تراجع حقوقي أم تحصين من المرض: المغرب يمنع احتجاجات ضد إجبارية التطعيم

14
تراجع حقوقي أم تحصين من المرض: المغرب يمنع احتجاجات ضد إجبارية التطعيم
تراجع حقوقي أم تحصين من المرض: المغرب يمنع احتجاجات ضد إجبارية التطعيم

أفريقيا برس – المغرب. منعت السلطات المغربية، الأحد، وقفة احتجاجية رافضة لقرار حكومي يقضي بـ»إلزامية» التوفر على وثيقة تسمى «جواز التطعيم» ضد فيروس «كورونا» من أجل التنقل بين المدن والأقاليم (المحافظات) ودخول المؤسسات العامة والخاصة كالفنادق والمطاعم والمقاهي والأماكن المغلقة والمحلات التجارية وقاعات الرياضة والحمامات.

ووثَّقت مقاطع فيديو منع رجال الأمن عشرات النشطاء من تنظيم وقفة أمام ساحة «باب الحد» في العاصمة الرباط، وعملوا على تفريقهم، ونادى المحتجون بشعارات تُندِّد وترفض «إلزامية التطعيم ضد فيروس كورونا».

إلى ذلك، تدخلت عناصر القوة العمومية لتفريق وقفة احتجاجية بكل من مدينتي وجدة (الشرق) وأغادير (الجنوب) كذلك.

وسبب قرار الحكومة المغربية، الصادر بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول، القاضي باعتماد جواز التطعيم وثيقة رسمية وحيدة للولوج إلى مختلف المؤسسات، رفضاً لدى فئة من الشعب المغربي.

تراجع وتشديد

القرار مثير للجدل، خاصة فيما يتعلق بتعطيل حقوق الأشخاص غير الملقحين، بما في ذلك المصابون بأمراض تمنعهم من التطعيم. كما أعربت عدد من الهيئات السياسية والحقوقية والنقابية والجمعوية عن استنكارها للقرار الذي قالت إنه تعسفي بل ويتنافى مع المساطر الدستورية والقانونية.

أحد المشاركين في الوقفة الاحتجاجية الممنوعة بالرباط قال لـ «القدس العربي»: «لقد تم منعنا من التعبير عن آرائنا التي تقول إن جواز التطعيم يضرب عرض الحائط الحقوق الدستورية في حرية التنقل والاستفادة من الخدمات والمرافق العمومية» وأضاف محتج آخر: «انطلقنا بفكرة أن التطعيم غير إجباري، وإذا بنا نُفاجأ بكون جواز التطعيم مفروضاً، ما يعني إجبارية التطعيم».

وترى سيدة خرجت بدورها لتعبر عن رفضها لإلزامية التطعيم: «أرفض أن يتلقى أطفالي التطعيم ضد «كورونا» خاصة أن الأمر يأخذ منحى تصاعدياً في عدد الجرعات المطلوبة. لقد تم منع عدد منهم من ولوج المدرسة بسبب عدم التوفر على جواز التطعيم!» وفق تعبيرها. من جانبها، وصفت نقابة المحامين في المغرب قرار فرض إجبارية جواز التطعيم بأنه «مفتقد للمشروعية» وأوضحت أنه يثير إشكالات قانونية وحقوقية «تتعلق أساساً بحرمان المواطنات والمواطنين من الاستفادة من خدمات المرافق العمومية الحيوية، وحرمانهم من حقوقهم الدستورية كالحق في الصحة، والحق في التمدرس، والحق في التقاضي، فضلاً عما يثيره الأمر من إشكالات قانونية مرتبطة بتحديد صفة الأشخاص المكلفين بإنفاذه». وشددت نقابة المحامين في بيان لها، على أن الظرفية الاستثنائية التي يعيشها المغرب بسبب حالة الطوارئ الصحية «لا يجب أن تكون مبرراً لتمرير قرارات تتضمن تراجعات عن مكتسبات حقوقية، ومقتضيات مخالفة للدستور لمساسها بحقوق دستورية، ومنافية لما أقرته المواثيق والإعلانات والعهود الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، فضلاً عن كونها لا تكتسي أية صبغة استعجالية بالنظر لتحسن الحالة الوبائية».

ونبهت إلى غياب الأساس القانوني المؤطر لمنع المواطنات والمواطنين من الاستفادة من خدمات المرافق العمومية الحيوية، ومنعهم من ممارسة حقوقهم الدستورية، كما نبَّهت أيضاً إلى خطورة اعتماد قرار إجبارية جواز التطعيم بمقتضى بلاغ حكومي تم الإعلان عنه بواسطة قصاصة إخبارية، معتبرة «أن التشريع في الميادين ذات الصلة بالحقوق والحريات الأساسية اختصاص أصيل موكول للبرلمان طبقاً للفصل 71 من الدستور».

ويرى البروفيسور خالد فتحي، أن أغلبية المغاربة يعتبرون أن الحياة الآن قد تغيرت كما ظلت تتغير دوماً عبر التاريخ، وأن الدخول للأماكن العامة أصبح يقتضي جواز تلقيح، موضحاً أن قوة هذه الأغلبية كونها عملية وبراغماتية وواثقة تجاه حسن نوايا السلطات وفي نجاعة خططها التي آتت أكلها لحد الآن، لكن سِمتها الأساسية أنها صامتة ولا صوت لها حتى أنها تكاد تفقد إيمانها بالحجج العلمية الدامغة التي جعلتها تتوجه طواعية نحو مراكز التطعيم، مع تعالي صوت الاحتجاجات.

وأبرز الباحث في السياسات الصحية أن المغاربة ممن لم يقصدوا مراكز التطعيم، منهم المتقاعسون الذين ظلوا يؤجلون التطعيم إلى أن حل بهم الجواز، ومنهم المترددون الذين لم يحسموا أمرهم من كثرة الأخبار الزائفة التي أبدع فيها كل من «فيسبوك» و»تويتر» و»أنستغرام» وكانت تلزمهم هذه الرَّجَّة التي شكلها الجواز للقطع مع هذا التردد المميت، ومنهم المرضى الذين لم يتلقوا المعلومات الكافية كأولئك الذين يخلطون بين الحساسية العادية التي لا تمنع التطعيم وصدمة الحساسية التي تتطلب التطعيم باحتياطات أكبر. في رأي الأستاذ في كلية الطب والصيدلة في الرباط، فقد كان من الواجب أن تعلن السلطات عن نيتها إصدار مثل هذا القرار عندما تلقح لديها أكثر من نصف المجتمع (18 مليوناً من المواطنين) وتعطي آجالاً معقولة للبدء فيه «ربما لم يكن لها آنذاك المخزون الكافي لمواجهة الطلب المفترض، الآن هناك 16 مليون جرعة متوفرة، والمغرب اقتنى 62 مليوناً التي كانت الدولة قد وعدت بها الشعب، ولذلك هي ترى أنه حان الوقت لتلعب بخصوص اللقاح على الأقل دور الدولة الاجتماعية المطلوب منها كاملاً بعد أن توفرت لها كل شروطه ومن ضمنها تصنيع اللقاح محلياً خلال المدى القريب جداً». وخلص الأستاذ الجامعي إلى القول إننا أمام «أقلية رافضة صغيرة جداً ضمن أقلية أكبر لم تتلق، هذه الفئة هي التي علينا أن نحاورها ونقنعها بأهمية التطعيم. لكن، لا ينبغي أبداً أن نسقط في فخ عدم التشريع وعدم اتخاذ القرارات وفق مصلحة الغالبية من المواطنين. فإذا كانت المظاهرات والاحتجاجات علامة على الديمقراطية التي تعني الاستماع لكل الأصوات، ففي الأخير ينبغي الرضوخ جميعاً لقرار الأغلبية، وهذه هي الديمقراطية في جوهرها، وهذا هو المعنى الحقيقي للحرية».

بعد أقل من 24 ساعة على منع الاحتجاجات، خرجت رئاسة الحكومة المغربية ببيان تعلن من خلاله تسجيل ارتياحها بخصوص الإقبال الكبير على مراكز التطعيم بعد اعتماد المقاربة الاحترازية الجديدة القائمة على جواز التطعيم.

جواز التطعيم وثيقة أساسية للتنقل

وقال بلاغ اطلعت عليه «القدس العربي»: «بعد تنفيذ المقاربة الاحترازية الجديدة القائمة على اعتماد جواز التطعيم كوثيقة أساسية للتنقل، تُشيد الحكومة بالانخراط الكبير للمواطنات والمواطنين الذين استجابوا لهذا النداء الوطني، وانخرطوا بكثافة في الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا المستجد، وتؤكد أن تحقيق المناعة الجماعية والعودة للحياة الطبيعية لن يتأتى إلا بالمشاركة الواسعة للجميع».

وأعلنت رئاسة الحكومة أنه بات بإمكان المواطنات والمواطنين الذين تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح الحصول على جواز التطعيم المؤقت لتمكينهم من الاستفادة من بعض الامتيازات التي يُتيحُها جواز التطعيم النهائي وتحسين الولوج لعدد من المصالح والخدمات.

وتشدد رئاسة الحكومة على أنه يجب على المواطنين والمواطنات ممن تلقوا الجرعة الأولى بأن يستمروا في التقيد التام بالإجراءات الوقائية، واتخاذ كافة الاحتياطات، لاسيما أثناء ولوجهم الأماكن العمومية إلى غاية استكمال عملية التطعيم بأخذ الجرعة الثانية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس