أخنوش: بين الحساء التلفزيوني ومأساة أكادير

5
أخنوش: بين الحساء التلفزيوني ومأساة أكادير
أخنوش: بين الحساء التلفزيوني ومأساة أكادير

أفريقيا برس – المغرب. بينما كان يستعرض إنجازات حكومته في لقاء تلفزيوني استغرق ساعة وربع، وجد عزيز أخنوش نفسه وجها لوجه مع الواقع في معقله الانتخابي: ثماني نساء فارقن الحياة في غضون أسبوع واحد بمستشفى الحسن الثاني بأكادير، في مشهد يلخص انهيار المنظومة الصحية. وخلف سلسلة الإقالات والوعود المالية، لا تلوح في الأفق إرادة إصلاح حقيقية بقدر ما هي محاولة لإدارة أزمة إعلامية، تكشف عن حكومة غارقة في عجزها. إليكم القصة والدروس المستفادة.

في ما لم يكن سوى حدث إعلامي فارغ، وخلال مقابلته التلفزيونية التي كانت معدة بدقة (حُضّرت لأسابيع مسبقا، ومكتوبة السيناريو بعناية، وخضعت لمقص الرقيب لخدمة هدف واحد فقط، هو شخصه)، ظهر عزيز أخنوش للمغاربة يوم الأربعاء 10 شتنبر، عبر القناتين الوطنيتين الأكثر مشاهدة: «الأولى» و«دوزيم»، في إطلالة بدت أشبه بحساء بارد أعيد تسخينه.

واضعا يده على قلبه، أكد أن الحكومة ستواصل «بجدية» تنزيل الأوراش الاجتماعية الكبرى التي أطلقها الملك محمد السادس، وأن السنة الأخيرة من ولايته ستخصص لترسيخ هذه المشاريع في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية. خلال ساعة وربع من البث، وهي مدة طويلة بمقاييس التلفزيون، تباهى رئيس الحكومة بحصيلة يبدو أنه الوحيد القادر على الدفاع عنها.

وقفة احتجاجية أمام مستشفى أكادير. le360

لكن الواقع سرعان ما لحق به. ففي معقله بسوس ماسة، وفي قلب «مدينته» أكادير التي يرأس مجلسها الجماعي، خرج السكان للتنديد بالمأساة. مئات المواطنين احتجوا يوم الأحد 14 شتنبر ضد الارتجال والفوضى التي تنخر قطاع الصحة بالجهة. هذا الغضب، الثاني في أسابيع قليلة، تفجر بعد وفاة ثماني نساء خلال شهر غشت بمستشفى الأطفال التابع للمركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني بأكادير. الشرارة أشعلها الناشط والفاعل المدني رضا الطاوجني، الذي كشف عن سبب صادم: جرعات تخدير غير مطابقة استُعملت داخل قسم الولادة، ما أدى إلى وفاة ثماني حوامل في أسبوع واحد. المفتشية العامة لوزارة الصحة فتحت تحقيقا أحيلت نتائجه على النيابة العامة لتحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات القانونية.

ولكن هذا ليس سوى غيض من فيض. فالمأساة وقعت في مستشفى يجسد وحده كل عيوب الصحة العمومية. يعود تاريخ المبنى إلى عام 1967، ومن المفترض أن يستقبل المرضى ليس فقط من منطقة سوس ماسة، بل من الأقاليم المجاورة أيضا، بما في ذلك أقاليم الصحراء المغربية.

كما أنه يضطلع بأدوار متداخلة: مستشفى إقليمي، مركز استشفائي جهوي، ومركز استشفائي جامعي يؤطر طلبة الطب منذ 2017. ورغم الضغوط المتزايدة منذ سنوات، لم تباشر أي إصلاحات جادة لدعمه. النتيجة: تسيير عشوائي، موارد هزيلة، وأرواح تُزهق على مذبح الجمود.

خلال النصف الأول من عام 2025 وحده، استقبل قسم الطوارئ أكثر من 33000 مريض، أي ما بين 150 و250 حالة يوميا. وفي قسم الأشعة، تم إجراء ما يقرب من 4,380 فحصا بالأشعة المقطعية في ستة أشهر. كما أُجريت 1,761 عملية جراحية، مقابل 1,470 في العام السابق. وتم إجراء زهاء 70000 تحليل بيولوجي، كما أوضحت لمياء شاكيري، المديرة الجهوية لوزارة الصحة، خلال مؤتمر صحفي عشية آخر وقفة احتجاجية. لكن الشكيري تحولت بسرعة إلى كبش فداء: فقد أعفيت من مهامها يوم الثلاثاء 16 شتنبر 2025. ورغم ذلك، أرقامها تكشف حجم الضغط الذي يسحق المستشفى.

🔴 Suite au décès de 8 femmes lors de césariennes à l’hôpital Hassan II d’Agadir, le ministre de la Santé a limogé la directrice régionale de la Santé de Souss-Massa ainsi que le délégué provincial.

Une façon de répondre à la colère des citoyens qui dénoncent des conditions… pic.twitter.com/DM12Q582Wu

— Le360 (@Le360fr) September 16, 2025

ولم يكشف الظهور الإعلامي للمديرة الجهوية السابقة سوى عن الهشاشة القصوى لبنية تحتية لا تصمد يوميًا إلا بفضل الحلول الترقيعية. فقد أبرزت عن غير قصد مدى الخراب الصحي بالمنطقة: منظومة عتيقة، تحت ضغط دائم، وأهوال تنتظر فقط الشرارة لتنفجر.

تضحيات شكلية

ورغم الخطابات الرسمية المطمئنة، يبقى الواقع هو خدمة عمومية عاجزة عن تلبية أبسط حاجيات المواطنين. المؤسسة التي كان يفترض أن تكون مرجعية جهوية تحولت اليوم إلى «مقبرة». آجال طويلة، رعاية غير عادلة، مرضى متروكون لمصيرهم، مستعجلات غارقة… الأعطاب لا تحصى، والمديرة نفسها أقرت بها. يضاف إلى ذلك أعطاب متكررة في التجهيزات، التي لا تُصلح إلا عبر مساطر صفقات عمومية طويلة بدل صيانتها الدورية. ويمكن تخيل المدة التي يستغرقها إصلاح جهاز سكانير مثلا.

أحيانا، يضطر المرضى لاقتناء بعض المستلزمات على نفقتهم لعلاج أنفسهم بسبب نفاد المخزون، حسب اعتراف المديرة، التي وُضعت في مواجهة أزمة تتجاوز صلاحياتها وكفاءتها. فضائح الوفيات القابلة للتفادي، ونقص الرعاية، وانعدام الشفافية، كلها تضع الوصاية أمام المساءلة. لكن ماذا يُقال حين يكون وزير الصحة، أمين التهراوي، مقربا من رئيس الحكومة وعمدة أكادير نفسه؟ فقد خدم لسنوات داخل مجموعة «أكوا» و«أكسال»، المملوكتين لأخنوش.

التهراوي تحرك متأخرا. فبعد أسابيع من الفاجعة، وبعد يومين على آخر وقفة احتجاجية، زار المستشفى يوم الثلاثاء ليذكر بتشكيل لجنة مركزية «خاصة» لإيجاد حلول عاجلة. ولإظهار الحزم، أقال مدير المستشفى، ثم المندوب الإقليمي، ثم المديرة الجهوية. وعُين مدير بالنيابة لمرحلة «تصحيحية» يفترض أن تضمن تسييرا بجودة أفضل. بمعنى آخر: بضع رؤوس تُطاح، بينما المشاكل البنيوية راسخة منذ سنوات.

على المنوال نفسه، تم فسخ عقود شركات الحراسة والنظافة والاستقبال، وعُوضت على عجل في انتظار صفقات جديدة. اللجنة رصدت أيضا غيابات متكررة وغير مبررة لأطر طبية، ففُتحت مساطر تأديبية. من الناحية المادية، توصل المستشفى بجهاز سكانير جديد الثلاثاء، سيدخل الخدمة قريبا، مجرد رقعة على مؤسسة تنهكها الأعطاب.

تدابير صغيرة بقيمة 200 مليون درهم

أعلنت الوزارة عن استثمار بقيمة 200 مليون درهم لإعادة تأهيل وتجهيز مستشفى الحسن الثاني. مشروع سيمضي «تدريجيا»، أي ببطء شديد، في انتظار افتتاح المركز الاستشفائي الجامعي الجديد، شبه الجاهز، والمقرر تدشينه «قريبا». للتذكير: إصلاح مستشفى الحسن الثاني يعود لمرحلة خالد آيت طالب، سلف التهراوي، والمركز الجامعي المنتظر ليس ثمرة حكومة أخنوش، بل نتاج إرادة ملكية لتزويد كل جهة بمستشفى جامعي.

من هنا يطرح السؤال: هل تكفي تدخلات ترقيعية لمعالجة مأساة كهذه؟ ولماذا لم تُحرك الأموال إلا بعد ثماني وفيات وانفجار اجتماعي؟ هل كان لا بد من الوصول إلى هذا الحد لتُفتح الاعتمادات «بالتقسيط» لمستشفى متعثر منذ عقود، في مدينة يرأس أخنوش مجلسها منذ 24 شتنبر 2021، ويهيمن حزبه، التجمع الوطني للأحرار، على مجلسها الجماعي؟ الأزمة اليوم ليست صحية فقط، بل سياسية بامتياز. تكشف عن أداء حكومي متعثر، وعن فجوة لن تسدها الإعلانات ولا المناورات الاتصالية، بل إصلاح عميق: مزيد من الأطباء، بنيات إضافية، وقبل كل شيء اعتبار المريض مواطنا، لا مجرد رقم ملف.

أما ما تبقى من وعود الوزير أو تصريحات رئيس الحكومة في عرضه التلفزيوني، فلا يرقى إلى مستوى الشفافية بقدر ما يعكس حملة تواصلية في زمن أزمة. محاولة مرتبكة لاستعادة المبادرة أمام الانتقادات، أكثر مما تعكس إرادة حقيقية للمحاسبة. إنها وضعية دفاعية تكشف حكومة لا تعاني فقط من نزعة هيمنة، بل من عجز بنيوي. خطابها تقني وبارد، بلا روح، يكشف سلطة منشغلة بحماية نفسها أكثر من إقناع الناس، وزعيم حزب عيناه معلقتان على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. الشكل والمضمون معا يعيدان إلى الأذهان، بمرارة، خطابات عبد المجيد تبون مع إعلامه المروض، أو تحركات وزرائه الهزيلة. وهذا، بالنسبة للمغرب، أمر لا يمكن القبول به.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس