أفريقيا برس – الصحراء الغربية. كنت دائما من خلال تدويناتي اتجنب الخوض في السياسة بالرغم من استحالة ذلك، لان العلاقة بين الحرب والسياسية علاقة جدلية لا يمكن لعسكري اكاديمي تجنبها، (فالحرب هي السياسة بوسائل عنيفة)كان هدفي الاساسي هو المرور بسلام وبحذر بكلماتي عبر شعاب ومسالك ضيقة نتيجة للحساسية وسوء التاويل والتفسير واحكام القيمة والشخصنة التي تملأ هذا الفضاء الذي يجد فيه البعض منا مساحة للتعبير عن ارائه.
ويجد فيه البعض الاخر مساحة لنشر الشائعات وترويع الراي العام.
دعونا نبدا بالمستحيل في هذه الحرب:ان عبارة ” لا شيء مستحيل امام الارادة،” تبقى بلا معنى ما لم تكن الارادة اداة عقل وليست وسيلة بحد ذاتها ،وهنا ياتي دور الابتكار والابداع .
فنحن نتحدث هنا عن “حرب غير متكافئة”ان من ينظر لواقع الحرب “من خارج المربع” سيصل الى استنتاج ان المحتل يسيطر على الجو ولن يتم اثبات العكس الا بوسائل تمنع ذلك التفوق، ولا اتحدث هنا عن وسائل تكنولوجية.
ان المحتل يسعى باستخدام الطائرات المسيرة التي يستعملها الى خنق المناطق المحررة وبالتالي خلق سياج جوي على طول خط الحدود مع الدول المجاورة اي بمعنى اخر (يبني جدار غير مرئي).
فالحرب الغير متكافئة هي حرب بين طرفين احدهما يمتلك موارد بشرية ومادية استراتجية هائلة وطرف يقاتل بموارد محدودة جدا.
وقد كانت اساليب حرب العصابات هي السبيل الوحيد امام حركات المقاومة لتعديل الخلل في التوازن.
لكن التكنولجيا احدثت بعدا جديدا يستوجب التعامل معه.
لا بد من توظيف الموجود بذكاء لالغاء ا(لمستحيل) فالمستحيل هو محاولة خلق التكافؤ المادي والبشري مع العدو.
او انتظار بديل من خارج المربع او طول الامل.
،لان محدودية الموارد لدى حركات التحرر وصعوبة الحصول على الدعم الكافي يحتم عليها الاستغلال الامثل للوقت والموارد المتوفرة.
ان التفوق التكنولوجي في المجال العسكري لقوات التحالف قد فشل في افغانستان والصومال لسبب بسيط، هو ان المجموعات المسلحة نزلت باساليبها القتالية الى “البدائية” بحيث تم تحييد التكنولوجيا التي لم تعد قادرة على ايجاد اهدافها على الارض.
اي بمعنى ادق لم تسعى تلك الحركات الى الحصول على تكنولوجيا بل العكس تماما.
ان مبدا الاختفاء واللدغ والاختفاء كانت السمة الاساسية للمقاتلين، كما لم تكن هناك على الارض قوات بهذا المعنى، بل “اشباح” في واقع الامر، وكان الانتشار واسع نتيجة لصغر التشكيلات وبالتالي كانت الاعمال القتالية اوسع نطاقا واكثر ابداعا.
ان الهيكلة الحالية لوحدات جيش التحرير الشعبي تسمح للقادة بالسيطرة الادارية على التشكيلات وتساعدهم في التحكم في خطوط الامداد والاتصال، لكنها في المقابل تحد من نشاط و فاعلية الوحدات القتالية وتحصرها في مجال جغرافي ضيق وتبطل ملكة الابداع لدى القادة الصغار فتسود الاتكالية في القرار والاعمال القتالية والامداد ويصبح لديك جيش مكبل.
سمته الانتظار والانتظار والانتظار.
.
ولم تكن وحدات جيش التحرير في بدايات حرب التحرير قبل بناء جدار الاحتلال، مهيكلة على النحو الذي توجد عليه الان، لكنها كانت اكثر نشاطا وابداعا وكان للقادة الصغار حرية اكثر في اتخاذ القرارات التي تساهم في تحقيق انتصارات في المكان والزمان المناسبين بالوسائل المتاحة لديهم وهي جد متواضعة.
ان الاستمرار في قصف دفاعات العدو لن يجدي نفعا ما لم يكن هناك (قياس) يبرر الاستمرار فيه.
ولم يكن القصف المدفعي ابدا وسيلة للنصر في المعارك والحروب.
بقدر ما هو تمهيد لها.
ان هدف الحرب هو احداث اكبر ضرر بقوات العدو ومصالحه واجباره على القبول بخياراتنا او الجلوس على الطاولة للتفاوض على خيارات تخدم مصالحنا.
ومالم تكن هذه اهدافها فسيكون من الافضل تجنبها.
واود الاشارة هنا الى ان قبول الملك الحسن الثاني بخطة التسوية الاممية لم يكن عبثيا بقدر ما هو نتاج نظرة استراتجية كان الهدف الاساسي منها وقف اطلاق النار ومنح الاقتصاد المغربي فرصة للتعافي ومنح جيشه المنهار استراحة باللعب على الوقت في اطار مشروع اممي سيمنحه الوقت الكافي لتخطي ازماته الداخلية وانكسار معنويات جيشه وقد نجح في ذلك.
كما ان الصراع على اقليم ناقورني كاراباخ بين ارمينيا واذربيجان مثال اخر على الامساك عن القتال ثم اعادة الكرة.
ان الراي السائد لدى بعض الرفاق في ان اقتناء اسلحة متطورة من قبيل صواريخ متوسطة المدى او حتى طائرات مسيرة يمكن ان يحدث فرقا ، هو راي تعوزه الواقعية،لان تلك الاسلحة تحتاج الى بنية تحتية وبالتالي توفير الحماية لتلك البنية، اي دفاعات جوية وانظمة قادرة على حماية تلك الوسائط من هجمات سلاح الجو المعادي، ولا اعتقد ان الحصول عليها ممكن في المدى النظور.
*اذا ماهو الممكن؟*يقولون ان السياسة هي فن الممكن ، ينطبق هذا التعريف على حروب التحرير والمقاومة.
ان الاستثمار الجيد في الموارد البشرية هو الاساس لتوظيف المنتوفر من الموارد المادية بشكل فعال وهادف.
ان نوعية العنصر البشري تشكل الجزء الاهم ضمن المجهود العام في حرب التحرير.
كما ان معادلة “سلاح جيد في يد جندي سيىء و جندي جيد بيده سلاح سيىء” احدثت فرقا في حروب عديدة اثبتت اهمية الموارد البشرية.
ولنا في الحرب العربية ال”اسرائيل”ية والحرب الجوية السورية ال”اسرائيل”ية وحرب اليمن امثلة على ذلك.
ان الحفاظ على الموارد البشرية اوالمادية لمتوفرة وعدم تعريضها للخطر والتدمير، هو امر بالغ الاهمية في الظرف الحالي، وغير ذلك سيعرض المعنويات العامة للشعب والجيش للانكسار، سيحتاج هذا الى دراسة عميقة وخطة ذات بعد استراتجي.
ستعتمد اساسا على ايجاد انجع الاساليب لمنع العدو من ضرب اهداف ذات اهمية.
وفي ذات الوقت البحث عن ابسط الاساليب وانجعها واكثرها اقتصادا لضرب اهداف معادية مهمة من قبيل مراكز القيادة والامداد والاتصالات ولن يتم ذلك الا بالتدريب الجيد للمقاتلين على للياقة البدنية واستعمال المواد المتفجرة عن بعد او عن قرب.
سيتطلب الاعداد لهذه المرحلة وقتا لكن يعتمد عليها سر النجاح في هذه الحرب ويعتمد ذلك بشكل كبير على مدى قدرة القيادة العسكرية على الحشد لها في اطار التعبئة العامة للشعب والجيش وكذلك قدرة القيادة السياسية على تركيز المجهود الوطني في هذا الاتجاه.
وفي الختام ما زلت اؤكد على ضرورة اعادة تشكيل وبناء الوحدات لتكون جماعات صغيرة مستقلة موزعة بخطة ذكية وقادرة على التجمع والانتشار ولها اساليبها الخاصة في الاتصال فيما بينها،خفيفة وتتمتع بالحرية في القرار.
والكفاح مستمر.
معطاه سيدي بوه
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس