اكتشاف أقدم بقايا إنسان في المغرب.. وعلماء يتوقعون تغيير تصورهم لأصل البشر

14

انقلب المفهوم المتعلق بأصل الجنس البشري رأسا على عقب يوم الأربعاء 7 يونيو بالإعلان عن كشف بقايا عظمية بمنطقة جبلية مغربية يزيد عمرها مئة ألف عام عن أي رفات أخرى معروفة للجنس البشري (هومو سابينس). وحدد علماء أن الجماجم وعظام الأطراف والأسنان التي تخص خمسة أفراد على الأقل تعود إلى نحو 300 ألف عام مضت في كشف مدو بمجال علم الأجناس البشرية (الأنثروبولوجيا). وقال أحد الباحثين إن قدم البقايا العظمية مدهش. لكن اكتشافها في شمال أفريقيا وليس الشرق أو حتى أفريقيا جنوب الصحراء يتحدى التوقعات أيضا. وكانت الجماجم والأوجه والأسنان شبيهة بنظيراتها في الإنسان المعاصر لكن الجمجمة الممدودة أظهرت أن الدماغ احتاج مزيدا من الوقت ليتطور إلى شكله الحالي.

وقال جين-جاك هابلين الباحث في معهد ماكس بلانك الألماني للأنثروبولوجيا الذي شارك في البحث الذي نشر بدورية (نيتشر) “تعرض هذه المادة أصل جنسنا”. وقبل الاكتشاف الذي تحقق بموقع يطلق عليه جبل إيغود بين مراكش وساحل المغرب على المحيط الأطلسي كانت أقدم بقايا معروفة لجنس هومو سيبيانس اكتشفت في موقع إثيوبي يعرف باسم أومو كبيش وتعود إلى 195 ألف عام.
وقال هابلين “الرسالة التي نود أن ننقلها هي أن جنسنا أقدم كثيرا مما كنا نعتقد وإنه لم ينشأ …في مكان ما في شرق أفريقيا. إنها عملية في كل أفريقيا وسيناريو أكثر تعقيدا مما جرى تصوره حتى الآن”. وعثر على البقايا العظمية في قاع كهف وتخص ثلاثة بالغين ومراهق وطفل يبلغ ثمانية أعوام تقريبا يعتقد أنهم كانوا يعيشون على الصيد.

وزير الثقافة يتوقع إعطاء مكانة دولية متميزة للمغرب جراء اكتشاف “أقدم إنسان”

أكد وزير الثقافة والاتصال، محمد الأعرج، أن اكتشاف أقدم إنسان-من صنف الإنسان العاقل، يعود تاريخه إلى أكثر من 300 ألف سنة خلت، في موقع جبل إيغود بإقليم اليوسفية يعطي للمغرب مكانة دولية متميزة في دراسة هذه الحقبة من تاريخ البشرية. وأوضح الوزير في لقاء صحفي نظمته الوزارة بمقر أكاديمية المملكة المغربية، أن البقايا التي عثر عليها بجبل إيغود، والتي تم تحديد تاريخها باستعمال التقنية الإشعاعية لتحديد العمر، تعود لحوالي 300 ألف سنة قبل الحاضر، “وبالتالي فهي تعتبر أقدم بقايا لفصيلة الإنسان العاقل تم اكتشافها إلى غاية يومنا هذا”.
وذكر الأعرج أنه تم اكتشاف موقع جبل إيغود بإقليم اليوسفية بجهة مراكش تانسيفت في بداية الستينات، وذلك عن طريق الصدفة، مشيرا إلى أنه يمكن تقسيم البحث الأثري بهذا الموقع إلى مرحلتين، بدأت أولها من ستينيات القرن الماضي ، وعرفت تدخلات الجيل الأول من الباحثين في الموقع، حيث تم خلالها العثور على بقايا إنسان ومجموعة حجرية تعود للعصر الحجري الوسيط لها خصوصيات
مورفولوجية بدائية، غير أنه لم يكن بالإمكان تدقيق تاريخها وبالتالي فإنها لم تعط نتائج مرضية تجيب على إشكالية ظهور الإنسان العاقل.
وأضاف أن المرحلة الثانية، والتي بدأت منذ سنة 2004 بمشاركة جيل جديد من الباحثين استهدفت تأريخ الموقع من خلال تسخير الإمكانيات والتقنيات المتطورة، وكذا الحصول على بقايا إنسان إضافية في أفق ربطها استراتيغرافيا وصنفيا وفرديا بالبقايا السابقة للحصول على مجموعة بقايا متكاملة.
وأشار إلى أن هذا الاكتشاف العلمي الجديد تم في إطار برنامج بحث علمي يسهر على تنفيذه المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط ، التابع لوزارة الثقافة والاتصال، بتعاون مع معهد ماكس بلانك بألمانيا، تحت إشراف الأستاذين عبد الواحد بن نصر عن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث و جان جاك يوبلان، عن معهد ماكس بلانك للأنتروبولوجيا التطورية بألمانيا.
وشدد الوزير على أن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث يسهر على تنفيذ عدة برامج للبحث في جميع فترات تاريخ المغرب منذ مليون سنة، بهدف التعريف بتراث وحضارة المغرب، وذلك بتعاون مع عدة مؤسسات أكاديمية وعلمية وطنية ودولية.
وأضاف أن وزارة الثقافة والاتصال ستسهر على حماية الموقع وتسهيل تنظيم زيارات ميدانية لفائدة الخبراء والإعلاميين المغاربة والأجانب لتسليط الضوء على هذا الحدث العلمي العالمي الجديد موضحا أن عمليات التنقيب والبحث ستتواصل في أفق العثور على بقايا أخرى للوصول إلى مجموعة متحفية متكاملة.
من جهته، أبرز عمر أكراز، مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، أن خصوصية العظام التي هي بقايا لفصيلة الإنسان العاقل تكمن في كون عمرها يفوق عمر أقدم إنسان عاقل تم اكتشافه إلى الآن بحوالي 100 ألف سنة. وأشار إلى أنه تم العثور في موقع إيغود منذ ستينيات القرن الماضي على بقايا إنسان وأدوات تعود إلى العصر الحجري الوسيط، موضحا بالمقابل أن العمر
الجيولوجي لهذه الاكتشافات ظلت محل لبس لسنوات.
بدوره، قال الباحث عبد الواحد بن نصر الذي شارك في قيادة البحث الميداني بالموقع أن هذا الاكتشاف شكل موضوع مقالين تضمنهما عدد 8 يونيو الجاري من مجلة “نايتشر” المرموقة، مضيفا أن الوزارة ساهمت في توفير كل الظروف والإمكانيات الضرورية التي أفضت إلى هذا الاكتشاف العلمي الفريد من نوعه، وأنه تمت الاستعانة بخبرة عالمية تتكون من خبراء مغاربة وأجانب. وأوضح أن
البقايا التي تم اكتشافها وتأريخها، والتي توثق للمراحل الأولى لتطور الإنسان العاقل، تجعل من موقع جيل إيغود أقدم وأغنى موقع يرجع إلى العصر الحجري الوسيط بإفريقيا، معتبرا أن هذا الاكتشاف يفرض على الباحثين والانتربولوجيين إعادة تقييم المعارف بشأن تاريخ الإنسان.