أفريقيا برس – المغرب. بينما عبرت احتجاجات الشباب في المغرب، المعروفة باسم “جيل زد”، عن الغضب من نقائص قطاعي الصحة والتعليم وتطالب بإصلاحهما العميق ومحاربة الفساد، عادت قضية النزاهة في المنظومة الصحية لتتصدر المشهد من جديد، بعد أن أعلنت “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، وهي مؤسسة دستورية، عن توقيف صفقة إعداد “خريطة مخاطر الفساد في قطاع الصحة”، إثر ما أثير حولها من شبهة تضارب مصالح فجّرها موقع إلكتروني محلي.
وجاء هذا القرار في ظرف دقيق، حيث تُطرح بقوة أسئلة الشفافية والمساءلة في تدبير القطاعات الحيوية التي تُشكّل محور مطالب الشارع، خصوصًا بعد حوادث إهمال طبي في بعض المستشفيات وارتفاع أصوات المحتجين المطالبين بمحاسبة المسؤولين وإصلاح الخدمات العمومية. وبين غضب الشارع الشبابي ويقظة المؤسسات الرقابية، يتجدد النقاش حول مدى جدية الحكومة في مواجهة الفساد داخل أحد أكثر القطاعات ارتباطًا بالحياة اليومية للمغاربة وهو قطاع الصحة.
وأوضحت الهيئة في بيان رسمي توصلت “القدس العربي” بنسخة منه، أنها قررت توقيف الصفقة بعد ما جرى تداوله إعلاميًا من “مزاعم بشأن وجود تضارب في المصالح يهم الجهة نائلة الصفقة”، مشيرة إلى أن رئيس الهيئة أمر بإجراء بحث معمق استنادًا إلى المقتضيات الدستورية والمعايير الدولية في مجال الوقاية من تضارب المصالح، ضمانًا “للاحترام التام لمبادئ الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص”.
وشدد البيان على أن القرار يأتي في إطار “الحرص على ضمان أعلى درجات الشفافية والنزاهة في تدبير طلبات العروض”، مضيفًا أن الهيئة أحالت ملف الصفقة بكامل وثائقه على اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية للبت فيه وفقًا للقانون، وأنها ستوافي الرأي العام بالقرار النهائي بعد انتهاء التحقيقات.
وأكدت الهيئة أن هذا الموقف يعكس “النهج الصارم الذي تعتمده في صون مصداقية عملها ومواصلة ترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية في تدبير المال العام والسياسات العمومية”.
القرار الذي حظي بإشادة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام المحلي، جاء بعد نشر موقع “كاب أنفو” تحقيقًا كشف عن شبهة تضارب مصالح في الصفقة، موضحًا أن الهيئة منحت مهمة إعداد الدراسة إلى مكتب فرنسي أمريكي هو نفسه مكتب الاستشارة والتدقيق المالي لشركة خاصة تُعد من أكبر الفاعلين في القطاع الصحي بالمغرب.
وسارت معظم التدوينات في اتجاه الإشادة بخطوة الهيئة باعتبارها “خطوة تهدف إلى محاصرة الفساد وتعزيز الشفافية”، فيما رأى فيها آخرون “بداية سقوط ورقة التوت التي تغطي عورة الفساد”، معتبرين أنها نتيجة مباشرة “لصرخة الشباب الذي عبّر عن مطالب كل فئات المجتمع”.
في هذا السياق، قال الباحث في الاقتصاد والفاعل السياسي علي الغنبوري، إن الهيئة الوطنية للنزاهة تستحق التحية على تفاعلها مع الصحافة، مضيفًا أنه “يجب محاسبة المتورطين في هذا الأمر وترتيب الجزاء القانوني على من يقف وراءه في حال ثبوت المزاعم، لأننا سنكون أمام محاولة لتغليط هيئة دستورية لأغراض تكرس غياب النزاهة والاحتكار والفساد في قطاع استراتيجي مثل الصحة”.
من جهته، اعتبر الإعلامي عادل الزبيري أن الهيئة “تقدّم درسًا غير مسبوق في تفاعل المؤسسات الدستورية مع الصحافة المغربية”، فيما استغرب مدونون “استمرار تضارب المصالح رغم احتجاجات الشباب ضد الفساد”.
ويأتي ذلك في وقت تحتل فيه الصحة موقعًا متقدمًا ضمن أولويات المحتجين الشباب، إذ طالبت حركة “جيل زد 212” بإصلاح المنظومة الصحية ومحاربة الفساد داخلها، معتبرة أن “الحق في العلاج اللائق جزء من كرامة المواطن”. كما سبق أن شهدت مدينة أغادير احتجاجات واسعة بعد تسجيل حالات إهمال طبي في المستشفى الجهوي، دفعت وزارة الصحة إلى إحالة الملف على القضاء وتوقيف بعض المسؤولين مؤقتًا عن العمل.
وكانت “الهيئة الوطنية للنزاهة” قد أعلنت سابقًا عن إطلاق مشروع إنجاز “خريطة مخاطر الفساد في قطاع الصحة”، وهي دراسة تمتد على مدى سبعة أشهر، بتنسيق مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وبشراكة مع مختلف المتدخلين في القطاعين العام والخاص، بهدف تصميم أدوات لتعزيز الشفافية والنزاهة وضمان استدامة الإصلاحات.
وحسب ما ورد في الجريدة الرسمية، تتوزع محاور الدراسة إلى ثلاثة مجالات رئيسية هي: “مسار المريض”، و”سلسلة المنتجات الطبية”، و”القطاع الصحي الخاص”، وكلها مجالات تُعد من أكثر النقاط حساسية في منظومة العلاج بالمغرب، سواء من حيث التدبير المالي أو جودة الخدمات أو تضارب المصالح بين الفاعلين.
لكن ما كشفه موقع “كاب أنفو” نقلاً عن “مصادر مطلعة” أشار إلى أن “الإشكال الجوهري هو تضارب المصالح الذي يحيط بصفقة إنجاز هذه الدراسة”. وكشف التحقيق أن المكتب الأمريكي-الفرنسي الذي فاز بالصفقة يرتبط بعلاقة مالية وتجارية مع شركة تمتلك شبكة واسعة من المصحات الخاصة بالمغرب، وهي العلاقة التي ستستمر إلى غاية 31 كانون الأول/ديسمبر 2026.
وتساءل المصدر نفسه: “كيف يمكن لمكتب يرتبط تجاريًا بفاعل ضخم في القطاع أن يكون موضوعيًا في رصد الاختلالات والفساد البنيوي داخل نفس المنظومة التي ينتمي إليها زبونه؟” مشيرًا إلى أن تضارب المصالح هنا “لا يمس فقط بمبدأ الحياد، بل يضع أيضًا نزاهة العملية برمتها موضع شك، خاصة عندما يتعلق الأمر بتقاطع المعطيات المالية والمهنية التي يُفترض أن تظل سرية ومؤمنة”.
ويرى مراقبون أن خطوة الهيئة تشكل سابقة في التعاطي المؤسساتي مع الإعلام والرقابة المجتمعية، في وقت تتجاهله الحكومة مصنفة ما ينشر ويكتب في خانة “التحامل” و”تبخيس” إنجازاتها.
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس