغليب مصالح الشعبين على حسابات تاريخية وشعارات جوفاء مستقاة من قاموس الحرب الباردة.

ما سر تركيز المغرب على عمقه الأفريقي، هل نجح المغرب استراتيجيا في توطيد العلاقات مع أفريقيا؟

المغرب بلد أفريقي مفتخر ومعتز بأفريقيته ومصيره هو نفس مصير الدول الأفريقية، لذلك كان المغرب وسيظل دائما حريصا على تقوية روابطه مع باقي الدول الأفريقية حيث أن في ذلك رجوع لأمجاد الإمبراطورية المغربية التاريخية الممتدة التي كانت حدودها في العمق الأفريقي و كلما قوي المغرب جنوبا في علاقاته الأفريقية إلا وتقوى وضع المغرب الخارجي. كما أن الموقع الجيوستراتيجي للمغرب كبلد يشكل صلة وصل بين القارة الأفريقية والقارة الأوروبية يجعل موقعه هذا أساسيا في كل التحديات التي تعرفها القارتين وخصوصا في قضايا الهجرة السرية وقضايا انتشار المخدرات والإرهاب التي يلعب فيها المغرب بحكم موقعه موقع الصدارة في المواجهة وتحمل تبعات أمن أفريقيا وأوروبا في نفس الآن .عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي سنة 2017 و دوره في مجلس الأمن و السلم الأفريقي وفي كل الهيئات الدولية جعل من المغرب محاميا مدافعا عن قضايا القارة في كل اللقاءات والمحافل الدولية. والمغرب كما هو معلوم من مؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية وهو الحريص على استقلال القارة وازدهارها وتوحيد سياساتها للخروج من تبعات الاستعمار القديم والجديد.

لقد نجح المغرب في توحيد علاقاته الأفريقية وأصبح المستثمر الأفريقي الثاني في القارة الأفريقية، وتساهم الشركات الوطنية الكبرى في العمل الاقتصادي الهادف والمثمر في عدد من الدول الأفريقية خصوصا في الغرب الأفريقي و الساحل الأفريقي تحديدا.

ولعل أنبوب الغاز الذي سيربط المغرب بنيجيريا وكذلك مشروع تصنيع الأسمدة بأثيوبيا و مشروع بناء عدد من المشاريع الكبرى بالسنغال وساحل العاج نماذج من النجاح المغربي في أفريقيا. هذا النجاح الاقتصادي انعكس إيجابا على الجانب السياسي حيث ارتفع عدد الدول التي سحبت اعترافها بجبهة البوليساريو مع تواصل فتح قنصليات الدول الأفريقية بالأقاليم الجنوبية المغربية.

أي أفق للبناء المغاربي وما يمكن فعله في الغرض بقطع النظر عن الخلاف بين المغرب والجزائر؟

الاندماج المغاربي حلم مؤجل لدى كل الشعوب المغاربية، وهو تطلع لوحدة شعوب يجمع بينها كل شيء ولا يفرقها إلا تفاصيل قليلة وجزئيات بسيطة لا ترقى للخلاف. الخلاف المغربي- الجزائري قوض كل المساعي وأجهض كل الأحلام وأجل مشروع مغاربي واعد اقتصاديا و سياسيا. ولكن هذه الوضعية لا يجب أن تستمر بل يجب على المجتمعات المدنية والأحزاب السياسية الترافع بكل الوسائل المشروعة من أجل الضغط على حكوماتها لبدء حوار مغاربي- مغاربي وفتح الحدود وإقامة سوق مغاربية مشتركة. وعلى النخب و الفعاليات السياسية والمدنية أن تساعد في تكسير الحائط الجليدي بين الشعوب المغاربية والقيام بمبادرات مدنية تتجاوز الدول و تشيد أواصر اللقاء والتلاقي بين الشعوب المغاربية.

لماذا المغرب يتجه مسرعا في التطبيع مع إسرائيل وفي جميع المجالات وبشكل كبير وواسع في خلاف مع توجهات شعبه وشعوب المنطقة، ألا يضر ذلك بمستقبل المغرب والمنطقة خاصة وأن إسرائيل لم تدخل بلدا أفريقيا إلا وأضرت به؟

العلاقات المغربية -الإسرائيلية ليست وليدة السنوات الأخيرة بل هي علاقات ممتدة في التاريخ فرضها أولا تواجد جالية مغربية يهودية بإسرائيل، وهي تربطها علاقات البيعة بالعرش العلوي وبالتالي فالمغرب طبع مع جزء من شعبه في إسرائيل، كما أن تقدير المصلحة العليا للمغرب يقوم بها الملك ونحن نثق فيه ونعتبر قراراته ملزمة لنا كشعب مغربي وَفيّ، والعلاقات المغربية الإسرائيلية لا تستهدف أي طرف من الأطراف أو دولة من الدول بل هدف العلاقات هو تقوية الأمن الاستراتيجي المغربي والاستفادة من التجربة والخبرة المتقدمة للإسرائيليين في عدد من المجالات والقطاعات. في نفس الاتجاه فالعلاقات المغربية- الإسرائيلية لا تعني أن المغرب يتفق مع جميع القرارات والممارسات الإسرائيلية بل لكل مقام مقال، و دعم المغرب بخصوص القضية الفلسطينية ثابت وراسخ و الدليل أن المغرب سعى دائما إلى تعمير القدس وإدانة كل أشكال الاستيطان والقرارات الأحادية الجانب لأن المغرب مقتنع أتم الاقتناع أن حل القضية الفلسطينية لن يكون إلا بالحوار والتدافع السلمي في إطار قرارات الشرعية الدولية و الأرض مقابل السلام و قرارات المبادرة العربية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس