لماذا لا يستطيع ولن يستطيع البرلمان الحالي، بتركيبته وروحه الحالية، إدراج مسألة تجريم الإثراء غير المشروع في القانون الجنائي، وحتى إن أدرجه، فسيظل هذا القانون حبرا على ورق؟ لأن ذلك يعني انهيار منظومة جبارة وقديمة للفساد، لأن ذلك يعني من بين ما يعنيه، فضح علاقة المال بالسلطة وحجم استغلال النفوذ السياسي والإداري للاغتناء خارج القانون، وفضح ثروات بعض، وليس بضع مسؤولي الإدارة الترابية، وبعض، وليس بضع مسؤولي إدارة الضرائب، الذين لم يكلف أحد نفسه التحقيق في ثرواتهم وهم الموظفون العاديون مثل غيرهم، والذين يفترض أن لا يكون لديهم ما يكفي من المال لشراء العقارات داخل وخارج الوطن والضيعات الفلاحية والحسابات البنكية المتعددة والضخمة. ولأن هذا القانون سيؤدي، كذلك، إلى تعرية مصادر ثروات بعض وليس بضع المسؤولين الأمنيين والقضائيين، الذين لا يسألهم أحد عن البركات التي تتنزل عليهم خارج كل قواعد الطبيعة والاقتصاد، ومصادر ثروات عدد من المسؤولين السياسيين والحزبيين، الذين باعوا الوطن لفرنسا التي كافأتهم بدورها باستعمالهم على شؤون البلاد والعباد، فاقتسموا ما تبقى ولازالوا يقتسمون، وثروات عدد من البرلمانيين الذين يُشرّعون من القوانين ما يحميهم ويكبل أيدي الناس، ويبررون للسلطة كل شيء، وأي شيء… يأكلون مع الذئب ويبكون مع الراعي، ولأن هذا القانون سيكشف شبكات تهريب الأموال إلى الخارج، وما تنهبه كل يوم تحت كل التسميات، وما تكدسه في الأبناك وفي الملاذات الضريبية وما تقتنيه من عقارات وشركات وأسهم، وما تستمتع به من سفريات وحفلات من عرق شعب لم يعد يجد تقريبا ما يسد رمقه. كما ستنفضح شبكات الدعارة الراقية، التي تصدر اللحم المغربي الحي إلى كل بقاع الأرض وتجهز مواخير للزوار في الداخل، وشبكات تهريب البشر والاتجار فيه، عبر قوارب الموت والخطب الغبية التي تبيع الشباب المغربي لتجار الجهاد والوهابيين، وستنكشف أيضا شبكات تهريب المخدرات، التي لا أحد يراها رغم أن الكل يراها، وشبكات الاحتكار، التي لا يمكن صنع ولا استيراد ذرة أوكسجين ولا آلة عملاقة إلا عبرها وبواسطتها وإذنها، ثم تحدد ثمنها كيفما شاءت، ولأن هذا القانون سيلقي الضوء على مصادر اغتناء اللوبيات القطاعية من فلاحة وسياحة وصيد بحري وملك غابوي وغيرها، تلك اللوبيات التي جعلت الشعب مجرد خمّاس في أرضه التي حررها بدمه وتضحياته، وسينكشف خداع اللوبيات البنكية، التي تسرق كل قيمة مضافة وكل حلم في حياةٍ كريمة وتحول الملايين لمجرد عبيد في “حقول القطن” التي تفترشها وآلات لإنتاج الفوائد البنكية، وسينفضح خداع اللوبيات العقارية، التي نهبت كل قطعة أرض صالحة للبناء أو للزراعة وحولتها إلى سجون إسمنتية، ثم سلمت الحالمين بالحصول على سكن لمافيات البنوك لتمتص ما تبقى من دم في عروقهم، ولوبيات النقل بجميع فئاته، البري والبحري والجوي، وشبكات استنزاف المؤسسات العمومية والمؤسسات القائمة على الثروات البحرية والمعدنية وغيرها، فيعرف الناس من هم هؤلاء الذين قرروا أن لهم ما تحت الأرض وما فوقها وما تحت الماء وما يعبر الجو. واللائحة مفتوحة وطويلة.. طويلة.. طويلة.. تتردد فيها الأسماء نفسها والصفات نفسها الأشخاص أنفسهم… لذلك، كله لن يمر هذا القانون ولو اضطررنا إلى حل البرلمان والحكومة وتعليق العمل بالدستور… لأن تلك اللوبيات فوق الدستور، وفوق القانون، وفوق الوطن وفوق فصيلة البشر… ولذلك، قال الوزير بنشعبون، وزير المالية، إن الوقت لم يحن بعد لاعتماد هذا القانون، ولن يحين أبدا بالطبع.. فالسيد وزير المالية لا يتكلم من فراغ… ولذلك، فإن قانون تجريم الإثراء غير المشروع ليس للإقرار، بل للـ”طنز” فقط، وستستمر “الأغلبية” بالتسويف، كما ستستمر “المعارضة” في المزايدة، وكل ذلك ليس سوى لعبة مستهلكة ومبتذلة لإلهاء الرأي العام وإعطاء الانطباع بوجود نقاش مؤسساتي.. فالجميع قبضوا ثمنا ما.