
أفريقيا برس – المغرب. الرباط ـ «القدس العربي»: لم تهدأ بعد الزوبعة التي أثارتها تصريحات أمين عام حزب مغربي صغير، بحضور رئيس الحكومة المكلّف، حيث ذكر أن المغرب بعد الانتخابات الأخيرة يعيش مرحلة «انتقل فيها من مشروع دولة إسلامية إلى مشروع دولة ليبرالية ديمقراطية اجتماعية».
وجاءت هذه التصريحات الأربعاء، بعد استقبال عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار الذي كُلّف بتشكيل الحكومة، لمصطفى بنعلي أمين عام حزب «جبهة القوى الديمقراطية» الذي حصل على ثلاثة مقاعد في الانتخابات التشريعية ليوم 8 أيلول/ سبتمبر.
فمباشرة بعد الاستقبال الذي اتخذ طابعاً رسمياً، توجه بنعلي رفقة أخنوش نحو منصة الصحافة، وأخذ الكلمة ليثني على فوز «تجمع الأحرار» معتبرا أن هذه المرحلة تؤشر على انتقال المغرب من «مشروع دولة إسلامية» إلى «مشروع دولة ليبرالية» وهو كلام قصد منه أمين عام «جبهة القوى الديمقراطية» على ما يبدو، انتقاد تجربة حزب «العدالة والتنمية» خلال قيادة الائتلاف الحكومي، ومدح «التجمع» الذي أوكلت إليه رئاسة الحكومة.
انتشر الفيديو الذي تضمن هذه التصريحات بسرعة انتشار النار في الهشيم، عبر المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي، وصاحبته تعليقات ساخرة وانتقادات لصاحب فلتة اللسان.
خطر «انقلاب»
في هذا السياق، نشر الشيخ أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العام لعلماء المسلمين، في موقعه الإلكتروني، مقالاً تحت عنوان: خطر «انقلاب» في تاريخ المغرب، هل سيتحقق؟! مما جاء فيه: «صرح زعيم حزب سياسي مغربي مؤخراً بأن «المغرب انتقل من مشروع دولة إسلامية إلى دولة ليبرالية». وتم ذلك بحضور رئيس الحكومة المغربية الجديد وبجانبه، دون أن يعلق الرئيس عزيز أخنوش بشيء، بل ظل مطأطئاً رأسه متمسكاً بكمامته!
فهل هي نية مبيتة لدى أبناء 8 سبتمبر، أم هي عملية انقلابية متدرجة جارية بالفعل؟».
وأضاف أن «ما يعرفه الجميع هو أن صاحب «مشروع دولة إسلامية» بالمغرب، ليس سوى المؤسس الفعلي للدولة المغربية، المولى إدريس الأكبر رضي الله عنه. وما يعرفه الجميع هو أن الدولة الإسلامية ظلت قائمة بالمغرب منذ أسسها المولى إدريس قبل نحو ثلاثة عشر قرناً، وحتى الآن… وما يعرفه الجميع هو أن الدساتير المغربية كلها نصت على أن «المملكة المغربية دولة إسلامية» وهو ما تنص عليه ديباجة الدستور المغربي الحالي.. وهو أيضاً ما يؤكده ويصرح به جميع ملوك المغرب بدون استثناء».
وتساءل: «هل وصل الجهل والأمية بزعماء 8 سبتمبر إلى هذا الحد، الذي لا يقبل حتى من تلاميذ التعليم الابتدائي؟! أم هو مكر الليل والنهار لسلخ الدولة المغربية من الإسلام، لفائدة اللادينية والفرانكفونية؟».
وختم الريسوني تعليقه بالقول: «رحم الله أستاذنا المجاهد الدكتور مولاي إدريس الكتاني، صاحب كتاب (المغرب المسلم ضد اللادينية). وهو كتاب لا بد لكل مغربي مسلم أن يقرأه».
وكتب الباحث والمحلل السياسي عبد الرحيم منار السليمي، تدوينة أشار فيها إلى أن تصريحات بنعلي تحتاج إلى توضيح، وتساءل: «من أين أتى بهذا الكلام؟ وماهي دلالته بعد خروجه من جلسة مع رئيس الحكومة المعين؟ وهل يعرف زعيم حزب المرحوم التهامي الخياري خطورة هذا الكلام؟».
في حين اعتبر الإعلامي جمال اسطيفي، التصريح المذكور «من قبيل المضحكات المبكيات، وهو عنوان على أننا نعيش زمن الانحطاط والتردي السياسي» وقال: «ألم يحن الوقت لتغلق العديد من الدكاكين الانتخابية أبوابها؟» وأضاف: «أكثر من ذلك، فأمين عام الجبهة يبدو أنه لم يقرأ الدستور المغربي الذي ينص فصله الثالث على أن الإسلام دين الدولة، وأن الدولة تضمن لكل واحد ممارسة شؤونه الدينية».
أما المحلل عمر الشرقاوي، فعلق ساخراً بمثل عامّي: «واش تتعرف دير العلم؟ تنعرف نزيد فيه». (قيل له هل تعرف العلم؟ فأجاب: أعرف الزيادة فيه).
وحذر الباحث المختص في الصوفية محمد التهامي الحراق، بعض السياسيين من الخلط الخطير بين أمرين، قائلاً: «ثمة فرق بين الإسلام، بما هو دين وثقافة وحضارة ومرجعية ناظمة للأمة، وبين الإسلام السياسي، بما هو ظهور حديث لحركات سياسية باسم المرجعية الإسلامية. الخلط بين الأمرين لعب باللهيب، كما الخلط بين اللغة العربية كثقافة وأفق معرفي وحضاري وروحي، وبين رؤى إيديولوجية عرقية مسمومة؛ معها أو ضدها».
وكتب الصحافي خالد الشاتي، تدوينة ساخرة جاء فيها: «المرحوم التهامي الخياري (مؤسس حزب جبهة القوى الديمقراطية) يتحرك في قبره ألماً بعدما سمع أحدهم يتحدث عن الدولة الإسلامية والدولة الليبرالية».
وأشار الصحافي إسماعيل عزام، أن أمين عام المصطفى بنعلي «لم يفوّت مناسبة لقاء الأربعاء لمدح أخنوش والتودد إليه بشكل غير مباشر، علّ وعسى يعطيه القليل من (الوزيعة الحكومية)».
وأضاف: «مضحك فعلاً أن يقول أمين عام حزب سياسي هذا الكلام، وما عليه سوى أن يعطينا مثلاً مشاريع القوانين، مثلاً التي قدمها حزب العدالة والتنمية، أو القوانين التي تمت المصادقة عليها في عهده وكانت ستتجه بالمغرب إلى أن يكون دولة إسلامية، وتحديداً ما الذي يعنيه بدولة إسلامية علماً أن الإسلام هو دين الدولة».
وأوضح أنه بالعكس «العدالة والتنمية» هو من تخلّى عن مرجعيته الإسلامية في تدبير الحكومة، ولم تعد تفرق بينه وبين حليفه السابق في الحكومة مثلاً حزب التقدم والاشتراكية».
وأضاف متسائلاً: «هل حزب التجمع الوطني للأحرار لديه حقاً مشروع ليبرالي؟ أين هو هذا المشروع؟ من أسس الليبرالية حرية الفرد والمساواة وحرية التفكير. فهل رأيتم يوماً أخنوش يشجع على هذه المبادئ؟».
ولاحظ أن «المضحك أكثر، أن حزب جبهة القوى الديمقراطية الذي انشق عن حزب التقدم والاشتراكية، ويؤكد على موقعه أنه حزب يساري، يتودد لحزب يسميه «ليبرالياً».
وأكثر.. الحزب اليساري صاحب رمز الزيتون استقطب مؤخراً حميد شباط، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، المصنف على اليمين المحافظ».
واستطرد صاحب التدوينة قائلاً: «أتخيل لو فاز هذا الحزب، عام 2016 بمقعد برلماني ما، (لم يحقق أيّ مقعد حينئذ) كيف كان سيتودد لابن كيران علّ وعسى يفكر في دعوته للحكومة؟ كل ما كان في حزب جبهة القوى الديمقراطية هو مؤسسه الراحل التهامي الخياري الذي كان رجلاً محترماً. ومن رحمة الله على هذا الرجل أنه غادر الحياة قبل أن يرى حزبه يتيه بين الدولة الإسلامية والدولة اليسارية والدولة الليبرالية. ورحمة الله كذلك على الإيديولوجيات المجني عليها في أحزاب هذا الوطن». وعلق الكاتب المسرحي محمد أمين بنيوب، على الواقعة، بتدوينة ساخرة اختار لها عنوان «تصريح غريب وخطير» حيث كتب: «جاب لي الله (حسبت) حسب فهمي لزعيم صاحب الزيتونة، خلال العشرية الحكومية السابقة (2011 – 2021) كان المغاربة منخرطين بتخشع ورهبانية في إعادة إنتاج ضخم لفيلم «الرسالة» في ورزازات، منهم من تقمص عصبة الكفار، ومن هم تقمص عصبة المسلمين الفاتحين، ومنهم من تقمص عصبة التجار الليبراليين. واليوم ومع صاحب الزيتونة، أننا سنعيش دولة الليبرالية والرفاه».
وقدم للسياسيين النصيحة التالية: «على أي زعيم أو زعيمة كتلة سياسية، عندما يأخذ الكلمة علانية، فليزن كلامه بميزان الذهب في صناعة شعر العرب، وأن يلوك لسانه عشرات المرات.. فالميكروفون خداع ومغر. والذي يخونه الكلام الشفاهي، ما عليه إلا أن يدون كلامه الورقي. هذا ما تعلمته من أبجديات العمل السياسي».
شيوعي يمتدح الليبرالية
واستأنف الكاتب سخريته قائلاً: «نسيت، على حزب صاحب الزيتونة أن يؤدي الأتعاب المالية لكل المغاربة الفنانين المشاركين في فيلم الرسالة الملحمي المعدل والضخم، كل حسب دوره، كل تبعاً لعصبته، كل وفقاً لدرجات إيمانه. وستكون النقابات المغربية الفنية الدرامية مجبرة في ترافع اجتماعي ساخن يحتم عليها تقييم الأوضاع الاجتماعية والمادية الجديدة، انسجاماً مع عقود الكفار والمسلمين والليبراليين وإتقان كل عصبة للدور والوظيفة، حسب انخراطها في سياق فيلم الرسالة وخطابه المادي والرمزي والإشاري».
وتحت عنوان «آخر حلقات انتحار السياسية في المغرب» خاطب المدون أبوعبد الله القطيبي أمين عام حزب «جبهة القوى الديمقراطية» قائلاً: «أنت اشتراكي شيوعي تقدمي، فماذا بينك وبين الليبيرالية؟» في إشارة إلى الكلام الذي امتدح فيه الليبرالية وذمّ «مشروع الدولة الإسلامية» على حد تعبيره.