أفريقيا برس – المغرب. أثارت عمليات هدم أحياء في العاصمة المغربية الرباط وترحيل سُكانها، جدلاً واسعاً واحتجاجات متصاعدة، حيث أقدمت السلطات المحلية على مُباشرة عمليات هدم مفاجئة وذلك قبيل شهر رمضان وخلاله، شملت العديد من الأحياء العريقة، حيث «أجبرت العديد من الأسر على الرحيل دون تقديم مبررات واضحة» وفق ما أكده متضررون لوسائل إعلامية محلية، ودون توفير أية حلول اجتماعية بديلة لكل السكان، سواء أكانوا ملاكاً أو مكترين أو حرفيين وغيرهم.
وتسبَّبت عملية الهدم والترحيل، من أجل إنجاز تصميم تهيئة مدينة الرباط وإحداث أزقة وشوارع وتوسعة أخرى بما يُمكّن من تسهيل انسيابية المرور ومعالجة الاختناق، خاصة وأن المغرب مقبل على تظاهرات رياضية دولية، في احتجاج وسَخَط سكان أحياء الرباط. كما خلقت حالة من التَّرقب لدى أحياء أخرى.
«الأمانة العامة» لحزب «العدالة والتنمية» إلى جانب مُنتخبي الحزب في «بلدية الرباط»، أكدوا أن عمليات الهدم تجري دون تسليم السكان أي قرار إداري مكتوب أو وثيقة قانونية تشرح أسباب الهدم أو تفاصيل المشروع.
وأبرزت أن السلطات المحلية تعتمد على «أوامر شفهية» دون إبراز أي مرجعية قانونية. كما لم يتم القيام بإعلان علني لأي مشروع عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة أو استشارة السكان قبل بدء هذه الإجراءات.
ونبَّهت الأمانة العامة للحزب المعارض إلى ما اعتبرته «خرقاً واضحاً» لهذه العمليات للقانون المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، إذ لم يتم إعلان تلك الممتلكات المعنية بالهدم أو الترحيل بقرار يعلن «المنفعة العامة رسمياً».
وتساءل بلاغ لـ»العدالة والتنمية» المغربي، عن مصدر التمويل المخصص للتعويض عن هذه الممتلكات، وعن أخبار يتم الترويج لها علاقة بوجود «صفقات خفية» مع مستثمرين عقاريين خواص غير معلنين، أمام الصمت المطبق من قبل الجهات المعنية. وفي ظل غياب أي بنود مُخصصة لتغطية تعويضات هدم ممتلكات السكان أو تكاليف مشاريع الترحيل في موازنة بلدية الرباط 2025.
كما تساءل الحزب عن مآل هذه العقارات وعن مصدر التقييمات والتعويضات المُتداولة ميدانياً وإعلامياً ومدى عدالتها، حيث تبلغ تلك التعويضات 13 ألف درهم (1300 دولار أمريكي) للمتر المربع، لافتاً إلى أن القيمة الحقيقية تتجاوز ذلك بكثير مقارنة مع الأسعار المتداولة في السوق العقاري الحالي في العاصمة الرباط.
ودَعا حزب «العدالة والتنمية» إلى فتح تحقيق في استخدام لغة التهديد من قبل «وسطاء»، ما يُعد ترهيباً غير مقبول، إلى جانب التلويح حسب بعض الروايات بقطع الخدمات الأساسية (الماء والكهرباء) عن بعض المنازل لإجبار السكان على المغادرة، وهو إجراء تعسفي وغير إنساني ومخالف للدستور.
كما استنكر الحزب عمليات الضغط والإجبار بحق سكان الرباط، من خلال عدم مد المعنيين بقرارات كتابية تهم مصير ممتلكاتهم وتفتح لهم المجال للجوء إلى المساطر القانونية والقضائية المتاحة والاكتفاء بـ «أوامر شفهية»، ومنحهم مهلاً قصيرة جداً للإخلاء (أسبوع واحد فقط في بعض الحالات)، في حين أن القانون يمنح مهلة 30 يوماً كحد أدنى، وهذا يُعد انتهاكاً صارخاً لحقوق السكان.
ورفض بلاغ الأمانة العامة للحزب عدم مراعاة حرمة الشهر الفضيل، نظراً لتزامن بدء عمليات الهدم خلال شهر رمضان المبارك، مما يزيد من معاناة السكان، وعدم مراعاة فترة الدراسة ودفعهم الأطفال إلى مغادرة مدارسهم والبحث عن مدارس أخرى، مما سيرفع من نسب الهدر المدرسي وسط أبناء هذه الساكنة.
من جهتهم، استنكر مستشارو حزب «فيدرالية اليسار الديمقراطي» في مجلس مدينة الرباط، صمت السلطات العمومية بمدينة الرباط، وتسترهم عن المشاريع المخصصة في المناطق التي يطالها الهدم، واستفرادهم في اتخاذ القرار دون إشراك الممثلين الحقيقيين للمواطنين.
كما شجبوا الترحيل المتكرر لسكان مدينة الرباط وإبعادهم عشرات الكيلومترات من أحيائهم الأصلية، دون اعتماد مقاربة اجتماعية وتشاركية في حل أزمتهم.
وطالب بلاغ الحزب اليساري، بوقف عملية توسعة مجموعة من شوارع المدينة، خصوصاً تلك التي لا تحتاج لذلك، وعلى رأسها شارع محمد السادس. كما طالبوا السلطات العمومية بمدينة الرباط، بتقديم توضيحات كافية عن المشاريع المخصصة لدوار العسكر وحي المحيط، وباقي المناطق التي طالها الهدم، والإفصاح عن المستفيدين الحقيقيين من هذه العملية، وبفتح حوار عمومي جدي حول المخططات الجديدة المرسومة للعاصمة وإشراك الساكنة وممثليهم في اتخاذ مثل هذه القرارات.
وفي محاولة للإجابة عن جملة من الأسئلة المطروحة، قالت فتيحة المودني رئيسة المجلس البلدي لمدينة الرباط، إن عمليات نزع الملكية من أجل إنجاز تصميم التهيئة للمدينة، بتوسيع وإحداث شوارع وأزقة، تم وفق القانون، وأوضحت أن ما يحدث في حي المحيط «ليس نزعاً للملكية، بل هو عملية بيع لأصحاب العقارات يتم بالتراضي»، وفق تعبيرها.
وأضافت المتحدثة خلال ندوة صحافية أن مجلس البلدية يحترم القانون في نزع الملكية بهدف المنفعة العامة، أما بخصوص حي المحيط الذي أثار جدلاً بسبب فرض البيع على الملاك، فأكدت العمدة أن «العلاقة التعاقدية تتم بين البائع والمشتري لا غير، تتم عن تراض بينهما»، ونفت بوجود أي ضغوط أو أوامر للإفراغ.
واتهمت العمدة نادية المودني عن حزب «التجمع الوطني للأحرار»، جهات بترويج مغالطات، وتمرير رسائل سياسية، خاصة وأن بعض السكان المكترين سيستفيدون من شقق سكنية. كما أن البعض الآخر كان يقطن منازل آيلة للسقوط، وتم تعويضهم بما يمكنهم من اقتناء مساكن تحفظ كرامتهم.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس