موريتانيا تستعد للانضمام لدول منتجة لليورانيوم

4
موريتانيا تستعد للانضمام لدول منتجة لليورانيوم
موريتانيا تستعد للانضمام لدول منتجة لليورانيوم

أفريقيا برس – المغرب. تستعد موريتانيا لدخول نادي الدول المنتجة لليورانيوم، مع إعلان شركة “أورا-إنيرجي” Aura Energy الأسترالية عن خطتها لإطلاق أول مشروع منجمي لاستخراج اليورانيوم في منطقة تيرس الواقعة شمال شرق البلاد، قبل نهاية العام الجاري، على أن يبدأ الإنتاج الفعلي بحلول عام 2027.

وتأتي هذه الخطوة في توقيت استراتيجي، إذ يشهد العالم حالياً عودة للاهتمام بالطاقة النووية كخيار طاقوي “نظيف” في ظل تصاعد التحديات المناخية، وبدء العديد من المناجم التقليدية في التراجع أو الإغلاق.

كما أن البنك الدولي، الذي كان متحفظًا لعقود تجاه تمويل هذا النوع من المشاريع، أعاد فتح الباب أمام دعم الطاقة النووية باعتبارها جزءًا من الحلول منخفضة الكربون.

ورغم أن منجم اليورانيوم موجود في الموقع المعروف بدرع “الركيبات” بالصحراء الموريتانية منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أن الاستثمار الفعلي في إخراجه ظل مؤجلًا.

وتحولت شركة “أورا-إنيرجي” التي بدأت استكشافاتها في موريتانيا عام 2008 بحثًا عن الذهب، إلى البحث عن اليورانيوم بعد اكتشاف “شذوذ إشعاعي” خلال دراسات جيولوجية أنجزتها في المنطقة.

لكن مسار المشروع لم يكن سهلاً؛ فقد اصطدم بأزمتين عالميتين: أولاهما الأزمة المالية في 2008، ثم كارثة فوكوشيما النووية في 2011، التي أدت إلى تراجع أسعار اليورانيوم عالميًا، وأضعفت شهية المستثمرين.

ومع ذلك، يقول المدير التنفيذي للشركة أندرو غروف، إن “الوقت الآن بات مؤاتياً”، في ظل تعافي الأسعار وعودة الثقة العالمية في الطاقة النووية”.

وفي العام الماضي، حصلت “أورا-إنيرجي” على رخصة استغلال رسمية من الحكومة الموريتانية، وتؤكد الشركة اليوم أنها في مرحلة متقدمة للحصول على قرض تنموي بقيمة 150 مليون دولار من أصل 300 مليون لازمة لتشغيل المشروع.

ومع أن المشروع يوصف بأنه “متواضع نسبيًا” بإنتاج سنوي مقدر بنحو ألف طن من أكسيد اليورانيوم على مدى 10 سنوات، غير أن سهولة الاستخراج من الطبقات السطحية تمنحه ميزة تنافسية من حيث التكلفة، مقارنةً مثلًا باليورانيوم النيجري.

لكن رغم هذه الإيجابيات، أشار السيد تيفا ماير الباحث في شؤون الطاقة النووية، إلى نقطة ضعف حرجة، حيث قال: “حتى الآن، لم توقع الشركة أي عقود مع مشغلي المفاعلات النووية، وهو أمر أساسي لضمان تدفق التمويل من المصارف الخاصة، فليسن هناك جهة تمويلية جادة ستقدم على تمويل منجم لا يملك سوقًا مضمونة لمنتجه”.

وبالإضافة إلى التحديات المالية، تواجه الشركة عقبات لوجستية كبيرة، أبرزها غياب بنية تحتية مناسبة لنقل المواد المشعة داخل موريتانيا.

ويشير الخبراء إلى أن نقل اليورانيوم من “تيرس” إلى موانئ التصدير، خصوصًا ميناء نواكشوط، سيتطلب إجراءات إدارية وتقنية دقيقة، إضافة إلى تأمين ناقلين مستعدين للتعامل مع هذه الشحنات.

ويقول الباحث تيفا ماير: “لا يوجد حالياً أي نشاط لنقل اليورانيوم أو المواد المشعة عبر نواكشوط؛ وهذا يعني الحاجة إلى إنشاء منظومة كاملة، من التصاريح إلى التأمين، وصولًا إلى إيجاد شركات شحن مستعدة للعمل في هذا الخط، وهو أمر غير مضمون تجاريًا”.

وفي ظل هذه التحديات، يذهب بعض المحللين إلى أن “أورا-إنيرجي” قد لا تكون بصدد تشغيل المنجم بنفسها على المدى البعيد، بل ربما تسعى إلى تطوير المشروع وبيعه لاحقًا لشركة عالمية كبرى.

ويعزز هذا السيناريو، كون مديرها التنفيذي أندرو غروف كان سابقًا من كبار المسؤولين في الفرع الأسترالي لشركة “أورانو” الفرنسية، إحدى أكبر شركات الطاقة النووية في العالم.

ويبقى مشروع “تيرس” اختبارًا حقيقيًا لقدرة موريتانيا على دخول عالم المعادن الاستراتيجية عالية الحساسية، في سياق دولي يتجه نحو تنويع مصادر الطاقة والتقليل من انبعاثات الكربون.

وإذا ما نجحت الدولة الموريتانية في توفير بيئة قانونية ولوجستية مناسبة، فإنها قد تتحول إلى وجهة جديدة واعدة للاستثمار في مجال الطاقة النووية، مستفيدة من إعادة ترتيب الأولويات العالمية في ملف الطاقة والمناخ.

ولكي تتحقق أهداف المشروع، سيكون على “أورا أنيرجي” أن تحصل على 230 مليون دولار أمريكي، وهو التمويل الذي حددته الدراسة الهندسية القاعدية في فبراير/شباط 2023، ككلفة إجمالية للمشروع.

وتوقعت الدراسة المذكورة، أن مشروع يورانيوم تيرس، يمكنه تحصيل عائدات مالية تبلغ 2.25 مليار دولار على مدى 16 عاماً بسعر بيع يبلغ 80 دولاراً لرطل اليورانيوم، وفي إنتاج 30.1 مليون رطل من اليورانيوم خلال الفترة نفسها.

وإلى أن يتحقق ذلك، تتجه الأنظار نحو الطلبات العالمية التي قد تتوارد على إدارة المشروع، والتي يتوقع أن تبلغ أوجها خلال السنوات القلية القادمة، على أساس نيات أظهرتها عدة دول تتعلق بعزمها مضاعفة إنتاجها من الطاقة النووية، وذلك في اتجاه إغلاق تدريجي لعصر الطاقات الأحفورية شديدة التلوث.

ومن هذه الدول التي أكدت هذا العزم، فرنسا، والمملكة المغربية الساعية منذ عقود للتخلص من الطاقات الملوثة.

وبالنسبة لموريتانيا، فإن اليورانيوم سيكون وسيلة مهمة لتحقيق زيادة كبيرة للعائدات المالية، فسيضاف اليورانيوم لثروات قطاع المناجم الموريتاني الذي يشمل حالياً صادرات الحديد الخام والذهب اللذين مثلا 70% من صادرات موريتانيا لعام 2022، كما يمثلان 24% من ناتجها الداخلي الخام.

ويمكن لموريتانيا من خلال مشروع “تيرس” لليورانيوم، أن تحلم بموقع وتصنيف متقدم؛ ذلك أن مشروع “تيرس” يعتبر في الحقيقة بداية لعهد جديد متميز في بلد ما تزال خيراته المدفونة في أرضه، غير مستغلة بما فيه الكفاية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس