رسالة أميركا : الحملة المغربية ضد الجزائر.. تخبط ومعارك خاسرة للمخزن

25
رسالة أميركا : الحملة المغربية ضد الجزائر.. تخبط ومعارك خاسرة للمخزن
رسالة أميركا : الحملة المغربية ضد الجزائر.. تخبط ومعارك خاسرة للمخزن

أفريقيا برسالصحراء الغربية. تأتي أبعاد الحملة الإعلامية المغربية ضد الجزائر في ظل فشل النظام المغربي في كسب اعتراف المجتمع الدولي بفرض سيادته اللاشرعية على إقليم الصحراء الغربية. لقد توقع النظام المغربي بأن اعترافه بالتطبيع ال”إسرائيل”ي سيُعزز استعماره في الصحراء الغربية ويعطيه الشرعية الدولية على هذه المنطقة التي حاول كسبها منذ انسحاب إسبانيا منها في سنة 1975. لكن ردود الفعل الدولية، وخاصة من إسبانيا وألمانيا والمجموعة الأوربية، بالإضافة إلى صمت إدارة الرئيس جو بايدن، أجهضت تلك التوقعات. فعوض التراجع عن موقفه في الصحراء الغربية، ادخل النظام المغربي المنطقة المغاربية في أزمة أمنية استهدفت الجزائر بهدف خلق أرضية جديدة لإبعاد النظر عن أزماتها الأخرى مع إسبانيا وألمانيا والمجموعة الأوربية.

كان الدافع الأساسي لاعتراف النظام المغربي الرسمي بالكيان الصهيوني في ديسمبر الماضي فرض سيادته على الصحراء الغربية. فعلاقات المغرب بهذا الكيان تعود إلى عدة عقود وهو ما كان يفتخر به الملك الحسن الثاني بقوله بأنه يملك قنبلة ب”إسرائيل” ستنفجر في يوم ما، في إشارة منه لقدرته على تعبئة اليهود المغاربة الذين كانوا يمثلون الأغلبية السكانية ب”إسرائيل” قبل انهيار الإتحاد السوفياتي. لذلك كانت أولية نظام المخزن في تطبيعه مع “إسرائيل” كسب اعتراف الولايات المتحدة باستيطانه في الصحراء الغربية واستغلاله لاعترافات دولية أخرى. ففور التوقيع على الإتفاق قام النظام المغربي بهجوم دعائي احتفالا بما صوّره إنجازا سياديا يجعل من القضية الصحراوية أمرًا مقضيا، وهذا ما لم يحصل.

بعد شهرين من توقيع صفقة التطبيع مع “إسرائيل” قامت دولة المغرب بإلغاء خدمات شركة “جِبِسِ استراتيجيك” الأميركية والموالية للحزب الجمهوري وذات اتصالات مباشرة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد أن فشلت في كسب مساندة نواب وأعضاء مجلس الشيوخ الأميركي لضم الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية. لقد لاحظ الإعلام المغربي بأن تغريدات حلفائهم في الكونغرس ركزت على مباركة التطبيع المغربي ال”إسرائيل”ي بدون ذكر الإنجاز الذي حققه المغرب في الصحراء الغربية. وتسرد وسائل الاعلام المغربية كإثبات لسبب تخلي السلطات المغربية عن خدمات “جبس استراتيجيك” سلسلة من المحاولات الفاشلة قامت بها الشركة الأميركية لإقناع السيناتور جيم انهوفي وشخصيات أخرى محترمة في الحزب الجمهوري.

وما أزعج المغرب أكثر هو الرسالة التي وقعها 27 عضوا في مجلس الشيوخ من بينهم 13 من الحزب الجمهوري، كلهم محسوبون مع “جِبِسِ استراتيجيك”، تطالب الرئيس ترامب بالتراجع عن اعترافه بالحدود المغربية الجديدة. يقول أحد الكتاب من موقع “موروكو وورلد نيوز” المنحاز للنظام المغربي، بأن “الرسالة تكلمت بصوت قوي عن عدم قدرة شركة “جِبِسِ استراتيجيك” دفع مصالح المغرب قدما وتفوق مهارة وحيلة شركة “هونغ فولي”، التي تتقاضي من الجزائر نصف ما تتقاضى “جِبسِ استراتيجيك” من المغرب.”

ولم تقتصر المجهودات المغربية على أميركا فقط، بل شرعت في مهاجمة دول اعتبرتها أساس فشلها السياسي، مجهزة حملة دعائية ضد اصدقاء الصحراء الغربية ومن رفضوا الاعتراف بحدودها الجديدة.

فرغم علاقات المغرب الجيّدة مع إسبانيا، فإن هذه الأخيرة اعتبرت خطوة الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء خطرا على مصالحها الوطنية في سبتة ومليلية التي تسيطر عليهما مدريد منذ قرون. كان خوف إسبانيا، ومازال، أن يمتد الاعتراف بسيادة الرباط على الصحراء الغربية إلى مطالبة المغرب بالمثل في سبتة ومليلية. وتفاجأت المملكة المغربية بسرعة إعلان موقف إسبانيا المعادي للاعتراف الأميركي وتنسيقها الجاد مع دول أوروبية قصد الحيلولة دون انسياق الإتحاد الأوروبي وراء القرار الأميركي ومساندته له. وعلى غرار طريقة المسيرة الخضراء التي نظمها المغرب في سنة 1975 لبسط نفوذه على الصحراء والتأثير على موقف الجزائر المساند لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، حاولت الرباط انتهاج نفس السبيل مع إسبانيا للضغط عليها من أجل التراجع عن موقفها الداعم للصحراء الغربية. ففي يوم واحد من شهر مايو الماضي، أرسلت السلطات المغربية 1500 فردا لا يتجاوز سنهم 15 سنة إلى حدود سبتة، رغم أنها تدرك جيدا أن القانون الإسباني لا يسمح بإعادتهم بسهولة إلى بلادهم. وفي ذلك كان هدف المغرب خلق بؤر توتر داخل إسبانيا لأن الأحزاب المتطرفة، بيمينها ويسارها، تتفق في استغلالها لمخاوف الإسبان من الهجرة غير الشرعية إلى بلادهم.

والأمر لم ينته هنا، حيث ردت المغرب على تصريحات ألمانيا المساندة لحق تقرير مصير الشعب الصحراوي في شهر مايو الماضي بقولها إنه “سلوك مدمر”. وفي مكان آخر وصفته بأنه “نشاط عدائي”. وفور إبعاد المغرب من حضور قمة برلين صرحت الحكومة المغربية بأن “ألمانيا تستمر، وبشكل متواصل، في مواجهة قوة نفوذ المغرب وخاصة في ليبيا”. وتوافقا مع هذا، اتخذت وزارة الخارجية المغربية سلسلة من القرارات الديبلوماسية ضد ألمانيا من بينها قطع الاتصال مع السفارة الالمانية بالرباط واستدعاء سفيرها كعقاب لسلوك بلاده.

ومواصلة لنفس النهج، وجهت السلطات المغربية أنظارها إلى الجزائر واعتدت على وحدة ترابها، مدعية بأن الملف الصحراء الغربية من صنع الجزائر ومرتبطا بعدائها التاريخي للمغرب كقوة تهدد، حسبهم، أطماعها التوسعية في المنطقة المغاربية.

هذا ولم تتوقف السلطات المغربية هنا، بل وسعت صراعها مع مؤسسات القانون الدولي، مستهدفة بالأخص محكمة العدل للاتحاد الأوروبي التي أكدت في أحكماها عدم امتلاك المغرب الحق القانوني لضم الصحراء الغربية لسيادتها، كما جاء في طعنها سنة 2016 لدعوى المغرب إدراج المياه الإقليمية الصحراوية تحت بنود اتفاقية التجارة الحرة التي أبرمتها المغرب مع الاتحاد الأوروبي في 2012، واتفاقية الشراكة لعام 2000. ويتزامن استهداف المغرب هذا في وقت يتوقع المحللون إصدار محكمة العدل للاتحاد الأوروبي حكما آخرا وفي وقت قريب، يحتمل أن يرفض منح المغرب حقوق الصيد في مياه الصحراء الغربية انسجاما مع بنود اتفاقية الشراكة للاتحاد الأوروبي مع المغرب.

وماذا الآن؟ يبدو واضحا أن سياسة السلطات المغربية التي انتهجتها بعد الاعتراف الأميركي بسيادتها على الصحراء الغربية خدمت القضية الصحراوية على عكس ما كانت تتوقعه. لقد أدخل هذا النهج السياسي للمخزن المغرب في سلسلة من الأزمات المصطنعة مع دول أساسية في المجتمع الدولي أثبتت السلطات المغربية أنها غير قادرة على إرغامها على التراجع عن مساندتها للقضية الصحراوية العادلة.

إن استمرار المغرب في اصطناع الأزمات وابتزاز أصدقاء الصحراء الغربية مآله الفشل، وبدون شك. لذلك فإن أمام السلطات المغربية خيارين: الخيار الصحيح هو العودة إلى نصوص القانون الدولي والامتثال لأحكام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي. وفي نفس الوقت، على السلطات المغربية أن تنتهز فرصة تمديد مدة اتفاقيتها مع الجزائر وإسبانيا حول أنبوبي الغاز الجزائري الذي يمر عبر أراضيها كإشارة واضحة على حسن نيتها في سعيها لإيجاد حل للقضية الصحراوية بما يتماشى مع العدالة القانونية الدولية، حتى ولو كان ذلك لا يتماشى مع تطلعاتها التوسعية.

أما الخيار الثاني، فهو الاستمرار في سياسة الابتزاز وخلق الأزمات ومحاولة فرض الأمر الواقع. وهذا خطأ يجب على السلطات المغربية أن تتجنبه لخطورته على مصلحتها الوطنية وأمن المنطقة المغاربية برمتها. لذلك عليها أن تحتكم إلى منطق براغماتي وعقلاني يخدم مصالح شعبها وحق الشعب الصحراوي في تحقيق مصيره وبما يساهم في ازدهار المنطقة المغاربية واستقرارها، حتى تنجح في تجاوز التحديات التي تواجهها وخاصة في هذه الفترة بالذات. وللحديث عودة.