أفريقيا برس – المغرب. شكل تاريخ 8 غشت 2025 تحولا صعبا في تاريخ الزاوية البودشيشية في المغرب، إحدى أقدم الزوايا المغربية. فقد توفي شيخ الطريقة « سيدي جمال »، بعد معاناة مع المرض، وكان يفترض أن يحدث انتقال المشيخة بشكل سلس إلى أحد أبنائه، كما كان يحدث في تاريخ الزاوية، لكن طفا على السطح خلاف حاد بين ابنيه الأكبر سيدي منير والأصغر سيدي معاذ.
خلف الشيخ الراحل خمسة أبناء أحدهم توفي في حادث وبقي أربعة أكبرهم سيدي منير، وأصغرهم سيدي معاذ.
ومباشرة بعد الوفاة لوحظ خلال مراسم الجنازة غياب أي مسؤول رسمي عن المراسم، بما فيهم وزير الأوقاف أحمد التوفيق، أحد أبرز مريدي الطريقة، وهو ما تم تأويله كإشارة غضب مما يجري من ترتيبات لخلافة الشيخ.
يقول أنصار سيدي منير إن هذا الأخير حصل على وصية والده لخلافته من بعده، وقبل ذلك أوصى له جده سيدي حمزة الذي توفي سنة 2017. وخلال مراسم الجنازة والعزاء في مقر الطريقة في مداغ، تمت تلاوة نص وصية الشيخ بتعيينه ابنه الأكبر سيدي منير خليفة له، وذلك وسط حضور مكثف للمريدين في المنطقة القريبة من مدينة بركان. كان يبدو الأمر بالنسبة لغير المطلعين على كواليس ما يجري بأن أمر المشيخة قد حسم، ولكن كانت تلك المحطة هي النقطة التي أفاضت الكأس، حيث بدأت حرب التسريبات والبيانات التي استمرت إلى اليوم. فما الذي حدث؟ وما خلفيات ما يجري داخل الطريقة البودشيشية؟ وهل تتحفظ الدولة على تولي سيدي منير مشيخة الطريقة؟ ولماذا؟
تعتبر الطريقة البودشيشية من أقدم الزوايا في المغرب تعود نشأتها إلى حوالي 800 سنة. ظهرت في القرن السادس الهجري، أي في القرن 12 ميلادي، وتنسب إلى مؤسسها الشيخ عبد القادر الجيلالي، وهو شيخ صوفي من أصول فارسية تولى وضع أسس الطريقة القادرية التي انتشرت في المشرق والمغرب. وفي المغرب سميت بالطريقة القادرية البودشيشية في القرن 19 الميلادي، لأن أحد شيوخها كان يطعم الناس « الدشيشة » خلال المجاعة التي ضربت البلاد في تلك الفترة.
وتؤمن الطريقة بدور الشيخ المحوري وبركته ومنحه الأوراد والأذكار، وتعلق المريدين به، ويعتقدون أنه لا تربية بدون شيخ، وتركز الطريقة على تزكية النفس وتبتعد عن الخوض في السياسة، رغم إعلان تأييدها لسياسة الدولة، وتوجهاتها.
ومن أبرز شيوخ الزاوية في القرن العشرين هناك الشيخ المختار القادري بودشيش وقد توفي سنة 1955 وخلفه الشيخ العباس، والذي خلفه ابنه الشيخ حمزة عام 1972 وفي يناير 2017 توفي الشيخ حمزة وخلفه ابنه الشيخ سيدي جمال، الذي توفي في 8 غشت 2025، وقد كان واضحا أن ابنه سيدي منير هو الأكثر ظهورا في الواجهة والأكثر شعبية داخل الطريقة، بخلاف شقيقه الأصغر سيدي معاذ.
لغز تنازل سيدي منير
بعد مرور أربعة أيام على وفاة الشيخ نشر بيان على نطاق واسع منسوب إلى سيدي منير، يشير إلى أنه تنازل عن المشيخة لصالح أخيه معاذ. وكان ذلك أول مؤشر على أن شيئا ما يحدث في الكواليس. وقد جاء في البيان:
« أعلن منير القادري بودشيش، يوم الثلاثاء 12 غشت 2025، عن تنازله الرسمي عن مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية لصالح أخيه معاذ القادري بودشيش، في خطوة تهدف إلى « حفظ وحدة الأسرة والطريقة »، وتجنب الانقسامات داخل الزاوية وأن القرار اتخذ بعد « توكل على الله واستخارته ومناجاته »، ودعا المريدين إلى الالتفاف حول أخيه معاذ وإظهار « الأدب وحسن الظن به »، مع تأكيد أهمية الالتزام بمبادئ الطريقة من صفاء القصد وصحة التوجه وخدمة العباد والبلاد.
ولكن هذا البيان الذي لم ينفه سيدي منير، أثار ردود فعل داخل الطريقة، ليصدر بعده بأيام بيان ثان غير موقع يشير إلى أن سيدي منير لم يتنازل عن المشيخة. وجاء فيه « نؤكد للرأي العام، ولجميع المنتسبين والمحبين، بل وحتى لمن يترصّدون للطريقة، أن هذا الخبر باطل ولا أساس له من الصحة، وأنه مجرّد افتراء وفِعل مُغرض تقف وراءه جهات تسعى لشق الصف وتقسيم وإضعاف الطريقة القادرية البودشيشية ».
ويضيف البيان « شيخنا الجليل، سيدي منير القادري بودشيش، ما زال على رأس المشيخة، ثابتاً على نهجه، متمسّكاً برسالته الروحية في خدمة الدين والوطن، تحت إمارة المؤمنين، حامي حمى الملة والدين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيّده ».
وبعده بدأت تتقاطر رسائل من فروع الزاوية في الخارج تدعم سيدي منير، منها فروع ليبيا ومصر، ودول غربية وكذا بعض المقدمين في المغرب، والمثير أن كلا البيانين لم يكونا موقعين، ولا يحملان أي طابع رسمي للزاوية، وتبع ذلك شن حملات إعلامية تدعم سيدي منير باعتباره حامل السر لتولي مشيخة الطريقة، مقابل حملات إعلامية معاكسة تستهدفه.
خلال هذه الفترة التي ساد فيها الغموض وطرحت فيها تساؤلا عن خلافات داخل الزاوية لم يخرج سيدي منير بأي توضيح أو تكذيب لأي من البيانين، واستمر الوضع إلى يوم الأحد 17 غشت، حين عٌقد اجتماع في مقر الزاوية في مداغ، أعلن فيه سيدي منير، أنه يلبي تعليمات جلالة الملك، سواء اختار سيدي معاذ أو شخصا آخر، وأنه استخار الله، وقرر نزع فتيل الفتنة، ولكن ظهر أن منير بودشيش لم يكن راضيا ولهذا اعتبر أن اختيار شيخ الطريقة سيدي معاذ أو غيره، هو فقط لتدبير شؤون الطريقة « ظاهريا »، وأنه هو الذي يملك السر الذي يوجه شيخ الطريقة…
ولأول مرة حرصت الطريقة على نشر الفيديو الذي يتحدث فيه سيدي منير في مقر الطريقة البوديشية محاطا بأنصاره، لإظهار أن الأمر قد حسم، وأنه تنازل فعلا.
في الكواليس جرى الحديث عن تيار يعارض تولي سيدي منير المشيخة، كما جرى الحديث عن اجتماعات عقدها مسؤولون كبار في الدولة بحضور وزير الأوقاف أحمد التوفيق، مع سيدي منير لإقناعه بالتنازل لصالح شقيقه الأصغر. لكن لماذا التحفظ على سيدي منير؟
رسالة صادمة من وزير الأوقاف إلى سيدي منير
يمكن البحث عن أسباب التحفظ على سيدي منير من خلال رسالة مسربة منسوبة إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، تعود إلى 28 أكتوبر 2022، وجهها إلى سيدي منير. ويظهر أنها بقيت طي الكتمان، قبل تسريبها في سياق الخلاف الذي برز بعد وفاة سيدي جمال.
ويستنتج من الرسالة أن أحمد التوفيق وهو أحد مريدي الطريقة البودشيشية نبه سيدي منير إلى مشكل خلافه مع شقيقه معاذ، قبل وفاة والده أو خلال مرضه، وتحدث عن انحراف وفساد في توجهات الطريقة ودعاه إلى حل المشكل. وبما أنه لم يستجب فقد تم تسريب الرسالة لكشف الحقيقة للمريدين والرأي العام. فماذا جاء في الرسالة؟
يقول التوفيق مخاطبا سيدي منير « لقد قلتُ لك إن « الحل بيدك »، إذ بدا لي أن بعض الأفكار والتصرفات ستؤدي إلى هدم أركان الطريق ». وتشير الرسالة إلى أن سيدي منير يدافع عن إعطاء الاعتبار لإخوته الآخرين غير سيدي معاذ »، وهو ما انتقده التوفيق لأن « اعتبار الطريق مؤسسة عائلية، فهم غير مقبول في منطق الطريق التي هي أساسا مبنية على صحبة شيخ عارف المسالك »، وقال التوفيق في رسالته « ثم إنني فهمت منك أنه لا ينبغي استبعاد الإخوة الثلاثة غير سيدي معاذ، وكأنهم بجانبك وهو المنافس لك ».
ويضيف التوفيق « سيدي الكريم، إذا كنتَ أنت قد فهمتَ، بطريق من الطرق، أنك الشيخ بعد والدك، أطال عمره، فليكن الأمر كذلك، لكن لا تستعجل، إذ عليك أن تظهر بمسكنة صادقة مثل مسكنة سيدي الحاج العباس، وبما ينبغي من التواضع الحق كتواضع سيدي حمزة، بالرغم من قوة شخصيته، وظهورك بالمسكنة والتواضع هو الذي من شأنه أن يزيد ولاشك تأهيلك في الظاهر إلى تأهيلك في الباطن.
استعمال السحر والجن
ويستنتج هنا أن التوفيق ينتقد شخصية منير المستعجلة وغير المتواضعة. بل أكثر من ذلك نبهه إلى تصرفاته التي يسعى من خلالها إلى « قطع الطريق » بالاستعانة بالسحر، وقال له إن « عددا من الأحوال والتصرفات من جانبك يفهمها الناس على أنها إرادة الاستعانة بوسائل لا تتناسب مع كمال طريقة والدك وجدك، وهذه الوسائل هي ما يسمى بـ »الصلاح » و »قطع الطريق » والسعي في استعمال « الرواحين » من الجن و »المروحنين » من البشر، وما يشبه هذا من أفعال السحر، وكلها تطلعات ليس بينها وبين التدجيل سوى خيط ملتبس ».
واقترح التوفيق، على سيدي منير علاجا مستعجلا لما وصفه بـ « بداية مرض الطريق »، وذلك أولا بأن يتخلى عن فكرة استعجال المشيخة. ثانيا، أن يبتعد عن جميع من يتملقونه بذلك من طلاب الدنيا، وأن يتخلى عن كل الأنشطة المشوشة على الطريق في سمتها الطبيعي الذي يدور على الذكر. ثالثا، ألا يضغط « على سيدنا الشيخ والدك في أي اتجاه من الاتجاهات »، وقال له « الطريق بحاجة إلى انسحابك التام في الوقت الحاضر، سواء على صعيد المغرب أو على صعيد الخارج ».
وأضاف « إذا لم تستجب لما أتصوره علاجا في ظرف شهر، فعليك أن تحتم على سيدنا الشيخ أن يأمر سيدي معاذ بأن يكون هو الذي يتخلى ويبتعد عن مداغ، وأن يكف عن كل نشاط في الطريق، لأن المهم هو ألا يكون تشتت في التوجه ». لكنه عبر عن خشيته من أنه إذا انسحب سيدي معاذ لصالح الطريق أن يمرض عدد من الفقراء في نفوسهم ويتسللون تباعا، ولن يبقى فيها إلا طلاب الدنيا ما دامت تظهر لهم الأغراض والحظوظ، وغرض بعضهم من الآن هو إفساد الطريق خدمة لشياطين من الإنس وشياطين من الجن ».
وهناك جانب ثاني أثاره وزير الأوقاف في رسالته، وهي علاقة سيدي منير بسيدة فرنسية، وهو موضوع يروج بقوة داخل الطريقة لكن دون الكشف عن تفاصيل، وجاء في الرسالة:
لا يخفى عنك أن بعض الفرنسيين، ومنهم إعلاميون وسيدة بارزة في السياسة منخرطة في الشأن العام، يهددون بنشر أمور غير لائقة ستضر كثيرا بالطريق، وقد سعى بعض الغيورين إلى غاية الآن في ألا يقع ذلك النشر، ويروج الناس أنه ما يزال في فرنسا من يتصرف باسمك ويزيد الطين بلة، وكنت أسمع من سيدي حمزة أنه مستاء من تلك العلائق، لأنك جزء من ذاته البشرية ».
ويظهر من هذه الفقرة أنها تحمل تلميحات عن أمور تتعلق بعلاقة سيدي منير بسيدة فرنسية، وهو موضوع متداول وسط عدد من مريدي الطريقة.
وقد نبه أحمد التوفيق في رسالته إلى أن جلالة الملك إمام البلد شريك في الطريق، « ولن يقبل أن تضعف الطريق أو تندثر، وهو إذا دعت الحاجة سيسأل وسيعرف كل الأخبار »،
ومن المؤاخذات أيضا التي أثارتها رسالة التوفيق الخلط الذي وقع في المولد النبوي بين اجتماع الفقراء وبين المهرجان « الذي تنظمه أنت للكلام عن التصوف كل عام »، فالفقراء لا يأتون لهذا المهرجان وإنما لإحياء المولد في الزاوية، أضف إلى ذلك ما وقع في الليلة من قيام بعض المشارقة بخلع البردة عليك، ثم ما جرى من الكلام في المجلس مما لا يجوز التهاون فيه.
وأشار التوفيق إلى أنه كتب رسالة في نفس الوقت إلى الشيخ الوالد واقترح عليه أن يبادر بتعيين « مجلس » من « الفقراء » (المريدين) يعينه على التدبير التنظيمي والمادي للطريق، ومن شأن هذا التدبير الحفاظ على الطريق بأصولها وسمتها، وحماية الشيخ وحماية الطريق من أنواع المتمشيخين.
وأضاف « إذا لم تكن هذه الحماية، فإن سيدنا الشيخ والدكم سيخضع لضغوط لا يطيقها من فرط أدبه وحيائه »، مشيرا إلى أن هذا الحياء وهذا الأدب هو الذي جعله يضيف اسمك (سيدي منير) في الوصية الأولى، مشيرا إلى أنه هو من كتب تلك الوصية بأمر سيدي حمزة رضي الله عنه، معتبرا أن هذه الإضافة بدعة غير مسبوقة في تاريخ الطرق الصوفية، « الإذن لوارث ثم لوارث الوارث «.
وقال له « كلامي هذا لا يدخل في ما لا ينبغي لي الدخول فيه من أمور الغيب المتعلقة باستحقاقك أو عدمه، وإنما يدخل في الأصول التي تحفظ لهذا الأمر مصداقيته الضرورية في الظاهر »، محذرا من أن بعض البوتشيشيات يسعين إلى دفع أبنائهن ليتمشيخوا، وها أنت ترى أن بعض أبناء البوتشيشيين من أحفاد سيدي حمزة يطالبون بحقهم في بنايات الزوايا، وهي وقف عام يمكن أن يرفع فيه أي مواطن دعوى قضائية حتى ولو لم تتدخل الدولة، وها أنت ترى أن بعض البوتشيشيين يفكرون في تأسيس جمعيات عائلية كما لو أن لهم نصيبهم في البركة التي يتوهم هؤلاء أنها تدر الأرباح على مشيخة الزاوية.
توضح هذه الرسالة التي تسربت بعد وفاة الشيخ سيدي جمال عمق الأزمة التي عاشتها الزاوية خلال فترة مرضه، وتولي ابنه سيدي منير تدبير الأمور، وحصوله على الوصية من والده، قبل وفاته. وتتعلق المؤاخذات الموجهة لسيدي منير أولا بـ: استعجاله المشيخة وضغطه على والده للحصول على الوصية، وضغطه على جده حمزة لتضمين وراثته الطريقة بعد والده، ثانيا، استعماله وسائل غير مشروعة من قبيل السحر والإغراء بالمال، ثالثا، علاقته مع سيدة فرنسية، وهو موضوع غامض، حيث يجري الحديث عن علاقة زواج أو صداقة مع سيدة تكبره سنا. رابعا، هناك انتقاد للخروج عن منهج الطريقة، بتنظيم ملتقى التصوف على هامش حفل المولد النبوي، وقيام المشارقة بخلع البردة عليه، في إشارة إلى إسباغ المشيخة عليه، وهناك أيضا مؤاخذات يمكن استنتاجها من الرسالة تتعلق بالتدبير المالي للطريقة، وتوزيع المال على الأنصار.
دخول العائلة على الخط
ورغم تنازل سيدي منير الذي يظهر أنه تعرض لضغوظ كبيرة للعودة إلى الخلف، إلا أن التفاعلات استمرت، ففي 21 غشت وقع تطور يوحي بأن المعركة داخل الطريقة لم تنته فقد تم نشر رسالة منسوبة لأفراد عائلة الشيخ المتوفي، موجهة إلى الملك محمد السادس، يعبرون فيها عن تزكيتهم لمنير القادري بودشيش، ليكون خلفا لوالده المتوفى جمال الدين على رأس الزاوية القادرية البودشيشية في سياق اعتبر ضغطا على القصر، ورفضا لتنحيه.
وقال الموقعون إنهم يشهدون جميعا لمنير القادري « كما شهد له بذلك شيوخ هذه الطريقة المباركين، بأهلية الإرشاد والتربية، سواء بما تواتر بين المريدين من وصاياهم الصريحة في غير ما مناسبة بهذا الشأن، أو بما وثقوه وكتبوه من وصايا صريحة ».
وذكرت الرسالة بوصية الشيخ حمزة، جد منير، بتاريخ 3 أكتوبر 1990، التي زكى فيها ابنه جمال الدين ومن بعده ابنه منير، إلى جانب وصية الشيخ جمال والده بتاريخ 5 دجنبر 2024.
ومما جاء في الرسالة « إننا نستعطف جلالتكم أن تشملوه وتسدلوا عليه عنايتكم الكريمة، وتسبغوا عليه من فضائلكم الوافية، حفاظا على هذا السند الروحي المتصل الذي حملته قلوب العارفين عبر القرون، وتوارثته الأجيال في ظل عناية أسلافكم الميامين ».
الرسالة حملت أسماء كل من فتيحة ليعكوبي، زوجة الشيخ الراحل جمال الدين، إلى جانب بنات الشيخ حمزة: « آسية وأبناؤها جميعا »، و »فوزية وأبناؤها جميعا »، و »عائشة وأبناؤها جميعا »، و »زكية وأبناؤها جميعا ». إضافة إلى أبناء الشيخ جمال الدين: مراد وأبناؤه جميعا، ومحمد وأبناؤه جميعا، باستثناء سيدي معاذ. وتواصل نشر بيانات تدعم سيدي منير منها فروع للزاوية في دول عربية وأوربية.
داخل أوساط مريدي الطريقة التي تضم فئات اجتماعية مختلفة منهم أطر كبار في الدولة، وقع انقسام كبير، وقد حاول « اليوم24 » استقاء وجهات نظر الأطراف المختلفة حول هذه الأزمة، وحسب مصدر مقرب من سيدي معاذ، فإن سيدي منير يريد تغيير نهج الطريقة البودشيشية، وأن ممارساته أبعد ما تكون عن نهج والده وأجداده، سواء فيما يتعلق بالتعامل مع المال أو علاقته « المشبوهة مع سيدة فرنسية تكبره سنا » مضيفا « هناك أسرار إذا كشفت عن هذه العلاقة فستكون فضيحة »، مشددا على أن الدولة لن تسمح بهذا المنحى، ويشدد المصدر على أنه تم تبليغ سيدي منير بقرار القصر بإسناد المشيخة إلى سيدي معاذ بظهير ملكي وهو ما دفعه إلى التنازل، « رغم مناورته »، وأضاف أن سيدي منير بدأ يدفع أنصاره في المغرب وخارجه لمراسلة الملك وإصدار بيانات تدعمه، أملا في الضغط للعودة إلى قيادة الطريقة.
بالمقابل يقول مصدر مقرب من سيدي منير إنه لا وجود لأي ظهير ملكي لتعيين شيخ الطريقة، وأنه لم يسبق أن تولى شيوخ الطريقة المشيخة بظهير إنما فقط بالوصية. وقال المصدر إن « تعيين شيخ الطريقة أمر روحي يتم بالوصية وبإذن « الحضرتين الإلهية والمحمدية ». وأوضح أن أنصار سيدي منير رفضوا تنازله، لأنه « ليس من حقه التنازل، لأنه مطوق بالوصية »، وأضاف « إذا غادر سيدي منير ستضيع الطريقة ويتشتت مريدوها، ولن يكون هناك شيخ مأذون في الطريقة يعطي الأوراد ولن يبق ذكر الله في الطريقة ».
ويضيف المصدر إن سيدي منير تعرض لحملة تشهير كبيرة في عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية، وردا عن ما يروج عن علاقته بسيدة فرنسية تكبره سنا، وتتحكم فيه وفي الطريقة، يقول أنصاره إن ذلك « بهتان » و »كذب ».
فقراء الزاوية حسب المصدر متمسكون بـ »الوصية الواضحة »، التي تشير إلى انتقال « السر » و »الإذن » لصاحبه سيدي منير سواء وصية والده سيدي جمال أو وصية جده سيدي حمزة، فضلا عن ما يتداوله المريدون بشأن « بشارة الشيخ العباس التي تناقلها المريدون منذ عشرات السنين ».
إضافة إلى ذلك يشير أنصار سيدي منير إلى أن معظم مقدمي الزاوية الذين عينهم الراحل سيدي جمال قدموا « العهد الروحي » لسيدي منير »، بعد وفاة والده من خلال المصافحة واحدا واحدا، ويعني هذا العهد « الالتزام الروحي القلبي بالعمل إلى جانب الشيخ سيدي منير ».
بالنسبة لأنصار سيدي منير فإن إبعاد هذا الأخير عن المشيخة، سيخلق مشكلة كبيرة للطريقة البودشيشية، مثلا لا يمكن أن تكون هناك أذكار وأوراد إلا من شيخ مأذون له، فهذا ما يعتقده مريدو الزاوية، كما أن أتباع الزاوية في عدد من الدول الغربية سواء في أمريكا أو أوربا أو أفريقيا وأسيا، يدعمون سيدي منير. يقول مصدر من أنصاره إن مريدين ينتمون إلى 12 ولاية أمريكية وجهوا بلاغا عبر السلك الدبلوماسي يدعم سيدي منير، فضلا عن دعم مريدين من دول أوربية كفرنسا إيطاليا بلجيكا ودول إفريقية مثل مالي ونيجيريا، وكذا دول عربية وأسيوية.
وبخصوص صدور ظهير بتعيين سيدي معاذ، يقول المصدر « ليس لدينا أي تعليمات ملكية مكتوبة أو ظهير وإذا صدر أمر رسمي مكتوب فإننا جميعا سوف نمتثل له ». أما سيدي منير فليس من حقه التنازل لأنه « مكبل بالعهد » مضيفا « هناك إطار لتدبير المشيخة، يتكون من ممثلي شرفاء الطريقة ومنهم أفراد العائلة ومجلس الطريقة الذي يتكون من مقدمين معينين من طرف الشيخ، فضلا عن أطر عليا من أكاديميين وجامعيين، إضافة إلى عدد من قدماء الطريقة البودشيشية، ويصل عدد أعضاء المجلس إلى حوالي 200 عضو مهمتهم التداول في قضايا الطريقة واتخاذ القرارات المناسبة.
لكن تشير مصادر إلى أنه منذ بداية مرض الشيخ كان هناك تحفظ على سيدي منير من طرف الدولة، فقد تولى « سيدي منير » عمليا تدبير الطريقة كشيخ في غياب والده، وبدأ يسلك مسارا بعيدا عن نهج الطريقة ويخرج عن نموذج الزاوية الصوفية المغربية، وبخلاف الشيوخ الذين لهم سمة الصمت ولا يتحدثون إلا قليلا، فهو يحرص على الحضور في وسائل الإعلام، ويحب المظاهر، وأدخل مريدي الزاوية إلى ملاعب كرة القدم، وهناك أيضا جانب آخر يتصل بالتدبير المالي للزاوية، وطريقة صرف الأموال التي يتم جمعها من تبرعات المريدين وبناء مقر فاخر في مداغ لا يناسب طريقة صوفية مغربية عرفت بالزهد. وهناك أيضا جانب يتصل بشخصية « سيدي منير »، الذي يوصف بالانفعالي وأحيانا تكون ردود فعله تجاه بعض المريدين تتسم بالقسوة والفظاظة… هكذا ينظر إليه معارضوه، وهو جانب انتقدته رسالة الوزير أحمد التوفيق.
ولحد الآن فإن سيدي منير قد أعلن موافقته على التخلي عن المشيخة، في كلمة ألقاها في مقر الطريقة في مداغ، لكنه عمليا لازال يواصل مهمة شيخ الطريقة، فقد أشرف على الاعتكاف في مقر الزاوية هذا الصيف، ويستعد لتنظيم حفل المولد النبوي، فيما يلزم شقيقه بيته في انتظار التطورات ويواكب ذلك حملة من البيانات التي تصدر من مختلف فروع الزاوية تعلن تأييد سيدي منير، ولازال المشهد غامضا لحد الآن بخصوص مصير المشيخة، والتي قد تتضح خلال احتفالات المولد النبوي في 5 شتنبر.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس