حكومة نواكشوط تحذر من فساد الإدارة والتوظيفات

1
حكومة نواكشوط تحذر من فساد الإدارة والتوظيفات
حكومة نواكشوط تحذر من فساد الإدارة والتوظيفات

أفريقيا برس – المغرب. في ظل سياق اقتصادي واجتماعي يتسم بتحديات متزايدة، دعت الحكومة الموريتانية إلى وضع حد لما سمّته «التوظيفات العشوائية» في القطاع العام، محذرة من انعكاساتها على توازنات الميزانية وعلى جودة الأداء الإداري.

ويأتي هذا التحذير في وقت كشف فيه تقرير صادر للتو عن البنك الدولي عن مؤشرات مقلقة تتعلق بعمق الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ما يضع ملف التوظيف والسياسات العمومية تحت مجهر المراجعة والتقويم.

وتحدث تقرير البنك الدولي الخاص بتحليل حالة الاقتصاد الموريتاني لعام 2024، عما سماه «وضعا اقتصاديا يتميز بـنمو معتدل، وهشاشة اجتماعية واضحة، رغم جهود الحكومة في مجالات الاستقرار المالي والإصلاح المؤسسي».

ووفقًا للتقرير، فقد سجل الاقتصاد الموريتاني نموًا بنسبة 5,2% عام 2024، مقابل 6,4% في 2023، ما يعني تراجعًا طفيفًا ناجمًا، بحسب البنك، عن انخفاض في الإنتاج الاستخراجي، وضعف في الاستهلاك العمومي.

ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن الأداء العام يظل أفضل من المتوسط الإقليمي، ما يعكس هامشًا من الصمود في مواجهة التحديات الدولية والإقليمية.

ورصد التقرير تحولات لافتة في مؤشرات الفقر بين 2020 و2024، حيث ارتفع معدل الفقر في المناطق الريفية من 38,6% إلى 43,1%، بينما تراجع بشكل طفيف في المدن، من 13,2% إلى 12,7%.

وفي جانب أكثر إلحاحًا، أكد التقرير أن مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد ارتفعت من 9% إلى 11,6%، مشيرًا إلى أن أكثر من 600 ألف شخص عاشوا في حالة «انعدام أمن غذائي من المستوى الحرج» خلال فترة الجفاف الواقعة بين موسمي الأمطار، والممتدة من حزيران / يونيو إلى أيلول/ سبتمبر 2024.

وعلى الرغم من هذه الأرقام المقلقة، لا تزال مخصصات الحماية الاجتماعية في موريتانيا دون المعدل الإقليمي، وفقا للتقرير، حيث بلغت 1,51% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، مقابل متوسط إقليمي يناهز 1,53%.

ويبرز من بين برامج الدعم الاجتماعي برنامج «تموين» الذي يمثل 0,39% من الناتج، لكنه غير موجه بشكل دقيق، أما برامج التحويلات النقدية المخصصة للفئات الفقيرة فلا تتجاوز 0,24%، بحسب التقرير.

ولفتت الوثيقة إلى أنه لو تم توجيه هذه النفقات بكفاءة، لكان من الممكن تقليص فجوة الفقر بمقدار النصف.

وفي تعليق على وثيقة البنك الدولي، لاحظ الخبير الاقتصادي الموريتاني إسلمو ولد محمد، أن «الاستقرار الكلي الموجود في القرير لم يُخْفِ هشاشة حقيقية في بنيات الاقتصاد والمجتمع، لا سيما في الأرياف».

ولفت إلى أن العجز في الحساب الجاري يظل بنيويًا، رغم صلابة المؤشرات الظاهرية.

وأضاف: «الحكومة تبذل جهودًا واضحة لتحسين وضع الاقتصاد الكلي، لكن ذلك لا يُترجم بالقدر الكافي إلى أثر ملموس على حياة المواطنين الأشد فقراً، خاصة في الريف الذي لا يزال يعيش تحت وقع الهشاشة المناخية والغذائية».

ودعا تقرير البنك الدولي السلطات الموريتانية إلى مواصلة الإصلاحات الهيكلية والمالية، بهدف تنويع الاقتصاد، وخلق فرص عمل منتجة، وتعزيز قدرة الفئات الضعيفة على الصمود في وجه الصدمات المناخية والاقتصادية.

كما شدد على ضرورة ترشيد النفقات العامة وتحسين استهداف برامج الدعم الاجتماعي، ومحاربة الفساد في التوظيف والتسيير، وهي الرسالة نفسها التي تضمنها تعميم الوزير الأول، فيما يبدو أنه تقاطع بين الضغط الخارجي والمحاسبة الداخلية.

وتجدر الإشارة إلى أن محفظة البنك الدولي في موريتانيا تشمل اليوم أكثر من مليار دولار أمريكي موجهة لتمويل مشاريع تنموية في قطاعات متنوعة بينها الطاقة، والزراعة، والتعليم، والصحة، والشفافية، واللامركزية، والحوكمة، والصيد، والبنية التحتية؛ وهي مجالات يرى البنك أنها تشكّل قاطرة لتحسين مستوى عيش السكان وتعزيز قدرة البلاد على مواجهة التحديات المستقبلية.

ويأتي صدور تقرير البنك الدولي متزامنا مع نقاش معمق جرى تحت عنوان « واقع الاقتصاد الوطني وآفاقه المستقبلية، في ظل إصلاحات هيكلية جارية وسياق دولي متقلب»؛ ضمن الندوة الخاصة بتقديم تقرير الآفاق الاقتصادية الإقليمية – ربيع 2025، التي نظمها أمس البنك المركزي الموريتاني بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.

وأكد محافظ البنك المركزي، محمد الأمين الذهبي، في مداخلة أمام الندوة أن الاقتصاد الموريتاني حقق نموًا أعلى من التوقعات، بفضل تحديث أدوات السياسة النقدية، وتعزيز سوق ما بين البنوك، والسيطرة على معدلات التضخم، وهي مؤشرات اعتبرها ثمرة لنهج إصلاحي متدرج وثابت.

من جهته، أشاد وزير الاقتصاد والمالية، سيد أحمد ولد أبوه، بالتقدم المسجل في قطاعات حيوية كالصناعات الاستخراجية والزراعة، رغم التحديات التي فرضها السياق الجيوسياسي العالمي، مما يعكس مرونة نسبية في الأداء الاقتصادي.

لكن في المقابل، سلط تقرير صندوق النقد الضوء على هشاشة مستمرة تطبع البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ما يستدعي، بحسب معدّي التقرير، توجيه الإنفاق العمومي نحو مجالات إنتاجية وتنموية، وتبني سياسات أكثر استهدافًا للفئات الهشة.

وفي هذا السياق، نبهت المنسقة الأممية المقيمة، ليلى بييترس يحيى، إلى أن التحول الإيجابي في الحوكمة الاقتصادية «يظل هشًّا» ما لم يُدعّم بإصلاحات مؤسسية عميقة، من بينها ضبط التوظيف في القطاع العام، ومحاربة الهدر في الموارد، وتحسين مناخ الأعمال.

وقد خلص اللقاء إلى جملة من التوصيات، أبرزها ضرورة ترشيد التوظيف، وضبط الإنفاق، وتعزيز الشفافية، ومواءمة السياسات الوطنية مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتنامية، في أفق بناء اقتصاد أكثر صلابة وشمولية وعدالة.

وأمام هذه المعطيات، تبدو الحكومة مطالَبة بإصلاحات أكثر جرأة لضبط آليات التوظيف وضمان شفافيتها، بما يستجيب لحاجات التنمية الفعلية ويحد من الهدر الإداري، وبما يضمن معالجة ملحة لمكامن الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال سياسات عمومية أكثر استهدافًا وعدالة.

وبين التحذير الرسمي والتشخيص الدولي، يجد صانع القرار الموريتاني نفسه أمام فرصة لمراجعة شاملة تضمن التقدم والاستقرار في المسار التنموي للبلاد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس