زيادات مرتقبة في المغرب قبل عيد العمال

6
زيادات مرتقبة في المغرب قبل عيد العمال
زيادات مرتقبة في المغرب قبل عيد العمال

أفريقيا برس – المغرب. يتأرجح المشهد في المغرب بين خطاب «الدعم الاجتماعي» وواقع جيوب منهكة بفعل لهيب الأسعار، ويبدو أن حكومة عزيز أخنوش اختارت أن تقدّم للمواطنين المغاربة «هدية» عيد العمال بطابع ملتهب: زيادة جديدة في سعر أسطوانات الغاز، وكأنها تقول لذوي الدخل المحدود إن زمن الرفق قد ولّى.

وبينما ترتفع الأصوات من داخل المعارضة للتحذير مما وصف بـ»الاستفزاز» الممنهج، تصرّ السلطة التنفيذية على المضي في «إصلاح» قد يكون مكلفاً اجتماعياً، خاصة في ظل انعدام مؤشرات حقيقية على ضبط السوق أو كبح جماح المضاربين. فهل تحولت المناسبات الوطنية والدينية إلى فرص مفضلة لتمرير القرارات غير الشعبية؟ وهل يملك المواطن المغربي فعلاً ترف انتظار وعدٍ بالدعم، مقابل واقع يتآكل فيه العيش الكريم يوماً بعد يوم؟ سؤال يتردد على أكثر من لسان.

ففي خضم موجة الأسعار المرتفعة التي أغرقت جيوب المغاربة بعد أن طالت جميع المواد الاستهلاكية الأساسية وحتى غير الأساسية، تسير الحكومة نحو «الوفاء بعهدها» والزيادة مرة ثانية في سعر أسطوانات الغاز بما قيمته 10 دراهم (أقل من دولار)، وذلك في سياق زيادة سنّتها عام 2024 بالمبلغ نفسه، وتدريجياً ستتواصل إلى حدود عام 2026.

ويبدو أن المغاربة نسوا ما «وُعدوا» به من طرف الحكومة، وهو أن الزيادة ليست حصراً على مرة واحدة، وذلك تنفيذاً لما ورد في الموازنة العامة لسنة 2024، التي نصت على تقليص الاعتمادات المخصصة لصندوق المقاصة.

وارتفع سعر أسطوانات الغاز من كل الأحجام في الزيادة الأولى، ليتحول ثمن القنينة من وزن 12 كيلوغراماً من 40 درهماً (3 دولارات) إلى 50 درهماً (5 دولارات)، وعند الوصول إلى الزيادة الثالثة السنة المقبلة سيصبح 60 درهماً (6 دولارات).

استفزاز للمواطنين العديد من التدوينات انتبهت إلى أن هذه الزيادة المرتقبة تدخل في سياق تدريجي، وعلق عليها مدونون بقولهم إن «الحكومة في هذا المجال حريصة على الوفاء بوعودها ولا تخلف موعدها مع الزيادة»، بينما وصفها الأمين العام لحزب «الحركة الشعبية» المعارض، محمد أوزين، بـ «استفزاز» للمواطنين و»هدية عيد العمال» التي تنتظر المغاربة بعد فاتح أيار/مايو. عمومًا بالنسبة للحكومة، فإن قرار الزيادة يدخل في سياق عام حول رفع الدعم تدريجياً عن مواد أساسية مثل السكر والغاز، في مقابل إطلاق نظام الدعم الاجتماعي المباشر الذي تواصل صرفه للفئات الفقيرة والهشة، وهو ما عبّر عنه عزيز أخنوش رئيس الحكومة سنة 2023 حين حديثه عن الدعم الاجتماعي ورفع الدعم عن المواد الأساسية.

وأوضح أخنوش ساعتها أنه «بالنظر إلى ضعف الإنصاف الاجتماعي لنظام الدعم الحالي على مستوى استهداف الطبقات الفقيرة والهشة، وبعد شروع الحكومة في صرف الإعانات المباشرة ابتداء من كانون الأول/ديسمبر 2023، ستعمد إلى تخصيص الهامش الناتج عن تقليص دعم المقاصة، والذي يمثل تقليصاً تدريجياً، جزئياً ومحدداً زمنياً ما بين 2024 و2026، لاستكمال تمويل إجراءات ورش تعميم الدعم الاجتماعي المباشر للأسر».

ورغم التوقعات، لم يصدر أي بيان رسمي من الحكومة يؤكد أن هذه الزيادة الثانية في سعر عبوات الغاز سيطبق قريباً أي بحلول أيار/مايو المقبل، وهو ما أكده طارق البختي رئيس «المنتدى المغربي للمستهلك» حين قال: «لم نتوصل إلى حدود الساعة بأي بيان رسمي ولم يصدر عن الحكومة أي شيء بهذا الخصوص، لذلك يظل مجرد كلام متداول لدى الرأي العام».

واستطرد البختي متحدثاً لـ «القدس العربي»، قائلاً: «لكن إن كان الأمر جدياً، ففي الحقيقة هذه الزيادة ستشكل عبئاً كبيراً على شريحة كبيرة من المواطنين ذوي الدخل المحدود نظراً لأهمية وحيوية هذه المادة داخل البيت المغربي».

وزاد موضحاً «أن هذه الزيادة تظل غير مبررة نظراً لارتفاع الضرائب هذه السنة وأيضاً في ظل عدم ارتفاع أسعار البوتان في السوق العالمية».

وجواباً على سؤال ارتفاع الأسعار بشكل عام، أبرز طارق البختي أن ذلك يؤثر على المواطن، «حتى صرنا نرى أبسط ضروريات العيش الكريم أصبحت صعبة المنال»، واستشهد بتوجيهات العاهل المغربي محمد السادس، الذي يؤكد مراراً وفي كل خطبه على حق المواطن في العيش الكريم.

وبخصوص الحديث عن كثرة المضاربين وأثر المضاربة التجارية على معيش المواطن، قال طارق البختي إن المضاربة والاحتكار مشكلة كبيرة، واقترح المتحدث من أجل وضع حد لهذه الظاهرة المؤرقة لمعيش المواطنين، تأسيس أو إنشاء هيئة تكون بمثابة مؤسسة عمومية تابعة للدولة أو مستقلة تحت مسمى «الهيئة الوطنية لمراقبة السوق والأسعار»، هدفها تحديد الأسعار بشكل أسبوعي وبناء على المنتجات وكمياتها وبناء على السوق العالمية، لتكون هناك أسعار محددة في المغرب.

وفي السياق ذاته، أوضح رئيس «المنتدى المغربي للمستهلك» أن المغرب يتوفر على قانون حرية المنافسة التجارية والذي يعطي في إطار البيع وتقديم الخدمات أن يبيع التاجر أو مقدم الخدمات بالثمن الذي يريده. لكنه يستطرد مشدداً على أن المواد الأساسية المرتبطة بمعيش المواطنين يجب أن تعرف استقراراً في الأسعار.

ويوضح أن على الدولة أن تحدد سعراً واحداً في كل مناطق البلاد، حتى لا يبقى هناك أي مجال للمضاربة، و»هنا يأتي دور الهيئة التي اقترحتها كحل لمراقبة السوق والأسعار، حتى لا يكون هناك أي احتكار أو مضاربة وبالتالي يكون هناك ضبط للأسواق»، يقول المتحدث.

النقاش العميق والتحليلات المتفاوتة في رأي المواطن العادي لا تنفع أمام غول السوق الذي يبتلع كل شيء، وكانت منصات التواصل الاجتماعي مجدداً ساحة للتعبير عن الامتعاض والاستياء من وضع السوق الذي لا يرحم أصحاب الدخل المحدود، بل طالت نيرانه حتى الطبقة المتوسطة التي لم تعد قادرة على مسايرة السرعة القياسية التي تسير بها الأسعار.

تشكيك بنوايا الحكومة

وتضاف التوقعات بزيادة سعر عبوات الغاز، إلى جملة المتاعب اليومية التي يعانيها عدد من المواطنين، وعن ذلك قال الأمين العام لحزب «الحركة الشعبية» المعارض، في لقاء حزبي في مدينة فاس، إن الحكومة تعمدت تأجيل إعلان الزيادة في سعر أسطوانة الغاز حتى تمر مناسبة عيد العمال دون احتجاجات.

واتهم القيادي الحزبي الذي كان أول من تحدث عن الزيادة المتوقعة في سعر عبوات الغاز، الحكومة بالسير على منوال «العطاء بيد والأخذ بالأخرى»، وذلك في غمز واضح لبرنامج الدعم الاجتماعي، متسائلاً عن جدوى هذه السياسات التي تستهدف جيوب المواطنين.

ولم يفت أوزين التشكيك في نوايا الحكومة التي تبرر قراراتها بإصلاح منظومة الدعم، لكنها تعجز عن توفير بدائل حقيقية تعوض المواطن عن التكاليف الجديدة، وفق تعبيره، مشدداً على أن المناسبات الوطنية والدينية أصبحت توقيتاً مفضلاً لتمرير قرارات «موجعة»، في تجاهل تام لتداعياتها الاجتماعية.

والجدير بالذكر أن الحكومة كانت قد ربطت بين رفع سعر «البوطة» (أسطوانة الغاز) بواقع 10 دراهم (أقل من دولار) كل سنة إلى غاية 2026، بحصول الأسر الهشة والفقيرة على الدعم الاجتماعي المباشر، ابتداء من كانون الأول/ديسمبر 2023، والذي لن يقل عن 500 درهم شهرياً (50 دولاراً) لكل أسرة.

وكان رئيس الحكومة أكد في وقت سابق أنه سيتم منح فرصة 3 أشهر للأسر المستفيدة من الدعم الاجتماعي المباشر قبل الرفع من ثمن أسطوانة الغاز. وفي سياق توضيحاته بخصوص قرار الزيادة في سعر أسطوانة الغاز، قال أخنوش إن «أسطوانة الغاز» من الحجم الكبير التي تباع للمواطن بـ 40 درهماً (3 دولارات)، سعرها الحقيقي يصل إلى 130 و140 درهماً (12.90 و13.89 دولاراً)، موضحاً أن الفرق بين ثمن البيع والسعر الحقيقي تدفعه الدولة عبر «صندوق المقاصة».

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس