صناعة السيارات في العالم العربي: المغرب في المقدمة

15
صناعة السيارات في العالم العربي: المغرب في المقدمة
صناعة السيارات في العالم العربي: المغرب في المقدمة

ابراهيم نوار

أفريقيا برس – المغرب. تعتبر صناعة السيارات من أهم الصناعات القائدة في قطاع الصناعة التحويلية بشكل عام لثلاثة أسباب رئيسية، الأول هو أهميتها وشدة المنافسة في أسواقها على مستوى العالم، وارتباط نمو أسواقها محليا وعالميا بارتفاع متوسط الدخل الفردي وارتفاع مستوى المعيشة والرفاهية. والثاني لأنها تحتاج إلى عشرات الصناعات والخدمات المغذية التي تعمل من حولها، ابتداء من صناعات الصلب والزجاج والمطاط، إلى صناعات الإشارات الكهربائية والشرائح الإلكترونية وأشباه الموصلات. أما السبب الثالث فيعود إلى قدرتها على استيعاب التغيرات التكنولوجية السريعة، وهو ما يتجلى الآن في الانتقال من عصر محركات الاحتراق الداخلي، التي تعتمد على الوقود التقليدي إلى عصر الحركة بواسطة قوة دفع بطاريات تخزين الكهرباء المستخلصة من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة وأشباه الموصلات الإلكترونية. وفي هذا السياق أيضا فإن صناعة السيارات تجيء في مقدمة الصناعات الريادية في استخدام أجهزة الروبوت وأنظمة الذكاء الاصطناعي.

وتعتبر البلدان العربية من الأسواق المهمة للسيارات في العالم، لكن العرب لم ينجحوا حتى الآن في إقامة صناعة سيارات متقدمة قادرة على المنافسة في أسواقها المحلية وفي السوق العالمي. وباستثناء المثال الذي تقدمه المغرب، والمحاولات المستمرة منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي في مصر ومحاولات أخرى باهتة لتجميع السيارات في بلدان أخرى، فإن محاولات إقامة صناعة قوية للسيارات في العالم العربي ما تزال في مراحلها الأولى، بينما الصناعة تدخل الآن مرحلة تحول تاريخي.

نموذج ناجح في المغرب

ساعد الاستقرار السياسي واستقرار السياسات الحكومية، بما فيها السياسة الاقتصادية في المغرب، منذ خمسينات القرن الماضي، على نشوء وتقدم صناعة للسيارات تملك مقومات النمو المستدام. وعلى الرغم من أن معدل نموها كان متواضعا حتى الأزمة المالية العالمية عام 2008 فإنها حصلت على قوة دفع مهمة مع اتجاه شركات السيارات الأوروبية إلى إعادة توطين الصناعة في بلدان خارج الاتحاد الأوروبي، لتوفير قدرة أكبر على المنافسة في الأسواق العالمية. منذ ذلك الوقت حصلت المغرب على أفضلية من الشركات الفرنسية، خصوصا مجموعة رينو لإقامة صناعة تتكامل عضويا، أفقيا ورأسيا مع الصناعة الأم في فرنسا. وهكذا أصبحت المغرب أهم منتج للسيارات في قارة أفريقيا، وسبقت مصر التي كانت قد بدأت صناعتها لإنتاج السيارات في الفترة نفسها التي نشأت فيها صناعة السيارات المغربية، كما انتزعت المركز الأول في القارة الأفريقية متقدمة على جنوب أفريقيا التي كانت قد احتكرت هذا المركز لسنوات طويلة.

المكانة الاقتصادية لصناعة السيارات

من المتوقع أن يصل نصيب صناعة السيارات من الناتج المحلي للمغرب بنهاية العام الحالي إلى 24 في المئة. ويبلغ التشابك الصناعي المحلي في صناعة السيارات حوالي 60 في المئة حسب تقديرات خبراء الصناعة المحليين، من المتوقع ان ترتفع النسبة إلى 80 في المئة قبل عام 2030. وقد بلغ معدل نمو الصناعة في العام الماضي 12.6 في المئة أي ما يقرب من ضعف معدل نمو الإنتاج المحلي الذي بلغ 7.4 في المئة. واستحوذت المغرب على المركز الـ 19 بين الدول المنتجة للسيارات على مستوى العالم، كما أنها تجيء في مركز متقدم على صعيد معايير المنافسة.

وتصل طاقة الإنتاج إلى 700 ألف سيارة سنويا. بينما لم يتجاوز رقم الإنتاج الفعلي 400 ألف سيارة طبقا لإحصاءات المنظمة الدولية لمصنعي السيارات. وتخطط المغرب لرفع طاقة الإنتاج إلى مليون سيارة سنويا في عام 2030. أما بالنسبة لمعدل تشغيل العمال وتوفير فرص العمل فيصل عدد العمالة المباشرة في قطاع صناعة السيارات حوالي 220 ألف مشتغل، يعملون في نحو 250 شركة محلية وأجنبية تعمل في صناعة المكونات. وتقدر كمية المبيعات من السيارات الجديدة محليا بحوالي 160 ألف سيارة سنويا، وهو ما يزيد عن عدد السيارات المجمعة محليا التي يتم بيعها في مصر حسب إحصاءات العام الماضي. ومن المرجح أن رقم المبيعات يشمل نسبة كبيرة من المغاربة العاملين في أوروبا الذين يشترون سياراتهم من السوق المحلية.

وتلعب صناعة السيارات المغربية دورا أساسيا في الصادرات، فهي محرك النمو الأول لها، إذ وصلت قيمة صادرات صناعة السيارات إلى 3 مليارات يورو، متقدمة على صادرات الفوسفات التي بلغت 2.9 مليار يورو وصادرات القطاع الزراعي التي بلغت 2.7 مليار يورو.

ويتم تصدير 90 في المئة من الإنتاج إلى كل أنحاء العالم، لكن الأسواق الأوروبية تستحوذ وحدها على 80 في المئة من الصادرات. وتجيء فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا على رأس أسواق التصدير.

دور الشركات العالمية

شركات مجموعة “رينو – نيسان” ومجموعة “بيجو- سيتروين- أوبل” وشركة “بي واي دي” الصينية، وشركة فيات، تقود معا صناعة السيارات في المغرب. وإلى جانبها تعمل شركات أخرى في صناعات المكونات مثل “سوميتومو” اليابانية، و”ليوني” الألمانية. وقد نقلت “ليوني” أنشطتها من أوكرانيا بسبب الحرب إلى مصانعها في كل من المغرب وتونس ومصر ودول أخرى. وهناك عدد من الشركات الأوروبية والآسيوية، منها تويوتا اليابانية، في طريقها لافتتاح مصانع لها في المغرب، على اعتبار أنها أصبحت فعلا المركز الرئيسي لصناعة السيارات في القارة الأفريقية، الذي يتمتع بمزايا موقع الإطلال على أوروبا، مع إمكان الوصول بسهولة إلى كافة أسواق العالم عبر المحيط الأطلسي، خصوصا وأن تعزيزات البنية الأساسية المساندة لصناعة السيارات تضمنت إنشاء ميناء طنجة، باستثمارات بلغت 2.3 مليار دولار. الميناء أصبح في عام 2019 أكبر موانئ الحاويات في البحر المتوسط، بعد انشاء رصيف ثان للحاويات باستثمارات بلغت 1.3 مليار دولار

سباق السيارات الكهربائية

أصبح مستقبل صناعة السيارات في العالم مرهونا بتحقيق تقدم سريع في التحول من المحركات التي تعمل بالوقود التقليدي، إلى محركات ونظم حديثة تعتمد على الطاقة الكهربائية المخزنة والوقود الهجين الذي يتكون من الكهرباء والوقود التقليدي قليل الانبعاثات الكربونية. وتطمح صناعة السيارات المغربية في التحول بسرعة للتوسع في إنتاج السيارات الكهربائية، حيث تبلغ طاقة الإنتاج حاليا حوالي 40 ألف سيارة سنويا من مصانع شركة أوبل. ففي أواخر اب/أغسطس من العام الماضي، أعلنت شركة “ستيللانتس” الأمريكية، وهي الشركة الأم لشركة أوبل الألمانية لصناعة السيارات، عن توصلها إلى اتفاق مع المغرب لإتاحة المرافق والتيسيرات اللازمة للبدء في إنتاج السيارات الكهربائية، بطاقة إنتاجية تكفي لتغطية احتياجات السوق المحلي والتصدير إلى أسواق غرب أفريقيا، بما فيها سوق نيجيريا. وقررت الشركة البدء بإنتاج نموذج “روكس- إي” وهي سيارة كهربائية بالكامل تشبه السيارة “آمي” الصغيرة جدا التي تنتجها “سيتروين”. وجاء تفضيل هذا النموذج الصغير جدا، نظرا لأنه يتمتع بمزايا عديدة في سهولة الشحن والتشغيل والصيانة، وهو ما قد يساعد على رواجها بسرعة. وسوف يتم الإنتاج المبكر في مجمع مصانع شركة “بيجو” في القنيطرة.

كذلك فان كانت مجموعة “رينو” أعلنت في حزيران/يونيو من العام الماضي توقيع اتفاق تعاون استراتيجي مع شركة مغربية رائدة في صناعة إلكترونيات السيارات هي شركة “إس تي مايكرواليكترونيكس” وهي شركة متخصصة في تصميم وإنتاج نظم أشباه موصلات للسيارات الكهربائية والسيارات التي تستخدم محركات تعمل بالوقود الهجين. إذا نجحت الشركة المغربية في تحقيق ذلك، فإن كل سيارات رينو، التي تعمل بالطاقة الكهربائية أو بالكهرباء والوقود التقليدي، سوف تستخدم هذا النظام، وهو ما يضع المغرب في مكانة تنافسية على المستوى العالمي.

كذلك فإن شركة “بي واي دي” الصينية تعتزم أيضا إنتاج سيارات كهربائية في المغرب. وكانت الشركة قد حاولت اختراق السوق المغربية مبكرا لتحقيق سبق في إنتاج السيارات الكهربائية في المغرب، وتصديرها إلى الأسواق القريبة، وبدأت بإجراء محادثات مع الحكومة المغربية عام 2017 لإنشاء أول مصنع من نوعه في المغرب، وهو ما يساعدها على أن تنضم إلى قائمة الشركات العالمية الكبرى العاملة في المغرب، بعد مجموعتي “رينو- نيسان” و”بيجو – سيتروين- أوبل”. لكن الشروط التي وضعتها الشركة الصينية كانت تعني حرمان شركات المكونات العاملة في المغرب من المشاركة في سلسلة التصنيع، وهو ما أدى إلى إطالة المفاوضات، وتأخير اتخاذ إجراءات فعلية لإقامة المصنع. ومن المرجح أن تتقدم الخطوات التنفيذية على هذا الطريق، بما يضع الشركة الصينية الرائدة بثبات في السوق الأفريقية. وقد وقعت المغرب مذكرة تفاهم أولية في هذا الخصوص مع الجانب الصيني، لإقامة مصنع للسيارات الكهربائية في طنجة.

أهداف السياسة الصناعية

يعتبر استقرار السياسة الصناعية، وسعي المغرب الجاد للاندماج اقتصاديا في الاتحاد الأوروبي، أهم عوامل نجاح صناعة السيارات في المغرب. ويتبنى المغرب، بصرف النظر عن تداول الإدارة بين حكومات مختلفة، سياسة مستقرة لإدارة صناعة السيارات في البلاد تهدف إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية:

الهدف الأول، هو أن تقود هذه الصناعة قطاع الصناعات الهندسية، والصناعات التحويلية بشكل عام، والاعتماد على الصناعة كأكبر وأقوى محركات النمو الاقتصادي، بحيث تسبق القطاعات الريعية والتقليدية، وتصبح رافدا رئيسيا من روافد زيادة التشغيل، واتاحة فرص العمل، وجذب الاستثمارات الأجنبية الخلاقة، وتوفير حوافز لتطوير التعليم والانتقال التكنولوجي في البلاد.

الهدف الثاني، زيادة نسبة التشابك الداخلي بين حلقات صناعة السيارات في المغرب، وزيادة نسبة المكونات المحلية بحلول العام 2025 إلى ما يقرب من 80 في المئة وهو ما يحقق زيادة عائد المغرب من الصناعة عموما، ومن الصادرات على وجه الخصوص.

الهدف الثالث، الانتقال من السيارات التقليدية العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي إلى سيارات متقدمة تكنولوجيا تعتمد على الطاقة الجديدة مثل السيارات الكهربائية، وتطوير الصناعة داخليا على أسس تكنولوجية عالمية ومحلية، بالتوسع في استخدام أجهزة الروبوت والذكاء الاصطناعي والإلكترونيات.

الهدف الرابع، العمل على زيادة نسبة مساهمة رأس المال المغربي في الصناعة، وذلك لتحقيق زيادة في كفاءة رأس المال، وتغيير توجهات استثمار رأس المال المحلي من القطاعات التقليدية إلى القطاعات الأكثر تقدما والاعلى إنتاجية. ونستطيع القول بأن تلك السياسة تلعب الدور الرئيسي في توجيه نمو صناعة السيارات، وتجنب التشوهات التي تعرضت لها صناعة السيارات في مصر.

المصدر: القدس العربي

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس