دخول سياسي ساخن في المغرب ومطالبات بـ«مونديال الصحة»

3
دخول سياسي ساخن في المغرب ومطالبات بـ«مونديال الصحة»
دخول سياسي ساخن في المغرب ومطالبات بـ«مونديال الصحة»

أفريقيا برس – المغرب. انطلق «الدخول السياسي» باكرًا في المغرب هذه المرة، حتى قبل افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان في الجمعة الثانية من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، كما ينصّ على ذلك دستور للدولة. واختار عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، أن يسابق الزمن، ويقدّم ما يشبه حصيلة لعمل فريقه الوزاري طيلة أربع سنوات، في برنامج خاص على التلفزيون المغربي، وذلك بالموازاة مع انطلاق المشاورات للانتخابات التشريعية المقبلة في أيلول/ سبتمبر 2026.

ولم تكد أصداء الحوار التلفزيوني الذي أجري مع أخنوش تخفت، وتختفي معها الانتقادات الحادة التي وُجّهت إليه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة مؤاخذته على المبالغة في أرقام «الإنجازات» والتغاضي عن واقع المواطنين ومعاناتهم، حتى انفجر ملف الصحة، بدءًا بتنظيم مظاهرات احتجاجية في مستشفى أغادير، المدينة التي يرأس أخنوش نفسه مجلسها البلدي، ومرورًا بتصاعد الدعوات إلى تنظيم وقفات احتجاج مماثلة في مختلف مدن المغرب من أجل تطوير القطاع الصحي، ووصولاً إلى المطالبة بإقالة الوزير المعني، أمين التهراوي.

وفي تقدير ملاحظين وقراءتهم لهذه المعطيات المتلاحقة، فإن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وَجد في هذا السيناريو مخرجًا لإبعاد الأضواء عنه، وعدم الاستمرار في توجيه اللوم له، لا سيما بعد «فشل» الظهور التلفزيوني الأخير في «تلميع» صورته وكسب الإطراء، رغم الإمكانيات الهائلة المبذولة لتسويق ما يعتبره الرجل والمحيطون به «إيجابيات» و»منجزات» لم تتحقق في المغرب طوال السنين المنصرمة. والحال أن عزيز أخنوش وحزبه «التجمع الوطني للأحرار» كانا مُنصهرين في حكومات سابقة ومشرفين على قطاعات وزارية مهمة.

«كبش فداء» الذي اختير للتضحية به، وفق تعبير مراقبين، هو وزير الصحة الذي قبل أداء هذا الدور، طوعًا أو كرهًا، في سياق إعادة توزيع الأدوار ضمن رقعة تختلط فيها السياسة بالمصالح وبالصفقات. ومن ثم، كانت أول خطوة أقدم عليها الوزير أمين التهراوي بعد توجّهه نحو مدينة أغادير لإخماد «نار» الاحتجاجات، الإعلان عن إجراءات عاجلة من ضمنها إنهاء مهمات شركات خاصة للنظافة والحراسة، في أفق تعويضها بشركات أخرى. كما أعلن عن قرار يقضي بإعفاء مدير مستشفى «الحسن الثاني» في أغادير، في حين أن المستشفى لا يتوفر أصلاً على مدير، حسب مصادر صحافية، إذ سبق للوزارة أن أعلنت عن مباراة وطنية لاختيار مديري المستشفيات من بينها منصب مدير مستشفى أغادير.

ورغم أن الوزير المعني واصل جولاته التفقدية المتتالية في عدد من المستشفيات المغربية في الناظور (شمال) ومكناس (وسط)، فإن ذلك لم يحل دون إطلاق حملة واسعة عبر وسم «مونديال الصحة» في منصات التواصل الاجتماعي، تحت شعار «العلاج حق مشروع لكل مواطن(ة) مغربي(ة)». وجاء اختيار الوسم المذكور للحملة إحالةً على استعداد المغرب لتنظيم «مونديال» كأس العالم بجانب إسبانيا والبرتغال سنة 2030، وهو ما يفسّر كتأكيد على جعل الصحة والتعليم من الأولويات الأساسية التي تسبق كرة القدم.

وجاءت الحملة كردّ فعل على ما يعتبره مراقبون اختلالات يعيشها قطاع الصحة، من نقص في البنية التحتية الطبية، وغياب التجهيزات الأساسية في عدد من المستشفيات، إلى جانب معاناة المرضى مع طول المواعيد الطبية وضعف الخدمات. ويكشف واقع قطاع الصحة عن أرقام مقلقة، حيث لا يتجاوز المعدل طبيباً واحداً لكل ألف مواطن، كما تشير المعطيات إلى أن ستين في المئة من التجهيزات الطبية متقادمة ولم تعد صالحة للاستعمال الفعّال.

المغاربة الذين تبنوا هذه الحملة شدّدوا على أن الحق في العلاج ليس امتيازًا، بل هو مبدأ دستوري وحق إنساني، مؤكدين أن الاستثمار في صحة المواطن يعادل الاستثمار في مستقبل الوطن، حسب تعبير صحيفة «الحوار برس».

في السياق نفسه، وجّه موقع «صوت الشباب المغربي» نداءً إلى المواطنين من أجل المشاركة في وقفات احتجاجية بمختلف مناطق البلاد، يومي 27 و28 أيلول/ سبتمبر الحالي، للمطالبة بخدمات عمومية في مجالي التعليم والصحة تليق بتطلعات المغاربة، وفقًا لصحيفة «الحياة اليومية» الإلكترونية.

ويجيء هذا النداء في سياق موجة من الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها عدة مناطق بالمغرب خلال الأشهر الأخيرة بسبب ضعف الخدمات الأساسية، كان آخرها الوقفة التي نظمها مواطنون أمام مستشفى الحسن الثاني في أغادير احتجاجًا على تردّي الخدمات الصحية.

بيد أن كل هذه التحركات لا يمكن أن تذرّ الرماد في العيون أو تحجب شمس الحقيقة بغربال، كما يقول ملاحظون، فتردّي القطاع الصحي لا يمكن اختزاله في مسؤولية مديرين محليين وكوادر طبية أو نقص في التجهيزات، بل إنه نتيجة مباشرة لما وُصف بـ»فشل سياسي في تدبير وإدارة قطاع حساس كقطاع الصحة» وفقًا لصحيفة «عبّر».

والحلّ إذن، كما يقول إعلاميون، يتمثل في ضرورة إقالة وزير الصحة أمين التهراوي. وبالتالي جاءت عبارات الصحافي يونس افطيط على حسابه الفيسبوكي حادة وقوية، إذ كتب: «لدينا إسطبل كبير يُسمّى وزارة الصحة، هو لم يصل اليوم إلى هذه المرحلة، بل إنه نتاج عقود من التخريب، لكنه اليوم بلغ الذروة مع وزير لا يقرر إلا في صفقات النظافة والحراسة وشراء الأدوية. ومن أجل أن نكون منصفين، ليس وزير الصحة فقط من يستحق الإقالة والمحاسبة، لكن الصحة هي الأهم رفقة التعليم، وكما تقول الحكمة: إن خطأ الطبيب يدفن تحت الأرض، وخطأ المهندس يقع على الأرض، وخطأ المعلم يمشي على الأرض، فكم من أخطاء لوزارة الصحة مدفونة تحت الأرض».

وتابع: «خمسة أيام من متابعة هذه القضية كانت حصيلتها رحلات مكوكية للتهراوي، لكنني لا أرى أي نتيجة، ولن تكون هناك أي نتيجة، لسبب بسيط، النتائج تكون حصيلة الاستراتيجيات المخطط لها بعناية، أما القفز مثل الكنغر بين المستشفيات فهو قمة الضحك على المغاربة، والدليل هو أن هاته الرحلة الماراثونية لم تكف البتة لإطفاء غضب المغاربة، لأن الجميع يعلم علم اليقين أن هذه الرحلة ستنتهي كما تنتهي كل التحقيقات التي فتحت للوصول إلى الحقيقة».

أما الإعلامي عبد الله التورابي فيرى أن «المشكلة ليست في أمين التهراوي، حيث كان في غنى عن هذه المشاكل، بل في مَنْ اقترحه وزيرًا للصحة. لقد اختار شابًا لا خبرة له تقنيًا ولا سياسيًا، بناء فقط على الولاء والقرب الشخصي، لإدارة قطاع صعب ومليء بالمشاكل، حتى إن الأطر (الكوادر) الكبرى وأصحاب التجربة مثل الحسين الوردي وخالد آيت الطالب… عانوا في تدبيره وضبطه». واختصر الإعلامي نفسه الحكاية في بضع عبارات قائلاً: «بدون تحامل أو مزايدات، هذه هي حدود اختيارات رئيس الحكومة، الذي يبحث في محيطه الشخصي عن معاونين، وليس عن وزراء!».

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس