أفريقيا برس – المغرب. مرة أخرى، تجد حكومة عزيز أخنوش نفسها في مرمى السهام بعد إحالة مشروع قانون الإضراب على البرلمان لمناقشته غدًا الأربعاء، تمهيدًا للمصادقة عليه. وجدّدت المنظّمات النقابية المغربية التأكيد على رفضها للمشروع الذي نعتته بـ”التكبيلي”، لأنه يشكل “إجهازًا على الحريات النقابية والمكتسبات الاجتماعية، ويساير أرباب العمل”، كما أن إقرار القانون نفسه ـوفق النقابات- يقود إلى “ردة حقوقية” وتجاوز الدستور المغربي.
ووصفت نقابة “الاتحاد المغربي للشغل” إقدام الحكومة على برمجة المناقشة التفصيلية للمشروع في لجنة القطاعات الاجتماعية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، بكونها “خطوة استفزازية وغير محسوبة العواقب”.
وأوردت في بيان تلقت “القدس العربي” نسخة منه، أن “وزير التشغيل ومعه الحكومة، بهذا التصرف في ملف وفي قانون يَهُمُّ بالدرجة الأولى الحركة النقابية والطبقة العاملة المغربية، فإنه يضرب عرض الحائط بالتزامات الحكومة المتضمنة في الميثاق الاجتماعي الموقع بين الحركة النقابية ورئيس الحكومة في 29 نيسان/ أبريل المنصرم، ويفند مرة أخرى ادعاءاته التمسك بآلية الحوار الاجتماعي في معالجة كل الملفات الاجتماعية الكبرى، كما يؤكد بالمكشوف تنصله التام من ركائز الديموقراطية ومن فحوى الدولة الاجتماعية”. وأضافت أن الوزير المذكور “يقترف اعتداء سافراً على دستور البلاد وعلى الديموقراطية وعلى حقوق الإنسان وعلى صلاحيات مؤسسة الحوار الاجتماعي، بل يعبر عن سوء نية صارخة بتجاهل مقترحات ومواقف الاتحاد المغربي للشغل والحركة النقابية، الرافضة قطعاً أي مساس بحق الإضراب والمطالبة بقانون تنظيمي متوازن، يحمي ويكرس هذا الحق الدستوري والكوني”.
واعتبر البيان أن حكومة أخنوش تجاهلت رأي “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي” وكذا رأي “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” بصفتهما مؤسستين دستوريتين، انتصرتا لدستورية الحق في الإضراب، وأوصتا بضرورة إعادة صياغة هذا المشروع في إطار مؤسسة الحوار الاجتماعي، على أساس ضمان وتكريس وحماية حق الإضراب، وتجريد الصيغة الحالية من كل تدابير تعجيزية، مقيّدة أو زجرية في ممارسة حق الإضراب.
وطالب “الاتحاد المغربي للشغل” الحكومة بالسحب الفوري لهذا المشروع من البرلمان، وبإعادته لطاولة الحوار الاجتماعي، وبالتحلي بروح المسؤولية والجدية والاحترام التام للالتزامات الاجتماعية.
في السياق ذاته، عبّر المكتب التنفيذي لنقابة “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، عن “احتجاجه الشديد واستيائه من سعي الحكومة إلى تمرير القانون التنظيمي للإضراب خارج منهجية التوافق”، وذلك بعد برمجة مناقشته التفصيلية في لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، خلال اجتماعها المقبل غداً الأربعاء “دون توافق مسبق مع النقابات”.
ووجهت النقابة مراسلة إلى رئيس الحكومة، عبّرت فيها عن أسفها من هذه الخطوة، مطالبة بضرورة عقد جولة جديدة للحوار الاجتماعي، تنفيذًا لالتزامات الحكومة في اتفاق 30 نيسان/أبريل 2022، وميثاق مأسسة الحوار الاجتماعي بهدف التداول حول مشروع الموازنة العامة لعام 2025 و”عدد من القضايا الاجتماعية والمطالب العالقة والالتزامات الحكومية التي لم يتم تنفيذها لحد الساعة”، وفق ما جاء في المراسلة التي اطلعت عليها “القدس العربي”.
وقال الحسين اليماني، عضو المجلس الوطني لـ”الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، أن هذه المراسلة هي تذكير لعزيز أخنوش “بالتزاماته بخصوص الحوار الاجتماعي، والاتفاق الموقع في نيسان/أبريل من عام 2022، الذي كان في عمقه مأسسة للحوار الاجتماعي بعقد جلستين في السنة”.
لكنّ الحكومة، يضيف القيادي النقابي نفسه، متحدثاً إلى “القدس العربي”، “نقضت وعدها ولم تعقد جلسة أيلول/سبتمبر، كما أنها أقدمت على برمجة مناقشة تفصيلية لمشروع القانون التنظيمي للإضراب في لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، رغم وجود اتفاق حول التوافق مع النقابات حوله”.
وأوضح أن “التوافق هو المفروض في نقاش الحكومة مع النقابات بخصوص مشروع القانون التنظيمي للإضراب، من خلال التوصل إلى صيغة للاتفاق وإدخال تعديلات تعتمد في تلك الجلسات، لكن ذلك لم يحدث حتى خلال جلساتنا مع وزير التشغيل الذي كان يلعب دور الوسيط في هذا الموضوع”. وأشار الحسين اليماني إلى أن “الحكومة أنكرت التزاماتها وطرحت مشروع القانون لمناقشة سياسة الاضراب وذلك دون التوصل إلى توافق مع النقابات، ما يبيّن أن الحكومة لم تكن لها نية لحوار حقيقي، بل كانت تعمل بمنطق (شوارها ولا تأخذ برأيها)”، وفق تعبيره. المتحدث نفسه الذي يشغل منصب الكاتب العام لـ “الكونفدرالية الديمقراطية للبترول والغاز”، شدد على أن نقابة “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، لا يمكنها “أن تدخل في هذه اللعبة”، لذلك “نعلنها بصريح العبارة لكل المغاربة، أننا رفضنا هذا المشروع من حيث أصله، وكنا نتوخى دخول الحكومة معنا في حوار من أجل إصلاحه، ومن ثم وجهنا مراسلة إلى رئيس الحكومة من أجل إخلاء لمسؤوليتنا بخصوص هذا الموضوع، وندعو كل القوى الحية إلى تشكيل جبهة لمواجهة إصرار الحكومة على تمريره”.
وحسب اليماني، فإن سلوك الحكومة بفرض مشروع القانون التنظيمي للإضراب، يدخل في سياق “الجو العام للردة الحقوقية الذي يعرفه المغرب، بخصوص محاصرة حق وحرية التعبير على الرأي ويساير أرباب العمل”.
رسمياً، جاء موقف “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” (مؤسسة رسمية) واضحاً بمناصرته لحق الإضراب، وذلك خلال تقديمه مذكرةً في الموضوع. وقالت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس، إن “ممارسة الإضراب حق دستوري صريح، وواحد من المقومات الجوهرية لممارسة الحريات النقابية”، وأضافت أن هذا الحق يسمح “بتمكين الموظفين والأجراء من الدفاع المشروع عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، وأن تحظى حقوقهم دوماً بالأولية داخل الأماكن والفضاءات التي يشتغلون بها”.
وحسب المذكرة التي تلقّت “القدس العربي” نسخة منها، فإن “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” دافع “عن ضرورة الانكباب على توفير كافة الشروط والضمانات التي تجعل اللجوء إلى الإضراب فعلاً استثنائياً، بدءًا من ضمان شروط العمل الملائمة، وتعزيز مناخ الثقة بين المُشغِّلين والعمّال، ووضع آليات تدبير نزاعات الشغل عبر الحوار والتفاوض، دون المساس بأي ضمانات تسمح لمختلف فئات الأجراء والموظفين المعنيين بممارسة حقهم في الإضراب وحماية كافة حقوقهم، سواء خلال مراحل التفاوض أو خلال ممارسة الحق”. وفي سياق “تحصين مكتسب الحريات النقابية بالمغرب وحماية الحق في الإضراب من أي تقييد غير مشروع أو عقوبات جنائية”، أكد المجلس في قراءته لمقتضيات مشروع القانون التنظيمي المحدد لشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، في ضوء الحماية الدستورية والدولية والأممية والاجتهادات المقارنة”، “أنه لا يجوز فرض أي عقوبات جنائية على أي عامل بسبب مشاركته في إضراب سلمي، وذلك “على اعتبار أن ذلك يتعارض بشكل مفرط مع حقوق إنسان جوهرية أخرى، خاصة إذا كان الإضراب سلمياً ومشروعا”.
وأوصى المجلس، في هذا الإطار، بحذف الإحالة على القانون الجنائي في باب العقوبات، خاصة إذا لم يتعلق الأمر بالعنف والتهديد، وحذف أي إشارة إلى “العقوبات الجنائية الأشد” من مشروع القانون التنظيمي الذي يجب أن يكون ويبقى “التشريع الوحيد المنظم لممارسة الحق في الإضراب”. كما دعت المذكرة إلى حذف أي إشارة إلى “مسطرة التسخير” من أجل تأمين استمرارية المرافق، بالنظر إلى أن هذا المقتضى لا يتلاءم مع التزامات المغرب الدولية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
واعتبرت مذكرة المجلس أن صيغة “كل إضراب لأهداف سياسية ممنوع” في نص مشروع القانون صيغة واسعة، قد لا تسمح بالتأطير القانوني الأمثل لحالات يصعب فيها الفصل بين النقابي والسياسي، خاصة حينما يتعلق الأمر بإضراب من أجل إيجاد حلول لمسائل متعلقة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تؤثر على الطبقة العاملة. وقد ارتكزت المذكرة في هذا الإطار على اعتبار أن في منع إضراب وطني يحتج مثلاً على الآثار الاجتماعية والعمالية لسياسات الحكومة الاقتصادية “انتهاكاً خطيراً لحرية التنظيم النقابي”. وأوصى المجلس بإلغاء الفقرة التي تنص على المنع المطلق لكل إضراب لأهداف سياسية، والاقتصار في المنع المشروع فقط على الأهداف السياسية “البحتة” أو “المحضة”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس