إصلاح القطاع الطبي ضرورة وليس ترفا سياسيا

5
إصلاح القطاع الطبي ضرورة وليس ترفا سياسيا
إصلاح القطاع الطبي ضرورة وليس ترفا سياسيا

أفريقيا برس – المغرب. رفض أطباء القطاع العام في المغرب تعليق «أعطاب» المنظومة الصحية على العاملين بها، مؤكدين أنهم تابعوا «بامتعاض واستغراب شديدين» ترويج تحليلات في وسائل الإعلام تُحمّل الأطباء والممرضين مسؤولية تردي الخدمات الصحية بالمستشفيات العمومية.

واحتل القطاع الصحي موقعًا بارزًا في تغطية الصحافة المحلية لاحتجاجات «جيل زد»، التي رفعت مطلب إصلاح الصحة على رأس أولوياتها إلى جانب التعليم والتشغيل. وذهبت بعض التحليلات إلى تحميل الأطقم الطبية والتمريضية مسؤولية تدهور الخدمات، ما أثار استياء المهنيين الذين اعتبروا ذلك تضليلًا للرأي العام ومحاولة للهروب من جوهر الأزمة.

وكانت مدينة أغادير شهدت احتجاجات سبقت موجة «جيل زد»، طالبت بمحاسبة المشرفين على المستشفى الإقليمي بعد تسجيل حالات إهمال أودت بحياة مرضى، دفعت وزارة الصحة إلى إحالة الملف على القضاء وتوقيف بعض المعنيين مؤقتًا عن العمل.

لكن هذه الأحداث أعادت العلاقة بين المواطنين والأطباء إلى نقطة الصفر، بعد تحسنها الملحوظ خلال جائحة كورونا وزلزال الحوز.

وفي بيان لها، ذكّرت «النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام» بتضحيات مهنيي الصحة، معربة عن استغرابها من محاولة حصر أسباب تردي القطاع في الأطباء والممرضين، وكأنّ من يشتغل في أقسى الظروف وأفقر الوسائل هو سبب الأزمة لا أول ضحاياها.

وأشارت النقابة إلى أنها «كانت السّبّاقة منذ سنوات إلى دقّ ناقوس الخطر والتنبيه إلى (سكتة قلبية) تهدد المنظومة إن لم تتوفر إرادة سياسية صادقة تُنهي زمن الترقيع والتجميل الإعلامي». ويرى الدكتور الطيب حمضي، الخبير المغربي في السياسات والنظم الصحية، أن اختلالات القطاع الصحي «لا يمكن تحميلها للعنصر البشري وحده»، مشيرًا إلى أن المغرب «يخصص خمسة في المئة فقط من ناتجه الداخلي للصحة، بينما توصي منظمة الصحة العالمية بعشرة في المئة على الأقل».

وأضاف في تصريحه لـ «القدس العربي» أن «هذه النسبة المحدودة لا تكفي لتغطية حاجيات نظام صحي شامل»، مذكرًا بأن «دولًا مثل ألمانيا تخصص 13 في المئة، والولايات المتحدة 16 في المئة».

وأوضح أن المغرب يتوفر على أقل من 30 ألف طبيب، بينما يحتاج إلى أكثر من 34 ألفًا لتحقيق الحد الأدنى من التغطية، مضيفًا أن «الهجرة تمثل أحد أخطر العوامل المفاقمة للعجز، إذ يشتغل نحو 14 ألف طبيب مغربي في الخارج، فيما يهاجر ثلث خريجي كليات الطب سنويًا».

ولم ينف حمضي «دور العنصر البشري، الذي يشتغل في ظروف عمل غير ملائمة، مع غياب آفاق التطور، مما يتيح الفرصة لظهور ممارسات خاطئة»، لكنه شدد على أن «الخلل الحقيقي في بنية التمويل والتخطيط لا في كفاءة الكوادر».

ومن جهتها، تعتبر «النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام» أن مرتكزات النظام الصحي «بُنيت على أسس هشّة، افتقرت للأهداف الاجتماعية وشروط المساواة الدستورية»، مشيرة إلى أن «الرهان على القطاع الخاص تمّ دون مراعاة الخصوصيات الاجتماعية للمغاربة».

وقالت النقابة إن مراحل الإصلاح «طبعها التسرع واعتماد حلول ترقيعية بدل تخطيط استراتيجي»، مضيفة أن «انعدام المحفزات لمقدمي العلاجات وضعف الإمكانيات المادية بالمستشفيات وخندقة المواطنين في أنظمة تغطية صحية دون تمويلات مستدامة، جعل أغلب المستشفيات على شفا الإفلاس».

وأضاف البيان أن «الطبيب في القطاع العام ما زال يسدّ الفراغات رغم ضعف الموارد، مقابل غياب أي تثمين حقيقي للعنصر البشري»، معتبرة أن الشعارات الرسمية حول «تحسين وضعية الطبيب» لم تتجاوز مرحلة الخطاب.

ودافعت النقابة عن «المواطن البسيط في المناطق النائية والمعزولة»، مؤكدة أن «من يتكفل به هو طبيب القطاع العام عبر حملاته الإنسانية المواطِنة لسدّ إخفاقات منظومة عرجاء»، وفق تعبيرها.

وطالبت بفتح «نقاش وطني حقيقي لإنقاذ ورش إصلاح المنظومة الصحية»، مشددة على أن «الإصلاح الجاد يبدأ بإيجاد تمويل مستدام لمرافق الصحة العمومية ومراجعة التعريفة المرجعية لتوحيدها بين العام والخاص دون تحميل المواطن أية كلفة إضافية».

ودعت إلى «وقف الرهان المفرط على القطاع الخاص، وتقوية المستشفيات العمومية عبر سد الخصاص في العنصر البشري وتوفير المعدات الطبية والبيوطبية اللازمة بكل إقليم». كما شددت على ضرورة الحفاظ على استقلالية شبكتي الطب الوقائي والعلاجي، وضمان «وظيفة صحية عمومية بضمانات حقيقية تشمل الاستقرار المهني والأسري والحماية من الشطط والمساطر الشفافة في التعيين».

وأشارت النقابة إلى أن «تحفيز الطبيب ماديًا ومعنويًا ضرورة لمواجهة ظواهر الاستقالات والهجرة والعزوف عن الوظيفة العمومية»، داعية إلى «تنفيذ الاتفاقات السابقة وتوفير تكوين مستمر فعّال ومسارات مهنية عادلة».

ووصف الدكتور حمضي احتجاجات الشباب ومطالبهم بإصلاح القطاع الصحي بأنها «معقولة ومشروعة»، موضحًا أنها «لا تعبّر فقط عن جيل واحد، بل عن كل الأجيال التي لم ترَ بعد منظومة تعليمية وصحية تلبي تطلعاتها».

وأكد أن «القطاع الصحي أصبح عبئًا اقتصاديًا على الأسر المغربية التي تتحمل نفقات مباشرة وغير مباشرة مرتفعة جدًا»، معتبرًا أن «الإصلاح لم يعد ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية تفرضها العدالة الاجتماعية وكرامة المواطن».

وتجدر الإشارة إلى أن احتجاجات «جيل زد» التي عمّت عدداً من المدن المغربية، رفعت مطالب اجتماعية واقتصادية واضحة، في مقدمتها إصلاح قطاعي الصحة والتعليم، وتوفير فرص الشغل، ومحاربة الفساد، وتحسين الخدمات العمومية وضمان الكرامة والعدالة الاجتماعية. وهي مطالب ما تزال تشكل العنوان الأبرز لهذه المطالب الشبابية، التي وصفت بأنها تعبر عن تطلعات فئة واسعة من المغاربة إلى التغيير والإصلاح.

ويأتي على رأس هذه المطالب إصلاح المنظومة الصحية وضمان الحق في العلاج لجميع المواطنين، وهو ما يعيد إلى الواجهة النقاش حول جدية الإصلاحات الحكومية ومدى استجابتها لانتظارات الجيل الجديد من المغاربة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس