مجلس حقوق الإنسان بالمغرب يعارض تعديلات قانون المسطرة

3
مجلس حقوق الإنسان بالمغرب يعارض تعديلات قانون المسطرة
مجلس حقوق الإنسان بالمغرب يعارض تعديلات قانون المسطرة

أفريقيا برس – المغرب. انتصر «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» (مؤسسة دستورية) لحق جمعيات المجتمع المدني في التبليغ عن الجرائم المالية ومحاربة الفساد، حيث اعترض في مذكرة حقوقية على التعديلات التي جاءت بها وزارة العدل في مشروع قانون المسطرة الجنائية حول هذا الموضوع.

المجلس الذي يعتبر ثاني مؤسسة دستورية رسمية تعترض على التعديلات المقترحة، بعد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أوصى بالإبقاء على سلطة النيابة العامة في إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية تلقائياً في شأن الجرائم الماسة بالمال العام وإلغاء شرط الإحالة المسبقة من جهات رقابية محددة.

كما أوصى في مذكرته الحقوقية التي اطلعت «القدس العربي» عليها، بإلغاء شرط الإذن المسبق من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، واعتماد نظام الإخطار عوض الترخيص، لضمان استقلالية الجمعيات في التقاضي، بالإضافة إلى إلغاء شرط الاعتراف بصفة المنفعة العامة كشرط مسبق لتدخل الجمعيات كطرف مدني واستبداله بمعيار الأهلية القانونية بحيث يسمح لجميع الجمعيات المؤسسة بصفة قانونية، والتي ينص قانونها الأساسي على الدفاع عن الفئات المتضررة، بالتقاضي دون الحاجة إلى إذن إداري مسبق.

وطرح تغيير الاعتراف الإداري باعتماد معيار التخصص بدلاً منه، إذ يسمح للجمعيات بالتدخل في القضايا التي تتعلق بمجال نشاطها وأهدافها المحددة في أنظمتها الأساسية دون الحاجة إلى الحصول على صفة المنفعة العامة، ما يضمن مشاركة جمعيات أكثر تخصصاً وخبرة في القضايا ذات الصلة.

ومن بين التوصيات أيضاً، إلغاء شرط مرور مدة معينة على تأسيس الجمعية كشرط لممارسة حق التقاضي والاكتفاء باستيفاء الشروط القانونية للتأسيس والتجديد.

واعتبرت «الجمعية المغربية لحماية المال العام» على لسان رئيسها المحامي محمد الغلوسي، أن الآراء والمواقف التي تم التعبير عنها من طرف مؤسسات دستورية وخاصة (المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي) و(الهيئة الوطنية النزاهة) وأيضاً (المجلس الوطني لحقوق الإنسان) بخصوص المادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، «هي مواقف تستحضر الدستور وتستحضر التزامات المغرب الدولية وتستحضر أيضاً التراكمات والممارسات الفضلى التي راكمتها بلادنا على مستوى الممارسة الجماعية»، لذلك يوضح الغلوسي: «هذه المواقف هي إيجابية ومهمة وتتعلق أساساً بانتصار الدستور للقانون على اعتبار أن المجتمع المدني له دور أساسي في التبليغ عن جرائم الفساد، والمجتمع أيضاً له دور أساسي في تخليق الحياة العامة ومكافحة كافة مظاهر الفساد».

وزاد المحامي موضحاً في حديثه لـ «القدس العربي»، أن «كل الاتفاقيات الدولية تشجع على تحفيز المجتمع ودفعه من أجل الانخراط الإيجابي في معركة مكافحة الفساد»، مبرزاً أنه من أجل «الولوج إلى العدالة، طبعاً لا يمكن تقييده بأي قيد»، واستحضر رئيس «الجمعية المغربية لحماية المال العام»، «كيف أن تلك التعديلات تمنع حتى النيابة العامة أو تقلص صلاحيتها في تحريك الأبحاث والمتابعات القضائية ضد جرائم الفساد وشبهات تبديد واختلاس أموال عمومية».

واعتبر الغلوسي ذلك «يشكل اعتداء على مهام وصلاحية النيابة العامة ومساً باستقلاليتها من جهة، ومن جهة أخرى نعتبر أن هذه محاولة تهدف إلى تحجيم دور السلطة القضائية في مكافحة كل مظاهر الفساد».

وعبر المتحدث عن أسفه الشديد لكون «كل هذه الأصوات المتعقلة والحكيمة والتي تنتصر للمصلحة الفضلى للوطن، لا تجد آذاناً مصغية، بل إن الحكومة تستخدم كل هذه الأصوات وتحاول الحجر عليها وحصرها في الزاوية»، يقول الغلوسي.

وفي رأي المحامي والحقوقي، فإن الاتهامات التي وجهت للمجتمع المدني لم تكن «فعلاً من أجل تخليق الممارسة الجمعوية وتأهيلها كي تلعب دورها، بل من أجل تحويل المجتمع المدني إلى أدوات لا تقوم بأي شيء». بالتالي، يوضح الغلوسي «نحن اليوم نستغرب من تحجيم أدوار المجتمع وتحجيم أدوار السلطة القضائية في مجال مكافحة الفساد، وهو أمر أعتقد أنه شاذ لا يعير أي اهتمام لأصوات المجتمع ولأصوات المؤسسة الدستورية، وأيضاً لا يعير أي اهتمام حتى لالتزامات المغرب الدولية في مجال مكافحات الفساد وتدير ظهرها لتلك الأصوات، كما تدير ظهرها للدستور والتراكمات الحقوقية الحاصلة في بلادنا»، وفق تعبير المتحدث.

من جهته، وصف عبد الحكيم قرمان، الفاعل الحقوقي والسياسي، التعديلات التي يتضمنها مشروع قانون المسطرة الجنائية بـ «الخطيرة»، لأنها «تقيد حق المجتمع المدني في التبليغ عن الفساد»، وأضاف أنه يجد نفسه «مضطراً للتأكيد على أن هذا المشروع لا يعتبر فقط تجاوزاً لمقتضيات الدستور المغربي بشأن الأدوار المنوطة بالمجتمع المدني، بل خرق صارخ لالتزامات المغرب الدولية، وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) التي صادق عليها المغرب سنة 2007 بموجب القانون رقم 05-26، والتي تُعد جزءاً لا يتجزأ من التشريع الوطني وفقاً للفصل 55 من الدستور».

وفي حديثه لـ «القدس العربي»، قال قرمان إن تلك التعديلات هي «انتهاك صريح لبنود اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد خاصة المادتين 13 و33، غير أن المادة 3 المعدلة في المشروع تناقض هذه الالتزامات بشكل مباشر، عبر حصر حق تحريك الدعوى العمومية في جرائم الفساد بالإحالات الإدارية، ما يُلغي دور الجمعيات كمبلغ أساسي».

كما أكد الفاعل الحقوقي أن تلك التعديلات هي «تقويض لإحدى آليات الديمقراطية التشاركية ضمن مؤشرات قياس الشفافية والنزاهة، وهو الشيء الذي ستكون له تداعيات سلبية على صورة وسمعة المغرب ويضعف من مصداقية منظومته القانونية وفقاً للمعايير المتبعة في إنجاز التقارير الدولية.

واستشهد برأي «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي» الذي أكد أن «التعديل يُعيق تطبيق المادة 35 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي تمنح الأفراد والهيئات حق المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن الفساد».

ووفق قرمان، فإن «مضمون المادة 3 المقيد لحق وأدوار الجمعيات المدنية باعتبارها شريكاً للدولة، يشكل نقضاً صريحاً لمكتسبات المحققة في المغرب على مستوى الديمقراطية التشاركية، كما يشكل هذا النزوع (التشريعي) القائم على (المنطق الأوحد) تراجعاً بيناً عن فلسفة الإصلاحات القانونية والمؤسساتية السابقة في مجال تعزيز ثقافة المواطنة الفاعلة في كنف دولة القانون والمؤسسات».

وذكّر قرمان بأن المغرب في عام 2016، أطلق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالشراكة مع المجتمع المدني، والتي استندت إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، لكن المشروع الحالي، يقول الفاعل السياسي والحقوقي، «يقلب هذه الإصلاحات رأساً على عقب، خاصة بعد الدور المحوري الذي لعبته جمعيات في كشف قضايا فساد كبرى، كقضية صندوق المقاصة ومشاريع البنية التحتية المشبوهة».

ووجّه المتحدث نفسه الدعوة إلى الحكومة والبرلمان، من أجل «سحب المادة 3 المُعدلة لتعارضها مع الالتزامات الدولية للمملكة المغربية، لا سيما المواد 13 و33 و35 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد»، و»إصدار قانون خاص بحماية المبلغين، يُنظم آليات التبليغ ويُكرس الحماية القانونية، كما تنص المادة 33 من الاتفاقية»، و»تفعيل الهيئة الوطنية للنزاهة كجهة مستقلة تخضع للمعايير المعمول بها في الأمم المتحدة»، ثم «فتح حوار وطني بمشاركة مختلف الفاعلين الحكوميين، الأحزاب والهيئات الحقوقية والخبراء ومختلف منظمات المجتمع المدني الجادة، للتداول وبلورة توصيات توافقية حول حاجيات البلاد لتشريعات ناجعة تتعلق بمكافحة الفساد».

وخلص إلى أن «كل مظاهر الفساد تقوم على أساس بلورة التشريعات الضرورية والناجعة لتكريس قيم النزاهة والشفافية، تأسيساً على تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بالاعتماد على معايير الكفاءة والنزاهة والاستحقاق، بعيداً عن (فرض) اللامعقول باسم الشعارات الذي يكذبه الواقع والممارسة».

وبالعودة إلى مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فقد بلغ عدد التعديلات التي اقترحها بخصوص مشروع قانون المسطرة الجناية 100 توصية، وذلك «من أجل ملاءمة أكبر مع التزامات المغرب الكونية، والنهوض بفعلية الولوج إلى العدالة والانتصاف، وتعزيز ضمان المحاكمة العادلة».

وتوزعت توصياته وملاحظاته على 79 توصية خاصة تتناول مقتضيات صريحة محددة في مشروع القانون، و24 توصية عامة تتعلق بقضايا بنيوية واستراتيجية لم يشملها المشروع، لكنها تستدعي المعالجة لضمان التوافق مع المعايير الدستورية والدولية. وأبرزت مذكرة المجلس التي اطلعت «القدس العربي» عليها، أن التوصيات تغطي 42 موضوعاً رئيسياً، تتفرع عن أربعة مبادئ أساسية، وقالت رئيسة المجلس أمينة بوعياش في تصريح أورده بيان المؤسسة الحقوقية، إن ملاحظات هذه المذكرة وتوصياتها تعبّر عن التزام المجلس بالمساهمة في بناء مسطرة جنائية تراعي الهندسة الدستورية وتحمي الحقوق والحريات.

وفي رأي بوعياش، فإن المسطرة الجنائية ليست مجرد أداة إجرائية، بل تعبير عن رؤية المجتمع للعدالة، حيث يُخضع تدخل السلطة لضوابط قانونية تحقق التوازن بين حماية الأمن العام وفعلية صون الحقوق والحريات، مؤكدة طموح المجلس في أن يساهم في تحقيق قفزة نوعية ضرورية في إطارنا المؤسساتي والتنظيمي، بما يضمن استمرارية المكتسبات الحقوقية.

وتقول بوعياش إن «كل شخص، مهما كان وضعه أو طبيعة النزاع الذي يعيشه مع القانون، يستحق ضمان كرامته وينتظر منّا جميعًا أن نؤمن له شروط الإنصاف والعدالة. فالموقوف ليس مجرد رقم أو ملف… بل شخص له قصة وأمل في غدٍ أفضل وفي العودة إلى المجتمع. وهذا جزء لا يتجزأ من رؤيتنا لعدالة فعلية».

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس