
أفريقيا برس – المغرب. كرست نتائج انتخابات “مجلس المستشارين” التي جرت في المغرب، توقعات المراقبين، حيث حصلت أحزاب التحالف الحكومي الثلاثة على أكثر من نصف المقاعد، بنيل “التجمع الوطني للأحرار” 27 مقعداً، و19 لـ”الأصالة والمعاصرة”، و 17 لـ”الاستقلال”. فيما جاء حزب “العدالة والتنمية” متأخراً في الترتيب بحصوله على 3 مقاعد فقط، وهو ما أكد تراجعه الكبير الذي سجل أيضاً في استحقاقات يوم 8 أيلول/ سبتمبر.
وبعدما تصدر الثلاثي اقتراع الغرفة الأولى للبرلمان “مجلس النواب” بنيله 270 مقعداً، تكرر السيناريو نفسه في الغرفة الثانية بإحراز التحالف نفسه على 63 مقعداً، كما تصدر من قبل نتائج انتخابات الغرف المهنية والمجالس البلدية والجهوية.
مراقبون يأملون أن تساهم كل هذه النتائج في ضمان سلاسة أكبر في تصريف القرارات والتنسيق بين الجهازين التنفيذي والتشريعي، وكذا في تنفيذ البرنامج الحكومي على مستوى الأقاليم، خاصة وأن قادة الأحزاب الثلاثة كانوا قد أكدوا بمناسبة الإعلان عن الأغلبية الحكومية على ضرورة “تعزيز التنسيق بين مكونات الحكومة على المستوى القطاعي، وكذا على صعيد تمثيليات الأحزاب المتحالفة على المستويين الجهوي والمحلي، بما يتيح بلورة برنامج حكومي إصلاحي جامع يأخذ بعين الاعتبار الالتزامات المتضمنة في البرامج الانتخابية ويسهم في استعادة الثقة في المؤسسات”.
مهمات كبيرة
وكالة الأنباء المغربية، باعتبارها مؤسسة إعلامية رسمية، طرحت الخطوط العريضة للمهمات المنتظرة من “مجلس المستشارين”، بما أنه يعكس البعد الإقليمي والاقتصادي والاجتماعي داخل البرلمان المغربي، ومن منطلق الصلاحيات التي يتمتع بها في مجال التشريع ومراقبة عمل العمل الحكومي والدبلوماسية البرلمانية. وأشارت إلى أنه يأتي على رأس الرهانات المنتظرة كسب المعركة من أجل قضية الوحدة الترابية للمملكة، والتصدي للتداعيات الاجتماعية والاقتصادية للأزمة الصحية الناجمة عن جائحة “كورونا”، لاسيما من خلال مواكبة الورشة الاجتماعية المتعلقة بتعميم الحماية الاجتماعية التي أعلن عنها الملك المغربي محمد السادس، فضلاً عن التطبيق الفعلي لنموذج التنمية الجديد وفق التصور والأهداف المسطرة في تقرير اللجنة الخاصة المعينة من طرف الملك.
والجدير بالذكر أن “مجلس المستشارين” يضم 120 عضواً يشكلون وفق الكيفية التالية: 72 عضواً يمثلون المجالس البلدية والجهوية وينتخبون على صعيد أقاليم البلاد، و20 عضواً يمثلون الغرف المهنية، و8 أعضاء يمثلون المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، و20 عضواً تنتخبهم على الصعيد الوطني هيئة ناخبة مكونة من ممثلي الأجراء.
وأكد بيان لوزير الداخلية أن عملية التصويت في الاقتراع الخاص بانتخاب أعضاء مجلس المستشارين، جرت في ظروف عادية وشهدت مشاركة مشجعة للهيئة الناخبة.
وأفاد البيان الذي اطلعت عليه “القدس العربي” أن نسبة المشاركة في الاقتراع بلغت 94,86 في المئة بالنسبة لممثلي مجالس المجالس المحلية المنتخبة وممثلي الغرف المهنية وممثلي المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، في حين استقرت نسبة المشاركة بالنسبة لهيئة ممثلي الأجراء في 40,49 في المئة.
وأوضح البيان أن عمليات التصويت وفرز وإحصاء الأصوات على مستوى مكاتب التصويت والمكاتب المركزية، جرت بحضور ممثلي اللوائح أو المترشحين، طبقاً للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل.
وأشار المصدر ذاته إلى أن عدد الترشيحات المقدمة برسم هذا الاقتراع بلغ ما مجموعه 691 ترشيحاً، لملء 120 مقعداً، التي يشتمل عليها “مجلس المستشارين”، أي بمعدل يقارب 6 ترشيحات عن كل مقعد، منها 471 ترشيحاً لملء 100 مقعد المخصصة لممثلي مجالس الجهات والمجالس البلدية ومجالس العمالات (المحافظات) والأقاليم والغرف المهنية والمنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، و220 ترشيحاً موزعاً على 11 لائحة ترشيح برسم 20 مقعداً المخصصة لهيئة ممثلي الأجراء.
وما زال حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي يتجرع الهزائم المتتالية، فبعد نكسته السياسية في انتخابات مجلس النواب والمجالس البلدية، كان نصيبه من “انتخابات المستشارين” ثلاثة مقاعد فقط، كما حصلت النقابة العمّالية الموالية له “الاتحاد الوطني للشغل” على مقعدين اثنين.
عبد الإله بن كيران، أمين عام الحزب نفسه سابقاً ورئيس الحكومة السابق، أعرب عن أسفه وألمه العميقين بخصوص ما حدث، لما يشكله ذلك ـ في رأيه ـ “من مخالفة لقواعد العملية الانتخابية وقيم السياسة التي آمن بها حزب العدالة والتنمية ودافع عنها”.
ونقلت هذا التصريح القيادية في “العدالة والتنمية” أمينة ماء العينين. كما علقت على النتائج التي حصل عليها حزبها في تدوينة على “فيسبوك”، فكتبت ما يلي: “الحصول على ثلاثة مقاعد في ثلاث جهات بعدد من الأصوات يفوق ما حصلنا عليه في نكسة 8 أيلول/ سبتمبر بعشر مرات، حتى أننا – ويا للعجب- تصدرنا النتائج في جهتين متبوعين بحزب التجمع الوطني للأحرار الذي “اكتسح” مجالس الجماعات (البلديات) والجهات؛ أمر غير مفهوم، فكيف يعقل ذلك؟
وتساءلت: “من وَجَّه منتخبي باقي الأحزاب للتصويت على مرشحي الحزب، ونحن نعلم جيداً ما يجري في انتخابات المستشارين، والثمن الذي يبلغه الصوت الواحد في سوق “الناخبين الكبار” المقيتة؟
وأضافت: “نحن حزب إما أن نفوز بجهدنا وعرقنا وثقة الناس فينا، أو نقبل بالهزيمة بشرف، ونتوجه إلى تصحيح أخطائنا ونستمر في النضال الديمقراطي لصالح بلدنا. نحن حزب آمن بالإرادة العامة ومشروعية التمثيل الديمقراطي وقيمة الالتزام الحزبي، فطالما أحلنا على الهيئات الانضباطية داخل حزبنا منتخبين أخلوا بالتزامهم مع الحزب وصوتوا لأحزاب أخرى في انتخابات مجلس المستشارين والمجالس الإقليمية، فكيف نقبل على أنفسنا ما نستنكره على غيرنا؟”.
واستطردت قائلة: “نحن حزب آمن أبناؤه بالمعنى في السياسة، وناضلوا لأجله، وأدى الكثير منهم الثمن غالياً دفاعاً عن معاني الالتزام السياسي والنضالي، فكيف نقبل اليوم ما يشبه “حسنة انتخابية” لا تسمح لنا كرامتنا السياسية بالقبول بها مهما كان وضع حزبنا صعباً؟”.
ولفتت الانتباه إلى أن قيادة الحزب المستقيلة “لم تعلن عن أي نوع من التحالفات أو التوافقات السياسية التي يمكن أن تفسر النتائج، خاصة وأن الأمين العام للحزب رفض الاستجابة لدعوة مجاملة من رئيس الحكومة المعين، فمن أين “نبَتَ” هذا الحب المفاجئ الذي أهدانا ثلاث مقاعد “مستحيلة” في سوق سوداء تَشَرَّف حزب العدالة والتنمية تاريخياً بعدم وضع رجله فيها حفاظاً على مبدئيته السياسة وتميزه الحزبي”. واستحضرت موقفاً سابقاً لمرشح من حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” كان قد رفض منحه مقعداً برلمانياً زور لصالحه خلال انتخابات سنة 1997، حيث قالت: “لقد سجل الأستاذ محمد حفيظ يوماً موقفاً تاريخياً برفضه مقعداً برلمانياً آمن أنه لا يستحقه، ونحن للحقيقة والإنصاف لا نستحق ثلاثة مقاعد “مشبوهة ومريبة” في مجلس المستشارين، مهما حاولنا تبريرها فلن نتمكن من “غسلها” لأن الفوز بها لا يحترم قيمنا السياسية والنضالية”.
وقالت ماء العينين: “نحن حزب ننهزم بشرف أو نفوز باستحقاق، وقد قبلنا بهزيمتنا رغم كل ما سجلناه في انتخابات 8 سبتمبر من خروقات وفظاعات، وسنعمل على مراجعة أخطائنا وقراءة رسالة المغاربة إلينا، لأننا مؤمنون أن وطننا يحتاج إلى حزب نظيف… حزب وطني حقيقي”.
أما في ما يتعلق بنقابة “الاتحاد الوطني للشغل”، فكتبت القيادية الإسلامية أنه أُعلن عن فوز النقابة بمقعدين مستحقين بعد عمل كبير ومجهود جبار قام به المناضلات والمناضلون، وأضافت: “ولو أن عدد مندوبينا صوّت كاملاً لكانت النقابة قد حصلت على عدد أكبر من المقاعد دون احتساب المستقلّين الذين كان جزء منهم يصوت لصالح النقابة في الانتخابات الماضية”.
طعون انتخابية
في سياق متصل، أفادت “المحكمة الدستورية” المغربية أنها ستشرع في تلقي الطعون الانتخابية طيلة الثلاثين يوماً الموالية لتاريخ الإعلان عن نتيجة الاقتراع المجرى يوم 5 تشرين الأول/ أكتوبر لانتخاب أعضاء “مجلس المستشارين”.
وفي بيان موجه إلى علم عموم الناخبين والمترشحين المعنيين، وكذا ولاة الجهات وكاتب اللجنة الوطنية للإحصاء، ذكرت المحكمة بأحكام القانون التنظيمي الذي ينص على أن الطعون الانتخابية تحال إلى المحكمة الدستورية بعريضة مكتوبة تودع لدى أمانتها العامة أو لدى والي الجهة أو عامل العمالة (المحافظ) أو الإقليم الذي جرت فيه العمليات الانتخابية أو لدى رئيس كتابة الضبط في المحكمة الابتدائية التي يجري الانتخاب في دائرتها.
وأضافت أن عرائض الطعن يجب أن تتضمن الاسم الشخصي والاسم العائلي للطاعن وصفته وعنوانه والاسم الشخصي والاسم العائلي للمنتخب أو المنتخبين المنازع في انتخابهم، وكذا صفاتهم وبيان الوقائع والوسائل المحتج بها لإلغاء الانتخاب، كما يجب على الطاعن أن يشفع عريضته بالمستندات المدلى بها لإثبات الوسائل التي يحتج بها، ويمكنه الاستعانة بمحام.