البرلمان المغربي يفتتح النصف الثاني من ولايته التشريعية وتحت قبته ملفات حارقة و30 نائبا في متابعات قضائية بتهم الفساد

7
البرلمان المغربي يفتتح النصف الثاني من ولايته التشريعية وتحت قبته ملفات حارقة و30 نائبا في متابعات قضائية بتهم الفساد
البرلمان المغربي يفتتح النصف الثاني من ولايته التشريعية وتحت قبته ملفات حارقة و30 نائبا في متابعات قضائية بتهم الفساد

أفريقيا برس – المغرب. رغم سقوط ملتمس الرقابة الذي حاول حزب «الاتحاد الاشتراكي» أن يجمع حوله أحزاب المعارضة قبل أن يخطو أولى خطواته في الطريق، فإن عين هذه الأحزاب رغم الخلافات التي طفت على سطح علاقتها، تبقى مفتوحة على الآخر لمراقبة العمل الحكومي وتتبعه في أدق تفاصيله والاستعداد الكامل للهجوم على فريق الحكومي لعزيز أخنوش.

بالنسبة للمتتبعين فإن أحزاب المعارضة رغم إجهاض ملتمس الرقابة وعدم موافقة بعضها على تقديمه، يبقى مؤشرا على تصاعد نبرتها نحو أداء حكومة اخنوش، ناهيك عن الإشارات الأخرى التي رغم عدم جدواها مثل ترشيح حزب «العدالة والتنمية» لأحد قيادييه لرئاسة مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، إلا أنها تبقى كافية لتحيل على ولاية تشريعية ساخنة في نصفها الثاني والتي سيكون موعد افتتاحها اليوم الجمعة.

السياسي اليساري والباحث في العلوم السياسية، حكيم قرمان، استهل تصريحه لـ «القدس العربي» بالقول إن النصف الثاني للولاية التشريعية للبرلمان المغربي بمجلسيه، «ينطلق في خضم مجتمعي دقيق عنوانه البارز مأسسة الحوار الاجتماعي وتخليق الحياة العامة كمدخل لإرساء أسس الدولة الاجتماعية الديمقراطية»، و»بأجندة تشريعية بالغة الأهمية في خضم راهنية سياسية وانتظارات مجتمعية كبرى».

ويتابع موضحا، أن «رهانات النصف الثاني للولاية التشريعية تبرز لارتباطها باستحقاقات وطنية كبرى، إن على مستوى تسريع الأداء التشريعي للمؤسسة البرلمانية بغرفتيها الأولى والثانية، وإن على مستوى التداول بشأن مشاريع نصوص تشريعية جوهرية يترقب إخراجها إلى حيز الوجود، أو بالنظر إلى ارتباط ما تبقى من زمن الولاية التشريعية المذكورة بتقييم حصيلة عمل الحكومة الحالية».

الحديث عن اختلاف أحزاب المعارضة وعدم اتفاقها بشأن ملتمس الرقابة لا يمكن أن يكون الشجرة التي تخفي غابة التوافق بينها في العديد من المسائل الأساسية التي تخص تدبير الحكومة للشأن العام وخاصة التشريعي، فجوهر الاتفاق بين مكونات المعارضة البرلمانية يبقى وفق العديد من التصريحات لزعمائها، هو ما سمي بـ «التغول» الذي تمارسه أحزاب الأغلبية في البرلمان بسبب الغلبة العددية والتي تفضي مباشرة إلى المصادقة على مشاريع قوانين، أو رفض أخرى خاصة تلك المقترحة من طرف الفرق النيابية للمعارضة، هذه الأخيرة عقد رؤساؤها مؤخرا اجتماعا في مقر حزب «الاتحاد الاشتراكي»، حيث استقبلهم كاتبه الوطني (أمين عام)، إدريس لشكر، الذي تحدث تقوية مؤسسات البلاد، وكونه رهين بالحفاظ على التوازن بين السلطة التشريعية والتنفيذية والتعاون فيما بينهما، وليس بتقوية التغول ونهج التهميش والإقصاء لأدوار المعارضة.

على هذا الأساس ورغم الشرخ الذي أحدثه «ملتمس الرقابة»، فإن أحزاب «الاتحاد الاشتراكي»، و»التقدم والاشتراكية»، و«الحركة الشعبية»، و«العدالة والتنمية» التي دخلت في تنسيق رباعي على ضفاف الولاية التشريعية للبرلمان، تضاف إليها أحزاب من خارج هذا التنسيق ويتعلق الأمر بكل من «الحزب الاشتراكي الموحد» و»فدرالية اليسار الديمقراطي»، تسير كلها في طريق انتقاد الحكومة من باب بسط السيطرة على البرلمان وإقصائها لأصوات المعارضة وإجهاض كل مقترحاتها التي تتقدم بها كمشاريع قوانين، كما تتجاهل انتقادها لسحب بعض القوانين مثل «الإثراء غير المشروع» الذي تحول إلى ثور أبيض في النصف الأول من الولاية التشريعية، دون إغفال الحديث عن عدم احترام الوزراء للقبة التشريعية كما يقول نواب المعارضة، وذلك بعدم حضورهم أو الرد على أسئلتهم سواء الشفوية أو الكتابية.

وحسب المنسق الوطني للهيئة الوطنية للأطر التأسيسية لحزب «البديل الاجتماعي الديمقراطي»، فإنه «في هذا الخضم، يطرح من جديد سؤال الدور الرقابي للمعارضة البرلمانية للعمل الحكومي كما يحدده دستور 2011، ومدى قدرة وفعالية المكونات السياسية لهذه المعارضة على التأثير في العملية التشريعية برمتها في تجاه خلق التوازن المنشود داخل المؤسسة التشريعية وعبر المشاركة الفعلية في بلورة مخرجاتها، ناهيك عن مراقبة الأداء الحكومي في ما يتعلق بالمساهمة في رسم السياسة التشريعية وتشذيب وتقويم السياسات العمومية التي تبلورها الحكومة».

وطرح الباحث في العلوم السياسية، نموذج «إقدام الأغلبية البرلمانية الحالية، مع انطلاق النصف الأول للولاية التشريعية، على سحب مشروعي نصين قانونيين بالغي الأهمية من قبيل مشروع قانون حول الإثراء غير المشروع، ومشروع حول الضريبة على الثروة»، الشيء الذي «يجعل المتتبعين للشأن السياسي بالمغرب، بالنظر لعدد المقاعد المحدودة التي تتوفر عليها المعارضة البرلمانية بكل الفسيفساء الحزبي المشكلة لها، بكونها لم تقو خلال النصف الأول للولاية التشريعية الجارية، ولن تقوى كذلك خلال نصفها المتبقي، على تقويم توازنات المشهد التشريعي الراهن أمام هيمنة التحالف الحكومي الثلاثي على الغالبية الساحقة للمقاعد بالبرلمان المغربي.»

ويوضح قرمان لـ «القدس العربي»، أنه «ينبغي التذكير بأن افتتاح هذه الدورة البرلمانية تشكل أيضا محطة تنظيمية مهمة على مستوى تجديد هياكل مجلس النواب وانتخاب رئيس للغرفة الأولى للمجلس لما تبقى من الولاية البرلمانية (2021-2026) طبقا لمقتضيات النظام الداخلي للمجلس، والملاحظ هنا أيضا، أن التوجه العام للترتيبات الجارية تفيد بأن طابع الاستمرارية هو سيد الموقف، بحيث لا يحتاج المتابع البسيط لآليات تحليلية مبتكرة، بل سيرى بالعين المجردة أن النائب البرلماني رشيد الطالبي العلمي، القيادي في حزب رئيس الحكومة، سيعاد (انتخابه) رئيسا لمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) بالأغلبية المريحة جدا، وهو الذي ترأس أعمال نصف ولاية تشريعية روتينية لم يحقق فيها مجلس النواب أية تميز أو سبق أو علامة دالة في الحياة التشريعية الوطنية تحسب له.»

بالنسبة للحكومة فإنها تنعم خلال هذه الولاية التشريعية بأغلبية مريحة في البرلمان، ويتضح ذلك جليا من خلال أدائها وأيضا من خلال التصويت على مجمل المشاريع المقدمة سواء بقبول ما يتوافق مع رؤيتها لتدبير الشأن العام، ورفض ما يتعارض مع ذلك، وهو الذي يسميه نواب المعارضة بـ «التغول».

لذلك يشدد قرمان على أنه «لا شك في أن الاستحقاق الرقابي والتقييمي الموكول للمعارضة بموجب الدستور بالإضافة إلى مباشرة ومواصلة المعالجة الأزمة لملفات التخليق والتجويد والعقلنة يمثل الرهان الأهم، بدءا بتقديم الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة أمام البرلمان طبقا لمقتضيات الفصل 101 من الدستور، بما يجعل منه لحظة سياسية ودستورية رفيعة وتمرينا ديمقراطيا وتواصليا يعكس نضج الممارسة البرلمانية المغربية والتفاعل البناء بين السلطتين التنفيذية والتشريعية فضلا عن كونه فرصة لاطلاع الرأي العام الوطني على المنجز الحكومي ومدى وفاء الحكومة بتعهداتها المتضمنة في برنامجها الحكومي باعتباره أساسا تعاقديا مع المواطنين.»

ولم يغفل الإشارة إلى أنه «في خضم هذا الاستحقاق الدستوري، يبرز مشروع إصلاح منظومة التقاعد، وقانون الإضراب، الذين ينبغي للحكومة والمعارضة على حد سواء، تعاطي معهما بروع المسؤولية والجدية والإنصاف خلال هذه الدورة، وبأن لا تجعل الحكومة من «فكرة الإصلاح» مطية تؤدي في النهاية كما عودتنا الحكومة الإخوانية السابقة، إلى جعل الطبقة العاملة تؤدي ثمن الأزمة المزمنة لصناديق التقاعد، بالإضافة إلى سن قانون يحفظ حق الإضراب، بشكل مسؤول ومتوازن، كما هو متعارف عليه كونيا.»

لكن العجيب، يفيد بعض المتتبعين للشأن السياسي المغربي، أنه إذا كان هناك ما يجمع المعارضة رغم الاختلافات بينها سواء أيديولوجيا مثل تعديلات مدونة الأسرة (قانون الأسرة)، أو حتى على المستوى الشخصي مثل خلافات إدريس لشكر وعبد الاله بن كيران، فإن ما يجمعها هو العمل على نقد عمل الحكومة، والأحزاب المكونة لهذه الأخيرة تجد نفسها بدورها تحمل قواسما مشتركة مع الأحزاب في المعارضة، والحديث هنا عن ملفات الفساد والمحاكمات التي طالت ولا زالت تطال عددا من البرلمانيين والقياديين المنتمين لهذا الطرف أو ذاك.

ويبقى موضوع المحاكمات بسبب ملفات الفساد، أكثر ما يثير شهية الرأي العام الذي لا يفقه عمومه في المسائل التشريعية ومشاريع القوانين فقط النخبة هي التي تعرف التفاصيل والتداعيات، لذلك فإن «الثور الأبيض» الحقيقي في المشهد السياسي المغربي، هو القاسم المشترك بين الأغلبية والمعارضة الذي يعتبر الفساد المالي أحد تجلياته، لنجد نواب من «الحركة الشعبية» يقبعون في السجن نفسه مع نواب لـ «الأصالة والمعاصرة»، كما أن قضايا أخرى تجاور بين حزب أغلبي وآخر معارض في ردهات المحاكم.

واعتبر الباحث في العلوم السياسية قرمان، أن «المؤسسة التشريعية في قلب النقاش العمومي، خاصة ما يتصل بملفات مكافحة الفساد بكل أبعاده السياسية والمالية والتدبيرية وغيرها، الشيء الذي يستدعي من كل مكونات المؤسسة التشريعية توظيف هذا الزمن التشريعي المتبقي بإعمال كافة الآليات المتاحة دستوريا على المستويين التشريعي والرقابي، بهدف إخراج النصوص القانونية التي يتطلع إليها المجتمع بروح التعاون بين الأغلبية والمعارضة ونبذ منطق الهيمنة وعقلية الحسابات السياسوية الضيقة، بالنظر لدقة وطبيعة المرحلة الراهنة والمثقلة برهانات التجويد والإصلاح وتحديات الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المطروحة على البلاد في الأمد الراهن والمنظور.»

*فضائح الفساد

التورط في فضائح الفساد، شكل موضوع تدوينة نشرها رئيس «الجمعية المغربية لحماية المال العام» قائلا إن «نواب الأمة سيكونون على موعد مع افتتاح الدورة الثانية للبرلمان»، التي تنعقد «في ظرفية وسياق خاص» مشيرا «إلى بعض ما طبع وميز هذه المرحلة»، ومنها «متابعة 30 برلمانيا قضائيا بتهم مشينة تتعلق باختلاس وتبديد أموال عمومية»، واعتبرها «سابقة في تاريخ البرلمان المغربي».

وتابع المحامي الغلوسي موضحا، أن من البرلمانيين من فتحت» ضده مسطرة غسل الأموال وتم حجز ممتلكاته وأمواله»، ليتساءل بعد ذلك عما «إذا كان ما تبقى من البرلمانيين سيجعل من هذا الواقع المخجل أرضية للانكباب بجدية على سن منظومة قانونية لمكافحة الفساد والرشوة ونهب المال العام وفي مقدمتها تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح أم أنهم سيقفزون هذا الواقع كأنه يعني بلدا آخر وسيستمرون في التطبيع مع الفساد والريع وحماية لصوص المال العام؟؟».

في السياق نفسه، تحدث رئيس «الجمعية المغربية لحماية العام» عن «تفكيك شبكات خطيرة متورطة في جرائم الفساد والرشوة والتزوير في مختلف المجالات وضمنها ما سمي شبكة (اسكوبار الصحراء) التي تورط فيها قياديان حزبيان يتوليان تسيير جماعات ترابية مهمة»، أضاف إلى ذلك يبرز الغلوسي، «تورط بعض القيادات الحزبية في فضيحة أخلاقية وقانونية وسياسية تتعلق بتبديد واختلاس المال العام من خلال رفض إرجاع ما تبقى من أموال الدعم العمومي أو تقديم وثائق ومستندات غير قانونية لتبرير صرف هذا الدعم، ناهيك عن فضيحة ما سمي زورا بصفقات الدراسات والأبحاث» إلى جانب «متابعة بعض القيادات الحزبية على خلفية جرائم الفساد ونهب المال العام واستمرارها في تحمل المسؤوليات العمومية رغم ذلك».

استعراض لائحة «الفضائح» المالية، ختمه الغلوسي بتوجيه خطاب ضمني إلى «نواب الأمة»، مؤكدا أن «تفاقم الفساد والرشوة بالمغرب يشكل تهديدا حقيقيا للسلم والأمن الاجتماعيين»، وأن «المغاربة يتطلعون إلى إرادة سياسية حقيقية للقطع مع الفساد ونهب المال العام والريع وربط المسؤولية بالمحاسبة، ويتمنون أن تستمر المعركة ضد الفساد وذلك بمحاكمة لصوص المال العام والمفسدين وتحريك مساطر غسل الأموال ضدهم».

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس