جديد سهيل بنبركة وفيّ لنهجه

21

في جديده، يستعيد المغربي سهيل بنبركة، أحداثًا تاريخية لمغرب القرن الـ19، محاولاً رسم ملامح تلك الحقبة، بإبهار بصري يفتقر إلى المنطق الدرامي. مُجدّدًا، يتناول المخرج المغربي سهيل بنبركة (تمبكتو، 1942)، في “من رمل ونار الحلم المستحيل” (2019)، اشتباك ضفتي المتوسّط: يصل أمير سوري لاجئ إلى طنجة، بداية القرن الـ19، ويتصل برجال السلطان المغربي مولاي سليمان. هكذا تتحسّن وضعيته، بعرضه خدماته عليه.

في الفيلم، نرى المغرب من زاويتين: أولى بعين ضابط، تحتفي بالجهل الذي يُسهِّل نشر الفوضى. هذا مدخل إلى السيطرة على المغرب. ثانية بعين شاعر قلِق، ترصد انحطاط المغرب ثقافيًا. يقف الشاعر في مكتبة القرويين أمام فئران تتقافز فوق كتاب “التاريخ الطبيعي” لبْلِين، كما يلتقي رجال بلاط أميين وعلماء محدودي الأفق، يعتبرون أن القرآن أجاب عن الأسئلة كلّها، فانتهى البحث. تحزن عين الشاعر على شعب يخرج في لحظة الكسوف، مردِّدًا دعاء “اللطيف” لصدّ شرّ ظاهرة فلكية.

سهيل بنبركة وفيٌّ لنهجه في تصوير المواضيع التاريخية والسياسية. وكالعادة، مَشَاهد حربية ملحمية مبهجة، ذات حِرفية اشتغال عالية. عرض الفيلم خارج المسابقة الرسمية للدورة الـ20 (بين الأول والتاسع من مارس 2019) لـ”المهرجان الوطني للفيلم” في طنجة، بمناسبة افتتاح قاعة سينمائية جديدة، تحمل اسم “غويا” (رسّام إسباني في القرن الـ19). العرض كان بمستوى تقني عالٍ، بخلاف أفلام المسابقة ذات الميزانيات المحدودة. كما أن بنبركة لم يُرشِّح فيلمه للمسابقة الرسمية، وهذا سلوك مُثير للجدل.
لقطات كثيرة في “من رمل ونار الحلم المستحيل” تحمل رسائل مفصّلة، تُقرأ لتعويض نقص المعلومات عن العصر. حين لا تُقرأ الرسائل، تحضر حوارات لاستعراض المعلومات. الحوار مُشبع بمفاهيم سياسية ودينية، تجعله حوارًا مباشرًا خطابيًا يليق بأفلام النضال في سبعينيات القرن الماضي، كما في “أموك” (1983) لبنبركة نفسه. حوار مباشر، تليه موسيقى تصويرية صاخبة، تُملي مشاعر معيّنة. موسيقى قوية غير تعبيرية، يبدو أنها جاهزة ولم تُؤلَّف خصيصًا للفيلم. تُستخدم الموسيقى نفسها في لقطات حربية وأخرى حميمة. موسيقى برّانية من دون لمسة مغربية.