استثمار صيني جديد في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية

2
استثمار صيني جديد في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية
استثمار صيني جديد في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. يواصل المغرب استقطاب الاستثمارات الصينية الضخمة في قطاع صناعة أجزاء السيارات الكهربائية. فقد شهد العام الجاري فقزة كبيرة الاستثمار في إقامة منشآت لتصنيع أجزاء السيارات الكهربائية، وفي مقدمتها البطاريات. آخرها الإعلان أمس الثلاثاء عن شراكة مغربية صينية جديدة، بغلاف مالي ضخم يبلغ ملياري دولار، لإقامة مُرَكّب لتصنيع أجزاء بطاريات السيارات الكهربائية.

أعلنت الشركة الصينية المصنعة لمكونات البطاريات للسيارات الكهربائية CNGR Advanced Materials Company وصندوق المدى المغربي للاستثمار المُشَكّل من أسهم خاصة، في بيان مشترك صدر الثلاثاء الماضي ( 19 سبتمبر/أيلول)، أنهما اتفقا على تشييد مجمع صناعي في المغرب، باستثمار يبلغ 20 مليار درهم مغربي (حوالي 2 مليار دولار). ومن المتوقع أن ينتج هذا المُركّب الصناعي الجديد كاثودات بطاريات النيكل والمنغنيز والكوبالت.

ويقع الموقع المقرر لإنشائه بالجرف الأصفر (110 كيلومترات جنوب غرب الدار البيضاء)، غير بعيد عن منشآت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط OCP، الذي يعد أكبر مُصَدر في العالم للفوسفاط الخام وحامض الفوسفور والأسمدة الفوسفاطية. ووفقا للمصدر نفسه، من المتوقع أن يشرع هذا المشروع الصناعي في إنتاج أول مكونات البطارية الكهربائية ابتداء من العام 2025.

للتذكير، فإن المغرب غني جدا بخام الفوسفاط، الذي تختزن أرضه 75 في المائة من احتياطياته العالمية. وهو مكون أساسي في تصنيع بطاريات الليثيوم والحديد والفوسفات (LFP)، التي يتعبرها المتخصصون أكثر تقنيات بطاريات الليثيوم أمانا وأكثرها استخداما في السيارات الكهربائية في العالم. كما يخطط المصنع كذلك لتطوير كاثودات LFP، و “المواد النشطة الأولية” لبطاريات النيكل والمنغنيز والكوبالت (NMC)، ووحدات إعادة تدوير مكونات البطارية.

وما يشجع الصينيين على مضاعفة استثماراتهم مع شركاء مغاربة، هو كونه موقع على اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، وكونه يقع عند البوابة الجنوبية الغربية لأوروبا، وهي سوق متنامية للسيارات الكهربائية. وبحسب ذات المصدر، فإنه سوف يتم تصدير جل إنتاج هذا المصنع الجديد، الذي من المنتظر أن يكون كافيا لتشغيل أكثر من مليون سيارة كهربائية سنويا، بشكل أساس للخارج.

وللتذكير، فإن الصندوق الاستثماري “المدى” تملك غالبية أسهمه الأسرة الملكية في المغرب، ويعتبر من أكبر الشركات الاستثمارية في المغرب العربي، حيث ينشط في ثلاثين دولة في إفريقيا وأوروبا.

الصين رائد عالمي

على مدى العقد الماضي، أصبحت الصين هي الدولة الرائدة عالميا بلا منازع في مجال إنتاج وتسويق السيارات الكهربائية. فقد ارتفعت المبيعات السنوية للسيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات فيها، من حوالي 10 آلاف وحدة فقط في عام 2012 إلى حوالي 4,5 مليون في عام 2022، أي بزيادة تناهز 44 ألفا في المائة!

وتظهر البيانات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية، بأن السوق الأمريكية شهدت بيع 800 ألف سيارة كهربائية العام 2022، متبوعة بألمانيا (470 ألفا) وبريطانيا (270 ألفا) وفرنسا (210 آلاف) مشكلة أربعة أكبر أسواق رئيسة لسوق السيارات الكهربائية في العالم من حيث الحجم. ومع ذلك، فإنها مجتمعة معا لا تمثل حتى نصف السوق الصينية. بالمقابل، وحتى نضع أرقام سوق السيارات الكهربائية في العالم في نصابها الصحيح، ينبغي التذكير بأنه في العام الماضي، بلغ إجمالي مبيعات السيارات الشخصية في الصين 23,6 مليون وحدة، وهو ما يعني أن حوالي 19% من تك السيارات الجديدة كانت كهربائية (حوالي 4,5 ملايين).

لكن مع ذلك، فإن السوق الأوروبية تنمو بسرعة، إذ تعتبر النرويج نموذجا رائدا في هذا المجال، حيث إن أكثر من 75% من السيارات الجديدة المسجلة بهذا البلد تعمل بالكهرباء.

وبعد تحقيق الشركات الصينية الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية نجاحات في السوق الصينية، ترغب في اقتحام الأسواق الأوروبية لمنافسة عمالقة صناعة السيارات في ألمانيا مثل: بي أم دبليو، ومرسيدس، وفولكس فاغن. ويرى خبراء ألمان متخصصون في سوق السيارات الصينية، بأن الشركات الصينية لديها فرصة حقيقية للمنافسة على قدم المساواة مع الشركات الأوروبية واليابانية والكورية داخل الأسواق الأوروبية. وربما يكمن سر هذا النجاح المُتَوَقّع في الأسعار المغرية التي تمثل قوة السيارات الكهربائية الصينية، مقارنة مع غيرها.

وهو ما يصب في صالح شركات صينية مثل: “بي. واي. دي”، و”سايك”، و “نيو”، عند طرق أبواب الأسواق الخارجية، الأوروبية خاصة. فالابتكارات في مجال السيارات الكهربائية أصبح مصدرها في هذه الأيام هو الصين، ولذلك باتت منافِسة قوية في الأسواق الأوروبية، لكونها أصبحت أكثر إبداعا بشكل عام مع تحسن الجودة بسبب التعاون مع الموردين الغربيين. كما يرى الخبراء بأن الشركات الصينية الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية، قد تحقق ميزة تنافسية فيما يتعلق بتكنولوجيا البطاريات باهظة الثمن. وربما لهذا السبب – ضمن أسباب أخرى – قررت الصين الاستثمار في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب، على أبواب أوروبا.

استثمارات صينية ضخمة

العلامة التجارية الصينية BYD (اختصار للحروف الأولى لعبارة “قم ببناء أحلامك” بالانجليزية)، الرائدة عالميا في إنتاج ومبيعات السيارات الكهربائية وإنتاج بطاريات الليثيوم-أيون، دخلت سياراتها الكهربائية السوق المغربية، لأول مرة، قبل شهرين عن طريق شركة توزيع مغربية. وعلى الرغم من أن العديد من الشركات الصينية المصنعة للسيارات الكهربائية، دخلت السوق المغربية مؤخرا، إلا أن شركة BYD ليست مجرد علامة أخرى ضمن هذا الاكتساح التجاري الصيني. فالأمر هنا يتعلق بلاعب كبير في القطاع تمكن من أن يصبح بطلا عالميا في المركبات الكهربائية وبطارياتها.

فهذه الشركة التي يُطلق عليها لقب “كابوس تيسلا”، بسبب كونها المنافس الأقوى لشركة “تيسلا” الأمريكية المتخصصة في صناعة وتسويق السيارات الكهربائية، قد حققت في عام 2022 رقم مبيعات قدره 55,72 مليار يورو، وصافي ربح قدره 2,2 مليار يورو. وقد انفجر حجم مبيعاتها العالمية ليصل إلى ما يقرب من 1,9 مليون وحدة، أي بزيادة قدرها 155% مقارنة بعام 2021!

ومنذ 2017، شرع هذا العملاق الصيني BYD في إنشاء بيئته الصناعية في المغرب، كأول ولوج له في القارة الأفريقية، بعدما وقع على اتفاقية مع وزارة التجارة والصناعة والاقتصاد الرقمي، لم يرشح عن مضمونها الشيء الكثير. لكن مصادر إعلامية متخصصة في الاقتصاد كشفت بأن الاتفاق شمل إقامة في مرحلة أولى مصنع كبير على مساحة 50 هكتارا، بـ “المدينة التقنية Tanger-Tech” التي تنشئها الصين منذ أعوام بطنجة، يوفر 2500 فرصة عمل مباشرة. وفي مراحل لاحقة، سيتم إنشاء ثلاثة مصانع أخرى، لتصنيع القطارات المعلقة، والسيارات الشخصية، والحافلات، والشاحنات، فضلا عن بطاريات السيارات الكهربائية.

وستوجه هذه المصانع منتجاتها للتصدير نحو الخارج (أوروبا وأفريقيا خصوصا)، وأيضا للسوق المغربية التي ما زالت محدودة للغاية بالنسبة للمركبات الكهربائية.

إن هذه المشاريع التنموية المهيكِلة في المغرب، هي الأولى على المستوى القارة الأفريقية. ووفقا لخبراء ومحللي وكالة بلومبرغ الأمريكية، تفتقر القارة الإفريقية إلى مصانع بهذا الحجم، سوف تغير وجه القارة، حيث إن من شأن تشييد هذا النوع من المشاريع أن يفتح المجال أمام جلب الاستثمارات في مجال الطاقات النظيفة، ونشر حلول الطاقة المبتكرة في القارة الإفريقية، التي لا يتجاوز حجم الاستثمار في الطاقات المتجددة فيها 0,6 % من مجموع الإجمالي العالمي حسب أرقام العام 2021.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس