أفريقيا برس – المغرب. في ظل الجدل المتواصل حول واقع المنظومة الصحية في المغرب، شهدت جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس النواب نقاشا حادا بين نواب المعارضة وعزيز أخنوش، حيث انتقدت فرق برلمانية ما وصفته بالاختلالات العميقة التي تعيق إصلاح القطاع الصحي وتؤثر على عدالة الاستفادة من التغطية الصحية، في وقت شددت فيه الحكومة على التزامها بمواصلة الإصلاحات لضمان استدامة الخدمات الصحية وتحسين الولوج إلى العلاج.
واتهم عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، رئيس الحكومة خلال جلسة المساءلة الشهرية، بعدم الوفاء بالوعود المعلنة لإصلاح المنظومة الصحية، معتبرا أن مشروع “الدولة الاجتماعية” الذي تتبناه الحكومة لم ينعكس بعد على أرض الواقع، واصفا السياسات الصحية الحكومية بكونها “فوقية ومفصولة عن معاناة المغاربة اليومية”.
واستعرض النائب البرلماني المعارض عددا من الالتزامات التي لم تتحقق رغم مرور ثلاث سنوات على عمر الحكومة، مثل تعميم البطاقة الصحية الذكية، وتحسين ظروف العمل في المستشفيات العمومية، وتطوير خدمات مراقبة الحمل، وتوفير سيارات إسعاف مجهزة. واعتبر أن هذا الإخفاق يزيد من أزمة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة. كما أشار إلى استمرار الخصاص في الخدمات الأساسية، وغياب الأثر الفعلي للبرامج رغم الشعارات الرسمية المطمئنة.
ودق شهيد ناقوس الخطر بخصوص الموارد البشرية، متحدثا عن خصاص يفوق 30 ألف طبيب و65 ألف ممرض، بالإضافة إلى التوزيع غير العادل للكوادر الطبية، وهجرة مقلقة للكفاءات. وانتقد كذلك سيطرة القطاع الخاص على التمويل الصحي، لافتا إلى أن المصحات الخاصة تستهلك الجزء الأكبر من التأمين الصحي، رغم أنها لا توفر سوى ثلث الطاقة الاستشفائية.
وقال رشيد حموني، رئيس الفريق النيابي لحزب “التقدم والاشتراكية” المعارض بمجلس النواب، إن رئيس الحكومة عزيز أخنوش لا يتحدث عن 8.5 مليون مغربي خارج التغطية الصحية، واستطرد: “كنا ننتظر الحديث عن الفوضى في القطاع الخاص، لأن تخوفنا هو أن يفشل المشروع بسبب استنزاف الصناديق والنفخ في الفواتير” وفق تعبيره.
وأشار حموني إلى أن هناك بروتوكولات علاجية تقدم في القطاع الخاص لا يحتاجها المريض، والدليل أن 90 في المئة من المرجوعات تذهب للقطاع الخاص، في غياب بروتوكول علاجي موحد بين القطاعين العام والخاص.
وسجل حموني أن هناك دواء ثمنه 316 درهما (حوالي 30 دولارا) في المغرب بينما لا يتجاوز ثمنه 25 درهما في بلجيكا، ودواء آخر يكلف أكثر من 3000 درهم (حوالي 300 دولار) ثمنه في فرنسا 945 درهما (حوالي 91 دولارا)، وعلق: “لم نعد نتحدث عن أي سيادة دوائية، والخطير في الأمر هو استيراد أدوية من بعض الدول دون أي مراقبة”.
بدورها، قالت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن “فدرالية اليسار الديمقراطي”، إن الحق في الصحة موجود فقط في خطابات الحكومة وليس له أثر على أرض الواقع، وأكدت أن القطاع الصحي في المغرب تحول إلى “تجارة عنوانها البيع والشراء.”
وأشارت النائبة البرلمانية، إلى أن الكثير من الأدوية مقطوعة ومرضى السرطان يتعذبون مرتين، إحداها بالمرض والثانية بالأدوية التي لا يجدونها. ولفتت إلى أن مستشفيات كثيرة بالمغرب بدون أجهزة طبية، ومواعيد تقدم للمواطنين لشهور، وهناك أجهزة بمبالغ مالية باهظة جدا معطلة وصفقات غامضة ومشبوهة، ومستشفيات مخنوقة بالاكتظاظ، وكل هذا يدفع المغاربة دون رغبتهم إلى القطاع الخاص، ومع ذلك الحكومة لا تجد حرجا في التطبيل لـ “إنجازات وهمية”.
وقال مصطفى ابراهيمي، النائب البرلماني عن المجموعة النيابية لحزب “العدالة والتنمية”، إنه لا يمكن الحديث عن الحماية الاجتماعية إلا بالقطاع العمومي، لأنه الضامن الأساس لكرامة المواطنين والمواطنات، واتهم الحكومة بـ “تبديد المالية العمومية، لأن ما بين 70 إلى 80 في المئة من أموال مشروع التغطية الصحية تذهب للقطاع الخاص” وفق تقديره.
وتابع: “هذه الأموال الضخمة لا تذهب للمستشفيات العمومية، وعلى يد هذه الحكومة سيفلس المستشفى العمومي لأنه يتم حرمانه من الموارد”، لافتا الأنظار إلى “تهجير المرضى للقطاع الخاص”، حيث أكد أن الحكومة تسعى وبإصرار غريب إلى تدمير الصناعة الوطنية الدوائية، وهذا ما ظهر في الإجراءات الضريبية الخاصة بقانون موازنة 2024.
وأطلق محمد أوزين، النائب البرلماني والأمين العام لحزب “الحركة الشعبية” المعارض، صرخة تنديد بخطورة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المغرب، متوقفا عند أزمة الثقة الشاملة، وعنف الرمزية السياسية، وتردي الخدمات العمومية التي لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من حاجيات المواطنين. وأبدى تحسره عن واقع شباب مغربي “تائه بين الأمل المؤجل واليأس المتسلل، يعيش تحت وطأة البطالة، والحيرة، وغياب الأفق. شباب يشعر أن لا أحد يصغي إليه، ولا أحد يفكر فيه”.
كما تحدث عن “صحة أصبحت امتيازًا لا حقًا، وعن مستشفياتٍ تعاني، وأدويةٍ أسعارها تلتهب، ومرضى لا يجدون إلى العلاج سبيلا”، وتوقف عند معاناة “كبار سن تقاعدوا عن العمل، لكنهم لم يتقاعدوا عن الانتظار… انتظار الكرامة، والاعتراف، والرعاية”.
ودق أوزين ناقوس الخطر حول ما أسماه “تحويلًا غير معلن” للصحة العمومية نحو القطاع الخاص، مع ما يحمله هذا التوجه من مخاطر على العدالة الاجتماعية، وعلى مبدأ المساواة في الولوج إلى العلاج. واعتبر أن ما يجري هو انسحاب صامت للحكومة من التزاماتها الأساسية؛ خالصا إلى القول “إن الحكومة لم تلتزم بما وعدت به، وإن خيبات الأمل تتراكم، والثقة تتآكل، والمواطنون لم يعودوا يصدقون الخطاب الخكومي، ولا الوعود الكاذبة المتكررة”.
وكان رئيس الحكومة عزيز أخنوش، قد أكد خلال العرض الذي قدمه بجلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب (الغرفة الأولى)، حول موضوع “المنظومة الصحية الوطنية بين المنجزات الراهنة والتطلعات المستقبلية”، أن الحكومة تحرص، من خلال إصلاح منظومة الصحة، على استدامة منظومة التغطية الصحية، وذلك من خلال ضمان التوازن المالي المستدام لصناديق التغطية الصحية، عبر السعي نحو تبني سياسة دوائية فعالة، أخذا بعين الاعتبار أثر تكلفتها على المواطنين وعلى صناديق التأمين الصحي.
وأوضح، في هذا الإطار، أنه تم إحداث الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، التي تشكل رافعة محورية لضمان السيادة الدوائية الوطنية، والتي ستتولى مسؤولية ضمان وفرة الأدوية والمنتجات الصحية، مع الحرص على سلامتها وجودتها.
وسجل أخنوش، أن الحكومة تستهدف في أفق سنة 2026، الرفع بصفة تدريجية من أعداد العاملين إلى أكثر من 90.000، بغاية تجاوز عتبة 24 مهنيا للصحة لكل 10.000 نسمة، في أفق رفعها إلى 45 بحلول سنة 2030. من جهة ثانية، سجل رئيس الحكومة، أنه تم الرفع من عدد المناصب المالية المخصصة لقطاع الصحة، والتي عرفت تطورا تدريجيا انتقل من 5.500 منصب خلال سنوات2021، 2022، 2023 و2024، إلى 6.500 منصب في سنة 2025 لتبلغ عددا إجماليا يقدر بـ 23.000 منصب.
وسجل أنه تم إطلاق سياسة طموحة لمراجعة وتخفيض أثمان الأدوية، عبر إقرار إجراءات جريئة، كان أبرزها الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة، سواء عند الاستيراد أو على المستوى الداخلي، وهو ما أدى إلى خفض أسعار أكثر من 4.500 دواء جنيس. كما أكد أن الحكومة بذلت جهودا جبارة لتعزيز التمويل اللازم لهذا الإصلاح، حيث تم العمل على رفع ميزانية قطاع الصحة بشكل غير مسبوق. إذ انتقلت من 19.7 مليار درهم في عام 2021 إلى 32.6 مليار درهم في عام 2025، أي بزيادة تفوق 65 في المئة خلال الولاية الحكومية الحالية، ما يؤكد على جدية التزامات الحكومة، ويعبر عن إرادتها السياسية الحقيقية في إحداث تحول هيكلي للقطاع الصحي، حسب تعبيره.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس