أفريقيا برس – المغرب. في وقت أكد فيه العاهل المغربي على الأدوار المحورية للجالية المغربية المقيمة في الخارج في تعزيز الدينامية التنموية التي يشهدها المغرب، وضرورة تقديم الدعم اللازم لتوطيد علاقتها بوطنها الأم، خلال خطابه بمناسبة الذكرى الـ 49 للمسيرة الخضراء، تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، خرج تقرير ليؤكد أن المهاجرين المغاربة يُعانون من العديد من الصعوبات كالتعرض لممارسات الفساد كالرشوة واستغلال النفوذ والبيروقراطية الإدارية والغياب شبه التام لمغاربة العالم عن مؤسسات الحوكمة الوطنية والتهميش السياسي لهذه الفئة وغيرها.
ودعا الملك محمد السادس إلى إعادة هيكلة «مجلس الجالية المغربية في الخارج» ليضطلع بدور أكثر دينامية وفاعلية في تمثيل مصالح الجالية، وتعزيز الروابط مع الوطن، وإنشاء «المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج» لتكون إطاراً جامعاً يقدم خدمات متكاملة ودعماً شاملاً لهذه الفئة.
وكشف تقرير صادر حديثاً عن «مرصد العمل الحكومي» (مؤسسة غير حكومية)، أن الجالية المغربية المقيمة في دول المهجر تتعرض بشكل خاص لممارسات الفساد مثل الرشوة واستغلال النفوذ، نتيجة لغياب الوضوح في الإجراءات وضعف الرقابة.
وأبرز أن أفراد الجالية يعانون أحياناً من التمييز غير المعلن، حيث ينظر إليهم على أنهم فئة قادرة على دفع تكاليف إضافية غير قانونية لإنجاز خدماتهم بشكل أسرع، وهو ما «يُضعف ثقة الجالية في المؤسسات، ويزيد من إحساسهم بعدم الإنصاف مقارنة بباقي المواطنين».
وقالت الورقة التحليلية، التي توصلت «القدس العربي» بنسخة منها، إن حدة هذه التحديات تزداد خلال فصل الصيف، الذي يشهد عودة مكثفة لأفراد الجالية لقضاء عطلتهم السنوية في الوطن، ورغم أهمية هذه الفترة اقتصادياً واجتماعياً للمغرب، فإن الإدارات المغربية غالباً ما تفشل في التكيف مع هذا التدفق الكبير، سواء من حيث توفير الموارد البشرية المؤهلة أو تحسين البنية التحتية الإدارية.
وأبرزت المعطيات أن الجالية المغربية بالخارج تواجه صعوبات كبيرة مع البيروقراطية الإدارية عند قضاء مصالحها داخل أرض الوطن، وهي إشكالية تتسم بتعقيد المساطر الإدارية، وتعدد الوثائق المطلوبة، وتكرار الإجراءات بين مختلف الإدارات، فضلاً عن غياب التنسيق بينها، حيث تجعل هذه العقبات من إتمام المعاملات تجربة مرهقة ومكلفة على الصعيدين المادي والزمني، وتؤثر سلباً على العلاقة بين الجالية والمؤسسات الوطنية، حيث يترسّخ لدى العديد منهم شعور بالإحباط والبعد عن الإدارة المغربية، التي من المفترض أن تسهل ارتباطهم بوطنهم الأم.
التهميش السياسي
وسجلت الوثيقة أن المشاركة السياسية لمغاربة العالم تعاني من عدة اختلالات تمتد إلى تمثيليتهم في المؤسسات الوطنية وتأثيرهم في السياسات العمومية، ما يكرس ضعف ارتباطهم السياسي بالوطن.
وأشار «مرصد العمل الحكومي» أنه على الرغم من إنشاء «مجلس الجالية المغربية بالخارج» كهيئة استشارية تهدف إلى تمثيل مصالح الجالية، فإن أثره يظل محدوداً، سواء في ضمان تمثيلية حقيقية لهذه الفئة أو في إحداث تأثير فعلي في صياغة السياسات الوطنية.
وأفاد أن هذا المجلس الذي كان يُنتظر منه أن يكون قناة رئيسية لنقل صوت الجالية «يعاني من غياب الاستمرارية والفاعلية، حيث بقي دوره استشارياً بحتاً وغير قادر على تحويل توصياته إلى قرارات ملموسة تؤثر في القضايا الكبرى التي تمس الجالية».
إلى جانب ذلك، لاحظ التقرير الغياب شبه التام لمغاربة العالم عن مؤسسات الحكامة الوطنية، مثل «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي»، ومؤسسات مكافحة الفساد، والهيئات المعنية بالتنمية المستدامة، ما «يفاقم من التهميش السياسي لهذه الفئة»، فهذا الغياب لا يعكس فقط نقص الإرادة في إشراكهم بفعالية، بل يساهم أيضاً في إضعاف مشاركتهم في صياغة السياسات العامة التي تمسهم بشكل مباشر. ورغم الإجراءات المحدودة، من قبيل تخصيص مقاعد داخل البرلمان عبر اللائحة النسائية الجهوية، فغن هذه الجهود لا تلبي التطلعات الحقيقية للجالية في بناء علاقة سياسية متينة مع الوطن، يضيف التقرير مؤكداً أن «غيابهم عن مواقع اتخاذ القرار والمؤسسات الحيوية لا يعكس مساهمتهم الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، بل يخلق شعوراً متزايداً بالتهميش».
البيروقراطية وتعقيدات الإجراءات الإدارية تمثل أحد أبرز العوائق التي تواجه مغاربة العالم في مساعيهم للاستثمار بالمغرب، يقول تقرير «مرصد العمل الحكومي»، إذ غالباً ما تُفرَض على المستثمرين إجراءات طويلة ومعقدة، تتطلب تواجدهم الشخصي داخل البلاد لإتمامها، وهو أمر يشكل عبئاً مالياً ولوجستياً كبيراً، لأن العديد من مغاربة العالم يجدون أنفسهم مضطرين للقيام برحلات متكررة إلى المغرب لإنجاز المعاملات الإدارية، ما يستهلك الوقت والجهد ويؤدي في كثير من الأحيان إلى فقدان الحماسة لمواصلة الاستثمار أو تأجيله إلى أجل غير محدد.
لا حوافز ضريبية
بالإضافة إلى العقبات الإدارية التي تواجه مغاربة العالم، أشارت المعطيات إلى غياب واضح للحوافز الموجهة خصيصاً للمهاجرين المغاربة كمستثمرين، ما يُفقِد الاقتصاد المغربي فرصة استقطاب استثمارات واعدة من الجالية، فلا توجد حزمة متكاملة من التحفيزات الضريبية التي تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم كجالية مقيمة في الخارج، سواء من حيث التحديات المرتبطة بتحويل رؤوس الأموال أو التكيّف مع البيئة الاقتصادية المحلية.
كما أن غياب استراتيجيات شاملة لدعمهم في تجاوز تحديات الاندماج في السوق المغربية يضعف من قدرتهم على المشاركة الفاعلة في تحقيق التنمية. وحول إشكاليات الاستقبال، انتقد التقرير جودة استقبال الجالية المغربية المقيمة في الخارج، والتي «تعيق تحسين تجربتهم وضمان تواصلهم الدائم مع الوطن»، وأفاد أنه بالرغم من أن المغرب ينظم سنويًا عملية «مرحباً»، التي تُعدّ من أكبر عمليات استقبال الجاليات في العالم، حيث تشمل مواكبة المغاربة خلال العبور وتقديم خدمات متنوعة، فإن هذه العملية لا تخلو من تحديات تؤثر على جودتها وفعاليتها.
وقالت الورقة التحليلية إن أبرز الإشكاليات تتمثل في غياب أُسطول نقل بحري وطني قوي، ما يجعل المغرب معتمداً بشكل شبه كلي على الشركات الأجنبية التي تتحكم في الأسعار والجداول الزمنية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف العبور عبر البحر، ويثقل كاهل الأسر المغربية التي تسعى لزيارة وطنها. كما أن المغاربة المقيمين في أمريكا الشمالية يواجهون تحديات إضافية تتمثل في ارتفاع تكاليف السفر الجوي، بسبب غياب عروض تنافسية وأسعار مخفضة، ما يحد من زياراتهم ويفقد المغرب فرصة الاستفادة من عائدات مهمة مرتبطة بالسياحة والاستثمار.
توصيات
دعا تقرير «مرصد العمل الحكومي» إلى إشراك الجالية في مؤسسات الحكامة الوطنية وتخصيص مقاعد لممثلي الجالية في مؤسسات مثل «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي» ومؤسسات مكافحة الفساد، وتفعيل حق التصويت والترشح عن طريق تعزيز الآليات القانونية التي تضمن مشاركة الجالية في الانتخابات الوطنية، وتمكينهم من تمثيل مصالحهم بشكل مباشر داخل البرلمان.
وأوصت الوثيقة بتفعيل الشباك الوحيد للجالية عبر إنشاء شُبّاك موحد يوفر جميع الخدمات الإدارية الموجهة للجالية في أماكن تجمعهم خلال فصل الصيف وفي الإدارات الرئيسية. وبتطوير الرقمنة من خلال رقمنة جميع المساطر الإدارية لجعلها متاحة عن بعد، مع تقليل الاعتماد على الوثائق الورقية، وتعزيز آليات الشفافية من خلال وضع آليات صارمة لمحاربة الفساد الإداري مثل إطلاق منصات للإبلاغ عن الممارسات غير القانونية وضمان حماية المبلغين، وتكوين الموظفين عبر تنظيم دورات تدريبية في التعامل مع الجالية لتقديم خدمات بجودة عالية وشفافية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس