غضب جزائري موريتاني من تصريحات رئيس اتحاد علماء المسلمين

9
غضب جزائري موريتاني من تصريحات رئيس اتحاد علماء المسلمين
غضب جزائري موريتاني من تصريحات رئيس اتحاد علماء المسلمين

أفريقيا برس – المغرب. أثار رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، موجة غضب عارمة في كل من موريتانيا والجزائر بعد تصريحات متلفزة وُصفت بـ”المستفزة والصادمة”، دفعت البعض إلى إطلاق حملة تطالب بإقالته من منصبه في الاتحاد.

وسرعان ما انخرط في الحملة شخصيات وأحزاب تنتمي للتيار الإسلامي، الذي تربطه علاقات قوية مع أعضاء الاتحاد. فما الذي تضمنته تصريحات تصريحات الداعية المغربي؟ وكيف رد الريسوني على منتقديه؟

“صناعة استعمارية”

بدأ الجدل بتداول مقاطع من حوار أجراه موقع إخباري محلي مغربي مع الريسوني في 29 من يوليو تموز الماضي.

وفي معرض رده على أسئلة موقع “بلانكا بريس”، حول رأيه في قضية الصحراء، قال الريسوني إن “ما يؤمن به قطعا هو أن الصحراء وموريتانيا تابعتان للمملكة”.

وأضاف الريسوني: “العلماء والدعاة والشعب المغربي” على استعداد للجهاد بالمال والنفس والمشاركة في مسيرة شبيهة بالمسيرة الخضراء والزحف بالملايين إلى الصحراء ومنطقة تندوف الجزائرية، إذا طلب العاهل المغربي ذلك”.

واعتبر الريسوني أن قضية الصحراء وموريتانيا “صناعة استعمارية”.

وانتقد الداعية ما اعتبرها “محاولات لاستهداف الوحدة الترابية المغربية”، متهما دولا عربية وإسلامية “بالتورط في دعم وتبني تلك الصناعة الاستعمارية”.

كما تطرق الريسوني إلى العلاقات المغربية الإسرائيلية، وأدان التطبيع بين البلدين، داعيا الدولة المغربية إلى “التعويل على قوى الشعب بدلا من الاستناد إلى إسرائيل”.

وحتى كتابة هذه السطور، لم يصدر أي تعليق رسمي من موريتانيا ولا الجزائر على تصريحات الريسوني.

غير أن كثيرا من القنوات الجزائرية والموريتانية خصصت جزءا من تغطيتها للرد على تعليقات الداعية المغربي.

الريسوني يرد على منتقديه

وبعد الحملة التي طالته، اضطر الريسوني لتوضيح تصريحاته قائلا إن “خطابه جاء في سياق تاريخي ولا علاقة له بالوضع الحالي”.

وأردف في تصريح لموقع “اليوم24” المغربي: “كنت أعبر عن آرائي بمنطق التاريخ والشرع والحضارة، بينما كانوا يردون علي بمنطق سياسي ومن مواقع سياسية”.

وشدد الداعية على أن تصريحاته “لم تحمل أية أبعاد أو حسابات سياسية”، مضيفا أنه “حاليا متحرر من أي منصب سياسي، وليست لديه أية علاقة مع أصحاب المناصب”.

وأكد الريسوني أن “موريتانيا حاليا دولة مستقلة وقد اعترف بها المغرب”، ولكنه استدرك قائلا: “هذا شأن السياسيين فليمضوا فيه، وأنا لا أنازعهم فيه، وهو ما تضمنته تصريحاتي”.

وردا على الانتقادات التي طالته بخصوص دعوته إلى تنظيم مسيرة نحو تندوف، تساءل الداعية: “أليس من حق الشعب المغربي التواصل مع إخوانه وأبنائه المحتجزين في تندوف؟”.

وختم بالتأكيد على “استعداد المغرب للتحاور مع الجزائر بما يمكنه أن ينهي النزاع المفتعل في المنطقة، وحل هذه المشكلة المصطنعة التي خلفتها الصناعة الاستعمارية”، وفق تعبيره.

انتقادات لاذعة

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أبدى قطاع واسع من المعلقين دهشتهم من ما وصفوه بـ”الخطاب الاستعلائي والمستهتر” الذي يعتمده عضو فاعل في “أحد أهم الهيئات الإسلامية”.

كما استنكر معلقون ما قالوا إنه “توظيف مصطلحات دينية للترويج لمعلومات مغلوطة وأفكار تجاوزها التاريخ”.

وفي المقابل، تعمق قطاع من المعلقين في تحليلهم لخطاب الريسوني. فثمة من يقول إن تصريحاته “تعكس حالة الإفلاس السياسي التي وصلت إليها بعض النخب في المنطقة”.

في حين يرى آخرون أن تصريحات الداعية “كشفت عن جانب من تفكير الإسلاميين وطريقتهم في تفسير حركة التاريخ، فعادة ما يميلون إلى استدعاء زعيم قد رحل أو أحداث من التاريخ الإسلامي القديم لإسقاطها على الواقع الراهن”، على حد تعبيرهم.

كما وصف السياسي الجزائري، زواني بن يوسف، تصريحات الريسوني بـ”السقطة الكبيرة”، ودعا في تغريدة إلى “إعفاء الريسوني من منصبه، لما تحمله تصريحاته من تهديد للأمن القومي العربي والإسلامي”، على حد قوله.

وعلى ذات المنوال، علقت حركة “مجتمع السلم” الإسلامية، محملة الريسوني مسؤولية تبعات تصريحه.

وقالت الحركة، التي تمثل أكبر حزب معارض في البرلمان الجزائري “إن الظروف الدولية والإقليمية المتوترة لا تتحمل مثل هذه الخرجات التي تلهب نيران الفتنة”.

ولم يختلف الوضع كثيرا في موريتانيا، حيث أدان سياسيون وإعلاميون تصريحات الريسوني، ودعوا الدولة المغربية لاتخاذ موقف حازم، مثلما فعلت مع تصريحات حميد شباط السابقة.

ووصفت هيئة العلماء الموريتانيين التصريح بـ”المريب وغير الودي”.

مدافعون عن الريسوني

على الجهة المقابلة، يقف البعض مدافعا عن الريسوني، ومعظمهم من المغاربة الذين يرفضون التفاوض على مسألة الصحراء.

وعبر وسمي #كلنا_الريسوني و #الريسوني_يمثلني ، أعرب مغردون عن دعمهم للريسوني، واستعانوا بمقاطع من أفلام وثائقية تشرح المقاربة المغربية لمسألة الصحراء.

لكن بعض المعلقين والكتاب المغاربة رأوا، على قلتهم، أن تصريحات الداعية “تنم عن غياب النضج السياسي لديه”. كما حذر بعضهم “من تداعياتها على العلاقات المغربية الموريتانية”.

وثمة أيضا من تساءل عن السياقات والتوقيت الذي ظهرت فيه مقابلة الريسوني، ووصفها بأنها “تتجاوز سقطة الفقيه وزلة العالم”.

اتحاد علماء المسلمين يتنصل

من جهته، أصدر الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي القره داغي، بيانا أوضح فيه موقف الاتحاد من تصريحات رئيسه.

وقال القره داغي “إن تلك التصريحات تمثل الريسوني وحده ولا تمثل رأي اتحاد علماء المسلمين”.

وقد جاء البيان، الذي نشره الاتحاد عبر موقعه الإلكتروني تحت عنوان: “توضيح حول المقابلة التليفزيونية للشيخ أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – (الصحراء المتنازع عليها)”.

ويبدو أن البيان اختزل الجدل المثار في قضية الصحراء الغربية، وهو ما أثار حفيظة البعض، إذ يرى جزائريون وموريتانيون أن المشكلة لا تتعلق بقضية سياسية، بل بتحريض للهجوم على دول مسلمة باستخدام مصطلحات مثل “الجهاد” .

رسائل في ذكرى قطع العلاقات

ويأتي هذا الجدل قبل أيام من انقضاء سنة على قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، بسبب ما وصُف وقتها بـ”الخطاب المغربي المستهدف لوحدة الجزائر واستقلالها”.

ففي 24 أغسطس/ آب 2021، اتهمت الرئاسة الجزائرية المغرب بقتل ثلاثة من مواطنيها في قصف “بسلاح متطور”، قالت إنه وقع في المنطقة الحدودية بين موريتانيا والصحراء الغربية المتنازع عليها، وتوعدت أن الأمر “لن يمر دون عقاب”.

في حين تعيش العلاقات المغربية الموريتانية مرحلة جفاء منذ ديسمبر/كانون الأول 2020.

تندوف وبداية النزاع الجزائري المغربي

وتشهد العلاقات الجزائرية المغربية توترا منذ عقود بسبب قضية الصحراء الغربية على وجه الخصوص، كما أن الحدود بين الجارتين مغلقة منذ عام 1994.

وقد اتسمت العلاقة بين البلدين بالود والاحترام إبان حكم محمد الخامس، الذي توفي عام 1961، أي قبل عام واحد من نيل الجزائر استقلالها. لكن بعد الاستقلال سار البلدان في اتجاهين متضادين.

ففي أكتوبر/ تشرين الأول 1963، وقع خلاف حدودي بين البلدين حول منطقتي تندوف وبشار، اللتين طالب بهما المغرب، وأدى ذلك إلى اندلاع مواجهات عسكرية بينهما عرفت بـ”حرب الرمال”.

وقد بلغ الخلاف أوجه بين الجارين بعد إبرام الرباط اتفاق سلام مع إسرائيل ضمن ما تعرف بـ”اتفاقيات أبراهام”.

أما أحدث مراحل هذا الخلاف فتعود إلى مطلع أغسطس/آب الجاري.

فقد أعلنت الجزائر مؤخرا بدء استغلال منجم الحديد في “غار جبيلات” بتندوف، الذي يتوقع أن يوفر مداخيل تقدر بأكثر من 10 مليارات دولار سنويا.

في المقابل، يقول المغرب إن إعلان الجزائر استغلال المناجم يعد خرقا للاتفاقية الموقعة بين البلدين عام 1972، والمتعلقة بالاستغلال المشترك لمناجم الحديد.

لكن مسؤولين جزائريين يقولون إن الاتفاق سقط لأسباب قانونية وسياسية.

وقد تزامن الإعلان عن فتح المناجم مع الذكرى السنوية لتولي الملك محمد السادس الحكم، عندما ألقى العاهل المغربي خطابا دعا فيه الجزائر إلى “بناء علاقات طبيعية بين البلدين وتجاوز الخلاف القائم بينهما”.

وفي ظل تلك التطورات والتصريحات المضادة بين مسؤولي البلدين، جاءت تصريحات الريسوني لتشعل سجالا من نوع آخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس