أفريقيا برس – المغرب. رغم انشغال الصحافيين والصحافيات المغاربة في «اليوم العالمي لحرية الصحافة»، بقضاياهم المهنية والحقوقية، فإن ذلك لم يحجب عنهم هول المأساة التي يعيشها زملاؤهم في فلسطين، خصوصًا في قطاع غزة، حيث يتعرضون هناك لأبشع أشكال الاستهداف والقمع من طرف سلطات الاحتلال الإسرائيلي. فقد اختارت آلة الحرب الإسرائيلية أن تجعل من الصحافيين شهودًا مستهدفين، لا فقط على جرائم الإبادة المرتكبة بحق المدنيين، بل على ضحايا مباشرين لها أيضاً، في محاولة لإسكات الصوت الفلسطيني وكتم الحقيقة.
وإزاء تلك الفظائع، لم يتردد الجسم الإعلامي والحقوقي المغربي، وفي مقدمته «منتدى الإعلام والمواطنة» و»العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان»، في التعبير عن تضامنه المطلق مع الصحافيين الفلسطينيين، مجددًا التزامه بالمرافعة من أجل حرية الإعلام في كل مكان، باعتبارها ركيزة أساسية من ركائز الكرامة الإنسانية.
كما بثّت القناة التلفزيونية الأولى المغربية، مساء السبت، في نشرتها الإخبارية الرئيسية، تقريرًا لمراسلها في غزة، صبحي أبوزيد، تحدّث فيه عن الظروف الصعبة التي يعمل فيها نساء ورجال الإعلام هناك، حيث أصبحوا هدفًا للسلاح الإسرائيلي الذي قتل ما يزيد عن 200 صحافي، علاوة على إصابة العشرات، ما يعدّ انتهاكًا صريحًا للقوانين والمواثيق الدولية. وختم المراسل أبوزيد تقريره بالقول: «التغطية مستمرة، لنكون إما شاهدين على جرائم الاحتلال، أو شهداء من أجل الحقيقة».
وحلَّ «اليوم العالمي لحرية الصحافة»، الذي يصادف الثالث من أيار/ مايو من كل عام، في سياق مغربي يتّسم بتباين التقديرات حول واقع حرية التعبير واستقلالية الصحافة. ففي الوقت الذي تعتبر فيه السلطات الرسمية أن المغرب يشهد تطورًا في المشهد الإعلامي، يثير مهنيون وتقارير محلية ودولية عدة مخاوف بشأن القيود المفروضة على الصحافيين وتضييق هوامش النقد. في هذا الصدد، أصدرت منظمة «مراسلون بلا حدود» تقريرها السنوي الجديد، بمناسبة هذا اليوم، مُعلنة أن المغرب تقدّم بشكل طفيف في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، حيث انتقل من المرتبة 129 إلى المرتبة 120، إلا أن هذا التقدم لم يمنع «المنظمة» من توجيه انتقادات واضحة، إذ اعتبرت أن «الحكومة تفرض سلطتها المتحكمة على الحقل الإعلامي، وتستغلّ ترسانتها القانونية ضد الصحافيين المنتقدين، الذين يواجهون أحيانًا تهمًا ذات طابع جنائي لإسكات أصواتهم». كما أشار التقرير إلى أن الإعلام العمومي يخضع إلى منطق الدعاية، وأن التعددية الإعلامية تظل شكلية ولا تعكس حقيقة التوجهات المختلفة في المجتمع.
و دعا «منتدى الإعلام والمواطنة» إلى توفير ضمانات قانونية ومؤسساتية حقيقية، من شأنها حماية الصحافيات والصحافيين، وتعزيز استقلالية وسائل الإعلام عن مراكز الضغط السياسي والمالي، بما يتيح للصحافة أن تقوم بدورها كاملًا دون خوف أو تدخل أو تقييد. كما طالب بـ»إطلاق نقاش وطني واسع حول إصلاح شامل للإعلام المغربي، يأخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى التوازن بين الحرية والمسؤولية، ويعزز أخلاقيات المهنة، ويراعي التحولات التكنولوجية والرقمية الجارية، بما في ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي في الإنتاج الإعلامي والتربوي».
وشدد «المنتدى»، في بيان تلقت «القدس العربي» نسخة منه، على ضرورة تحرير الإعلام العمومي من القيود البيروقراطية والسياسية، وفتحه أمام النقاشات السياسية والاجتماعية والثقافية الحقيقية والمتنوعة، حتى يكون فاعلًا في مواجهة تحديات المرحلة، لا مجرّد ناقل رسمي للخطابات أو الأحداث. وأشاد بشجاعة الصحافيين، وخاصة من يواجهون القمع والتضييق في بؤر التوتر والنزاع، وفي مقدمتهم الصحافيون الفلسطينيون الذين يُستهدفون يوميًا في سعيهم لنقل الحقيقة من أرض محتلة.
في سياق متصل، سجلت «العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان»، بقلق بالغ، ما أسمته بالتراجع المقلق لمؤشرات حرية الصحافة في المغرب، في ظل استمرار المتابعات القضائية للصحافيين خارج إطار قانون الصحافة والنشر، ولجوء متزايد إلى فصول القانون الجنائي لملاحقة الصحافيين في قضايا مرتبطة بممارستهم المهنية، بالإضافة إلى استعمال تهم مشينة لتكميم الأصوات الحرة وإخراس الصحافة المستقلة. وأشارت إلى أن هذه الممارسات تعكس إرادة ممنهجة لإضعاف دور الإعلام في مساءلة السلطة وتعزيز الشفافية.
وانتقدت «العصبة»، في بيان أرسل إلى «القدس العربي»، ما وصفته بـ»تحكم الريع السياسي والاقتصادي» في تمويل وسائل الإعلام، مما يؤدي إلى إخضاع الخط التحريري للمصالح الفوقية، ويحول الصحافة من سلطة رابعة إلى أداة دعائية. كما نبّهت إلى هشاشة الأوضاع الاجتماعية والمهنية للصحافيين، وغياب التدريب الأكاديمي الرصين، مما ينعكس سلبًا على جودة المُنتج الإعلامي، ويجعل من الصحافيين أهدافًا سهلة للترهيب أو الإغراء أو الإقصاء.
وفيما يخص واقع الصحافة في مناطق النزاع، عبّرت العصبة عن تضامنها المطلق مع الصحافيين والصحافيات الفلسطينيين الذين يواجهون، تحت الاحتلال الإسرائيلي، أبشع أشكال الاستهداف الجسدي والمعنوي، مؤكدة أن قتل الصحافيين وتدمير المؤسسات الإعلامية في غزة والضفة يمثل جرائم حرب ترمي إلى إسكات الشهود ومنع نقل الحقيقة. وشملت مواقف التضامن أيضًا كل الصحافيين في بؤر التوتر عبر العالم، الذين يضحّون بسلامتهم من أجل أداء مهني نزيه.
ورأت «العصبة» أن الصحافة اليوم تواجه تحديات غير مسبوقة، ليس فقط من خلال أدوات القمع المباشر، بل أيضًا عبر التهديد الرقمي المتمثل في التضليل والمعلومات الزائفة والخوارزميات المنحازة. وأشارت إلى أن «الذكاء الاصطناعي بات يُستعمل في قمع الروايات المناهضة للكيان الصهيوني، من خلال حجب المنشورات، ومعاقبة المستخدمين، بل وإغلاق حساباتهم، في خرق سافر لحرية التعبير». ووجّهت نداءً إلى الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي، منبهة إلى أن انخراطها في قمع المحتوى المناهض للجرائم الإسرائيلية يمثل تورطًا في التستر على الانتهاكات، ومساسًا خطيرًا بحرية التعبير.
كما شددت على أن حملات التشهير التي باتت تأخذ طابعًا ممنهجًا داخل المشهد الإعلامي المغربي، ليست سوى شكل آخر من أشكال العنف الرمزي وانتهاك الأخلاقيات المهنية. وأكدت أن التطبيع مع هذا الانحراف القيمي، سواء من خلال الصمت أو التواطؤ، يُقوّض أسس العدالة والاحترام المتبادل، ويشوّه صورة الإعلام كفضاء للحوار والتعددية.
وفي هذا السياق، جددت «العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان» دعوتها لوقف محاكمة الصحافيين بموجب القانون الجنائي، والالتزام الصارم بقانون الصحافة والنشر كإطار مرجعي وحيد في القضايا المرتبطة بمهنة الصحافة. كما طالبت بإصلاح شامل للمشهد الإعلامي، يرتكز على استقلالية القرار التحريري، وتعزيز التكوين الأكاديمي، وتحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية للصحافيين، إلى جانب إنشاء آلية وطنية مستقلة لمراقبة المضامين الإعلامية، والحد من مظاهر التشهير، وتفعيل ميثاق أخلاقيات المهنة كوثيقة ملزمة.
وفي ختام بيانها، شددت المنظمة الحقوقية نفسها على أن حرية الصحافة ليست امتيازًا تمنحه السلطات، بل حق أصيل من حقوق الإنسان، والدفاع عنها هو دفاع عن كرامة المواطنين وعن الديمقراطية في عمقها. وإذ عبّرت عن تضامنها الكامل مع كافة الصحافيين الشرفاء، الذين يواصلون أداء رسالتهم في ظروف قاسية، فإنها جددت مطلبها بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين بسبب آراء أو أعمال صحافية، مؤكدة استمرار نضالها من أجل مغرب تسوده الكرامة، وتُصان فيه الكلمة الحرة، وتُمارس فيه الصحافة دورها كاملًا دون خوف أو رقابة أو تبعية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس