أفريقيا برس – المغرب. شهد المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط، يوم أمس الثلاثاء، والذي ينظم ما بين 18 و27 أبريل الجاري، تكريما خاصا للكاتب الراحل إدريس الشرايبي، حيث قدم الروائيان زينب مكوار وكبير مصطفى عمي قراءة متبادلة لروايته الشهيرة «الماعز». تميز اللقاء أيضا بمداخلات من الأكاديمي قاسم باصفو وأرملة الفقيد شينة الشرايبي، بالإضافة إلى رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج (CCME) إدريس اليزمي وعدد من الكتاب. كان الحدث فرصة لتسليط الضوء على نص يعتبر مؤسسا في تناول قضايا الهجرة المغربية والمغاربية في فرنسا.
صدرت رواية «الماعز» في عام 1955، وتعتبر نقطة تحول في الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية، حيث لا تزال واحدة من الأعمال الأكثر تأثيرا في مسيرة الشرايبي. الاحتفال بمرور سبعين عاما على صدور الرواية لم يكن مجرد تكريم، بل لحظة حاسمة نظمتها وزارة الشباب والثقافة والاتصال ومجلس الجالية المغربية بالخارج لجعل أعمال الشرايبي متاحة للأجيال الحالية والمستقبلية.
وفي هذا السياق، أكدت الكاتبة زينب مكوار على أهمية أعمال الشرايبي، مشيرة إلى أن «الماعز» يظل عملا فنيا ذا صلة ملحة حتى اليوم. وقالت: «لا يزال هناك تهميش للآخرية وطريقة للحديث باسم الآخر، كما لو أننا نعرفه أفضل من نفسه، وهذا العمل يجيب على ذلك بطرق متعددة».
«هذا التقييد بالإقامة مع هذه السرديات الإعلامية أو السياسية خطير للغاية ويثير تساؤلاتنا. في العالم الحالي، كان ادريس الشرايبي في الطليعة بالاستجابة لهذا الحاجة الملحة للسرديات البديلة من خلال الكتابة، ليحمل صوته ويصبح بالتالي فاعلا في مجاله وليس مجرد شيء سلبي في خيال الاستشراق.» زينب مكوار
الاحتفاء بادريس الشرايبي في SIEL وما بعده
من جانبه، أشار إدريس اليزمي إلى أن «الماعز» كانت واحدة من أعظم الروايات المكتوبة بالفرنسية حول الهجرة، حيث عالجت قضايا معقدة مثل حرب الجزائر والعنصرية ضد المغاربيين. ورغم ذلك، لم تُترجم الرواية إلى العربية حتى عام 2021. وأكد رئيس CCME على أهمية العمل كمساهمة ثقافية للمغاربة في العالم. زينب مكوار، قاسم بصفاو وكبير مصطفى عمي / Ph. CCME
في الجناح المشترك بين الوزارة وCCME بالمعرض، تم تخصيص مساحة لعرض أعمال الشرايبي. وأوضح قاسم بصفاو أن الهدف من هذا الإعداد هو تعزيز الأدب ليكون متاحا للجميع، مشيرا إلى أن التكريم يجب أن يعرف بالكاتب لأولئك الذين لم يكتشفوه بعد، كما أشار إلى نقص في بعض التكريمات المقدمة للكتاب الكبار مثل فاطمة المرنيسي.
وأضاف “من المهم أن تشمل مثل هذه اللقاءات حضور أصدقاء وأفراد عائلة هذه الشخصيات، لكن من المفيد أيضا إشراك أكاديميين وكتاب ومفكرين آخرين” “غير أن المحافظة على هذا الإرث الأدبي حيا تستدعي توسيع دائرة جمهوره، وتجاوز مخاطبة جمهور النخبة أو المقتنعين، حتى وإن كان ذلك من خلال ندوة واحدة فقط.”
وتابع بصفاو قائلا “لهذا الغرض، أقمنا فضاء مخصصا لادريس الشرايبي، كامتداد للجناح المشترك بين وزارة الثقافة ومجلس الجالية المغربية بالخارج، بهدف جذب الشباب وتعريفهم بهذا الكاتب، خاصة أولئك الذين لم يسبق لهم الاطلاع على أعماله. وقد عرف هذا الفضاء إقبالا لافتا من تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات، الذين تفاعلوا مع محتواه التفاعلي والغني، من نصوص وصور ومقاطع مختارة من إنتاج شرايبي، الأمر الذي أيقظ فضولهم وشجعهم على مواصلة الاكتشاف وربما قراءة أعماله مستقبلاً.”
ويعتبر الباحث أن “هذه هي القيمة المضافة الحقيقية، ليس فقط لهذا الفضاء، بل لمجمل هذا التكريم الذي تم الحرص على أن يكون شاملا ومنفتحا، يعكس شخصية ادريس الشرايبي ذاته، الذي ظل قريبا من قضايا مجتمعه، وعالجها بكتابات استبقت زمنها، وما زالت تُقرأ اليوم براهنيتها اللافتة، خصوصا روايته ‘التيوس’ التي تطرقت إلى موضوع الهجرة المغاربية في فرنسا، والعنصرية والعنف بشتى تجلياتهما.”
ويؤكد المنظمون أن ادريس الشرايبي “ليس كاتبا نخبويا يصعب الولوج إلى عالمه”، وأن الهدف من تنويع الأنشطة المبرمجة هو تمكين الجميع، لا سيما الشباب، من الاقتراب من أدبه بكل سلاسة، باعتباره نافذة فكرية واسعة تساهم في بناء الوعي الفردي خارج الإطار الأكاديمي التقليدي.
الاستعداد للاحتفال بمئوية ادريس الشرايبي سنة 2026
في سياق الاحتفاء بكتّاب مغاربة العالم خلال الدورة الحالية للمعرض الدولي للنشر والكتاب، يأتي تكريم ادريس الشرايبي كفرصة ثمينة لإعادة تسليط الضوء على مسيرته، خاصة في ظل المبادرة التي أطلقتها وزارة الثقافة هذا العام لترجمة أعمال كتاب المهجر المغاربة إلى اللغة العربية، حفاظا على تراثهم الأدبي.
وفي إطار هذا التكريم، شهدت قاعة سينما “النهضة” عرض الفيلم الوثائقي “حوارات مع ادريس الشرايبي” (2007) للمخرج أحمد المعنوني، بتنظيم من مجلس الجالية المغربية بالخارج، ضمن برمجة خاصة تستعرض أفلاما مغربية تناولت مواضيع الهجرة. وقد أعقب العرض نقاش مع شينة شرايبي وقاسم بصفاو.
كما شكلت هذه المحطة انطلاقة رمزية للتحضير للاحتفال بالذكرى المئوية لميلاد ادريس الشرايبي سنة 2026، إذ تعهد ادريس اليزمي بأن يكون هذا الموعد مناسبة كبرى لاستعادة حضور الكاتب في المشهد الثقافي، من خلال العودة إلى أرشيفه، وتنظيم لقاءات وقراءات، وإبراز بصمته الفكرية في قضايا الهوية والمنفى والذاكرة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس