الباحثة المغربية مارية الشرقاوي لـ «القدس العربي»: معاناة صامتة لنساء لم يستطعن تحريك شكايات عن العنف الممارس عليهن

2
الباحثة المغربية مارية الشرقاوي لـ «القدس العربي»: معاناة صامتة لنساء لم يستطعن تحريك شكايات عن العنف الممارس عليهن
الباحثة المغربية مارية الشرقاوي لـ «القدس العربي»: معاناة صامتة لنساء لم يستطعن تحريك شكايات عن العنف الممارس عليهن

أفريقيا برس – المغرب. لا يمكن أن يمر يوم من حياة المغاربة، سواء في الواقع أو على منصات التواصل الاجتماعي، دون أن تثار قضية أو موضوع يتعلق بالمرأة ومعاناتها من أجل تحقيق ذاتها أولاً، والبصم على حضورها بشكل أكثر تميزاً وأكثر عطاء بعيداً عن منغصات المجتمع وقريباً من تطبيق بنود الدستور التي نصت على المناصفة في جميع مجالات الحياة من سياسة واقتصاد وثقافة، إنه السعي نحو عيش كامل التجلي بمعية الشريك الرجل.

الكاتبة والباحثة في قضايا النوع، مارية الشرقاوي، استحضرت مع «القدس العربي» التقرير الجديد للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول الحملة الوطنية التي أطلقها تحت شعار «مانسكتوش (لا نسكت) على العنف ضد النساء والفتيات»، وقالت «هي حملة محمودة لا يمكننا إلا تثمينها كونها هدفت وتهدف إلى تشجيع النساء في مختلف أعمارهن على التبليغ عن العنف الذي قد يتعرضن له سواء في العمل أو داخل الأسرة أو في الفضاء العمومي بصفة عامة».

وبالنسبة لها، فإن «الحملة كانت أيضاً جواباً مهماً عن معاناة صامتة لنساء يعنفن ولا يستطعن تقديم شكايات لدى النيابة العامة أو البوح لدى مراكز الاستماع الخاصة بالنساء ضحايا العنف»، واستشهدت المتحدثة بتصريح لوزير العدل خلال جلسة للأسئلة الشفوية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، كشف فيه عن نسبة النساء اللواتي لا يبلغن عن العنف الممارس في حقهن ويعتبرنه موضوعاً عائلياً.

واستطردت مارية الشرقاوي قائلة: «لكن الواقع يشي بأكثر من تلك النسب، فهناك معاناة صامتة للعديد من النساء اللواتي لم يستطعن تحريك شكايات عن العنف الممارس عليهن بشتى أشكاله».

وبعد أن فصّلت في أنواع العنف بين المادي كالضرب والجرح، والمعنوي كالتحرش اللفظي والسب، والاقتصادي أيضاً، أكدت الشرقاوي أن «العنف تطورت أشكاله بتطور المجتمع حيث أصبحت النساء تتعرض للعنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي بلغت نسبته 13,4 في المائة من مجموع حالات العنف المصرح بها».

وفي هذا السياق، وجهت الباحثة انتقادات لقانون 13 103 الخاص بالتحرش والعنف ضد النساء على مستوى النص، الذي «لم يأت عملاقاً بل جاء معاقاً نظراً لعدم تجريمه لمجموعة من الممارسات التي لا يمكن تصنيفها إلا في خانة العنف كالاغتصاب الزوجي مثلاً، أما على مستوى التفعيل فنجد إشكالية صعوبة إثبات العنف إما لكونه عنفاً معنوياً أو عدم توفر المعنفة على وسائل الإثبات المنصوص عليها في القانون ذاته كعدم وجود الشهود في المكان الدي تعرضت فيه المرأة للتعنيف، فمثلاً العنف الزوجي غالباً ما تتعرض له الزوجة في غرفة النوم وكل هذا جعل النساء لا يحركن الشكايات وبالتالي حال دون إنصافهن».

وخلصت الشرقاوي في تعليقها على تقرير المجلس إلى تثمين التوصيات التي جاء بها حيث نصت على الانضمام لمجموعة من الاتفاقيات الدولية الخاصة بمناهضة التحرش والعنف ضد النساء وعلى إعادة النظر في مجموعة من المفاهيم والمصطلحات بالقانون الجنائي وإدخال تعديلات بالمسطرة الجنائية.

وتوضح هنا الباحثة المغربية أن «بر أمان المرأة بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة هو اجتثاث ظاهرة العنف من جذورها كسلوك داخل المجتمع، فالمرأة تتعرض لعنف عمودي يتمثل في غياب إرادة سياسية حقيقية لتمكينها اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وعنف أفقي بتعرضها للظلم الاجتماعي بشتى أشكاله، سواء في بيتها أو في الشارع أو في العمل». ووفق المتحدثة، فإن «هذا يشي بخلل يعرفه المجتمع المغربي، خلل ينهل من فكر ذكوري موروث تتشبع به الثقافة السائدة بالمجتمع كتحديد أدوار كل من الرجل والمرأة مع منح الأفضلية للرجل، فرض القيود على حريات المرأة وخياراتها وفرصها عن طريق الوصاية التي لازالت تمارس عليها، وقد نجد كذلك من أسباب العنف ضد النساء جهل المرأة بحقوقها وبالقوانين التي قد تحميها مما قد تعرض له من عنف وهنا أقول كيف للجاهل بحقه أن يطالب به؟».

وتشدد مارية الشرقاوي على أنه كنتيجة «أصبح من الضروري بل من اللازم تكريس ثقافة اللجوء إلى القانون باعتباره آلية للحماية والردع، ولن ننجح في هذا إلا بالتربية في شقيها الأسري والتعليمي لوضع قطيعة مع الثقافة السائدة داخل المجتمع التي ترسم صورة نمطية عن المرأة تعتبرها كائناً ضعيفاً لاحول له ولا قوة وبالتالي تحق ممارسة الوصاية عليه ولِمَ لا تعنيفه إن اقتضى الحال ذلك قصد تقويمه».

وذكّرت «بكون العنف ضد المرأة ليس وليد العصر، بل مورس على المرأة على مر العصور، كونه نتاج فكر ذكوري يمنح الرفعة للرجل والوضاعة للمرأة، فكر يجعل من الجنس معياراً للتمييز بين الرفيع والوضيع، بين القوي والضعيف، بين المدنس والطاهر العفيف وهلم جر. لذلك نجد المرأة تم التعامل معها بتمييز سلبي منذ الأزل في جل المجتمعات».

وأضافت أن «مسؤولية العنف ضد المرأة يتحملها المجتمع الذي يسود فيه الفكر الذكوري وحينما أقول الفكر الذكوري فلا أعني هنا الرجل تحديداً، بل الفكر الذي من الممكن أن تحمله بعض النساء أيضاً بحكم الثقافة السائدة بالمجتمع الذي تعيش فيه، فتتبنى ذاك الفكر بحكم الأعراف والتقاليد، باختصار لا أحمّل المسؤولية للرجل بل للفكر الذكوري المتفشي في أي مجتمع كان».

و»حل هذه المعضلة»، بالنسبة لمارية الشرقاوي، «لا يكمن في الزجر والعقاب فقط بل يكمن في التنشئة أيضاً، سواء داخل الأسرة أو المؤسسات التعليمية، فالمقاربة القانونية كما قلت سابقاً يجب أن تلازمها في نفس الوقت مقاربة تربوية بشقيها الأسري والتعليمي، فالقيم التي يتشبع بها الفرد سواء على مستوى الأسرة أو المدرسة تبقى الحكم الرئيسي في التعامل مع المرأة، لأنه وببساطة كيف لفرد تشبع بثقافة المجتمع غفور رحيم مع الرجل ومقتص منتقم جبار مع المرأة أن يتعامل معها؟».

وفي سياق الحملة الكبيرة التي تخوضها جمعيات وهيئات نسائية حزبية ضد العنف الرقمي، سألت «القدس العربي» الباحثة والكاتبة المغربية عن ذلك، وعن تطور هذا النوع من العنف، لتؤكد أنه «بتطور المجتمع تتطور أشكال ومضامين العنف ضد النساء»، و»يفضي في نهاية المطاف إلى تهديد الاستقرار الأسري والمجتمعي وارتباطاً بهذا أشير إلى دراسة تم الكشف عنها بتاريخ 8 ديسمبر 2020 أن ما يقارب 87 في المائة من النساء ضحايا العنف الرقمي في المغرب فكرن في الانتحار وما يقارب 20 في المائة منهن حاولن وسيدة واحدة منهن انتحرت فعلاً».

وذكّرت الباحثة بخطورة العنف الرقمي الذي رغم ذلك يمارس «بشكل فظيع في المغرب»، وسردت أرقاماً صادرة عن «المندوبية السامية للتخطيط» وهي مؤسسة رسمية، كشفت «عن نسبة 13,8 في المائة أي ما يقارب مليوناً ونصف المليون فتاة وامرأة كن ضحايا العنف الإلكتروني، وهنا أصبح تشريع قوانين صارمة ضرورة قصوى من أجل تحصين الرقمنة حتى نتفادى خطر هذا النوع من العنف على المرأة وبالتالي على الأسرة والمجتمع».

أما بخصوص قضية المناصفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فسجلت مارية الشرقاوي أن «معاناة المرأة داخل المجتمع كثيرة وشائكة ومتداخلة، فواحدة تجر لأخرى بحيث لا يمكن أن نفصل بين ما هو سياسي عما هو اجتماعي أو اقتصادي، فحينما ننظر للمرأة كشريك أساسي داخل المجتمع ونضع قطيعة مع تلك الصورة النمطية عنها ونتعامل معها كإنسان له كيان وعقل وفكر لا كجسد فقط هنا سنستطيع تمكين المرأة في كل المجالات السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية».

ووفق المتحدثة، فإن «الصخب والجدل القائمين الآن لا يصبان في جوهر معاناة المرأة التي تعيش إقصاءات ممنهجة بسبب انعدام الإرادة السياسية الحقيقية لتكريس مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بينها وبين الرجل»، لذلك، توضح الشرقاوي: «يجب أن يصب النقاش اليوم في جوهر وصلب المعاناة النسائية الحقيقية والمتمثلة في ضرورة تمكينها في جميع المجالات ولن يتحقق هذا إلا بتنزيل كريم وتفعيل جدي لما جاء به الدستور المغربي الذي نص على المناصفة والمساواة وعلى تمكين المرأة في المجال المدني، الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي».

واستعرضت الباحثة نماذج مثل «المجال الاقتصادي الذي يجب فيه العمل على تيسير ولوج المرأة إلى عالم المقاولات ولسوق الشغل مع تكريس مبدأ المساواة في الترقية والأجور، وبالنسبة للمجال الاجتماعي يجب تمكينها من الولوج للخدمات الصحية والإنجابية وكذلك محاربة الأمية والهدر المدرسي المستفحل بين فتيات البوادي وما يسمى بالمغرب العميق، أما المجال السياسي فقد آن الأوان للفاعل السياسي أن يبرهن عن إرادة سياسية حقيقية لتفعيل ما جاء في الفصل 19 من دستور 2011 الذي نصّ على المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق ونصّ كذلك على المناصفة».

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس