صناعة السيارات في المغرب تحطم رقما قياسيا جديدا

4
صناعة السيارات في المغرب تحطم رقما قياسيا جديدا
صناعة السيارات في المغرب تحطم رقما قياسيا جديدا

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. وفقا لآخر الإحصائيات الرسمية الصادرة الواردة في النشرة الشهرية لـ “مكتب الصرف” في المغرب، فإن عائدات صادرات قطاع صناعة السيارات تجاوزت قيمتها 141 مليار درهم (14 مليار دولار). وبذلك يؤكد القطاع ريادته على المستوى الأفريقي، وكقطاع استراتيجي ضمن منظومة الاقتصاد المغربي، مواصلا طموحه في أن يتصدر المشهد العالمي، بالتفوق من حيث التنافسية على عملاقي صناعة السيارات الآسيويَّن: الصين والهند.

شهدت صناعة السيارات المغربية تحولا كبيرا منذ ولادتها المبكرة في عام 1957 [المغرب استقل رسميا في 1956]، فأصبحت “الشركة المغربية لصناعة السيارات” (صوماكا)، التي كانت تتعامل في البداية على تجميع مركبات النقل، قطاع إنتاج في حد ذاته، كما يصفها تقرير صادر عن الأمم المتحدة. وتمثل جميع المركبات المصنعة حاليا في المغرب صادرات بقيمة 30,4 مليار دولار، تجني منها الدولة قيمة مضافة لا تتوقف عن النمو، في شكل ضرائب ورسوم جمارك وغيرها.

أما الصادرات من قطاع صناعات الطيران، فقد سجلت ارتفاعا بنسبة 2,4%، لتصل إلى ما يقارب 21,85 مليار درهم (حوالي 2 مليار دولار). في حين أظهرت المبيعات استقرارا معينا في قطاع الفلاحة والأغذية الزراعية، نتيجة للانخفاض الطفيف في مبيعات الصناعات الغذائية (بنسية 1,8%)، مقابل ارتفاع مبيعات قطاع لبصيد البحري وتربية الأحياء المائية (بنسية 7,2%). مع تراجع مبيعات الفوسفاط ومشتقاته، من 115,48 مليار درهم (11,45 مليار دولار) في 2022 إلى 76,14 مليار درهم (7,57 مليار دولار) إلى غاية نهاية ديسمبر 2023.

وتعني هذه الأرقام أن قطاع صناعة السيارات وأجزاءها بات يتبوأ الصادرات المغربية، بعد التعافي من تداعيات وباء كورونا.

رقم قياسي جديد

ببلوغها ما قيمته 141 مليار درهم، برسم السنة الماضية، بحسب ما أشار مكتب الصرف في نشرته الشهرية الأخيرة ليناير/كانون الثاني 2024، تكون صادرات قطاع السيارات قد فاقت التوقعات، حيث سبق أن توقع وزير الصناعة والتجارة رياض مزور، خلال كلمة ألقاها بمجلس النواب (البرلمان) في 3 يوليو/تموز 2023 أن ترتفع صادرات القطاع إلى 138 مليار درهم (حوالي 13,73 مليار دولار) مع نهاية العام 2023.

وتجدر الإشارة إلى حقيقة هامة: صناعة السيارات باتت تحطم رقما قياسيا كل عام، منذ الرقم السابق المسجل في 2019، وهو العام الذي بلغت فيه صادرات القطاع 77,13 مليار درهم. أداء يجعل المغرب أكثر من أي وقت مضى منصة الإنتاج الأكثر تنافسية التي تخدم أوروبا.

وبذلك، تعزز صناعة السيارات مكانتها كقطاع الاستيراد الرائد في المغرب، بحصة تمثل 25,6% من إجمالي الصادرات السلعية للمملكة، متقدمة على قطاع الفوسفاط (24,5% من الصادرات السلعية) الذي كان يعتبر تاريخيا ومنذ قرن أهم مصادر الثروة الرئيسة للبلاد، وصادرات صناعات الأغذية الزراعية (20,9%).

وعموما، ظل نمو صناعة السيارات في المغرب ثابتا في وتيرته خلال السنوات الثلاث الأخيرة [أنظر الجدول]. فباستثناء عام 2020 الذي تأثر خلاله الاقتصاد العالمي سلبا بسبب وباء كوفيد-19، فقد تضاعف الإنتاج السنوي للسيارات من 403.007 في عام 2021 إلى أكثر من 400.000 خلال الأشهر الستة الأولى فقط من عام 2023. وبحسب مكتب الصرف، فإنه خلال الأشهر السبعة الأولى فقط من عام 2023، بلغت صادرات السيارات المغربية 82 مليار درهم (حوالي 8 مليار دولار)، مقابل 59 مليار درهم (حوالي 5,5 مليار دولار) خلال الفترة نفسها من العام 2022.

ظل نمو صناعة السيارات في المغرب ثابتا في وتيرته خلال السنوات الثلاث الأخيرة. فباستثناء عام 2020 الذي تأثر خلاله الاقتصاد العالمي سلبا بسبب وباء كوفيد-19، فقد تضاعف الإنتاج السنوي للسيارات من 403.007 في عام 2021 إلى أكثر من 400.000 خلال الأشهر الستة الأولى فقط من عام 2023. وأفاد مكتب الصرف أنه خلال الأشهر السبعة الأولى فقط من عام 2023، بلغت صادرات السيارات المغربية 82 مليار درهم (حوالي 8 مليار دولار)، مقابل 59 مليار درهم (حوالي 5,5 مليار دولار) خلال الفترة نفسها من عام 2022.

وإلى جانب زيادة الإنتاج، وفر القطاع حوالي 230 ألف فرصة عمل جديدة، بالإضافة إلى تطوير شبكة تضم أكثر من 230 مُصنِّعا للأجزاء التي تدخل في صناعة المركبات من المستوى الأول والثاني، مما أدى إلى زيادة التكامل المحلي بنسبة تزيد عن 60 %.

وكان مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (CNUCED) وصف، في تقرير أصدره في أغسطس/آب الماضي (2023)، صناعة السيارات المغربية بـ”النموذجية”، معتبرا أن القطاع يتجه تدريجيا نحو إنتاج المكونات المعقدة ذات القيمة المضافة المرتفعة التي تدخل في إنتاج المركبات؛ من قبيل المحركات والأشغال الهندسية المختلفة وتطوير النماذج، وغيرها.

طموح لا يتوقف

وفي تحليله لعوامل هذا النجاح، يذكر التقرير توقيع المغرب على العديد من اتفاقيات التجارة الحرة [خصوصا مع الولايات المتحدة وأوروبا]، ما أسهم في اندماج المغرب في الاقتصاد العالمي وساعد البلاد على أن تصبح وجهة مفضلة للاستثمار الأجنبي. كما ساهم المركز الفني الإقليمي الذي أنشأته شركة ستيلانتيس، الذي يعد أول مركز لاختبار السيارات على مستوى القارة الأفريقية، في تعزيز القدرات الهندسية والبحثية والتطويرية للقطاع، مما يسمح للمغرب بأن يحقق استقلاله من حيث التحقق من سلامة المركبات التي يصنعها، ومكوناتها وإصدار الشهادات لها.

وبحسب دراسة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية نفسه، فإن الاستثمارات السخية في برامج تنمية الموردين والرقمنة والتدريب وتنمية المهارات، مكنت أيضا من إبراز الخبرة المغربية في إنتاج أجزاء ومكونات السيارات. ووفقا لنفس التقرير، فإن المملكة أصبحت لديها بالفعل القدرة على إنتاج 700 ألف مركبة سنويا منذ العام 2020.

لكن المغرب يسعى إلى بلوغ طاقة إنتاجية تصل إلى مليون سيارة بحلول 2025، بدلا من 700 ألف سيارة حاليا، بحسب ما سبق أن كشف وزير التجارة والصناعة رياض مزور خلال مروره بمجلس المستشارين، مشيرا إلى أن مجموعة “ستيلانتيس” تعمل على إنتاج 250 ألف سيارة من نوع “بيجو” إضافية. وبالتالي، يُفتَرض أن تصل الطاقة الإنتاجية للقطاع إلى إجمالي 970.000 سيارة بحلول عام 2025، إذا أضفنا 20 ألف سيارة كهربائية ستنتجها مجموعة “رونو” في مصنعها بطنجة.

كما أشار الوزير أيضا إلى أن 64% من قطع غيار السيارات يتم تصنيعها في المغرب حاليا، وأن هذه النسبة يتوقع تصل إلى 69% مع نهاية السنة (2023)، مؤكدا أن هدف الحكومة هو الوصول إلى نسبة 80% بحلول عام 2025 ليصبح المغرب واحدا من أكثر المنصات التنافسية في العالم، خصوصا في ضوء النتائج الاستثنائية التي تم تسجيلها خلال الثلاث سنوات الأخيرة.

وبحسب مزور، فإن المغرب يعتزم أيضا التخلص من الكربون في الصناعة للسماح لجميع مصنعي السيارات في المغرب بالاستفادة من الطاقة الكهربائية النظيفة بتكلفة مخفضة (أقل بنسبة 30% من السعر الحالي)، مذكرا أنه على الرغم من الزيادة في أسعار الكهرباء المُبررة بالنظر إلى ارتفاع تكلفة الوقود الذي يدخل في إنتاجها، إلاأن الحكومة تمكنت من تثبيت الأسعار، سواء بالنسبة لاستهلاك العائلات أو الشركات المصنعة.

فضلا عن ذلك، شرعت المملكة في الانتقال السلس نحو إنتاج السيارات الكهربائية والهجينة (التي تشتغل بالوقود والبطاريات الكهربائية)، تتويجا لنجاحها في إنتاج وتطوير السيارات الحرارية [التي تعمل بالوقود]، من خلال جذب عمالقة تصنيع البطاريات والهيدروجين الأخضر، خصوصا الصينيين الذين يهيمنون على القطاع عالميا.

قطاع استراتيجي

أصبحت صناعة السيارات قطاعا استراتيجيا في السياسة الصناعية المغربية، منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ينوه تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية المذكور، إلى أن سياسات ومخططات الصناعة الوطنية التي اعتمدها المغرب (مثل خطة التسريع الصناعي 2104-2020)، قد شجعت على تطوير بيئة متكاملة لصناعة السيارات والمجمعات الصناعية الكبرى، مثل مصانع “رونو” بطنجة و”بوجو” بالقنيطرة التي باتت تعتبر ̶ في ظرف بضع سنوات ̶ من أكبر المُرَكَّبات الصناعية في القارة الأفريقية.

وقد حقق القطاع نموا سنويا مضاعفا من حيث خلق فرص العمل وحجم الصادرات، حيث يوجد في المغرب أكثر من 8000 مهندس يعملون على تطوير قطاعات مختلفة في عالم السيارات، إلى جانب عشرات الآلاف من الأيدي العاملة المؤهلة. وإلى جانب قطاع إنتاج السيارات، ثمة قطاعات موازية مثل تصنيع قطع الغيار والكابلات (خيوط الكهرباء وخيوط الربط المختلفة بين أجزاء المركبات) وأغلفة العجلات المعدنية، والمقاعد الداخلية، وغيرها، التي بات بعضها يحقق صادرات تراوحت قيمتها بين مليار وملياري دولار.

وفي المجمل، يولد القطاع أزيد من 230 ألف منصب شغل في 260 مصنعا منتشرة على كامل التراب الوطني، بالإضافة إلى 60 مشروعا لبناء مصنع قيد الإنجاز. وبحسب أرقام وزارة التجارة والصناعة المغربية، فإن ثمة ما مجموعه 1600 شركة من الكبرى إلى الأصغر تعمل في القطاع، وتحقق رقم أعمال إجماليا قدره 60 مليار درهم، حققت رقما قياسيا قدره 44 مليار درهم من الصادرات في عام 2022. فيما تتم حاليا دراسة 173 مشروعا استثماريا آخر، من شأنها أن تحسن القدرة التنافسية للقطاع على مستوى العالم.

وبحسب أحدث تقرير نشره معهد دراسات الشرق الأدنى، وأعده الباحث ميشيل تانتشوم من جامعة نافار، يعتزم المغرب زيادة إنتاجه من السيارات إلى مليون سيارة سنويا بحلول عام 2025، معظمها سيارات كهربائية. ومن أجل مواجهة هذا التحدي، اتخذت الحكومة المغربية العديد من التدابير. ويدين المغرب بصعوده كعملاق في مجال تصنيع وسائل النقل الخضراء إلى توسع نظامه البيئي للسيارات ليشمل التصنيع المحلي لبطاريات “ليثيوم أيون”، التي تمثل 30 إلى 40% من متوسط تكلفة السيارة الكهربائية، بحسب ما جاء في التقرير حول مستقبل قطاع السيارات المغرب، الصادر عن معهد دراسات الشرق الأدنى. وبحسب المعهد، فإن مصنع “جيغا فاكتوري” الجديد الذي يعتزم المغرب احتضانه، ضمن مصانع ضخمة في قطاع السيارات الكهربائية، يمكن أن ينتج لوحده حوالي 300.000 مركبة إضافية كهربائية. والمعروف أن المغرب يقوم بتصنيع ما بين 40.000 إلى 50.000 سيارة كهربائية سنويا، يوجه أغلبها للتصدير نحو أوروبا.

هكذا، ومن خلال إعادة تركيز المغرب جهوده على إنشاء مكونات معقدة وعالية القيمة، مثل تصنيع المحركات والهندسة والبحث والتطوير، حققت صناعة السيارات في البلاد إنجازا ملحوظا. لكن على الرغم من كل هذه النجاحات المبهرة، لم يتم تسجيل تسويق سوى 175.435 مركبة جديدة على مستوى البلاد في عام 2021، وأقل من ذلك العام الماضي. لذلك، يظل السوق الأوروبي هو المحور الرئيسي لتجميع المركبات، بسبب تواضع مستوى المعيشة في البلاد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس