أفريقيا برس – المغرب. وصل رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، عصر الخميس، إلى المغرب في زيارة رسمية لإحياء العلاقات الدبلوماسية التي ظلت مقطوعة بين البلدين لنحو عام، وذلك بعد تغيير مدريد موقفها إزاء نزاع الصحراء الغربية لصالح الرباط.
يلبي سانشيز دعوة من الملك محمد السادس الذي سيجري معه “مباحثات رسمية” ويستضيفه حول مائدة إفطار تقام “على شرف ضيف جلالته الكريم”، في مؤشر الى أهمية الزيارة. وهو أول مسؤول أوروبي يستقبله الملك المغربي رسميا منذ بدء جائحة كوفيد في 2020.
ويرافق سانشيز وزير الخارجية خوسيه مانويل الباريس، واستقبلهما رئيس الوزراء المغربي عزيز أخنوش.
وجدد محمد السادس دعوته إلى “تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين”، وفق بيان صدر عن الديوان الملكي في 31 آذار/مارس وأعلن دعوة سانشيز لزيارة المغرب.
لكن الموقف الإسباني المؤيد للمغرب لا يحظى بالإجماع في مدريد، حيث تبنى مجلس النواب الخميس قرارا يدين التخلي عن الحياد “التاريخي” لاسبانيا إزاء النزاع في الصحراء الغربيةّ، لصالح المغرب.
في المقابل لقي الموقف ترحيبا واسعا في المملكة واعتبر انتصارا دبلوماسيا تاريخيا. وقالت وكالة الأنباء المغربية، الخميس، إنه تعبير عن “جرأة رجال الدولة”، و”تحد حقيقي للطبقة السياسية الاسبانية”.
تهدف هذه الزيارة إلى وضع “خارطة طريق طموحة تغطي جميع قطاعات الشراكة، وتشمل كل القضايا ذات الاهتمام المشترك”، بحسب بيان الديوان الملكي، على أن يغادر سانشيز صباح الجمعة.
“مرحلة واعدة”
من بين تلك القضايا العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإسبانيا، الشريك التجاري الأول للمملكة. ويعتقد الباحث المتخصص في العلاقات المغربية الإسبانية نبيل دريوش أن “الملف الاقتصادي سيكون القاطرة التي تجر علاقات البلدين في هذه المرحلة الجديدة، التي تبدو جد واعدة”.
يرتبط الجاران أيضا بملف محاربة الهجرة غير النظامية إذ تريد مدريد أن تضمن “تعاون” الرباط في صد المهاجرين غير القانونين، الذين ينطلق معظمهم من المغرب، بينما يتهم عدة مراقبين المملكة باستعمال هذا الملف كورقة ضغط.
كما يرتقب أن تسرع عودة المياه إلى مجاريها بين البلدين فتح حدودهما لاستئناف نقل المسافرين، خصوصا في فترة العطلة الصيفية التي تشهد عبورا مكثفا للمهاجرين المغاربة المقيمين بأوروبا، وهي عملية استثنى منها المغرب الموانئ الاسبانية الصيف الماضي.
من القضايا المشتركة أيضا موضوع حركة تهريب البضائع من جيبي سبتة ومليلية، التي أوقفها المغرب في 2019. وكذا ترسيم الحدود البحرية.
مؤخرا، أُضيف التعاون في مجال الطاقة إلى الملفات المشتركة بين البلدين، بعدما بات المغرب يعول على استيراد الغاز الطبيعي المسال عبر إسبانيا، إذ سمحت مدريد له باستيراد الغاز عبر خط الانابيب المغربي الأوروبي “جي إم إي” الذي كانت الجزائر تستخدمه لتصدير الغاز إلى أوروبا قبل أن تتوقف عن استخدامه في نهاية تشرين الأول/أكتوبر.
باتت المصالحة ممكنة بين الرباط ومدريد بعدما أعلنت الأخيرة تأييد خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لحل النزاع حول الصحراء الغربية، باعتباره “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف” حول المستعمرة الاسبانية سابقا، متخلية بذلك عن حيادها التقليدي إزاء هذا النزاع.
يقترح المغرب منح المنطقة الصحراوية الشاسعة التي يسيطر على نحو 80 بالمئة من مساحتها، حكما ذاتيا تحت سيادته كحل وحيد النزاع. بينما تطالب جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر المجاورة بإجراء استفتاء لتقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة.
الصحراء الغربية
توقع مدير برنامج شمال أفريقيا في “مجموعة الأزمات الدولية” ريكاردو فابياني أن لا يحدث الموقف الإسباني الجديد “تغييرا في الحال، لكن على المدى البعيد سيصير هامش خيار استقلال (الصحراء الغربية) ضيقا أكثر فأكثر”.
رغم أن سانشيز نفى حدوث أي “انقلاب” في موقف بلاده إزاء هذا الملف، إلا أنه أثار غضب حلفائه اليساريين في الإئتلاف الحكومي والمعارضة اليمينية، فضلا عن جبهة بوليساريو والجزائر.
وأنهى هذا التحول أزمة دبلوماسية حادة منذ عام بين الرباط ومدريد، اندلعت بسبب استضافة إسبانيا زعيم جبهة بوليساريو الغربية إبراهيم غالي لتلقي العلاج “لأسباب إنسانية”.
وأثار ذلك سخط الرباط، التي أكدت أنه دخل إسبانيا آتيا من الجزائر “بوثائق مزورة وهوية منتحلة”، وطالبت “بتحقيق شفاف”.
تفاقمت الأزمة حينها مع تدفق نحو 10 آلاف مهاجر معظمهم مغاربة، وبينهم الكثير من القاصرين، على جيب سبتة الإسباني شمال المغرب، مستغلين تراخيا في مراقبة الحدود من الجانب المغربي.
ودانت مدريد حينئذ “ابتزازا” و”اعتداء” من طرف الرباط، التي استدعت من جهتها سفيرتها في مدريد قبل أن تعود في 20 آذار/مارس.
تأمل مدريد أيضا أن يؤدي موقفها الجديد حول الصحراء الغربية إلى تخلي الرباط عن مطالبها باسترجاع جيبي سبتة ومليلية الإسبانيين شمال المملكة، اللتين يعتبرهما المغاربة مدينتين محتلتين.
غير أن عددا من المحللين يحذرون بأن مدريد لم تحصل على ضمانات حقيقية من جانب الرباط.
وإذ يرى سفير إسبانيا في المغرب بين 1997 و2001 ومدير المخابرات بين 2002 و2004 خورخي ديسكالار أن المصالحة بين البلدين “يفترض” أن تمكن من إقامة علاقات جيدة بينهما، يضيف “لست واثقا تماما”، مشيرا إلى أن “ذلك يظل مرتبطا باعتبارات السياسة الداخلية للمغرب (…) التي تظل خارج السيطرة”.
(أ ف ب)
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس