أفريقيا برس – المغرب. يستعد حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» المعارض في المغرب لعقد مؤتمره الوطني الثاني عشر أيام 17 و18 و19 تشرين الأول/ أكتوبر. ولذلك، يعقد حالياً مؤتمرات محلية في مختف أقاليم المغرب، يشرف عليها الكاتب الأول (الأمين العام) إدريس لشكر. كما تتزامن المحطة التنظيمية المقبلة للحزب اليساري المذكور مع استعداده للاحتفال باليوبيل الذهبي الذي يؤرخ لمرور 50 سنة على تغيير اسمه من «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» إلى «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، وكذا تبنّي الحزب منذ 1975 للخيار الديمقراطي في النضال السياسي، بعد أن كان يعتمد خيارًا ثوريًا.
وظلّ التهيؤ للمؤتمر يمر بشكل عادي، بالموازاة مع ممارسة الحزب لأدواره في نقد السياسات العمومية للحكومة، خاصة عبر فريقيه البرلمانيين في مجلسي النواب والمستشارين، حتى انفجرت تصريحات لقيادي سابق في الحزب نفسه، من خلال قناة «ميدي 1 تي في»، حيث اعتبر الكاتب الصحافي والشاعر حسن نجمي أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية «لم يعد موجودًا، وقد انتهى»، واصفًا وضعيته الحالية بأنه «جثمان لم يدفن بعد». وذكر في حوار أجرته معه القناة المشار إليها أن «نسبة 90 في المئة من مناضلي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يوجدون خارج تنظيم الحزب»، مضيفاً أن «أغلبية الذين يسيرون الحزب اليوم هم من خارجه». واعتبر أن ما يجري داخل الحزب هو «ماكينة» لإعادة إنتاج حزب آخر تحت نفس الاسم.
وأوضح أنه ليس له خلاف شخصي مع الكاتب الأول (الأمين العام) للحزب إدريس لشكر، بل يتعلق الخلاف بطريقة تدبير الحزب وانحرافات في السلوك والقرارات، وفق تعبيره. وأشار إلى أن استقالته من هذه الهيئة الحزبية جاءت اعتراضًا على ما وصفه بـ»القرار غير المستقل» في تدبير الحزب.
وخلفت هذه التصريحات ردود فعل مختلفة داخل الأوساط السياسية وفي صفحات التواصل الاجتماعي، من بينها ما كتبته فتيحة سداس، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في حسابها على «فيسبوك»، حيث استحضرت جوانب من مسار الحزب نفسه، من أجل التأكيد على «قيمة الوفاء التي شكلت ركيزة المدرسة الاتحادية (نسبة الى الاتحاد الاشتراكي) التي لا تبيع الأخوات والإخوان في لحظات الغياب، ولا تنكر الأدوار حين تتغير المواقع». وقالت القيادية نفسها: «يوم وجد الأخ نجمي نفسه خارج المؤسسة الحزبية أو مبتعدًا عنها، لم نتردد في دعمه، لا رغبة في رد الجميل، بل إيمانًا عميقًا بأن مشروعنا لا يُبنى بإقصاء مناضليه، بل باسترجاعهم إلى معركة الديمقراطية والحداثة». واستدركت قائلة: «لكن ما يحز في النفس اليوم، أن تُستبدل بقيم الوضوح والنزاهة السياسية منطق التلميح والتأويل، وأن يُعاد تركيب الوقائع خارج سياقها، في تماهٍ غير مبرر مع أساليب لا تليق بمن حمل معنا الهمّ الاتحادي، وفاوض إلى جانبنا على قضايا الوطن والحرية والكرامة».
وأوضحت أن «المدرسة الاشتراكية الديمقراطية تربي أبناءها على النقاش المسؤول، والاختلاف المؤطر، واحترام تاريخ الحزب وذاكرة مناضليه»، وتابعت: «نحن لا نردّ على السجال بالسجال، بل نُذكّر بأن النضال الجماعي لا يُختزل في تدوينة ولا في خرجة إعلامية، وأن من اختار مغادرة السفينة الاتحادية، أو اختار طريقاً آخر لا يملك حق تسفيه أخواته وإخوانه من الخارج، الذي يوجد أكثر من 90 في المئة منهم ومنهن في المكتب السياسي، والذي يعرفهم ويعرفهن جيدا».
وأكدت فتيحة سداس أنه «ليس في الاتحاد الاشتراكي من يُنكر النقائص أو يدّعي الكمال، لكن ليس فيه أيضًا من يقبل بتزييف الذاكرة أو التشهير المجاني. الحزب بقيادته ومناضليه من كل الأجيال، يشتغل في البرلمان، في الجماعات (البلديات)، في الجهات، في الأحياء الشعبية، وسط المواطنات والمواطنين، دفاعًا عن مشروع حداثي ديمقراطي، لا عن تموضعات فردية أو نزوات شخصية».
وختمت سداس تدوينتها بالقول: «المثقفون اليساريون الحقيقيون يرتقون بالخطاب، يسمون فوق الحسابات الصغيرة، يُحصّنون المواقف، لا يطعنون في الظهر. فالمعركة اليوم ليست ضد الحزب، بل ضد الردة، ضد التبخيس، ضد تيارات التسلط والانغلاق. ومن لا يدرك هذا يحتاج كثيراً من الإنارة في الطريق المليء بالعتمة».
وتحت عنوان «الشاعر والمثقف السي نجمي المحترم… اتقِ الله في الاتحاد»، كتب محمد السوعلي، عضو المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أنه «في خضم مرحلة دقيقة من تاريخ حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يخرج علينا أحد الوجوه البارزة في التنظيم، الشاعر والمثقف الأستاذ السي نجمي، بتصريحات تلفزيونية صادمة، يصف فيها الحزب الذي ينتمي إلى ذاكرته النضالية بـ»الجثمان الذي لم يُدفن بعد»، مدّعيًا أن «تسعين في المائة من المناضلين الحقيقيين قد غادروه». وتساءل صاحب التدوينة: «إذا كان هذا الرقم صحيحًا، فلماذا لم تتقدّم لقيادتهم؟ ولماذا لم تبادر إلى بناء البديل، عوض الوقوف في موقع الراثي والمنظّر من بعيد؟».
وأوضح أن «مَن يختار أن يتحدث عن «الانهيار» دون أن يُسهم في الإصلاح، لا يُمارس النقد، بل يُروّج للتيئيس، ويُغذّي خطاب الخراب. وهو أمر مؤسف حين يصدر عن مثقف نحترمه، لا سيما حين يُحيد عن مسؤوليته الأخلاقية تجاه الحزب الذي حمله يومًا، وأوصله إلى ما هو عليه من رمزية أدبية ونضالية».
وأكد محمد السوعلي أن الحزب لا يمر من أزمة، بل يعيش ورش تجديد، وأنه على عكس ما تم الترويج له، الاتحاد الاشتراكي لا يعيش أزمة سياسية ولا تنظيمية، وإنما يشتغل بشكل ميداني في مختلف الجهات والأقاليم، فالمؤتمرات تُعقد، واللجان الموضوعاتية تعمل، والأدوات التنظيمية مفعّلة بكل جدية لتحضير المؤتمر الوطني الثاني عشر، الذي سيكون محطة فكرية وتنظيمية لإعادة بعث المشروع الاتحادي برؤية مستقبلية، وفق تعبير عضو المجلس الوطني.
وتابع قائلاً: «بالدليل والصور، ها هم «التسعون في المائة» الذين ادّعى السي نجمي أنهم انسحبوا، ما زالوا في الميدان، يُجددون الهياكل، يُؤطرون الندوات، يُعدّون الأوراق، وينخرطون بروح نضالية عالية في بناء الغد الاتحادي».
وتساءل مخاطباً حسن نجمي: «أين موقعك من هؤلاء يا سي نجمي؟ وأين مبادرتك التي طال انتظارها؟ أليس الأجدر بمن يرى نفسه حارسًا للهوية الفكرية للحزب، أن يكون في الصفوف الأمامية، لا في المقاعد الخلفية للتشكيك والانتظار؟ وماذا عن اتحاد كتاب المغرب؟ والأدهى من كل ذلك، أن السي نجمي، المثقف والشاعر والعضو السابق في هيئات اعتبارية ثقافية، لم يُحرّك ساكنًا تجاه ما يشهده اتحاد كتاب المغرب من جمود وهيمنة وانهيار تام للشرعية الأدبية والمؤسساتية». وأضاف أن «الاتحاد الثقافي، الذي كان فضاءً للفكر التقدمي، تحوّل إلى مؤسسة مهجورة، بلا صوت ولا أثر… أليس من واجبك، كمثقف اتحادي، أن تبادر إلى إحيائه، بدل الاكتفاء بالرثاء؟».
وذكّر محمد السوعلي بأن الاتحاد الاشتراكي «ليس ملكًا لأحد، لا لقيادته الحالية، ولا لمن غادره في لحظة خذلان»، مشددًا على أنه «ملك للأجيال، للتاريخ، لذاكرة المقاومة والحداثة، للذين صمدوا حينما هرب غيرهم، للذين فضلوا النقد من الداخل لا من شرفات الإعلام». وختم تدوينته بالقول: «إن الاتحاديين اليوم لا يطلبون من السي نجمي أكثر من شيء واحد: أن يتقي الله في حزب حمله، وفي مناضلين صنعوا التاريخ وسيصنعون المستقبل… رغم الضجيج».
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس