أفريقيا برس – المغرب. عاشت مدينة الفنيدق (أقصى شمال البلاد) والمحاذية للحدود البرية مع مدينة سبتة الخاضعة للسلطات الإسبانية، على وقع تدفق آلاف الشباب واليافعين والقاصرين الراغبين في اجتياز الحدود البرية نحو مدينة سبتة، تفاعلاً مع دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي بجعل يوم 15 أيلول/ سبتمبر موعداً لهجرة جماعية نحو أوروبا.
وأرسلت السلطات المغربية تعزيزات أمنية غير مسبوقة، مع مئات من العناصر والمركبات، بالإضافة إلى ثماني سفن إلى مدينة “الفنيدق”. كما تم إرسال عدد من الحافلات إلى “معبر سبتة” الحدودي لنقل المهاجرين الذين شاركوا في المحاولة إلى مناطق بعيدة، مع اعتراض مجموعات من الأشخاص الذين حاولوا العبور سباحة على شواطئ مدينة “الفنيدق” ومدينة “بليونش”.
ووثَّقت أشرطة فيديو، اشتباكات بيت قوات الأمن وحشود من الشباب المغاربة وكذلك المنحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء، إلى جانب مُطارَدات ليلية وحوادث عنيفة، كما رُصِد رشق الحالمين بالهجرة للسلطات الأمنية واشتباكات بينهم. كما سجلت أضرار مادية على مستوى سيارات الشرطة.
وكانت السلطات الأمنية المغربية شنّت حملة اعتقالات في حق الداعين إلى “الهجرة الجماعية” إلى مدينة سبتة المحتلة، وذكر بلاغ صادر عن المديرية العامة للأمن الوطني أن مصالح الشرطة شنت في كل من مدينتي طنجة وتطوان عمليات بهدف مكافحة المحتويات الرقمية التي تحرض على تنظيم الهجرة غير النظامية، وكان بين الموقوفين الـ60، قاصرون يشتبه في تورطهم في فبركة ونشر أخبار زائفة على شبكات التواصل الاجتماعي تحرض على تنظيم عمليات جماعية للهجرة غير النظامية.
وقالت النائبة البرلمانية فاطمة التامني عن حزب “فدرالية اليسار الديمقراطي”، إن الشباب يسلك طريق الموت بسبب الإقصاء والتهميش، فيما تسلك الحكومة طريق الصمت والتجاهل، ووجَّهت سهام انتقاداتها لرئيس الحكومة، معتبرة أنه في الوقت الذي “تدّعي فيه الحكومة، أنها تتَّجه نحو بناء دولة اجتماعية، نجد واقعاً مخالفاً تماماً وبعيداً كل البعد عن ملامح الدولة الاجتماعية، حيث تعميق الفوارق الاجتماعية، وضرب المكتسبات الحقوقية وتفاقم البطالة، وارتفاع نسبة الفقر، والضرب في القدرة الشرائية للمواطنين، وعدم الوفاء بالوعود المقدمة للمواطنين خاصة منها ما يتعلق بفرص الشغل ومحاربة الفقر والهشاشة”.
وقالت النائبة البرلمانية، ضمن رسالة وجَّهتها إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ورئيس مجلس النواب (البرلمان) رشيد الطالبي العلمي، اطلعت عليها “القدس العربي”، “إن هؤلاء الشباب قاموا بمحاولات الهجرة، بعدما ضاقوا ذرعاً بالفقر والبطالة والتهميش، جراء استمرار السياسات غير الشعبية، التي لا تزيد الفقير إلا فقراً والغني ثراءً”.
وعَزَت السياسية المغربية اليسارية أسباب “الهروب الجماعي” للشباب المغاربة، إلى الفقر والإقصاء والبطالة وعدم توفير فرص الشغل الكريم والمستدام، مع غلاء المعيشة، وتابعت: “هي عوامل إلى جانب أخرى، ساهمت في اتجاه هؤلاء الشباب للمغادرة والتضحية بأرواحهم في سبيل البحث عن سبل عيش أفضل تقربهم من حلم الحياة الكريمة المنشودة، والمعطلة”، وفق تعبيرها.
واتهمت برلمانية حزب “فدرالية اليسار” رئيس الحكومة بـ “الفشل في تدبير معظم الأزمات”، وأن الحكومة لم تستطع “ثَنيَ الشباب عن فكرة الرحيل، ولم تستطع تحقيق العدالة الاجتماعية والحد من الإقصاء والتهميش، فعشرات الشباب الراغبين في سلك طريق الموت ينحدرون من المغرب العميق الذي جابته السيارات رباعية الدفع محملة بوعود انتخابية لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع”، بحسب النائبة البرلمانية.
وطالبت رئيس الحكومة بالكشف عن الإجراءات العاجلة لإنقاذ أولئك الشباب الذين اختاروا طريق الموت نتيجة “اختلالات سياسية كرست الإهمال وتغذية اليأس والإحباط”، وفق تعبيرها.
الخبير الاقتصادي زكرياء كارتي أرجع بدوره وقائع شمال المغرب إلى الوضعية الاقتصادية والاجتماعية وحالة الإحباط التي يعيشها هؤلاء الشباب، وكتب على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: “أحداث شمال المغرب والهروب الجماعي إلى سبتة تظهر بما لا شك فيه أن فئات مهمة من المواطنين لا تجد نفسها في السردية الوطنية الحالية. عدد من المشاريع الاجتماعية والاقتصادية على أهميتها لا تعطي الثقة الكافية في المستقبل ولا تغطي على منسوب الإحباط المتزايد عند عدد كبير من المواطنين. من المهم أن نطرح الأسئلة الصحيحة عن أسباب وتداعيات هذه الإحباطات ونتحلى بالشجاعة الكافية للإجابة عنها وبدون مواربة”.
من جانبها، حمَّلت “الشبيبة الحركية”، التابعة لحزب “الحركة الشعبية” المعارض، الحكومة المسؤولية السياسية الكاملة عن الظروف التي يعيشها الشباب المغربي، نظراً لغياب برامج فعالة ومستدامة لدعم الشباب وتوفير فرص عمل كافية له، داعية الحكومة إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات العمومية الموجهة للشباب.
وسجل بلاغ لشبيبة الحزب المعارض، اطلعت عليه “القدس العربي”، غياب مؤسسات الوساطة اللازمة لتأطير الشباب وتوجيههم نحو بدائل حقيقية، وضعف السياسات الحكومية الموجهة للشباب، والتنكر غير المفهوم للحكومة لكل المؤشرات والأرقام الكاشفة للوضعية المزرية للشباب، وتعتبر أن هذا الواقع “المؤلم الناجم عن ضعف السياسات العمومية الموجهة للشباب والمكرسة لتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لهذه الفئة جعل من الهجرة غير المشروعة خياراً مغرياً للعديد من الشباب رغم ما يحفه من مخاطر وآفاق مغلقة”، يقول البلاغ.
وقالت سلوى دمناتي، النائبة البرلمانية عن حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” المعارض: “باعتباري برلمانية بُحّت حناجرنا ونحن ننبه الحكومة إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية لساكنة الفنيدق والنواحي، بعد إقفال معبر سبتة بدون توفير البديل، لا مجال للمزايدات السياسية، ألا يُساءَل عقلاء وكفاءات الحكومة، عن الأسباب التي جعلت هؤلاء الشباب ينفرون بلدهم وينتحرون بهذه الطريقة ويصرون على الهروب وهم يعلمون أنهم غير مرغوب فيهم في الضفة الأخرى؟”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس