أفريقيا برس – المغرب. مع اقتراب افتتاح الدورة الربيعية 12 نيسان/ أبريل الجاري، أكدت وسائل إعلامية محلية منع 10 برلمانيين مغاربة من مختلف الفرق أغلبية ومعارضة من تولي مناصب المسؤولية خلال هذه الدورة، والسبب مُتابعتهم قضائيا في حالة سراح.
يأتي هذا موازاة مع المتابعات القضائية العديدة في حق برلمانيين من مختلف الفرق النيابية أغلبية ومعارضة، بتهم تتفاوت خطورتها في مواجهة شكايات مرفوعة ضدهم من قبل جمعيات المال العام بغرف جرائم الأموال تتعلق بتبديد أموال عمومية أو اتهامات بالفساد الأخلاقي أو أدينوا سابقا من قبل القضاء.
وأوضحت صحيفة “الصباح” أن البرلمانيين المعنيين بالأمر لا يحق لهم التنافس لتولي مناصب المسؤولية في مكتب المجلس، وسيتم منعهم من الترشح لدى رؤساء فرقهم لتولي منصب رئيس لجنة برلمانية دائمة من أصل تسع لجان تنشط في البرلمان وإبعادهم عن تولي أي مسؤولية أثناء إحداث لجان تقصي الحقائق البرلمانية أو لجان استطلاع برلمانية أو موضوعاتية أو المشاركة في الدبلوماسية البرلمانية.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2023، نادت أصوات من داخل مجلس النواب المغربي بإقرار تعديلات في النظام الداخلي، تقضي برفض إعطاء الكلمة في الجلسة العامة للبرلمانيين المتابعين أمام المحاكم في حالة سراح، ومنعهم من رئاسة فريق أو لجنة.
النائبة البرلمانية السابقة حنان رحاب، قالت إن “هذا القرار يخرق مبدأ احترام قرينة البراءة”، معتبرة أن “هؤلاء البرلمانيين من حيث وضعهم القانوني أبرياء حتى تثبت إدانتهم بحكم قضائي نهائي”. وذكرت أن “الأصل هو إعمال النزاهة والأخلاق والحس الوطني في تدبير الانتخابات واختيار الأحزاب لمرشحيها، وليس إصلاح هذه الأخطاء بأخطاء لها علاقة بانتهاك الدستور وانتهاك قرينة البراءة، أو حتى شبهة التأثير على القضاء”.
وأمام الجهود التي تقوم بها هيئات المجتمع المدني المغربي من أجل محاربة الفساد داخل المؤسسات العمومية والمنتخبة، من بينها البرلمان، قال محمد الغلوسي، رئيس “الجمعية المغربية لحماية المال العام”، إن دستور 2011 منح الجمعيات مكانة مهمة بسبب الاقتناع بأهمية المجتمع المدني للمساهمة في سن السياسات العمومية عبر مختلف الوسائل، ثم تقييم هذه السياسات واعتبار أن المغرب تبنى ما يسمى “الديمقراطية التشاركية”، والتي تقتضي إدماج المجتمع المدني وإشراكه الفعلي في اتخاذ قرارات تهم السياسات العمومية محليا والوطني.
وأضاف متحدثا لـ “القدس العربي”، أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، صادق عليها المغرب عام 2007 اعتبرت أن المجتمع المدني يلعب دورا مهما وحيويا في مجال مكافحة الفساد، “هذه الأدوار الدستورية والقانونية للمجتمع المدني إضافة إلى تنامي الوعي المجتمعي يتطلع لتخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد والإنهاء مع الرشوة والمساواة أمام القانون يعبر عنها بمختلف الصيغ ومن أهمها تنظيمات المجتمع المدني”. وأورد المحامي المغربي في هيئة مدينة مراكش، أن جمعيات المجتمع المدني تلعب دورا أساسيا في فضح كل مظاهر مكافحة الفساد والترافع من أجل سن منظومة قانونية لتطويق كل مظاهر الفساد، ثم الضغط على الجهات المختصة للقطع مع الإفلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة.
في هذا الإطار، تجاوبت السلطات على نداءات المجتمع المدني إلى جانب السلطات القضائية، بناء على مؤشر الشكايات التي تتقدم بها هذه الجمعيات ومن بينها “الجمعية المغربية لحماية المال العام”، يؤكد المتحدث لـ “القدس العربي”، ذلك أن السلطة القضائية تتعامل بشكل إيجابي مع أغلب الشكايات المقدمة وتحيلها إلى الشرطة القضائية لإجراء أبحاث، بالإضافة إلى أن الترافع المدني والحقوقي في مختلف الوسائل سواء بلاغات وندوات ووقفات احتجاجية جعلت الفاعلين يعتبرون أن هذه الأصوات يقظة وحية بالمجتمع لابد من التجاوب معها وإن كانت هناك مقاومات وأصوات تريد أن تحجم هذه الأدوار، أو تقزم المجتمع المدني وأن تحشره في زوايا ضيقة.
وأمام ضغوط وترافع واحتجاج هيئات المجتمع المدني، يرى الغلوسي أن الفاعلين ساروا، طواعية أو مكرهين، إلى التجاوب مع النداءات والمتابعات القضائية، وتابع: “نرى اليوم التوجه الحاصل على أعلى مستوى في الدولة من أجل تخليق المشهد السياسي عبر توجيه البرلمان لاعتماد مدونة السلوك والأخلاقيات، ما اضطر الأحزاب إلى الاستجابة مع هذه التوجهات وأخذت القرار بدفع بعض أعضائها المتورطين في قضايا الفساد إلى التواري إلى الخلف، وعدم تحمل المسؤوليات”.
على الرغم من ذلك، يرى الناشط الحقوقي أن الخطوة على إيجابيتها تبقى غير كافية إذ لابد لهذه الأحزاب أن “تتحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية والدستورية في تخليق المشهد الحزبي وجعل السياسة خدمة عمومية وليست مجالا للريع والفساد والاغتناء غير المشروع، وبات عليها تجميع عضوية هؤلاء الأعضاء المتابعين بقضايا مشينة أمام القضاء إلى حين حسم القضاء في التهم والمتابعات القضائية الموجهة ضدهم”.
وكان العاهل المغربي محمد السادس قد قال، في رسالة موجهة إلى المشاركين في الندوة الوطنية المُخلِّدة للذكرى الـ 60 لإحداث البرلمان المغربي، كانون الثاني/ يناير المنصرم، تولى رئيس مجلس النواب، الطالبي العلمي قراءتها أمام المشاركين، إن من “أبرز التحديات التي ينبغي رفعها للسمو بالعمل البرلماني، ضرورة تغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين على غيرها من الحسابات الحزبية، وتخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها”. وأضاف ملك المغرب أن هذه المدونة يجب أن تكون ذات طابع قانوني ملزم، مشددا على ضرورة تحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، فضلا عن العمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة، وتعزيز ولوج النساء والشباب بشكل أكبر إلى المؤسسات التمثيلية.
وأكدت الرسالة الملكية على الدور الحاسم الذي يجب أن يضطلع به البرلمان في نشر قيم الديمقراطية وترسيخ دولة القانون، وتكريس ثقافة المشاركة والحوار، وتعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة، وخلصت إلى كونها رهانات ينبغي العمل جديا على كسبها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس