أفريقيا برس – المغرب. تصاعد غبار العاصفة التي أثارها الصحافي المغربي حميد المهداوي عقب بثه مقطعاً مسرّبا لاجتماع داخلي للجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية التابعة للجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر (المجلس الوطني للصحافة)، وهو الاجتماع الذي بدا أنه سيغيّر وجه النقاش العمومي حول أوضاع الصحافة المغربية، كما أنه يكشف عن طريقة عمل اللجنة المذكورة وسلوك أعضائها في علاقتهم بالإعلاميين والمحامين والجسم القضائي.
فما إن انتشر الفيديو، حتى أصبح حديث المهنيين وعموم الرأي العام، خصوصاً أنه بدا، وفق ما عرضه المهداوي على قناته في “يوتيوب”، وكأن أعضاء اللجنة يناقشون قضايا معروضة على القضاء بطريقة تم تفسيرها على أنها تدخل غير مشروع في اختصاصاته. المهداوي ركز على هذا الجانب، معتبرا أن ما ورد في التسجيل يشكل “تدخلاً في قضايا بيد القضاء”، مؤكدا في الوقت نفسه أنه لن يكشف مصدر التسريب “حتى لو طلب منه القضاء ذلك”.
كما كشف الكلام المسرب عن أعضاء اللجنة وجود عبارات احتقار للمحامين، وأخرى تشير إلى التهديد بالضغط على الصحافي المهداوي من خلال استغلال علاقة مزعومة مع محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وأثار المقطع استياء كبيرا داخل الوسط الإعلامي، إذ ظهرت في المداولات عبارات اعتبرها الكثيرون “غير أخلاقية” و”مهينة”، ما جعل صورة لجنة يفترض أنها مسؤولة عن صون أخلاقيات المهنة، تبدو في وضع حرج.
ويعود اهتمام المهداوي الخاص بالقضية إلى كون المداولات المسرّبة تعنى بالاجتماع الذي انتهى بحرمانه من بطاقة الصحافة، واعتباره شخصا لا ينتمي إلى المهنة، بسبب محتواه المنشور على يوتيوب، وهو قرار ظل مثار جدل واسع منذ صدوره.
في مقابل الضجة، سارعَت اللجنة المؤقتة إلى إصدار بيان توضيحي أعلنت فيه اللجوء إلى القضاء ضد المهداوي وكل من ثبت تورطه في التسريب، معتبرة أن ما بثه “تركيبة منتقاة من أقوال وصور” تهدف إلى الإساءة والتشهير، وأن نشر مداولات اللجان يشكل خرقاً للمادة 18 من النظام الداخلي للمجلس الوطني للصحافة، التي تؤكد سرية الاجتماعات. ورأت اللجنة أن نشر صور واجتماعات داخلية من دون موافقة أصحابها “عمل غير قانوني ولا علاقة له بحرية التعبير”.
وأضاف البيان الذي تلقت “القدس العربي” نسخة منه أن ما يقوم به المهداوي منذ شهور هو “نهج يومي في التشهير والتهجم على أعضاء اللجنة”، و”التشكيك في الذمة المالية لرئيس اللجنة المؤقتة”، بل و”الحديث عن مؤامرة تقف وراءها إسرائيل”. وأكدت أنها تغاضت كثيراً عن “السباب والقذف”، لكنها الآن أمام “تجاوز أخلاقي وقانوني صريح”. كما نفت اللجنة تماماً ما نُسب لرئيس لجنة الأخلاقيات، معتبرة أن كلامه “حُرِّف وفُبرك”، وأن الرجل معروف بنزاهته منذ تأسيس المجلس الوطني للصحافة.
وردّت اللجنة على ما أسمته “تضخيم الكلام الجانبي الذي يقال في كل الاجتماعات”، معتبرة ذلك محاولة للتهرب من “المساءلة الأخلاقية”.
سياسياً، دفع حجم الانطباع السلبي الذي خلفه التسريب عددا من أحزاب المعارضة إلى التعليق. فقد عبّر حزب “العدالة والتنمية” عن “أسفه الشديد” لما تضمنه الفيديو، معتبرا في بيان له ما ورد فيه “خطيراً” ويستدعي فتح “تحقيق قضائي عاجل” لأنه يمس الثقة في القضاء ومصداقية التنظيم الذاتي للصحافة، وحتى مستقبل الصحافي حميد المهداوي نفسه. وأعلن الحزب عن تضامنه المبدئي مع المهداوي، واصفاً ما تعرض له بأنه “معاملة غير لائقة”، وداعياً أعضاء اللجنة المؤقتة إلى الاستقالة لأنها أصبحت، برأيه، “فاقدة للمشروعية والمصداقية”.
أما النائبة فاطمة التامني عن “فدرالية اليسار”، فقد وجهت سؤالاً كتابياً إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل، اعتبرت فيه أن ما ظهر في التسريب “تآمر صريح يهدف إلى حرمان صحافي ومقاولة إعلامية من حقوق مهنية ودعم عمومي بمنطق انتقامي”. كما رأت أن الأخطر هو “التلميحات المتعلقة باستغلال النفوذ للتدخل في القضاء وإقحام رئاسة النيابة العامة في تصفية حسابات”، إلى جانب “الإساءة للمحامين بعبارات تحقيرية”. وطالبت بفتح تحقيق دقيق، واتخاذ إجراءات ضد كل من يثبت تورطه في “الشطط واستغلال السلطة”.
حزب “التقدم والاشتراكية” بدوره اعتمد الصيغة نفسها، إذ وجهت النائبة نادية التهامي سؤالاً للوزير بنسعيد اعتبرت فيه التسجيل “مليئاً بانزلاقات خطيرة” تمسّ الثقة في القطاع وفي صورة البلاد الحقوقية. وقالت إن ما ورد فيه يستوجب تحقيقاً رسمياً وتدابير مناسبة إذا ثبتت صحة المعطيات.
كما دخلت “الجمعية الوطنية للمحامين” على الخط، معتبرة أن العبارات التي وردت في التسجيل “تمس بكرامة المحامين وتحط من الاعتبار المهني”، ومشددة على أن استقلالية الدفاع جزء لا ينفصل عن استقلال القضاء. ودعت لفتح تحقيق مستقل وشامل لتحديد المسؤوليات وترسيخ الثقة في العدالة.
في الجانب المهني، نددت “النقابة الوطنية للصحافة المغربية” باللغة “الحاطة من الكرامة الإنسانية” التي ظهرت في التسجيل، معتبرة أنها “تسيء لسمعة التنظيم الذاتي” وتشكل “تهديدا لاستقلالية القطاع”. وطالبت بفتح تحقيق عاجل ومحايد، وتطبيق الجزاءات على كل من يثبت أنه خرق أخلاقيات المهنة أو تدخل في القضاء. كما أكدت النقابة أن اللجنة المؤقتة “منتهية ولايتها” وأن استمرارها خارج الإطار القانوني أمر غير مقبول.
تفاعل الصحافيين على مواقع التواصل كان شديدا، بعضهم عبّر عن صدمة أخلاقية دفعتهم للتفكير في “مغادرة المهنة”. حيث كتب عبد الرحيم التوراني مقالاً بعنوان “صدمة المهنة وسقوط الأقنعة” نشره على موقع “لكم” قال فيه إنه شعر بالغثيان بعد مشاهدة الفيديو، وإن ما رآه جعله يلعن انتماءه لمهنة “كان لها رموز ومناضلون”، قبل أن يعلن أنه يفكر جدياً في “الاستقالة من مهنة لم تعد شريفة”. أما الصحافي الحسين يزي فاعتبر أن التسريب “مصدر خبر” يوجب تجميد اللجنة المؤقتة للصحافة فورا، وأن متابعة ناشر الفيديو “لا تغير شيئا” بعد انكشاف الحقيقة.
ولم تخلُ التفاعلات من السخرية والغضب؛ إذ كتب الصحافي مولاي التهامي بهطاط متسائلاً ساخراً: “هل تنتصر صحافة سراق الزيت (الصرصور بالدارجة) مجدداً؟”، بينما رأت الناشطة الحقوقية لطيفة البوحسيني أن الخطاب الرسمي يوحي بأن “التشهير حلال عليهم والنشر حرام على الآخرين”. واعتبر الصحافي حسن المولوع أن اللجنة المؤقتة فقدت أصلاً صلاحيتها القانونية، متسائلاً: “من سيمثلها قانونياً في مقاضاة المهداوي؟”.
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل





