أفريقيا برس – الصحراء الغربية. كانت الندوة الدولية العربية للتضامن مع الشعب الصحراوي فبراير 2022؛ التي نظمتها الدولة الصحراوية في الأرض التي اختارت مستقرا مؤقتا لها منذ زهاء خمسة عقود جنوب الجزائر؛ فرصة عظيمة للوقوف على حجم التثاقل والتخاذل العربي تجاه الفاجعة الصحراوية؛ وفرصة أعظم لي للحديث مع اللاجئ الصحراوي قائدا ومقودا؛ مقاتلا وجريح حرب وابن شهيد وسياسيا وإعلاميا.
اثنتا عشرة جنسية عربية مثلها متضامنون من العراق والأردن وفلسطين وسوريا وليبيا والجزائر ومصر وموريتانيا وغيرها من المجتمعات العربية؛ لم يكن من بينهم مغربي ولا خليجي؛ ربما لإكراهات رسمية ووقتية.
هناك في مخيمات اللاجئين الصحراويين؛ حيث لم أخلع الدراعة ولم أحتج لترجمان؛ كانت عقارب الساعة في تدآب غير كلاسيكي تمشي الهوينى إلى الأمام لتسرع إلى الوراء.
كبر الأطفال الذين تركتهم قبل عقدين هناك؛ وحملوا لواء العودة والحرب والقضية.
شابٓ شَعر الشباب الذين ودعتهم في صائفة عام 2000 مستهل القرن؛ تحول اسم الحي المدرسي الذي تسمى بتاريخ ميلاد الجمهورية العربية الصحراوية 27فبراير إلى اسم ولاية بوجدور؛ إحدى مدن الصحراء الغربية التي تحارب جبهة البوليساريو المغرب من أجل استعادتها.
يرى السياسيون والعسكريون الصحراويون أن استردادهم لزمام المبادرة في إطلاق النار غيّر الترتيبات الأممية في الرهان على العامل الزمني.
وأنهم لم يتفككوا ولم يتشتتوا ولم يخروا صرعى خلال سنوات اللاسلم واللاحرب؛ كما أريد لهم.
جميع من التقيت بهم كانوا يحملون هما؛ يصرون على حلم؛ يفتقدوننا كموريتانيين.
يريدون السلام؛ يراهنون على انتزاع حقهم؛ يؤثرون على أنفسهم في المكره والمنشط.
عجنتهم تقلبات الليالي وحوارات الروح والجسد.
مثقفون يخيطون تداخلات الحبر والصوت والصورة ببراعة واستدلال؛ وبسطاء جعلت منهم المعاناة ووحم البدايات كبارا.
تراهم في زخم الحياة إيجابيين منتجين نجباء كرماء متفاعلين مع محيطهم على استثنائية تفاصيله وندرة عناوينه.
عدت من التغريبة الصحراوية المربكة بأشياء مبعثرة على ضخامتها.
منها سفه النخبة الحاكمة في العالم العربي والغرب في ادخار الجرح الصحراوي المتقيح.
وترك اللاجئ الصحراوي لمصيره؛ لم أقف على تمويل عربي باستثناء الجزائر مكتوب على مركز صحي ولا على مرقد للفتيات أو صهريج مياه.
ومنها أن المستعمر السابق إسبانيا من أكثر الاستعمارات البشرية فوضوية في الانسحاب؛ ومنها أن الإنسان الصحراوي قوي ويملك قدرات كامنة خارقة على التكيف والتأقلم والحفاظ على كرامته وعزة نفسه في أحلك الظروف.
ومنها أن أحرار الدنيا حين ينظرون إلى أعين لاجئ متعلم فصيح للحظات سيكتشفون أنهم كانوا في بطالة فكرية مزمنة.
رأيت أرشيفا من العظمة والكبرباء نحته الإنسان الصحراوي وجمعه؛ وتركت إخوة أعزة مصممين على إسماع صوتهم وانتزاع حقهم بكل ما أوتوا من قوة؛ وقد قطعوا أشواطا في جاهزيتهم لإقامة دولة في أرضهم؛ ذاكرة مصونة وهياكل إدارية وقضائية ترفع جاهزيتها وتتوارث فاعليتها.
رأيت الإنسان الصحراوي اللاجئ على حقيقته؛ يعيش منغصات اللجوء من نواقص المادة وترف الروح وبذخ الوجدان؛ رأيت فقراء أمراء وثوارا رحماء بينهم.
يجلون الضيف ويبدعون في الجلد.
عدت من التغريبة الصحراوية بتفاصيل عصية على التدوين؛ تجعل من حكاية الإنسان الصحراوي سفر خلود لما تكتب تفاصيله بعد.
إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس