“جيل زد” يحرج وزراء المغرب على الهواء مباشرة

4
"جيل زد" يحرج وزراء المغرب على الهواء مباشرة

أفريقيا برس – المغرب. فشلت الإطلالات التلفزيونية لعدد من الوزراء المغاربة في تقديم أجوبة مقنعة من جهة، وتحقيق التواصل “الغائب” مع الرأي العام من جهة ثانية، وخاصة مع “جيل زد” الذي خرج إلى الشوارع رافعاً مطالب اجتماعية.

وفي ظرف زمني وجيز، تحوّل التلفزيون العمومي المغربي، ممثلاً في القناة الثانية “دوزيم” و”ميدي 1 تي في”، إلى نجم مواقع التواصل الاجتماعي، كما تحول إعلاميون إلى “فرسان” الجيل الجديد، بعدما عبّروا “بجرأة” عما يختلج في صدور المحتجين وعقولهم، وطرحوا أسئلة وُصفت بـ”المحرجة” لضيوفهم من الوزراء.

الاحتجاجات التي بلغت السبت يومها الثامن، كانت محور نقاش موسع في الإعلام المغربي والعربي. فقد استضافت قناتا “العربية” و”سكاي نيوز عربية” وزير العدل عبد اللطيف وهبي، بينما استضافت قناة “ميدي 1 تي في” الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس. أما “بلاتو” القناة الثانية “دوزيم”، فقد فتح النقاش على مصراعيه بحضور الوزير عبد الجبار الراشيدي.

النتيجة العامة، بحسب المراقبين، أن الوزراء لم ينجحوا في الإقناع أو حتى في خوض نقاش متكافئ. فوزير العدل لجأ إلى الحديث عن القانون والدستور وصعوبة تغيير الحكومة، و”جاءت كلماته محمّلة بروح تبريرية، أكثر منها تأملية أو إصلاحية، وبدت كما لو أنها تسعى إلى تلطيف الغضب الشعبي، دون الخوض في جوهر الأزمة”، كما كتب الإعلامي مصطفى غلمان.

بينما ذهب الناطق الرسمي بايتاس أبعد من ذلك، حين اتهم صحافي “ميدي 1 تي في” بأنه “الناطق الرسمي باسم حركة جيل زد”، ما أطلق موجة تضامن واسعة مع الإعلامي نوفل العواملة.

أما في القناة الثانية “دوزيم”، فكان المشهد أكثر إثارة، حين أحرج أحد ضيوف البرنامج، وهو الصحافي الشاب حمزة فاضلي، الوزير الراشيدي، بقوله في معرض رده عن سؤال حول الحلول الممكنة: “سأستحي وأقدم استقالتي، لأن الاحتجاجات دليل على فشلي”.

“الناطق الرسمي باسم جيل زد“

المشهد الذي أثار أكبر جدل كان مواجهة الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، والصحافي نوفل العواملة على شاشة “ميدي 1 تي في”. فقد حاصر الأخير الوزير بأسئلة مباشرة تمحورت حول مطالب المحتجين، وعلى رأسها دعوة الحكومة إلى تقديم استقالتها. وردّ بايتاس على الصحافي قائلاً: “هل أخبروك بذلك أم أنت الناطق الرسمي باسمهم؟”.

وسارع العواملة إلى نفي انتمائه لـ”جيل زد”، مؤكداً أنه يمارس مهنته كصحافي لا أكثر، لكن النقاش كان قد اشتعل على المنصات الرقمية، حيث اعتُبر ردّ الوزير “استعلائياً ومتعجرفاً”، بل و”استفزازياً”. وذهب البعض إلى اعتباره “سلوكاً ديكتاتورياً”، يروم تكميم أفواه الإعلاميين بدل محاورتهم.

الصحافي سمير شوقي صنّف الحادثة ضمن “الكوارث التواصلية” في بيت رئيس الحكومة، معتبراً أن الوزراء “يفشلون في كل مرة يطلّون فيها على الرأي العام”، وأضاف في تدوينة: “كنا نطالبكم بالتواصل، وها نحن نتمنى لو تصمتوا”.

من جهته، اعتبر الصحافي المغربي المقيم في فرنسا محمد واموسي أن الحكومة “دفعت بثلاثة من وزرائها إلى القنوات لامتصاص غضب الشارع، لكنها لم تمتص سوى أعصابهم”، مستثنياً الوزير عبد الجبار الراشدي الذي “صمد في دوزيم لكنه لم يقنع حتى نفسه”.

تواصل حكومي لا يظهر إلا في لحظات التدشين

في القناة الثانية بالدار البيضاء، لخصت الصحافية سناء رحيمي أزمة التواصل الحكومي بقولها: “لا يمكن أن يقتصر التواصل مع وسائل الإعلام على لحظات التدشين فقط”. وأوضحت أنها تواصلت مع عدد من الوزراء للمشاركة في البرنامج لكن دون جدوى.

وتصدرت رحيمي موجة إشادات واسعة من زملاء المهنة ومن الرأي العام، واعتُبرت “الناطقة الرسمية باسم الشباب”، بفضل مهنيتها العالية وحضورها الواثق. وكتب الصحافي حسن المولوع أن رحيمي كانت “قمة في المهنية والاحترافية، وكأنها تنطق بلسان الشباب”.

ووفق صاحب التدوينة، فإن أول إنجاز تحقق بفضل احتجاجات “جيل زد” هو “فتح الإعلام العمومي أمام النقاش الحر والمسؤول”، ويرى مراقبون أن “دوزيم” غيّرت من لهجتها، وتحدثت عن سلمية الاحتجاجات ومشروعية مطالب الشباب الاجتماعية، بل وواجهت الوزراء بأسئلة حقيقية.

في المقابل، دافع بعض المدونين عن الوزير بايتاس، معتبرين أن “خصومه السياسيين استغلوا الحادثة لتصفية حسابات”. وكتب إبراهيم بوليد أن الوزير “تحدث بلغة الشباب بعيداً عن لغة الخشب، وكان واضحاً وصريحاً، غير أن البعض ضخّم جملة عابرة وأخرجها من سياقها”.

“أنا مع المحتجين“

لم تتوقف مواقع التواصل الاجتماعي عند حدود البرامج التلفزيونية، بل أضافت إليها مقطع فيديو يظهر فيه وزير العدل عبد اللطيف وهبي وهو يخاطب رئيس الحكومة عزيز أخنوش مازحاً: “أنا مع المحتجين”. وجرى تصوير المشهد في ضريح محمد الخامس في الرباط أثناء إحياء ذكرى وفاة العاهل الراحل الحسن الثاني. ورغم أن اللقطة كانت عفوية، فإنها انتشرت بسرعة وأُرفقت بتعليقات ساخرة من أداء الحكومة.

استمرار الاحتجاجات بسلمية

ولليوم الثامن على التوالي، تواصلت السبت الاحتجاجات الشبابية، وسط أجواء سلمية خالية من أي مواجهات أو تدخلات أمنية. وردّد المتظاهرون الشعارات ذاتها المطالبة بالعدالة الاجتماعية وتحسين الخدمات العامة في الصحة والتعليم والتشغيل.

وتداول مدونون مشاهد توثق شبابا يهدون رجال الأمن باقات ورد، تقديرا لجهودهم، وإشادة بحرصهم على أن تمر الوقفات في ظروف سلمية، دون أي تدخل أو تعنيف.

ولوحظ أنه ابتداء من يوم الخميس المنصرم، صارت قوى الأمن والقوات المساعدة تكتفي برصد الوقفات الاحتجاجية وتتبعها، دون أن تقوم بمنعها أو الدخول في مواجهات واحتكاكات مع المتظاهرين، لدرجة اعتقال بعضهم والزج بهم في سيارات الشرطة. ما فسر من لدن مراقبين بصدور تعليمات تلح على عدم تكرار المشاهد المسيئة لصورة المغرب الحقوقية.

وفي هذا السياق، أعلن “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” أنه “واصل رصده للاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن مغربية، وتابع باهتمام التظاهرات خلال اليومين الماضيين التي جرت في أجواء سلمية، دون تسجيل أي سلوك من شأنه المساس بالحق في التجمع السلمي، سواء على المستوى الجهوي أو الوطني”.

وأبرز المجلس في بيان تلقت “القدس العربي” نسخة منه، أنه يستفاد من ذلك أنّ المغاربة، محتجّين كانوا أو قوات عمومية، قد نجحوا في تفعيل التأويل الحقوقي للحق في التجمع السلمي، بصرف النظر عن مسألة التصريح أو الإشعار القبلي، باعتباره مسؤولية مشتركة بين الداعين للاحتجاجات والسلطات العمومية، في توازن بين حفظ النظام العام وصون الممتلكات الخاصة والعامة، وضمان ممارسة الحق في التجمع والتظاهر السلمي.

ووفق الهيئة الحقوقية، فقد أبرزت هذه الاحتجاجات خلال اليومين الماضيين، بما حملته من تعابير جماعية سلمية، ممارسة فضلى، سواء من جانب الداعين لها أو من قبل المكلفين بإنفاذ القانون، وهو ما أفضى إلى ضمان الطابع السلمي للتجمعات.

كما استحضرت هذه الدينامية أشكال التعابير الرقمية الناشئة في هذا المجال، في سياق سلمي يعتبر مكتسبا من مكتسبات المسار الديمقراطي والحقوقي للمجتمع المغربي.

اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
اضغط على الرابط لمشاهدة الفیدیو

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس