أفريقيا برس – المغرب. إذا كانت القوانين الانتخابية الجديدة في المغرب نصّت على أنه لا يمكن لبرلماني منتخب أن يجمع بين عضوية “مجلس النواب” أو “مجلس المستشارين”، وبين رئاسة مجلس بلدي لمنطقة يتجاوز عدد سكانها 300 ألف نسمة، فإن تلك القوانين نفسها سكتت عن مسألة الجمع بين المنصب الوزاري ورئاسة مجلس بلدي.
ومع ذلك، انشغل الرأي العام المحلي بهذه القضية، على خلفية وجود ثلاثة أعضاء في الحكومة على رأس مدن كبرى، بعد الانتخابات البلدية الأخيرة؛ وبرزت مطالب موجهة للوزراء المعنيين من أجل الاستقالة من المسؤولية البلدية للتفرغ للشؤون الحكومية، لصعوبة التوفيق بينها وبين تسيير المدن وتدبير قضاياها اليومية في أحسن الظروف.
في هذا الصدد، انطلقت عبر شبكات التواصل الاجتماعي حملة موجهة أساساً إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش (رئيس بلدية أغادير)، ووزيرة الصحة نبيلة الرميلي (رئيسة بلدية الدار البيضاء)، وزيرة الإسكان فاطمة الزهراء المنصوري (رئيسة بلدية مراكش)، ووزير العدل عبد اللطيف وهبي (رئيس بلدية تارودانت).
وتحت عنوان “كازا لي بغينا” (الدار البيضاء التي نريد)، رفع “الحزب الاشتراكي الموحد” (يساري معارض) “هاشتاغ” يدعو إلى استقالة نبيلة الرميلي من رئاسة هذه المدينة الاقتصادية، على اعتبار أنه لا يمكن للسيدة المذكورة الجمع بين مسؤوليتين جسيمتين كوزارة الصحة وتسيير مدينة كبرى كالدار البيضاء.
في السياق نفسه، قال عزيز مومن، منسق حزب “الحركة الشعبية” (يميني معارض) في محافظة مقاطعات ابن مسيك “إن مشاكل الدار البيضاء وتحدياتها تحتاج إلى من يتفرغ لها”.
وأكد أنه لا يمكن تسيير البلديات “عن بعد” بالموازاة مع منصب الوزارة، واصفاً ذلك بكونه عبثاً وضرباً من الخيال. كما دعا الوزراء المعنيين إلى تقديم استقالاتهم من رئاسة المجالس البلدية.
وأكد مصدر إعلامي أن نبيلة الرميلي، في حال استمرارها كعمدة (رئيسة بلدية) لمدينة الدار البيضاء، عدد من الملفات سواء في شق الاقتصادي أو الاجتماعي التي فشل عمدة الدار البيضاء السابق عبد العزيز العماري، من بينها مشكلة النقل والاكتظاظ التي تعاني منه العاصمة الاقتصادية، بالإضافة إلى البنية التحتية خاصة في الطرقات في بعض المناطق، مع ضرورة القضاء على مشكل تأخر إطلاق عدد من المشاريع.
وقالت نبيلة الرميلي، في تصريحات سابقة بعد انتخابها عمدة للدار البيضاء، إن سكان العاصمة الاقتصادية لديهم انتظارات ووعود يجب الالتزام بتحقيقها، مبرزة أن الأعضاء سيتجندون من أجل أن تكون مدينة الدار البيضاء في مستوى تطلعات سكانها، وأن تصبح في مستوى المدن العالمية.
وأشار موقع “الجريدة 24” إلى أن هناك ملفات عديدة عالقة توجد على مكتب نبيلة الرميلي فيما يخص قطاع الصحة والحماية الاجتماعية، بعد تسلمها حقيبة وزارية. وأضاف أن مجموعة من الهيئات الصحية سواء الجمعية المغربية لعلوم التمريض والتقنيات الصحية وكذا الجامعة الوطنية للصحة، تراهن على التجربة الإدارية التي راكمتها نبيلة الرميلي من أجل إخراج القطاع من وضعه الهش، بعدما عرت الجائحة عدداً من الأمور.
ويعرف قطاع الصحة مشكلات كثيرة ظلت متراكمة منذ سنين، بسبب تباطؤ الحكومات السابقة في معالجتها، من بينها غياب الرعاية اللازمة للمواطنين في القطاع، وضعف الإمكانات الصحية في المستشفيات خاصة في القرى وعدد من المدن الصغرى، مع غلاء الأسعار. لذا، يترقب المغاربة بشدة الإجراءات التي سيتم اتخاذها في القطاع خلال السنوات الخمس المقبلة.
كما تطالب أصوات بتفعيل الحوار الاجتماعي الغائب بين وزارة الصحة والهيئات القطاعية، بغرض التداول في جميع المشاكل التي تؤرق المهنيين طيلة السنوات الأخيرة، مبرزين ضرورة تحسين الخدمات والاعتناء بالموارد البشرية وإعادة النظر في معايير التعيينات.
فاطمة الزهراء المنصوري، القيادية في حزب “الأصالة والمعاصرة”، أسندت لها حقيبة الإسكان والتعمير، وتعمل في الآن نفسه “عمدة” مدينة مراكش، للمرة الثانية، حيث أصبحت لديها مسؤوليات أكبر ومطالبة بإنعاش “عاصمة النخيل”، وإصلاحها من جميع الجوانب سواء سياحياً أو اقتصادياً، بعد تضررها كثيراً خلال فترة الجائحة.
وكانت انتقادات عديدة قد وجهت لوزراء من “العدالة والتنمية” في الحكومة السابقة، بسبب جمعهم بين المهمة الوزارية ورئاسة مدن كبرى.
وكتب الإعلامي محمد واموسي، تدوينة على “فيسبوك” أوضح فيها أنه “إذا أرادت حكومة أخنوش كسب ثقة واحترام الناس وهي في بداية ولايتها، فعليها أن تتخذ قراراً شجاعاً وأخلاقياً بدفع جميع أعضائها ممن يجمعون بين منصبين إلى تقديم استقالتهم من مناصبهم المحلية، أولهم رئيس الحكومة”. وأوضح أنه “ليس من المقبول من باب الأخلاق، قبل القانون، أن يصر جميع الوزراء والوزيرات على الاحتفاظ بكراسيهم المحلية.
وأشار إلى أن الوزير المعني سيخصص كل جهده وطاقته للمنصب الحكومي لأنه تحت الأضواء، بينما يتوقع أن يفشل في منصب المسؤولية المحلية، لأنه تكليف، يحضر ويغادر متى أراد.
واستطرد قائلاً إن الجمع بين منصبين يعني أن عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، بصفته رئيساً لبلدية أغادير، هو عملياً تحت وصاية وزيره في الداخلية، وكذلك الشأن بالنسبة لعبد اللطيف وهبي وزير العدل وباقي الوزراء والوزيرات، الذين يجمعون بين منصبين وزاري ومحلي.
وخلص إلى أنه إذا كانت استعادة الناس من أولويات هذه الحكومة، فعليها وضع حد لهذا التشابك الوزاري والمحلي، الحاصل في صفات أعضائها، مشيراً إلى أن على الحكومة أن تُخيّرهم بين الوزارة والبلدية، لأن الجمع بينهما “لا يخدم أبداً مبدأ تخليق الحياة السياسية”.