القيادي اليساري المغربي إسماعيل العلوي: الوقوف بجانب القضية الفلسطينية انتصار للقيم الكفيلة بضمان التعايش السلمي بين الشعوب

9
القيادي اليساري المغربي إسماعيل العلوي: الوقوف بجانب القضية الفلسطينية انتصار للقيم الكفيلة بضمان التعايش السلمي بين الشعوب
القيادي اليساري المغربي إسماعيل العلوي: الوقوف بجانب القضية الفلسطينية انتصار للقيم الكفيلة بضمان التعايش السلمي بين الشعوب

أفريقيا برس – المغرب. قال إسماعيل العلوي، رئيس مجلس رئاسة حزب “التقدم والاشتراكية” المغربي المعارض، “إن الأحداث المؤلمة التي تشهدها فلسطين السليبة على إثر العدوان الغاشم الذي يقترفه الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني، والذي تجاوز قطاع غزة ليشمل الضفة الغربية وجنوب لبنان، تقدم الدليل مرة أخرى على الطبيعة الاستعمارية والعنصرية المقيتة لدولة إسرائيل”.

وفي مقال رأي له، تلقّت “القدس العربي” نسخة منه، وصف إسرائيل بـ “كيان الفصل العنصري”، مؤكدا أن الجرائم التي ارتكبها هذا الكيان ومازال يرتكبها في حق آلاف المدنيين وتقتيل الأطفال والنساء والشيوخ “أصابت الضمير العالمي بالذهول باعتبارها جرائم في حق الإنسانية جمعاء”، كما أنها كشفت “عن حقيقة المشروع الصهيوني الهادف للإبادة الجماعية للسكان الأصليين لأرض فلسطين”.

تخاذل المجتمع الدولي

وأوضح القيادي اليساري الذي سبق له أن تقلد مناصب وزارية، أنه “تَرِدُ علينا يوميا أخبار تذكرنا بأن الشعب الفلسطيني يؤدي ثمناً باهظاً من خلال تضحيات أبنائه وبناته. ولا تقتصر مآسيه في تقديم الأرواح، بل نرى أن أراضيه، هي بدورها، تُسلب منه ظلماً وعدواناً”، لذلك “لا ينبغي لنا أن نتساءل فقط: لماذا يحصل ذلك؟ بل لا بد أن نضيف: لماذا يخيم صمت رهيب على مستوى ما يسمى بالمنظومة الدولية؟ إذا ما استثنينا بعض الشرفاء الذين يرفعون عالياً راية التضامن مع الشعب الفلسطيني ويحثون إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، ويعطون المثل في هذا الميدان احتجاجاً على الاحتلال الصهيوني وعلى السلوك الإسرائيلي العنصري، ورافضين – فيما يهم الوطن العربي- أي نوع من التطبيع مع النظام الصهيوني الغاشم”.

ولاحظ إسماعيل العلوي “أن دول الغرب كأجهزة حاكمة اجتمعت، في معظمها، في صف واحد ضد فلسطين وشعبها. ومما يزيد من ألمنا وغضبنا أننا أصبحنا نسمع ونشاهد في عالمنا العربي عدداً من التصريحات والتصرفات يندى لها الجبين. فحتى بعض المشايخ الذين يدعون الدفاع عن الإسلام، يتفوهون بكلام لا يمكن أبداً أن نقبله، مدعين أن الصهاينة فوق أراضيهم لأنها هي “أرض الميعاد” التي وعد الله بها بني إسرائيل”، وبالتالي وعد بها للصهاينة وكأن اليهود والصهيونية شيء واحد!”.

وفصّل السياسي اليساري الأسباب “لإدراك ما يحصل لهذا الشعب الشقيق الجريح والسليب في مجمل أراضيه”، لذلك فإنه “لا بد أن نقوم بمراجعة بعض المعطيات، ونبدأ بالتذكير بتطور تاريخ البشرية في شموليته بمنطقة الشرق الأدنى حتى نصل إلى تقديم تفسير، ولو جزئي، لظاهرة الكلونيالية السائدة في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين”.

سلوك عنصري

وتطرّق إلى أصول أزمة الشرق الأدنى منذ قرن ونيف، مشيراً إلى أن جذورها في “الانتشار الكولونيالي الأوروبي، كما توجد جذورها في سلوك عنصري معادٍ لليهود في كافة المجتمعات الغربية بما فيها الطبقات (المتنورة) الحاكمة”.

وتحدث عن “الإلحاح على هذه التوأمة وهذا التزامن الذي حصل بين التوسع الاستعماري الكلونيالي والعنصرية المعادية لليهود”، كما أشار من باب التذكير إلى ما “عانته البشرية في قارتنا الإفريقية وفي (العالم الجديد، أمريكا بشمالها وجنوبها) من استعباد وتنكيل وحتى من إبادة، منذ القرن 16”. وأشار إلى مؤتمر برلين (سنة 1878) الذي جزأ إفريقيا شطراً شطراً، ومؤتمر آخر في مدينة بال السويسرية أسس للحركة الصهيونية بقيادة (هرتزل)”، كما أشار إلى “وعد بلفور” وما قبله وما بعده من تداعيات، مبرزاً أن الأهم هو أنه اندرج “كذلك في سياق السياسة الاستعمارية الإمبريالية (البريطانية-الفرنسية)” حيث “تبلور هذا التحالف، الإمبريالي- الاستعماري العنصري، خلال الحرب العالمية الأولى بإبرام اتفاق ثنائي بين بريطانيا وفرنسا عرف باسم مُوقعيه سايكس (Sykes) البريطاني وبيكو (Picot) الفرنسي”.

ويؤكد العلوي أن أنصار الصهيونية المعاصرين الذين ليسوا كلهم يهوداً، ركزوا على فكرة “أرض الميعاد” أولاً، وهنا يشدد على ضرورة معالجة هذا الجانب بكثير من “الموضوعية التاريخية بعيداً عن كل التمثلات الأسطورية”، لأن فكرة (أرض الميعاد) تجد أصلها في الواقع في التاريخ القديم لمنطقة (الهلال الخصيب) الذي يضم كلاً من دلتا النيل وسهل الرافدين (دجلة والفرات) وهوامشه، ولأجل ذلك قال إنه “طيلة الألفية الثانية قبل الميلاد، عرفت هذه المنطقة تحركات بشرية كثيرة قامت بها أقوام مختلفة يجمعها الأخصائيون تحت لقب (الساميين)، حيث أسسوا دولاً كان لها باع طويل في المنطقة وأثرت بشكل كبير في تطوير الإنسانية مادياً وعلى مستوى الأفكار، لا سيما منها الدينية”.

وبعد استعراض معطيات أخرى، وصل القيادي اليساري إلى “إن المنطقة التي نلقبها في زمننا باسم (فلسطين) كانت على الدوام منطقة توافد أقوام وشعوب مختلفة، كما هاجر الكثير من سُكانها إلى بلدان تحيط بالبحر الأبيض، إما قهراً أو عن طيب خاطر، بحثاً عن العلم أو للاتجار… وهذه الظاهرة الأخيرة تدحض أسطورة “الشتات الناتج عن تهجير قسري” التي يدعيها الصهاينة وأنصارهم”.

ثم لفت الانتباه إلى ما حصل بين 1948 و1962 في المشرق وفي المغرب، وتزامن مع نشوب حرب ثانية بين الكيان الإسرائيلي والعرب سنة 1956 حيث حصل (تكالب) البريطانيين والفرنسيين مع الإسرائيليين، وتدخل السوفييت والأمريكيون.

مسؤولية الدول العربية

كما تطرق العلوي إلى الحرب الرابعة في مواجهة إسرائيل، التي ساهم فيها المغاربة وببطولة، في معركة جبل الشيخ، مشيراً إلى أن لها “دلالة خاصة، وهي أن الشعوب العربية أصبحت أكثر شعوراً بأهمية المعركة ضد الصهيونية، وفي المقابل أخذت شعوبنا وجميع الأحرار في العالم يلاحظون أن الولايات المتحدة زادت في دعمها ومساندتها لإسرائيل أمام ما تعتبره تمرداً عربياً شعبياً ضدها”.

ويرى السياسي اليساري أن السبب فيما نحياه اليوم “لا يكمن في دور الإمبريالية الذي ما زال مستمراً، فقط، بل يعزى كذلك إلى مسؤولية الدول العربية”، ويوضح أن “علينا ألا ننسى أن بعد الحرب الرابعة التي استبسل خلالها الجنود العرب في الجبهتين المصرية والسورية، حصل رغم ذلك استسلام غير مشروع وغير مقبول، حيث أبان القادة العرب عن انبطاح تام أمام الكيان الصهيوني المدعم من قبل عرابه، الإمبريالية الأمريكية وذيولها الأوروبية”، ونتيجة لذلك “حصل التطبيع بين مصر وإسرائيل ثم بين الأردن وإسرائيل، ولم تتوقف عملية التطبيع هذه، بل هي في استمرار خطير”.

وبالنسبة لإسماعيل العلوي، فإن “أفظع من هذا كله، لم تكتف بعض الأنظمة العربية بالانبطاح، بل أخذت تنصب نفسها عرّاباً للصهيونية ووصياً على القضية الفلسطينية، كل نظامٍ حسب مراميه وحسب أهدافه وحسب تصوراته، ويسعى إلى احتضانها واستعمالها (أي القضية الفلسطينية) من أجل الوصول إلى أهدافه الخاصة الخسيسة”.

ويضيف: “إذا كنا نعتبر أن الشعب الفلسطيني بجميع مشاربه وتلويناته هو صاحب القرار، فلا مناص من أن يقوم وفصائله السياسية بنقد ذاتي يقوي مكانته بين الأمم ويمكنه من الرد بنجاح على مخططات الصهيونية وحليفها الأساسي، المتمثل في القوات الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية”.

واستدرك بالقول: “لا ننصب أنفسنا ناهياً ولا بالأحرى آمراً على شعب أبان عن نضجه وبسالته واستماتته في وجه أعدائه، لكن نريد فقط أن نثير الانتباه، وبكل تواضع، إلى بعض الجوانب اللافتة للنظر والتي يمكن لأي ملاحظ أن يشعر بها عندما يتأمل في مسيرة نضال هذا الشعب الباسل”.

ويتابع توضيحاته أنه “بالإضافة إلى ظاهرة التشرذم السلبي والمضر الحاصل داخل المجتمع السياسي الفلسطيني، هناك ميدان ثان يجب الإقدام عليه في عملية النقد الذاتي التي نشير إليها، وهو القاضي بالعودة إلى التاريخ (لا الآني ولا الحديث) بل التاريخ القديم الذي يسعى الصهاينة في جشعهم إلى احتكاره في عمليتهم التضليلية للرأي العام الدولي وحتى للرأي العام الخاص بالذين يدينون بدين موسى عليه السلام”.

“لماذا أؤكد على هذه النقطة؟” يتساءل إسماعيل العلوي ليجيب قائلاً: “لأنني أرى أن شعبنا الفلسطيني وكأنه يتنكر إلى ماضيه القديم المُثبَت موضوعياً ووضعياً والذي يجعله (وهو بعيد عن الأساطير) كفيلاً بأن يعلن أنه هو الوارث الشرعي والوحيد لمن عاش غزوات من سماهم المصريون القدماء بـ (شعوب البحر) في القرن 12 قبل الميلاد، لا سيما أن قوماً من هؤلاء هو الذي أعطى اسمه إلى هذا الجزء من أرض كنعان الملقب بفلسطين”. ويجزم العلوي أن “هذا الشعب المعروف تحت لقب الفلسطيني هو الوارث لشعب داوود وسليمان وابنه الربيع، وهو الذي عاش أجداده بعد ذلك احتلال البلاد من قبل الفرعون (شيشوق) الأول، الأمازيغي الأصل (القرن 10 قبل المسيح). وهو الوارث لأولئك الذين عاينوا مجيء جيوش (نبوخذ نصر الثاني) في القرن 6 قبل الميلاد. وهكذا يتابع القيادي اليساري استعراض المعطيات التاريخية الدقيقة لوراثة الشعب الفلسطيني للأرض، وصولاً إلى الفتح الإسلامي الذي لم تسلم بعده المنطقة من الحروب الداخلية ومن الغزوات الأجنبية. ويرى أن “على الفلسطينيين ألا يترددوا في تملكهم تاريخ شعبهم وأرضهم وذلك منذ (عصر البرونز)، على الأقل، إلى يومنا هذا، وألا يتركوا تاريخهم الحافل بالأمجاد والنكسات إلى دخلاء يزيد طغيانهم شراسة بمدى الدعم الذي يقدمه لهم مجتمعهم الأصلي الغربي الذي نبذهم وتعامل معهم بعنصرية مدة قرون من الزمن”.

حرب قذرة

ويحط العلوي رحال قلمه في المستجدات الراهنة، حيث يقوم بتحليل “الحرب القذرة والتصرفات الشنعاء التي تقترفها إسرائيل ضد المدنيين العزل في القطاع والضفة”، موضحاً أنها ليست سوى امتداد للمشروع الصهيوني- الإمبريالي الساعي لتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين نحو سيناء وغيرها من الأراضي المجاورة، بغية التصفية النهائية للقضية الفلسطينية والإجهاز الكامل على حل قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وفق ما تنص عليه مقررات الأمم المتحدة ويتلاءم مع مقتضيات الشرعية الدولية.

ويشدد رئيس مجلس رئاسة حزب “التقدم والاشتراكية” على “أن تقتيل الأطفال والشيوخ والنساء، وقصف المستشفيات والمرافق الحيوية في قطاع غزة وفرض حصار شامل على المدنيين والتصرفات التي يعاني منها الأمرين سكان القطاع، يمثل سابقة عز نظيرها حتى خلال أسوأ أشكال الحروب المدمرة”، ملاحظاً أن “هذه الجرائم البشعة تكشف عن الوجه الحقيقي للصهاينة الغزاة، كما يفضح مزاعم قادة الدول الغربية الذين يتشدقون بكون إسرائيل تدافع عن نفسها بالوكالة عن (قيم الحضارة الغربية ومثلها العليا)”.

وحسب العلوي، فإن “المنحدر الأخلاقي الذي سقط في مستنقعه خطاب الغرب المخادع والمدعوم بوسائل الإعلام المسخرة وبأشباه المفكرين الذين ارتضوا لأنفسهم العبودية الإرادية بدل الحفاظ على حرية الفكر المناصر للمثل الإنسانية العليا، يكشف مرة أخرى عن الإيديولوجيا الاستعمارية التي عكس ما يعتقد البعض، ظلت كامنة وموجهة للسياسات الغربية والأمريكية ضد إرادة الشعوب في الانعتاق والعيش الكريم في عالم تسوده قيم الحرية والعدالة والمساواة”.

وتابع أن “الفظائع التي ترتكبها إسرائيل باسم الدفاع عن قيم الحضارة الغربية، تفرض فتح أفق للتفكير يتجاوز التخوم التي رسمها الفكر الغربي منذ ما يسمى بفكر الحداثة”، بالإضافة إلى أن “حركة الاحتجاج المنددة بالجرائم الصهيونية ضد شعب فلسطين والتي امتدت إلى مجموع بلدان العالم تقريباً، تعبر عن رفض الشعوب وحتى الغربية منها لجبروت القوة ومنطق الحرب المدمرة”.

ودعا إلى “بعث روح الانعتاق وإعادة الاعتبار للعمل الصبور من أجل إشاعة الوعي بضرورة النضال للحفاظ على السلم العالمي وضمان حق كل الشعوب في الحرية والعدل والمساواة”، ثم ختم بالقول: “إن نصرة القضية الفلسطينية هي في الآن نفسه نصرة لتلك القيم السامية الكفيلة وحدها بضمان التعايش السلمي وتوفير العيش الكريم لمختلف الشعوب”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس