الإعلامي المغربي مصطفى بوبكراوي لـ «القدس العربي»: إعلام المقاومة الفلسطينية تمكن من تحييد «فائض» انتشار سردية العدو الصهيوني

4
الإعلامي المغربي مصطفى بوبكراوي لـ «القدس العربي»: إعلام المقاومة الفلسطينية تمكن من تحييد «فائض» انتشار سردية العدو الصهيوني
الإعلامي المغربي مصطفى بوبكراوي لـ «القدس العربي»: إعلام المقاومة الفلسطينية تمكن من تحييد «فائض» انتشار سردية العدو الصهيوني

أفريقيا برس – المغرب. تتوزع انشغالات المغاربة بمجريات الأحداث الدامية في غزة بين التعبير عن التضامن والانتصار للقضية بالخروج في مسيرات وتظاهرات شبه يومية تشهدها عدد من المدن المغربية، وبين الفكر والثقافة والفن والإعلام، الذي يساهم أهله بشكل مباشر في هذا الزخم التضامني المغربي مع الشعب الفلسطيني كما هي العادة منذ زمن.

إعلامياً، تشكل المواكبة المستمرة لما يحدث في غزة من إبادة لشعب أعزل، العمود الفقري لعدد كبير من المنابر المحلية، ورقية وإلكترونية ومرئية ومسموعة، كما تضاف إلى هذه المواكبة مقالات وتحليلات وقراءات عميقة وبليغة للوقائع، وكلها تسير في طريق الانتصار لحق الشعب الفلسطيني في الحياة أولاً، وفي الاستقلال ثانياً، وفي الحرية قبل كل شيء.

وعن ذلك، خصص الكاتب الصحافي المغربي مصطفى بوبكراوي، تصريحه لـ”القدس العربي” بالتركيز على “إعلام المقاومة وتحييد (فائض) انتشار سردية العدو”، مؤكداً أنه “في الحروب غير المتكافئة، كما هو الشأن في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، المستمر منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يكون على الطرف المقاوم الأقل عدة وعدداً، وهي فصائل المقاومة الفلسطينية في هذه الحالة، أن يخوض المعركة في الأمكنة وبالتوزيع الزمني وبالوسائل، أي بالشكل الذي يتيح تحييد فائض القوة لدى العدو أو على الأقل تقليصه إلى الحد الأدنى”.

ويوضح أنه “إذا كانت هذه القاعدة تسري على المواجهات على الأرض، فإنها تجري وبالقدر نفسه على الحرب الإعلامية والنفسية، وهي تسري بشكل أكبر في حالة العدوان الإسرائيلي بالنظر لتحكمه وحلفائه واللوبي الموالي له، في أغلب وأكبر وسائل الإعلام في كل بقاع العالم”.

وحسب الصحافي المتابع للشأن السياسي، فإن “أغلب التحليلات العسكرية تشير إلى نجاح الفصائل المسلحة المقاومة في القطاع في الحيلولة دون تحقيق جيش الاحتلال الإسرائيلي لأهدافه الاستراتيجية من العدوان المسلح، وفي رفع كلفتها المادية والبشرية، عبر تبني تكتيكات ووتيرة اشتباك ملائمة، وعبر تثمين مكامن القوة الذاتية إلى أقصى حد والاستغلال الأمثل لمكامن ضعف العدو”.

وينتقل بوبكراوي للحديث عن الساحة الإعلامية، مؤكداً أن الاشتباك فيها “لا يقل ضراوة، وتحييد (فائض القوة) لدى المعتدي يحتاج إلى استثمار أمثل للوسائل المتاحة للوصول إلى الأهداف المرجوة من جهة، ولتغطية مساحة زمنية قد تطول أشهراً أو حتى سنوات”.

إجهاض الشيطنة

وبعد أن تطرق إلى الموارد والوسائل المتاحة لفصائل المقاومة لخوض الحرب الإعلامية، توقف في قراءته الأولية عند “أهم التقنيات والخيارات التي ابتكرها القائمون على إعلام المقاومة السياسي والعسكري، لامتصاص الفارق في الانتشار مع سردية العدو وللتأقلم مع التغيرات الطارئة على الخريطة الإعلامية العالمية وعلى تركيبة واختيارات الجمهور”.

وأول ما ركز عليه بوبكراوي، هو “إجهاض الشيطنة” التي لحقت عملية طوفان الأقصى “التي فاجأت العالم، ومنه جمهور المقاومة نفسه”، مبرزا أنه “بعد ساعات من الارتباك في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي حول الواقعة وتوصيفها، انطلقت حملة إعلامية ضخمة لشيطنة المقاومة الفلسطينية لدى الرأي العالم الغربي أولا، وفي باقي مناطق العالم بالتبعية، مع محاولة لإيجاد امتداد لها في بعض المنابر الإعلامية العربية التي ركبت قطار تطبيع أسرع حتى من قطار تطبيع الحكومات نفسه”.

ويواصل الإعلامي المغربي قراءته بالإشارة إلى أن تلك الحملة قامت على “محاولة استغلال التغييب المقصود للقضية الفلسطينية إعلامياً على المستوى العالمي وحتى العربي لسنوات، وتثبيت سابع تشرين الأول/ أكتوبر 2023 منطلقاً لتحليل الصراع في المنطقة، ثم تصوير عملية الفصائل الفلسطينية في غلاف غزة المحتل كعملية هجومية أفسدت (استقراراً) تنعم به شعوب المنطقة”، معتمدة “بشكل رئيسي على كبريات الشبكات التلفزيونية في أمريكا وأوروبا وامتداداتها المحلية، وعلى تدوير ما ستنتجه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وشبكة الإنترنت عموماً، حيث شكلت عملية طوفان الأقصى في البداية مادة “خبرية” مهيمنة”.

“على الجانب الآخر، أي إعلام المقاومة الفلسطينية”، يقول بوبكري إنه “سيسود الصمت تقريباً لساعات طويلة بعد البث المكثف لصور عملية طوفان الأقصى، والتي كانت موجهة بالأساس لخدمة ثلاثة أهداف تحققت جميعها بشكل كبير، وهي إثارة انتباه وإعطاء زخم جديد لدعم شعوب الوطن العربي والعالم الإسلامي بالأساس للقضية الفلسطينية، وزرع الرعب في الجبهة الداخلية الإسرائيلية عبر خلخلة (يقينيات) التفوق العسكري السائدة وسط الجمهور الإسرائيلي، وإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث عبر العالم”.

ويوضح الإعلامي المغربي أنه “ساد الاعتقاد خلال اليومين أو الثلاثة أيام التي أعقبت طوفان الأقصى بنجاح السردية الإسرائيلية حول العملية في كسب مساحات كبيرة وسط الرأي العام الغربي، وهو ما سيشجع لاحقاً ساسة غربيين وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، على ترديد أكاذيب (قطع رؤوس الأطفال) في غلاف غزة يوم سابع أكتوبر”. ويتوقف المتحدث عند تلك المرحلة بالضبط، حيث ظهرت “أولى الشروخ في السردية الإسرائيلية خصوصاً مع تداول صور الأجهزة الإسرائيلية والتصريحات السياسية التي رافقتها على شبكة الإنترنت، حيث ستنجح هيئات أو أفراد في الكشف وبشكل لا يترك مجالاً للمراوغة، عن زيف كثير من هذه الصور ومضمون التعليقات الإسرائيلية، وما انبنى عليها من مواقف، ومنها تصريح رئيس أكبر قوة في العالم”.

وبالنسبة للإعلامي المغربي، فقد كان “للفشل في ترويج الصور والمعطيات المغلوطة وقع كبير على الحملة الدعائية الإسرائيلية والغربية عموماً، حيث تحولت السردية الإسرائيلية لدى شريحة واسعة من الرأي العام الغربي نفسه (وهو الأهم في المعادلة بالنسبة للآلة الدعائية الإسرائيلية)، إلى مجرد (رواية) طرف”.

حملة إعلامية مضادة

وهو ما شكل إشارة لـ “انطلاق حملة إعلامية مضادة، جزء منها جاء بداية على شكل تصريحات وبيانات لفصائل المقاومة، لكن الجزء الأهم منها كان من شخصيات مستقلة في العالم العربي وحتى في الغرب نفسه، وهي الحملة التي ستشتد مع انتشار أولى صور الدمار والقتل الناجمين عن القصف الإسرائيلي لقطاع غزة”، ما سيضطر معه “إعلام السردية الإسرائيلية إلى الانتقال إلى مرحلة غير مسبوقة منذ 1948 حيث نزل سقف هذا الإعلام إلى مجرد ترميم (الصورة) وسط الرأي العام الغربي بالتحديد”.

ويواصل بوبكراوي بقوله إنه انضاف عنصر جديد حاسم في المواجهة الإعلامية بين سردية إسرائيل وإعلام المقاومة، مع انطلاق توغلات الاحتلال الإسرائيلي في غزة و”بعد حملة قصف دمر كل مظاهر وشروط الحياة في القطاع، حيث “بدأ إعلام المقاومة في نشر مقاطع فيديو توثق كل إنجاز مسلح للمقاومة بالصوت والصورة، وأيضاً بغرافيك مساعد على فهم مجريات الاشتباك وأهدافه”. وهو ما اعتبره الإعلامي المغربي توجيهاً للخطاب لأجيال جديدة من الجمهور العربي والعالمي، التي سماها أجيال “ألعاب الفيديو”. ثم ينتقل في حديثه لـ “القس العربي” إلى “البيان العسكري من (صوت العرب) إلى (أبو عبيدة)، لأنه “لا يمكن تصوير فيديو عن كل عملية، وخصوصاً عن عمليات اشتباك قد لا يختار الفلسطيني بشكل مسبق موعدها ومكانها، فإن إعلام المقاومة يلجأ بين الفينة والأخرى إلى إصدار بيانات لتقديم حصيلة 24 ساعة أو يومين أو ثلاثة أيام أو حتى أسبوع أو أكثر”. وبالنسبة للمتحدث، فقد “حرص هذا الإعلام على تقديم هذه البيانات بالصوت والصورة، وهو ما ضمن عرضها بصياغتها الأصلية على مختلف وسائط الاتصال الجماهيرية. وفي هذا الإطار، اختار إعلام الجناح العسكري لحركة حماس بشكل خاص تقديمها على لسان شخصية (أبو عبيدة) أو الملثم”.

الملثم أبو عبيدة تحول إلى رمز

ويوضح بوبكراوي أن هذا الاختيار وفر عدة إيجابيات، أولها كون “الشخصية مثيرة للفضول باعتبار أنها تظهر ملثمة، والفضول هو أقوى دافع للمتابعة وقد يفوق في قوته الاهتمام وحتى التضامن أحياناً”، وبالنسبة للإيجابية الثانية فتتمثل في “أن البيان العسكري يصبح مادة حية قابلة للنشر على وسائل الإعلام التقليدية، وأيضاً على الوسائط الرقمية، ومنها على الخصوص تلك المخصصة للفيديوهات القصيرة”.

و “قامت (سرايا القدس) ـ يقول الإعلامي المغربي ـ باعتماد شخصية (أبو حمزة) الملثمة أيضاً، الذي يذكر بشخصية (حنظلة) لفنان الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي”، وهو ما جعل “ظهور (الملثم) بالصوت والصورة وعلى وسائل اتصال أكثر جماهيرية من الصحف، رمزاً لدى الكبار والصغار على حد سواء، ولدى شرائح واسعة بغض النظر عن أي تفاوتات في المستوى التعليمي والثقافي”، لذلك فإن “تقديم البيانات العسكرية على لسان شخصية بهذه المواصفات يضمن لها انتشاراً أوسع وعلى مختلف الوسائط وتقبلاً أفضل”.

ويتوقف بوبكراوي في قراءته للحرب الإعلامية بين إسرائيل وإعلام المقاومة الفلسطينية، إلى تحقيق “التوازن بين صورتين: الشعب ضحية الجرائم، والشعب المقاوم”، الذي جعل “إعلام المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً منذ عملية طوفان الأقصى، يتحرك فوق خيط رفيع، قوامه الحفاظ على ذلك التوازن الدقيق في صورة الشعب الفلسطيني لدى الجمهور العربي والعالمي”. ويؤكد أن إعلام المقاومة نجح “في عمومه (مقاومة عسكرية وخطاب سياسي) في صون هذه الخلطة الفريدة في التاريخ، على الأقل بهذا الامتداد في الزمن”، ليتم “توزيع الأدوار في إعلام المقاومة الفلسطيني بين ناطقين ومتحدثين باسم حركات المقاومة خارج فلسطين والمتحدثين باسم مصالح استشفائية وبلدية في غزة من جهة، والمتحدثين باسم الأجنحة المسلحة التي تخوض المعركة ميدانياً من جهة أخرى”، وهو ما “سمح من جهة بإظهار دموية الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه وتزكية ما تتناقله وسائل الإعلام من مشاهد دمار وقتل وتشريد للفلسطينيين، وسمح في الوقت نفسه بترسيخ فكرة إرادة وقدرة الجانب الفلسطيني على المواجهة والصمود وتكبيد المعتدي خسائر كبيرة، بمعنى آخر حرص إعلام المقاومة من خلال هذا التوزيع الدقيق للأدوار على صناعة رأي عام متضامن مع الفلسطيني ضحية غطرسة عسكرية بلا حدود، ومساندة (الرأي العام) في الوقت نفسه للفلسطيني كمقاوم قادر على المواجهة والصمود”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس